بدران جابر، أشواقُنا إليكَ تبدأُ ولا تزالُ تبدأ

حجم الخط

من وراءِ البعدِ وأنتَ تُلقي علينا نظراتِ الوداع؛ تأكّد أنّ حضورَكَ فينا ومرآك لا يبرح، وأنّ غيابَكَ لن يسلبَ إرثًا صنعتَهُ بعطاءٍ لا حدودَ له، وعمرًا أفنيتَهُ في حملِ همِّ الوطن، والدفاعِ عن فكرٍ وقضية؛ أطلقتَ العنانَ لإرادةٍ صاغت أيديولوجيا تنبضُ في عروقِنا جميعًا.

اعلمْ رفيقَنا: إنّ أشواقَنا لك ما تزالُ تتوانى وما تبرح، واعلمْ، وأنا أخطُّ لك هذه المعاني، أنّها تحملُ محبّتَنا ووفاءَنا وعهدَنا أن نبقى على خطى ما رسمتَ وغرستَ من قيمٍ ومبادئ؛ فالطريقُ الذي خطَّهُ فكرُكَ وسلوكُكَ وتضحيتُكَ ومحبّتُكَ لشعبِكَ ووطنِكَ هي أنوارٌ ومشاعلُ تنيرُ لنا الدربَ الذي أفنيتَ وجودَكَ وذاتَكَ في سبيلِه؛ وبقدرِ ما أحرقتَ من سنواتِ عمرِكَ في النضال؛ بقدرِ ما أنرتَ لنا دربَ المقاومةِ والصمود، وبكلِّ السنين بقيتَ البطلَ "الذي تنهشُ من لحمِهِ السيوف، ويثقبُ في عظامِهِ الرصاص، وما فرّقَهُ الموتُ بهذهِ أو بتلك، ولكن فرّقَهُ مجدُه".

رفيقَنا أبا غسان، علمتنا حقيقتُكَ أنّ عشقَ الوطن والأرض هي التي تملأُ النفسَ تناسيمَ نستنشقُها في عبقِ الأرض مهما انصدعت المسافات؛ فروحُكَ الطاهرةُ انسكبت في وجدانِ كلِّ رفاقِكَ وأبناءِ شعبِكَ ومريديك وأفئدتِهم، وألمُنا وحزنُنا أنّنا لم نعد نراك بيننا، ولكنّك ستبقى فيمن حولَكَ رغمَ بعدِك، وكلماتُكَ ستعيش إلى أبدِ الدهرِ في الأرواحِ التي ملأتَها ألفاظًا ومعانيَ وأفكارًا ومبادئَ وقيمًا وحبًّا للوطنِ والفداءِ والتضحية، وكلماتُكَ وألفاظُكَ ستبقى تنبضُ فينا وتغلي في دمائِنا مزروعةً فينا بجذورٍ عميقةٍ، وستمدُّنا نورًا وفكرًا وإبداعًا؛ لنعبّرَ فيه تعبيرًا صادقًا حيًّا يحملُ لنا الأملَ بالغدِ الأفضل، وعلمتَنا أنّ ليس في النضال نصف نضالٍ، وليس في الوطن أبدًا إلا كلّ الوطن، وفلسطينُ بمعانيها وتاريخها هي الوطنُ الذي نعشقُهُ ونذودُ بأنفسِنا عنه، وحبُّنا لها عميقٌ نثورُ لأجلِها ثورةً قذفت في الدم الفلسطيني ليعودَ إلى تاريخ القتال، الذي ينامُ في دمِنا من إرثِ أجدادنا، الذين دافعوا عنها، وخطّوا لنا طريقًا نستكملُ السيرَ فيه، وخضنا صولاتٍ وجولات، وفي كلّ سكونٍ تظهرُ صورةَ مقاومة، وتحت شدّةِ الحياة تظهرُ القوّةُ الغازيةُ معبّئةً في إرهابٍ نقفُ أمامَها وقفةً جريئةً وصلبةً وثابتة.

رفيقنا بدران، لا يمكنُ أن نصفَ حضورَكَ وتأثيرَكَ وشخصَكَ الكريمَ بالمناضلِ والإنسانِ فقط، بل أنتَ فوقَ الوصف، ولا بيانَ للسانٍ يستطيع ذلك؛ فمعانيكَ الإنسانيّةُ الوطنيّةُ هي معانٍ ملائكيّةٌ ساميةٌ خالدة، فقوّةُ التحدّي خضعت لإرادتِكَ، وضاعفتكَ رهبتك وحضورك في نفوسِ كلِّ من عايشك، فكانت قوّةً تشعُّ كلماتٍ من نورٍ؛ لتشعلَ عقولنا وقلوبنا، فملأت حياتنا حبًّا للوطن والفكرة؛ وبنظرتِكَ النافذةِ الهادئةِ وثقتِكَ الموثوقةِ آمنتَ وأمنتَ أنّ المقاومةَ والكفاحَ هي دربُ الوصولِ إلى النهايات.. فما قوّستَ كتفَك، ولا حنيتَ رأسَك، فسرتَ من فجر أيامك الأولى في الحياةِ بأجنحةٍ متوّجةٍ بالأكاليل، وبقوّةِ الأبطالِ ومناعةِ الصناديدِ نحو فلسطينَ؛ لحبيبتِهِ لتكونَ حرّةً... حرّةً... حرّة.