مفاوضات الرسائل

حجم الخط
لا نعرف ما الذي استجد في الموقف الإسرائيلي ولدى نتنياهو وحكومته اليمينية الفاشية فيما يتعلق بالحقوق الوطنية الفلسطينية،حتى يقوم محمود عباس بإرسال رسالة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية ضاربا عرض الحائط بكل وعوده السابقة بوقف المفاوضات!من ناحية ثانية،فإن الإيحاءات المترتبة على هذه الدبلوماسية المعنية التي تأتي في ظل تفاقم الاستيطان وشرعنة البؤر الاستيطانية والتنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية،تبدو وكمن يراهن عباس على إمكانية زحزحة نتنياهو عن مواقفه. مفاوضات عمان جرى تبريرها"بمعرفة المواقف"و"اختبار الإسرائيليين" وكأن المواقف الإسرائيلية مجهولة لرئيس السلطة وقادتها وللشعب الفلسطيني عموماً،فالأمن بالنسبة لإسرائيل هو الأول والثاني والأخير هذا اتفاق بين كافة الأحزاب الإسرائيلية بلا استثناء. أما الطلبات التي سجّلها عباس في رسالته غير الموفقة ،والتي تأتي خارج الزمان والمكان والوقت والواقع،ومعرفة أدنى حدود التفاوض السياسي،فتتعلق بانسحاب إسرائيل من كافة المناطق التي جرى احتلالها في عام 1967،وتجميد بناء المستوطنات, وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين وخاصة الذين جرى اعتقالهم قبل اتفاقيات أوسلو في عام 1993،وإلغاء كافة القرارات الإسرائيلية حول الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد عام 2000 أي بمعنى آخر: العودة إلى الوضع الذي كان قبل الانتفاضة الثانية, أي إعادة المناطق للسلطة والتي صادرتها إسرائيل. أجوبة نتنياهو وحكومته الفاشية على المواضيع الأربعة معروفة ومعلنة مراراً،وشكّلت قاسماً مشتركاً بين أطراف الحكومة الحالية،فلا انسحاب من كافة المناطق المحتلة في عام 1967،وهذا الموضوع متفق عليه بين كافة الأحزاب الإسرائيلية،وهو موقف أمريكي أيضاً،فقد سبق لأوباما وأن أكّد على عدم واقعية المطالبة بكافة المناطق المحتلة.وحول الاستيطان وللعلم أيضاً:فإن إسرائيل وفي العشر سنوات الماضية بنت 50 ألف وحدة سكنية في المستوطنات.مؤخراً أقرّت الحكومة الإسرائيلية خطة العشر سنوات القادمة تبني فيها 178 ألف وحدة سكنية،هذا عدا عن تهويد القدس وجوارها ومصادرة إسرائيل للأراضي الفلسطينية في منطقة(أ) أي في الأراضي المفترض أنها تخضع للسلطة الفلسطينية.لقد أصدر قسم المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية بياناً قبل شهرين تقريباً،جاء فيه:أن مصادرة إسرائيل للأراضي الفلسطينية حتى الآن قضت على أية إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة, أي بمعنى آخر لا مجال لحل الدولتين.طلب عباس في رسالته لنتنياهو بوقف الاستيطان جاء في الوقت الذي شرعنت فيه إسرائيل البؤر الاستيطانية والتي تقول عنها الحكومة الصهيونية"أنها بنيت خارج مشروعات الاستيطان وبالتالي فهي غيرمخططة ".حكومة نتنياهو فسَّرت قرارها باعتبارها شرعية:"لأنه من الصعب على الحكومة إزالة بؤر بناها يهود".جواب نتنياهو نضعه برسم معرفة رئيس السلطة محمود عباس. أما حول مطالبة عباس بإطلاق سراح الأسرى،فقد أخذت حكومة نتنياهو وفور توليها السلطة قراراً بتشديد ظروف اعتقال أسرانا ومعتقلينا, وأسمته"بقانون شاليط" فهل يتوقع عباس من نتنياهو أن يقوم بإطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين؟ لقد رفضت إسرائيل إطلاق سراح العديد من الأسرى الفلسطينيين في كل صفقات التبادل بدعوى"أن هؤلاء تطلخت أيديهم بدماء الإسرائيليين".