معالم التآمر الإمبريالي في المنطقة العربية وعلى المستوى الدولي

حجم الخط

شهدت الأعوام العشرين الماضية تعاظم معالم التآمر الإمبريالي على النطاق الدولي، حيث المواجهة بين الإمبريالية الأمريكية وبين الأنظمة الوطنية وحركات التحرر في بلدان العالم الثالث والسبب الرئيسي وراء هذه المواجهة التي اتخذت أشكالًا متنوعة بداية بالعقوبات السياسية والاقتصادية وانتهاء بتدخل العسكري السافر تحت مبرر الإرهاب الدولي أو حماية حقوق الإنسان، هو أنه كلما ازدادت هذه البلدان قطع شوطًا في عملية التحرر وإغلاق الأبواب أمام مظاهر هيمنة النظام الرأسمالي العالمي؛ قارب المشهد على النطاق الإقليمي والدولي من صورة التدخل العسكري والعدوان؛ حدث هذا في المنطقة العربية وغيرها من مناطق العالم، حيث شنت الولايات المتحدة الأمريكية حربها التدميرية ضد أفغانستان تحت عنوان محاربة الإرهاب الدولي وضد العراق البلد العربي النامي تحت مبرر امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، وهي تهدف من وراء ذلك كبح جماح تقدمه العلمي والتكنولوجي والوقوف ضد مشروعه النهضوي القومي ومنعه من أن يصبح قوة إقليمية قادرة على تهديد المصالح الغربية وأمن الكيان الصهيوني.

وقبل الأعوام العشرين التي انطوت في نهاية شهر ديسمبر 12 الماضي؛ وقفت الولايات المتحدة والدول الغربية ضد ثورة يوليو المجيدة في مصر، تواجهها بالتآمر في ساحة المشرق العربي، باعتبارها عنوانًا للظاهرة القومية، حيث كان المد القومي الوحدوي المعادي للاستعمار الغربي جارفًا في تلك المنطقة؛ فحاول الغرب الإمبريالي بقيادة أمريكا فرض سياسة الأحلاف العسكرية بهدف قطع الطريق على توجه الثورة الوطني والقومي، وكان العدوان الثلاثي الذي اشتركت به بريطانيا وفرنسا الدولتين الاستعماريتين وبمشاركة الكيان الصهيوني، واستمر بعد ذلك التآمر الإمبريالي على مصر إلى أن كان العدوان الصهيوني عام 67، والذي كان قمة التآمر على الأمة العربية..

أما على مستوى المناطق الأخرى في العالم، فقد شهدت القارة الآسيوية حروبًا طاحنة ضد الاحتلال العسكري الأمريكي في كوريا وفيتنام وبعض مناطق جنوب شرقي آسيا التي كانت ساحة كبيرة تمارس فيها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مخططاتها ومؤامراتها، وقد تتوجت هذه الحروب وآلت هذه المخططات والمؤامرات إلى الاندحار بانتصار الثورات الوطنية، وكذلك التآمر على كوبا التي ما زالت صامدة حتى اليوم ضد السياسة الأمريكية، وكذلك تدبير الانقلاب على ثورة تشيلي وغيرها من ثورات أمريكا اللاتينية ..وفي البلقان لعبت الولايات المتحدة وحلف الأطلسي الاستعماري دورًا مؤثرًا في تفكيك الدولة اليوغوسلافية التي كانت شوكة في قلب أوروبا فهي الكيان الوحيد الذي بقي في قلب القارة في ذلك الوقت الذي لم يخضع لهيمنة الغرب ولم يعف السياسة الأمريكية انهيار الاتحاد السوفييتي واختفاء المنظومة الاشتراكية من البحث عن دور تآمري في تلك المنطقة من أجل توسيع نفوذها العسكري شرقًا والمزيد من السيطرة على السياسة الأوروبية .

