رسالة دافئة إلى رفاقي في الوطن العربي.. عن الأزمة الفكرية في بنية أحزاب وفصائل اليسار في الوطن العربي وأهمية إعادة الاعتبار للنظرية الثورية

حجم الخط

لقد بات عالم اليوم محكوماً بعلاقات دولية إمبريالية معولمة في مركزها الولايات المتحدة، حيث تتحول العديد من أقاليم ومجتمعات هذا العالم لمناطق سيطرة سياسية واقتصادية وأمنية مباشرة وغير مباشرة لهذا المركز الإمبريالي، ولمواقع تغلغل ثقافي – قيمي له، عبر أوسع الأبواب، من خلال أشكال السيطرة السياسية والاقتصادية والعسكرية، المستندة إلى شبكة تكنولوجية جبارة لوسائل الإعلام والاتصال، حولت هذا الكون المترامي الأطراف لقرية كونية حقا تتلقى ضخاً كثيفاً لشتى نظريات ومؤثرات نظام العولمة الإمبريالي، بما يطرح واقعياً مهام واستحقاقات نوعية جديدة على كافة القوى الماركسية العربية والعالمية، خصوصاً على جبهة الأيديولوجيا دفاعاً عن ثقافة ديمقراطية ثورية، وصراعاً مع ثقافة تسعى إلى تكريس مظاهر التبعية والتخلف والاستبداد، وتشرِّع أوضاع الظلم الاجتماعي الطبقي على المستوى المحلي الوطني والمستويين القومي والأممي.

في ضوء هذا الواقع، فإن الفصائل والأحزاب اليسارية العربية والعالمية، تواجه عموماً مهمة إعادة الاعتبار للأيديولوجيا الثورية (الماركسية تحديداً) كحلقة مركزية، استناداً لجدل العلاقة بين الثقافة والتنظيم، حيث ترتقي العملية التنظيمية وتمتلك عناصر الانضباط والأخلاق الثورية والقوة، مع المرونة والتجديد والإبداع، بقدر ارتكازها لمضامين الماركسية ومنهجها، ارتباطاً بوعي القيادة والكادر والأعضاء للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، باعتباره المحدد الرئيسي للأهداف الوطنية الثورية ولمعاني المشروع الوطني التحرري الديمقراطي ببعديه القومي والإنساني التقدمي الذي يمثله.

وبمقدار الأسف الذي تثيره الصورة العامة للحالة الفكرية والفعالية الثقافية، في إطار الحياة الحزبية الراهنة لأحزاب وفصائل اليسار في الوطن العربي، بما تعكسه من انحسار لدائرة الاهتمام الفكري في معظم هيئاتها ومراتبها، ومن ضعف نظري كادري وتنظيمي عام، فإنها تثير لدينا قلقاً جدياً متعلقاً خصوصاً بالعناصر الشابة الناشئة، والعضوية الجديدة التي لم تتدرج خلال مسيرتها الحزبية القصيرة في أي عملية بناء فكري ثقافي ممنهج مثلما لم تلتزم الهيئات الحزبية القيادية بأن تقدم لها بصورة دورية ومنظمة البرامج التعبوية المنهجية التي تؤسس لوعيها النظري وترتقي بإمكاناتها الفكرية، رغم توفر المواد الفكرية لهذه البرامج، بل اختزلت علاقتها بالحزب بحدود المهام الوطنية العامة، الأمر الذي أنتج حالة من الانفصال ما بين السياسة والفكر، واقترب بالعمل السياسي من مستوى العفوية والارتجال والموسمية، وقطع السياق على عملية بناء دعاة ومنتجين للفكر في إطار الحزب، الأمر الذي أودى بمعظم الأحزاب اليسارية الماركسية في بلداننا إلى النتيجة المحزنة التي نعيشها اليوم، والتي تتجسد في تراجع الهوية الفكرية وتفككها، وانحسار وتراجع دور أحزابنا وتأثيرها في العمل السياسي العام أو في قضايا الصراع الطبقي المجتمعية أوساط الجماهير، والسبب في ذلك يعود إلى أن عملية البناء الفكري في هذه الأحزاب ، ظلت بوجه عام غير ممأسسة تنظيمياً، ومتناثرة ومحصورة أو هامشية مهملة بهذه الدرجة أو تلك، ولم ترتقِ بأفضل أحوالها لتشكل منهجاً رئيسياً ناظماً للحياة التنظيمية أو حالة فكرية جماعية أو قاعدة واسعة لوعي نظري منظم في بلدانها ومجتمعاتها، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في كل التجربة السابقة ونقدها بقسوة معرفية وتنظيمية بروح رفاقية موضوعية خالصة تستهدف الارتقاء بالحزب صوب النهوض والتقدم، لكي نبدأ جدياً بتفعيل البعد الفكري (الأيديولوجي) باعتباره أحد أهم المرتكزات الحزبية وصيرورته الراهنة والمستقبلية، عبر الالتزام بمأسسة النشاط الفكري بما يضمن إحياء وتجدد إطار التفاعل الجاري بشأن إعادة الاعتبار للنشاط التثقيفي للمنظمات القيادية والكادرية والقاعدية في جميع أحزاب وفصائل اليسار عبر الالتحام العضوي الفعال بالعملية التنظيمية.