معروفة هي طريق إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين ألا وهي اعتقال جنود إسرائيليين ومبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين،لكن رئيس السلطة لا يعترف بهذا النهج تماماً مثلما يكره نهج الكفاح الشعبي المسلح ويعتبر أن هذه الطريقة تعتبر"إرهاباً"وأنها لن تجلب سوى الدمار والكوارث على الشعب الفلسطيني.هذا بالرغم أن نضال وكفاح كافة حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية أثبتت بما لا يقبل مجالاً للشك:أن المقاومة المسلحة هي التي تجبر الغاصبين والمحتلين على الاعتراف بحقوق الشعب الذين يحتلون أرضه ويغتصبون إرادته. وحول الطلب بإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل عام 2000،فنتنياهو الذي عارض اتفاقيات أوسلو في عام 1993 في الكنيست عندما تم عرضها عليه ,وهو من الذين حكموا على هذه الاتفاقية بالموت(هو وشارون) والأخير هو من قام بإعادة اجتياح المناطق المحتلة في عام 2003.هذا إلى جانب أن إسرائيل قامت بالتعدي على الأراضي التابعة للسلطة الفلسطينية , وفي هذا إثبات آخر على أن إسرائيل قامت بقبر هذه الاتفاقية.هذا التعدي على الأرض جاء من أجل توسيع الاستيطان الذي تزداد وتائره وتتسارع على قدم وساق،فهل من المعقول أن تتخلى إسرائيل عن مستوطنات جرى توسيعها؟. الواقع أن إسرائيل بخطواتها الفعلية والتي يجري تطبيقها على الأرض لتكون بمثابة وقائع جديدة, قد قيّدت خيارات الرئيس الفلسطيني(المقيّدة أصلاً في خيارٍ وحيد وأوحد هو التفاوض ثم التفاوض ثم التفاوض).عشرون سنة من المفاوضات مع إسرائيل(حتى مع من جرت تسميتهم بشركاء السلام مثل:رابين وبيريز) لم تسفر سوى عن مزيد من إلحاق الأذى والويلات بالحقوق الوطنية الفلسطينية, والمزيد من الوبال على القضية الفلسطينية.إسرائيل تثبت أن خيار المفاوضات سيؤدي إلى المزيد من التنازلات من قبل الطرف الآخر وصولاً إلى القبول بالتسوية الإسرائيلية. الرئيس عباس وبدلاً من إشغال النفس بالبحث عن خيارات بديلة أخرى: كخيار المقاومة بكافة أشكالها ووسائلها ورفض نهج المفاوضات الذي أثبت فشله يبدو, كمن يريد أن يحلب الثور،أو يحلب النملة(بغض النظر عن أن لا الثور ولا النملة يحتويان على الحليب).الرئيس عباس وعد مراراً بأن السلطة الفلسطينية على أبواب اتخاذ خطوات ستغير وجه المنطقة.للأسف مضت الأشهر والسنوات الطويلة دون أن نسمع خطوة جريئة واحدة اتخذتها السلطة،فبعد أن وعد مراراً بحل السلطة في حالة فشل المفاوضات،تراجع عن الوعد وهو متمسك الآن ببقاء السلطة. من جهته فإن رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض قد وعد مراراً بأن العام 2012 سيكون عام بناء وإقامة الدولة الفلسطينية،وقام في السنوات الثلاث الأخيرة ببناء البنية التحتية للدولة.عام 2012 هو عام اختلاف الرئيس عباس مع سلام فياض , الذي رفض المشاركة في الوفد المكلف بتسليم الرسالة إلى نتنياهو،كذلك أقيل ياسر عبد ربه من منصبه كأمين سر للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بقرارٍ من الرئيس عباس.فياض أيضاً مكروه من قبل حركة فتح.بالفعل ولأن ما من خطوات سياسية وخيارات أمام السلطة بدأ التآكل في داخلها. خلاصة القول:أن شعبنا الفلسطيني بحاجة إلى كفاح ونضال تحرري دؤوب في سبيل تحصيل حقوقه الوطنية،يزداد هذا النضال تعقيداً في ظل الانقسام الفلسطيني.