في خضم عملية الحراك السياسي الذي تشهده المنطقة العربية يتزايد التآمر الإمبريالي في هذه المرحلة تحت مبرر المساعدة في القضاء على الأنظمة الاستبدادية وتعميم نهج الديمقراطية وهي أهداف مشروعة ومهمة لمستقبل المنطقة الحضاري، بل للوجود القومي العربي ذاته؛ إذ لا يمكن تصور إمكان وجود تقدم حقيقي في المجتمعات العربية التي تعاني من واقع التخلف طالما يظل طغيان الاستبداد يمارس بطشه وقمعه على الجماهير يمنع تقدمها اجتماعيًا واقتصاديًا وثقافيًا، لكن التآمر الإمبريالي يقوم بالاعتراض على هذه الأهداف الثورية المشروعة؛ خشية أن ينال التقدم العربي من مصالح الإمبريالية الحيوية التي لا تجد حمايتها إلا في ظل استمرار الواقع الركودي على ما هو عليه، فيتم التدخل الإمبريالي من الولايات المتحدة ومن الدول الغربية ودول عربية تحكمها أنظمة وراثية مستبدة تربطها علاقة التبعية الكاملة، حيث وفي ظل المقبول عربيًا على نطاق الدبلوماسية الرسمية؛ مارس حلف الناتو الاستعماري مهمته العسكرية في ليبيا بطلب من جامعة الدول العربية، وفي مواجهة الحلول الأمنية التي تمارسها الدولة الوطنية السورية للحفاظ على الوحدة الوطنية ضد ما يحدث على أرضها من معارضة مسلحة شوهت برامجها وأهدافها قوى التنظيمات التكفيرية الإرهابية تم فرض العقوبات المتتالية عليها ويتم الآن تدخل عسكري في كلتا الدولتين ليبيا وسوريا؛ تلعب تركيا اردوغان باعتبارها عراب آخر بدور تآمري فيه لكونها أداة من أدوات حلف الناتو وإشباعًا لنزعة قومية طورانية، تحاول من خلالها إحياء الماضي الإمبراطوري العثماني، ولكن هذه المرة بارتداء عباءة الإسلام السياسي ..

وقد يكون مفهومًا لدى المواطن العربي أن يتزايد لديه شعور الكراهية وعدم الرضا من هذا التدخل الأجنبي الذي حدث قبل أعوام قليلة في ثورات ما سمي بالربيع العربي حتى لو كان هذا التدخل بطلب من القائمين على هذه الثورات؛ لأن الغرب الإمبريالي لم يكن في يوم من الأيام حليفًا للشعوب التي تناضل من أجل حريتها واستقلالها، وأنه لا إمكانية لتغيير هذه العلاقة الصدامية بينهما، وهكذا فإنه من المؤكد أن هذا التدخل عمل بلا شك على تشويه هذه الثورات وحرفها عن الهدف الذي انطلقت من أجله ودفعها باتجاه واحد لا رجعة فيه، وهو إعادة إنتاج أنظمة الاستبداد والتبعية في المنطقة، وفي وقت يستمر فيه الكيان الصهيوني تنمية قدراته العسكرية والنووية منها بشكل خاص، وجاهزيته الدائمة في التهديد بشن حروب جديدة، خاصة على قطاع غزة المحاصر. ولعله من الطبيعي في ظل هذه الأوضاع أن يستمر موقف التعنت الإسرائيلي تجاه ما تسمى بعملية السلام؛ بسبب التمسك بالرواية اليهودية في التوصل إلى أي تسوية للصراع العربي الصهيوني ويستمر موقف التعنت الصهيوني في وقت تتزايد فيه ظاهرة التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني كظاهرة سياسية غير مسبوقة، تدلل على عدم وجود إرادة سياسية فاعلة لإصلاح الوضع العربي الغارق في التجزئة السياسية والتخلف الحضاري؛ طالما كان الغرب الإمبريالي وربيبته دولة الكيان الصهيوني، إضافة إلى أنظمة الحكم العربية التي تربطها علاقة التبعية به في مأمن من أن يهدد الحراك السياسي الشعبي العربي مصالحهم جميعًا .