عندما "تتبلطج" أثيوبيا على مصر والسودان

حجم الخط

الحالة التي وصل اليها النظام الرسمي العربي المنهار والمتعفن، بالخضوع للشروط والإملاءات الأمريكوصهيونية، وما وصل اليه من حالة ذل وهوان، وفقدان للإرادة والقرار السياسي المستقل، هي التي تدفع بدولة كأثيوبيا لكي تمارس البلطجة السياسية بحق مصر والسودان، مصر التي كانت في عهد القائد القومي عبد الناصر قائدة للأمة العربية من محيطها لخليجها وكان لها مكانتها الإقليمية والدولية، باتت تستجدي حصتها من مياه النيل، من دولة كأثيوبيا "هزلت ورب الكعبة".. مصر ومعها السودان تذهبان أكثر من مرة مستجديتان على بوابات المؤسسات الدولية، وفي المقدمة منها  مجلس الأمن الدولي، هذا المجلس الذي وقف الى جانب اثيوبيا ورفض انصاف المستجدين، وقال لهم بشكل جلي وواضح المجلس ينصف من يحمي حقوقه بالقوة ويمتلكها لا الضعفاء والمستجدين، وقال لهما أيضاً بأن هذه القضية من صلاحيات الإتحاد الأفريقي، والإتحاد الأفريقي باتت اسرائيل عضو مراقب فيه، بعد أن أهمل العرب أفريقيا، وتوغلت فيها إسرائيل عسكرياً وأمنياً وزراعياً، وسد النهضة إسرائيل من ساهمت في بنائه وفي إقامة شبكة دفاع جوي قوية حوله.
يوم الأربعاء رئيس الوزراء الاثيوبي أبي أحمد وفي تغريدة له على " تويتر"، قال اكتملت عملية التعبئة الثانية للسد، وهي لن تؤثر على دول المصب مصر والسودان، وأن أثيوبيا مستعدة للتفاوض على التعبئة والتشغيل وليس على توقيع اتفاق نهائي.. أبي أحمد يدرك تمام الإدراك بأن تعبئة سد النهضة وانجاز المرحلة الثانية تؤثر بشكل كبير على دول المصب وحصتها من المخزون المائي.. وزير الري المصري السابق محمد نصر علام وصف تصريحات رئيس الوزراء الأثيوبي بالبلطجة السياسية التي اعتادت أثيوبيا عليها، وقال بأن تعبئة هذا السد تؤثر على المخزون المائي الإستراتيجي للسد العالي، وبالتالي هي  تؤثر على إنتاج السد العالي للكهرباء وتعرض مصر للجفاف في السنوات القادمة ،وكذلك هي السودان، العديد من المصادر المصرية قالت بأن لا خيار امام القيادة المصرية سوى القيام بعمل عسكري، يضمن لمصر حقوقها وأمنها المائي.. وأي تراخي او تهاون في هذا الجانب سيضر بشكل كبير بأمن مصر المائي ويعطش الملايين من شعبها ويقضي على مساحات كبيرة جداً من الأراضي الزراعية المروية، مما يعني المزيد من الجوع والفقر والبطالة.. والخشية في ظل أنظمة عربية متهالكة وصلت حد عدم القدرة على التقرير بشأن أمنها المائي والقومي، أن تصل الأمور إلى حد قيام مصر بشراء حصتها من مياه نهر النيل من اثيوبيا، وخاصة أن اتفاقية وادي عربة الموقعة مع الأردن في تشرين اول 1994 قد نصت على أن يقوم الاحتلال بتزويد الأردن ب 55 مليون متر مكعب من الماء سنوياً، ورأينا أن إسرائيل لم تلتزم سوى بتزويده ب 4 – 5 مليون كوب مكعب، ومن المياه المعاد تكريرها، والآن الأردن تشتري حصتها المائية المنصوص عليها في اتفاقية وادي عربة بالمال ... والمأساة بأن هناك من يسقط شطحاته "وهوبراته" الإعلامية على الواقع، بالقول