أيها الرفاق... الآن وإزاء هذه الحالة السلبية التي كانت - وما زالت - حصيلة لغياب التثقيف المركزي والذاتي بالماركسية وبقضايا مجتمعاتنا من منظور طبقي، يفرض على الجميع البدء الفوري بتطبيق خطة ومهام التثقيف الحزبي الداخلي، كضرورة عاجلة، بما يساهم بإعادة الاعتبار للفكر كمكانة واهتمام على طريق مراكمة الوعي بالنظرية وبالواقع وبالتاريخ الوطني والقومي عبر اجتماعات تنظيمية ثقافية دؤوبة ضمن إطار التفاعل الديمقراطي الواسع، وبما يتلاءم مع مستجدات الحياة ومعطيات الواقع الراهنة، بما يضمن – بصورة منهجية جماعية، مأسسة وبلورة وتطبيق الرؤى السياسية والفكرية، وإعادة الاعتبار للتثقيف الفكري داخل المنظمات الحزبية، عبر إقرار برنامج فكري لصوغ علاقة حية بالماركسية ومنهاجها المادي الجدلي، تعبيراً عن اتجاه اجتهادي ينطلق من خصوصيات الواقع وظروفه في كل بلد من بلداننا، وهو برنامج يرى بهذا الفكر أداة تحليل لظواهر الحياة المختلفة بعيداً عن النصوصية والجمود العقائدي، مع الاهتمام بضرورة المراجعة النقدية والتفاعل الحي مع دروس التجربة الواقعية ورؤيتها للمضمون الإرشادي النظري التجديدي للماركسية ولحيوية وعلمية منهاجها الجدلي معتبرة الممارسة الحية المعيار والاختبار لمدى استيعاب وتمثل هذه الرؤية.

انطلاقاً من هذه الرؤى والسياسات، وبهدف الخروج من هذا الواقع المتناقض مع أهداف أحزابنا اليسارية الماركسية وأفكارها ومبرر وجودها ودورها الراهن والمستقبلي في مغرب ومشرق الوطن العربي، أقدم فيما يلي المحددات الرئيسية لخطة التثقيف المركزي التي تستند إلى الاتجاهات الأساسية التالية:

1- محورية المنهاج المادي الجدلي في العملية البنائية – الثقافية العامة للحزب، باعتبار هذا المنهاج أداة التحليل لمختلف الظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية، استنادا لقوانين هذا المنهاج ومقولاته الجدلية، وهذا يعني التثقيف بقوانين المادية الديالكتيكية العامة الثلاثة وبمقولاتها الجدلية، كما يعني إعادة قراءة أو الاطلاع على بعض مكونات التراث الماركسي بروحية نقدية جديدة تتناول الاتجاهات والمدارس المختلفة بهذا التراث كالتروتسكية والماوية والشيوعية الأوروبية إلى جانب الإسهامات الفكرية العربية في هذا الجانب (سمير أمين ومهدي عامل وإلياس مرقص).

