على مشارف العام 2023: هل نرى تحولًا في الدور الاستراتيجي للزمن في الصراع مع المشروع الصهيوني...؟!

حجم الخط

في حفل إشهار كبير وراق وعميق بأوراقه ومداخلاته وغفير جماهيريًا، لثلاثية الأخ الصديق عبد الرحمن البيطار (من ثلاثة أجزاء بعنوان يوميات عبد الرحمن وهيب البيطار) الذي عقد مساء الاثنين 19/12/2022، في نقابة المقاولين الإنشائيين، تحدث المؤلف-عبد الرحمن- عن عنوان كبير وهام في الصراع العربي الصهيوني، وهو غياب الاستراتيجية الفلسطينية والعربية منذ النكبة وحتى اليوم في هذا الصراع، داعيًا إلى تدارك الموقف من قبل الجهات والقوى المعنية، مشيرًا إلى أن الحركة الصهيونية، اعتمدت مثل هذه الاستراتيجية منذ بداياتها، ملفتًا النظر إلى مضي نحو مئة وخمسة وعشرين عامًا على الاستراتيجيات والمشاريع وأليات العمل الصهيونية، في الوقت الذي لم نمتلك نحن الفلسطينيون والعرب أي استراتيجية للعمل، وإنما كانت كل تحركاتنا وأعمالنا عاطفية حماسية...!

    أما بالنسبة للعدو، فمرة ثانية وثالثة نعود، لمناقشة مسألة ولعبة الزمن -الوقت ما بيننا وبين العدو، فنحن نلاحظ في السنوات الأخيرة أن "إسرائيل" تسابق الزمن وتستثمر الظروف والأحوال العربية وتستغل الانهيار العربي باتجاه التطبيع إلى اقصى درجات الاستثمار والاستغلال، وهم يجمعون على أن هذه الفرصة السانحة لهم اليوم فرصة تاريخية لا تتكرر... وبالتالي يحرصون على استثمار الوقت إلى أبعد الحدود، ما يقودنا إلى مناقشة وتقييم أهمية الوقت -الزمن في صراعنا مع ذلك المشروع الصهيوني.

وفي هذا السياق الصراعي الهام والخطير مع المشروع الصههيوني، نستحضر مرة أخرى الأهمية الاستراتيجية للزمن-الوقت-في هذا الصراع، ف"إسرائيل" وضعت ورسمت الخطة والاهداف كما وضعت الاستراتيجية التنفيذية لمشروعها ووضعت استراتيجية خاصة بالزمن الذي تحتاجه للتنفيذ...! واليوم وبعد مائة وخمسة وعشرين عامًا على مؤتمرها الأول، ما تزال الحركة الصهيونية تحتاج إلى الوقت والمزيد من الوقت دائمًا.. المؤسسة الصهيونية تراهن على الوقت دائمًا.. والوقت مسألة استراتيجية حاسمة في الوجود الصهيوني... والاستراتيجية الصهيونية تقوم منذ بدايات تلك الدولة، على كسب الوقت، وبناء وتكريس حقائق الأمر الواقع الاستعماري التهويدي، وأحكام القبضة الأمنية العسكرية استراتيجيًا على فلسطين والمنطقة.

 المؤسسة الصهيونية في سباق مرعب مع الوقت، وهي تحرص على عدم إضاعة دقيقة واحدة من الوقت بلا عمل صهيوني، إن على صعيد الأرض العربية المحتلة، أو على صعيد البناء العسكري الأمني، أو على صعيد البناء العلمي والثقافي، أو على المستوى الاقتصادي، أو على مستوى بناء العلاقات والتحالفات في كافة القارات، فهم يعتبرون أنفسهم في صراع وجودي مع العرب، وهم لا ينامون...!

فهل هناك من لا يتابع أو يرى الذي يجري في كل دقيقة على أرض القدس والضفة الغربية مثلًا أو في الجليل والمثلث والنقب... حيث يواصل البلدوزر الصهيوني أعمال الهدم والتجريف والتخريب، بهدف تهديم المشهد العربي في فلسطين بكافة مضامينه التاريخية والحضارية والتراثية والدينية وبناء مشهد صهيوني تهويدي على أنقاضه... أو على مستوى الاستعدادات العسكرية على كل الجبهات العربية... يوظفون كل طاقاتهم وعلاقاتهم ولوبياتهم وتأثيراتهم على المستوى العربي والأمريكي والدولي لغاية مد "إسرائيل" بالمزيد من الوقت؟