بأن نظام السيسي هو امتداد لنظام عبد الناصر وهو حقق لمصر نجاحات وانجازات كبيرة اقتصادية وسياسية وأمنية، وبأنه ضمن لمصر أمنها القومي بضرب وتصفية أوكار الجماعات الإرهابية في سيناء  والجماعات المتشددة و"الدواعش" على حدود مصر الغربية مع ليبيا.. وذهب أبعد من ذلك بأن القوات المصرية باتت جاهزة للتحرك نحو تدمير سد النهضة، هذا السد الذي بني من خرسانة مسلحة يصعب تدميرها واختراقها، ناهيك عن شبكة الدفاع الجوية المحيطة به من أحدث شبكات الدفاع الجوي التي بنتها أمريكا وإسرائيل.. والشطحة الكبرى كانت بالحديث عن أن مصر قد تستعين بكتائب القسام الفلسطينية لتدمير السد.. هذا السد الذي يقول عنه المصريين بأن سد الوكسة، وأن عملية ملئه سابقة خطيرة وبلطجة وعمل آحادي الجانب ومخالف للقانون الدولي، لن تكفي عبارات الشجب والاستنكار واللجوء للمؤسسات الدولية من أجل وقف ملئه من قبل أثيوبيا، ومجابهة مشروع بناء السد، كان يجب أن تكون مع بداية التخطيط لإنشائه وإقامته، ليس من بعد القيام بعمليات تعبئته وتحصينه، وهذا درس كبير لكل دول النظام الرسمي العربي الذي هرول للتطبيع ونسج وإقامة علاقات تنسيق وتعاون وتحالفات استراتيجية أمنية وعسكرية مع دولة الاحتلال ،وتوقيع اتفاقيات تطبيع واعتراف معها.
 دولة الاحتلال، تبقى تنظر لكل عربي وفلسطيني على أنه مشروع "إرهابي" حتى يثبت العكس.. ولكم في برنامج "بيغاسوس" التجسسي، الذي أنتجته شركة "نوس" أن أو أس" الإسرائيلية عبرة، حيث أنها زودت به حلفائها من دول الخليج السعودية والإمارات وولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد من أجل القيام بعمليات تجسس على معارضيهم من سياسيين وكتاب ومفكرين واعلاميين وصحفيين، وتلك العمليات طالت حتى أصدقاء لتلك الدولتين ولدولة الاحتلال، منهم رؤساء دول ورؤساء وزراء سابقين ورؤساء وزراء حاليين وإعلاميين وصحفيين وقادة مؤسسات مجتمع مدني.. ولذلك دولة الاحتلال حتى من بعد توقيعها الاتفاقيات التطبيعية والإستراتيجية الأمنية والعسكرية مع دول النظام الرسمي العربي، هي تريد أن تأخذ ولا تعطي، تريد أن تتحقق مصالحها وأهدافها، وأن تكون المنتفع والمستفيد الأكبر من تلك الاتفاقيات التطبيعية. فمصر بعد اتفاقية "كامب ديفيد" والأردن بعد اتفاقية " وادي عربة" والسلطة الفلسطينية من بعد توقيع اتفاق " أوسلو" الكارثي، والسودان بعد توقيع اتفاق " ابراهام"، لم تتحول بلدانهم وأراضيهم إلى واحات من اللبن والعسل، ولم تتحسن أوضاع شعوبهم الاقتصادية، ولم تتراجع نسبة الفقر والجوع ومعدلات البطالة، بل زاد الفقر والجوع والبطالة والتضخم المالي وحجم الدين الخارجي، والارتهان الى مؤسسات النهب الدولية من صندوق نقد وبنك دوليين.
ولذلك في ظل هكذا أوضاع وهكذا قيادات لنظام رسمي عربي منهار ومتعفن، ليس بالغريب أن تتبلطج أثيوبيا على مصر والسودان، وأن يسخر منها رئيس الوزراء الأثيوبي أبي احمد، ويتجرأ على القول بأنه مستعد للتفاوض معها حول التعبئة والتشغيل للسد وليس توقيع اتفاق نهائي.