2- الاهتمام بقراءة جوانب التاريخ الوطني والواقع السياسي الاقتصادي الاجتماعي والثقافي حسب خصوصية كل بلد من بلداننا عبر الكتب والدراسات المتعلقة بهذا العنوان.

3- تناول التجربة العامة لليسار العربي باتجاهاتها المختلفة وبما يشمله هذا من نتاجات الفكر الاشتراكي في مصر وسوريا ولبنان والسودان وبلدان المغرب العربي من خلال إسهامات سمير أمين ومهدي عامل ومحمود أمين العالم وفؤاد مرسي وإسماعيل صبري عبدالله وأحمد صادق سعد وصادق جلال العظم وحسين مروة وإلياس مرقص وهادي العلوي وهشام جعيط وعبدالله العروي ومحمد إبراهيم نقد وماهر الشريف وسلامة كيلة وهشام غصيب ومحمد عابد الجابري ورمزي زكي وفيصل دراج وغيرهم.

4- الاسترشاد بكل ما هو تقدمي وديمقراطي بالتراث القومي العربي والأمازيغي والكردي والتراث الإسلامي من خلال دراسة أهم النتاجات التقدمية التي تناولت هذا التراث كنتاجات حسين مروة، الطيب تيزيني، هادي العلوي، هشام جعيط، محمد أركون، نصر حامد أبو زيد، وماهر الشريف ، عبدالله خليفة، ودراسة نضالات ونتاجات رموز الحركة الإصلاحية الدينية الاجتماعية في العالم العربي والتي مثلها كل من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وعلي عبد الرازق وقاسم أمين وسلامة موسى وشبلي شميل وفرح أنطون وطه حسين وأحمد أمين وجورجي زيدان، إضافة لإسهامات قوى الحركة القومية التقدمية، وأهم نتاجات رموز الفكر القومي ساطع الحصري وزكي الأرسوذي وقسطنطين زريق ونديم البيطار وياسين الحافظ.

5- الاسترشاد بكل ما هو ديمقراطي بالتراث الإنساني والعالمي بالاطلاع على تجارب الحركات الثورية في فيتنام والهند والصين وجنوب إفريقيا، ودول أمريكا اللاتينية وحركات مناهضة العولمة وصولاً للوضع العالمي الراهن من ناحية القوى والتكتلات المختلفة المؤثرة بسياسات نظام العولمة الإمبريالي وما تمثله هذه السياسات من مصالح وأفكار.

6- الاهتمام النظري بقضايا التحرر الوطني وحق تقرير المصير، ووحدتها الجدلية بعملية الصراع الطبقي، وبالديمقراطية والعلمانية والمواطنة كأنظمة ومفاهيم وممارسات – والاطلاع على التجارب الديمقراطية الحية وأنظمتها المختلفة، وهموم وفعاليات التجربة الديمقراطية في المجتمع الفلسطيني والمجتمع العربي، وفي هذا السياق نشير إلى أهمية إعادة دراسة تجربة حركة النهضة العربية ورموزها الثقافية وعلاقتها بالآخر (الغرب) ودورها في تحدي التيارات الأصولية والإسلام السياسي.

7- الاهتمام بقراءة الإنتاج الأدبي والإبداعي العربي والإنساني من الروايات والقصص والموضوعات الثقافية الإبداعية العامة.

يبقى أن أشير إلى أن طموحاتنا كأحزاب وفصائل ماركسية في الوطن العربي، بالمعنى الثقافي أو السياسي، ستنتهي إلى سراب، ما لم نتعامل وفق برنامج سياسي فكري نقيض، لكل التيارات والحركات اليمينية الليبرالية والعلمانية والرجعية، وبما يمكننا من استعادة دورنا في أوساط جماهيرنا الشعبية عبر الاندماج في مساماتها والاستناد إليها لمواجهة كافة المخاطر التي تتعرض لها أحزابنا وفصائلنا.