وما الذي تابعناه على مستوى عملية السلام والمفاوضات على مدى أكثر من عشرين عامًا، إلا تكريسًا للاستراتيجية الصهيونية في هدر الوقت العربي، لصالح بناء حقائق الأمر الواقع الاستيطاني التهويدي، وقد سعت تلك الاستراتيجية تفاوضيًا، منذ بدايات عملية المفاوضات إلى "خفض سقف الطموحات الفلسطينية"، ورفض "الجداول الزمنية والمواعيد المقدسة -أي الملزمة- في المفاوضات، وهناك إجماع سياسي إسرائيلي بين كافة الأحزاب المؤتلفة في الحكومة وخارجها على رفض الجداول والمواعيد، بينما تصر السياسة الصهيونية، دائما على مواصلة المفاوضات... هكذا من أجل المفاوضات.. بل يمكن القول: "أن الصهيونية كلها بُنيت على الفترات التي تركها أو أهدرها العرب لهم"، وفي هذا السياق والمضمون كتب المحلل الإسرائيلي المعروف ايتان هابر في  يديعوت أحرونوت- 01/7/2012، يقول: "إن شيئًا واحدًا فقط موجود بكثرة للعرب جميعًا مهما كانوا، وهو غير موجود على الإطلاق للإسرائيليين وهو الزمن، فمفهوم الزمن عند العرب يختلف تمام الاختلاف عنه عندنا، فللعرب زمن دائمًا، فهم لا يُسرعون أبدًا إلى أي مكان، أما نحن الإسرائيليون في المقابل فليس عندنا زمن، بل يجب أن يكون كل شيء سريعًا وفي أسرع وقت ممكن، ولا يوجد تأخيرات، ويبدو أن الحركة الصهيونية كلها بُنيت على الفترات التي تركها العرب لنا، وقد تعلمنا كيف نستغل أحسن استغلال هذه الفترات لبناء دولة وإنشاء استيطان زاهر والإتيان بملايين المهاجرين وإنشاء وطن للشعب اليهودي، ونحن بيننا نضحك دائمًا على العرب الذين يسألون بجدية: "كم من الوقت حكم الصليبيون هنا؟ مئتا سنة فقط؟ سننتظر فعندنا زمن!"

وفي عملية المفاوضات أيضًا، التي أصبح واضحة تمامًا، إنها كانت على مدار العقود الثلاثة الماضية هدرًا عبثيًا للزمن الفلسطيني العربي، بينما استثمرتها دولة الاحتلال أفضل استثمار، فالحكومة الإسرائيلية تستحضر في هذا السياق مقولة لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كسينجر نظر فيها قائلًا: "أوهم الآخرين بأنك تتحرك في حين تكون ثابتًا"، وهذه المقولة كما يبدو غدت أساس التحركات الأمريكية – الإسرائيلية المشتركة في محور المفاوضات والتسوية، ما يفيد عمليًا أن كل عملية المفاوضات والتحركات السياسية الإعلامية ما هي سوى أكذوبة ونصب واحتيال على الفلسطينيين والعرب.

الأمر الذي كان رئيس وزرائهم الأسبق اسحق شامير قد أكده منذ مؤتمر مدريد قبل واحد وعشرين عامًا، حينما أعلن: سوف أجعل المفاوضات تستمر عشر أو عشرين عامًا، دون أن نقدم شيئًا للعرب"، ولذلك عندما يؤكد وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان "أن المواقف الإسرائيلية والفلسطينية غير قابلة للجسر"، ويتوقع بأن "لا يتم تحقيق أي اختراق بعد 16 سنة". موضحًا: "إن اتفاقات أوسلو حددت سقفًا زمنيًا للتوصل إلى اتفاق، ومنذ ذلك الوقت مر 16 عامًا، ولن يكون هناك اتفاق بعد 16 عاما آخر. مؤكدًا: "لا يوجد أي احتمال لجسر الهوة بين المواقف الإسرائيلية والفلسطينية في المستقبل المنظور"، مضيفًا: "إنه لا يؤمن بإمكانية التوصل إلى تسوية دائمة مع الفلسطينيين في السنوات القريبة"، فإنه بذلك يفصح جهارًا عما في فكرهم ونواياهم.

وعندما يعلن نتنياهو بدوره: "إنه يصعب عليه أن يصدق وجود إمكانية للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين"، وعندما يؤكد لابيد من جهته "ربما أحفادنا أو أبناء أحفادنا سيتوصلون إلى نهاية الصراع-مع الفلسطينيين-: 25/09/2022"، وكذلك تصريحات من سبقه بينيت وغيرهم، فإن الصورة تغدو واضحة ناصعة: لا ينقصها سوى أن يعتبر الفلسطينيون والعرب المعنيون في عدم هدر المزيد من الوقت - الزمن لصالح البناء الصهيوني على الأرض.

فهل نرى يا ترى ونحن على مشارف العام 2023، تحولًا في الدور الاستراتيجي للزمن في صراعنا مع المشروع الصهيوني...؟!