مقاطعة الجبهة للمركزي تهدف إلى قرع جدران الخزان

حجم الخط

الحملة على موقف الجبهة الشعبية التي ترافقت مع الدعوة لانعقاد جلسة المركزي الفلسطيني في السادس من فبراير، تحمل تجني وتشويه لموقفها الذي أعلنته ورَبَطته في الوضع الفلسطيني الداخلي المتأزم، الذي يعاني من شرخ وتباينات في المواقف السياسية لبعض القوى في شقي الصراع الداخلي.

من حيث المبدأ، الجبهة من حقها أن تأخذ قراراتها بناء على المصلحة الوطنية التي حددت إطارها في إعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية، من خلال إعادة الاعتبار لِوَطنية الوحدة الفلسطينية التي عانت من أضرار عميقة سياسية واقتصادية واجتماعية وقانونية، هذه الأضرار التي يجمع عليها الشعب الفلسطيني بكل قواه الوطنية الحية، وأكثرها يتفق أن سبب هذه الأضرار هي اتفاقات أوسلو التي تمت من خارج الإجماع الوطني الفلسطيني.

فالجبهة الشعبية منذ البداية وما زالت تعتبر أن اتفاقات أوسلو وملحقاتها القانونية التي أعطت مشروعية للاحتلال بحقه في أراضي فلسطين ١٩٤٨، هذه المشروعية التي تلغي حق اللاجئين الفلسطينيين وتسقط حقوقهم التاريخية في وطنهم من حيث المبدأ. في الوقت ذاته، وضعت حل القضية في إطار التفاوض الثنائي، تحت الرعاية الأمريكية التي أعلنت كل إداراتها، من ديمقراطية أو جمهورية، إنها تقف مع إسرائيل وتدعم خياراتها وتفوقها في كافة المجالات.

كمراقب ومتابع للأحداث، فإن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، لم تغير جوهر موقفها من اتفاقات أوسلو، بل إن الوقائع القائمة، أكدت صحة موقفها من أن اتفاقات أوسلو استثمرتها إسرائيل الاستعمارية الإحلالية، بمساعدة الإدارات الأمريكية والبريطانية، وبمساعدة الأنظمة، وخاصة نظام كامب ديفيد، كمدخل لاختراق المجتمعات العربية، هذه الأنظمة التي كانت دائمًا تعمل معها من خلال الإدارة الأمريكية والبريطانية، لتقويض الرفض العربي الشعبي من أجل قلب ميزان القوى الاجتماعي، لفرض سياسة القبول بإسرائيل، كجزء من المنظومة السياسية والأمنية والاقتصادية للمنطقة.

المدقق في مواقف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، يرى أنها تسعى إلى تغليب المعيار الوطني التحرري على المصلحة الفصائلية الضيقة، وهي تؤكد سلوكها الذي مارسته تاريخيًا في المحطات الوطنية المفصلية. فالجميع يذكر موقف الجبهة، أنها غلبت الوحدة على المصلحة، عندما أطلق عرفات موقفه القديم على قدمه في نهاية اجتماعات المجلس الوطني ١٤ عند انتخاب اللجنة التنفيذية، مما كان يعني بقاء الجبهة خارجها.

بغض النظر عن الأسباب المعلنة التي يروج لها لانعقاد دورة المجلس المركزي في السادس من فبراير، لكنها دعوة جاءت نتيجة اتصالات بين وزير خارجية الولايات المتحدة، بالإضافة لسلسة اتصالات وزيارات تمت بين الرئاسة الفلسطينية وقادة إسرائيل الأمنيين، كان أبرزها لقاء وزير الدفاع الإسرائيلي مع الرئيس أبو مازن، والهدف غير المعلن للدورة هو إعادة التأكيد على شرعية السلطة وقيادة المنظمة التي سمعت كلامًا يتداول حول شرعيتها، بعد أن ألغت الانتخابات التي كانت مقررة.