وفي هذا الإطار فإن من واجبنا، انطلاقاً من قناعاتنا القومية والأممية أن نتعامل وفق برنامج سياسي فكري استراتيجي نقيض مع الحقبة المعولمة الامبريالية الراهنة، وما تمثله هذه الحقبة الجديدة من قفزات هائلة للبشرية، ومن فوران اجتماعي وانقسام طبقي عالمي بشع بفعل آليات العولمة الرأسمالية وأدواتها التي يسعى القائمون على إدارتها إلى أن تصبح الرأسمالية المتوحشة "روح هذا الزمن"، فهل ستفرض علينا هذه العولمة – وركيزتها دولة العدو الإسرائيلي - بعداً ثقافياً نتعاطى معه بالإكراه أو بالقدر الذي يحدده لنا أصحابها؟ أم نبدأ في شق مجرى المعرفة والتفكير في هذا البعد الثقافي الجديد، وفق رؤية ثورية، ماركسية وطنية وقومية وإنسانية تسعى للخروج من المأزق الحالي؟ هذا هو المخرج، الذي يتطلب تحقيقه توحيد الجهود الثقافية والعلمية في أحزابنا، في إطار رؤية سياسية يساريه موحدة، تستجيب لمعطيات العصر، وتشكل أرضية ننطلق منها على طريق النهوض والتقدم، مشاركين في الاستفادة من معطيات العولمة، التكنولوجية والعلمية والإدارية، لنسهم في مناهضتها ومقاومة وإزاحة أنظمتها الرأسمالية التابعة في بلادنا، لا أن نصبح عبيداً لأدواتها.

أيها الرفاق... إن توصيفنا لهذه المرحلة يقوم على أنها من أشد المراحل خطورة في تاريخنا الوطني الحديث والمعاصر كله، مما يفرض علينا مسئولية كبرى في مواجهة سياسات وبرامج قطبيها اليمين السياسي العلماني واليمين الرجعي وهي مسئولية تتحدد في تفعيل دورنا على الصعيد الجماهيري في كل الظروف بما يمهد لشق مجرى الطريق نحو المستقبل، فعلى هذا الطريق الشاق الطويل، المغطى بأشواك الهزيمة والإحباط، والقلق السائدة في أوساط شعبنا في هذه المرحلة تأتي أهمية امتلاكنا للنظرية الماركسية ومنهجها وأدبياتها الحديثة والمعاصرة، جنباً إلى جنب مع قراءة واقعنا الفلسطيني والعربي بكل أبعاده السياسية والاجتماعية، وكذلك ضرورة متابعة ووعي العديد من مقومات التكنولوجيا الحديثة كأساس –راهن ومستقبلي- لا بد من الاستناد إليه من أجل ترسيخ وعينا الوطني والقومي وفق محددات الصراع الطبقي، وقناعتنا بالمفاهيم والمنطلقات الفكرية الماركسية ومنهجها، والاسترشاد بها في مسيرتنا النضالية ببعديها التحرري الوطني والاجتماعي المطلبي في آن واحد، مدركين أنها مجرد أفكار ومقولات نظرية لا يمكن تفعيلها بدون استيعاب تاريخنا الوطني والقومي في إطار عملية الصراع الطبقي والحراك الاجتماعي كشرط أول ومدخل أساسي لهذا التفاعل، إذ أن من الصعوبة بمكان أن يكون المناضل منا تقدمياً جيداً دون أن يكون وطنياً وقومياً جيداً في آن واحد معاً، آخذين بعين الاعتبار التعقيدات الهائلة التي نعيشها في هذه المرحلة، وما تحمله من معوقات على الصعيد الوطني العام، والذاتي الداخلي بكل جوانبه، وعلى صعيد المعرفة والأفكار التقدمية التي نسترشد بها، التي باتت موضع نقد وهجوم، ليس فقط من أعدائها الطفيليين والكومبرادور والبيروقراطية المتنفذة والقوى والتيارات السلفية الرجعية والأصولية، وغيرهم، وإنما من أفراد كان لهم تجربتهم الحزبية والنضالية السابقة، في العديد من الأحزاب، تزعزعت قناعاتهم بدواعي الهزيمة أو الردة الفكرية والمصالح الخاصة من جهة، أو بدواعي الرخاوة التنظيمية والأزمة الداخلية والتخلف الثقافي والأيدلوجي وغياب عنصر الوعي من جهة ثانية.