اعتذار الجبهة عن جلسة المركزي، يجب أن يُفهم في إطار حرصها على إعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطيني الذي يعاني من أزمة بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، خاصة بعد مرور سبعة وعشرون عامًا على اتفاقات أوسلو. فالجبهة تطرح ضرورة الوقفة والمراجعة لكل مرحلة ما بعد أوسلو واستحقاقاتها، وبناء عليه يتم صياغة الرؤية الفلسطينية الشاملة، بما يضمن تعزيز الوحدة الفلسطينية في إطار منظمة التحرير التي يجب أن يعاد لها الاعتبار كمرجعية قيادية عبر إصلاحها: سياسيًا وديمقراطيًا وماليًا وأمنيًا.

السؤال الذي يفرض نفسه أليس هذا مطلبًا مشروعًا، خاصة أنه يعبر عن ما يدور في تفكير الأغلبية الساحقة من جماهير شعبنا الفلسطيني وأصدقائه في الداخل والشتات؟

إذا ما دققنا في الواقع الفلسطيني القائم الذي يحمل انقسامًا سياسيًا داخليًا بين اتجاهين: السلطة وفصائلها وحواضنها من مراكز دراسات وجمعيات ممولة، من وزارات الخارجية في الدول الأوروبية والأمريكية، هذه الحواضن المنتفعة التي تلعب دورًا في الترويج والدفع لِتَقَبُل المساومة التاريخية التي روجوا لها قبيل توقيع اتفاقات أوسلو، والبعض اعتبرها إنجازًا لبرنامجه السياسي، ولكن ملاحظاته تكمن على السياسة الفَجَة لممارسات الاحتلال الاستيطانية.

الاتجاه الثاني: الذي يرفض أوسلو وملحقاته ويعتبرها هي أساس وجوهر الأزمة الفلسطينية وهي السبب في الانقسام السياسي الفلسطيني، هذا الاتجاه الذي عزز موقفه أن أصحاب أوسلو ذاتهم يعترفون، بأن اتفاقية أوسلو لم تعد صالحة، وهذا الاتجاه أيضًا، يعاني من تعارض بين رؤية الجبهة الشعبية ورؤية التنظيمات التي تتخذ من الدين عقيدة تحرك صراعها الوطني.

إن المدقق في رؤية الجبهة الشعبية، يدرك أنها تعتبر أن الخطر الداهم على القضية الفلسطينية، يأتي من المتحكم في زمام السلطة الفلسطينية وحواضنها التي أصبح استمرار وجودها مرتبط باستمرار جوهر أوسلو، وهي تدرك أنها إذا ما أقدمت على خطوة إلغاء اتفاق أوسلو رسميًا من طرفها، ستقوم بإلغاء نفسها كسلطة أتت نتيجة الاتفاق، وهذا ما أشار له كل من شمعون بيريز ونتنياهو وما سمعته السلطة من أصدقائها الأوروبيين.

رؤية الجبهة الشعبية لإعادة الوحدة الوطنية لكافة القوى، بما فيها حماس والجهاد، وبما فيها منظمات المجتمع المدني الفلسطيني والشخصيات الوطنية وطيف واسع من كوادر فتح الذين أبعدوا وهمشوا، وصيغتها الوطنية، تتيح ضبط إيقاع كافة الاتجاهات، خاصة الدينية في إطار البرنامج الوطني الفلسطيني على قاعدة شعار إقامة الدولة الديمقراطية الذي اعتمدته منظمة التحرير الفلسطينية عند تأسيسها، هذا الشعار الذي يتيح الحرية والعدالة والمساواة والمشاركة التي تعكس توازن القوى الاجتماعية في فلسطين.

برأيي وبحكم معرفتي ومتابعتي لمواقف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فإنها في المفاصل التاريخية تعود إلى ناظم ومعيار القضية الوطنية الفلسطينية، القائم على أساس تحقيق عدالة المخيم الفلسطيني الذي انطلقت على أساسه منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل، بما فيها حركة فتح.

في الإطار هذا، يجب أن يفهم مقاطعة الجبهة الشعبية لدورة المجلس المركزي لقرع الجرس وطرق جدران الخزان، لإسماع من داخله وخارجه، أن المهمة الرئيسية هي اعادة بناء الوحدة الوطنية، وليس توزيع المصالح النفعية.