لكننا نؤمن بأن "الحقيقة يجب أن تقال وتصل للجميع" وما أحوج قواعد أحزابنا وكوادرها المناضلة لهذه الحقيقة في مثل هذا الظرف، الذي باتت فيه جماهيرنا الفقيرة أحوج ما تكون للتسلح بالماركسية ومنهجها المادي الجدلي كحقيقة معرفية واضحة ومباشرة من ناحية، وكضرورة حتمية من ضرورات النهوض الوطني والقومي على طريق تحقيق اهداف الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية.

وفي هذا الإطار، فإن من واجبنا في كل أحزاب اليسار في الوطن العربي، انطلاقاً من قناعاتنا القومية والأممية أن نتعامل وفق برنامج سياسي فكري استراتيجي نقيض مع الحقبة الراهنة، وما تمثله هذه الحقبة الجديدة من قفزات هائلة للبشرية، ومن فوران اجتماعي وانقسام طبقي عالمي بشع بفعل آليات العولمة الرأسمالية وأدواتها التي يسعى القائمون على إدارتها إلى أن تصبح الرأسمالية المتوحشة "روح هذا الزمن"، فهل ستفرض علينا هذه العولمة – وركيزتها دولة العدو الإسرائيلي - بعداً ثقافياً نتعاطى معه بالإكراه أو بالقدر الذي يحدده لنا أصحابها؟ أم نبدأ في شق مجرى المعرفة والتفكير في هذا البعد الثقافي الجديد، وفق رؤية ثورية، ماركسية وطنية وقومية وإنسانية تسعى للخروج من المأزق الحالي؟ هذا هو المخرج، الذي يتطلب تحقيقه توحيد الجهود الثقافية والعلمية في أوساط أحزابنا في أرجاء الوطن ضمن إطار رؤية سياسية يساريه موحدة، تستجيب لمعطيات العصر، وتشكل أرضية ننطلق منها على طريق النهوض والتقدم، مشاركين في الاستفادة من معطيات العولمة، التكنولوجية والعلمية والإدارية، لنسهم في مناهضتها ومقاومة وإزاحة أنظمتها الرأسمالية التابعة في بلادنا، لا أن نصبح عبيداً لأدواتها.

أيها الرفاق... علينا جميعاً وجوب الإدراك والالتزام –بقناعة كاملة وبروح تغمرها العزيمة والتفاؤل- بأن أحزابنا هي أحزاب المستقبل لشعوب وجماهير بلداننا، عبر دورها الطليعي في تغيير هذا الواقع العربي المرير بالتلاحم الوثيق فيما بينها، كما على الصعيد الأممي، لذلك فإننا معنيون في هذه المرحلة بالعمل الجاد نحو تحقيق القطيعة المعرفية –بصورة ديمقراطية- مع اتجاهات الفكر الأخرى بكل أشكالها وعناوينها الليبرالية الجديدة والرجعية المتخلفة، بما يضمن تحقيق أماني وتطلعات جماهيرنا الشعبية الفقيرة في الخلاص من المعاناة والقهر السياسي والطبقي بكل مظاهره وأشكاله، منطلقين في ذلك من أن توجهاتنا الوطنية وممارساتنا النضالية تسترشد بعمق، بالمقومات الفكرية والمنهجية للماركسية والأفكار الاشتراكية وما تمثله من منطلق قومي وموقف أممي في جوهره، ولن يكون قادراً على تحقيق هذه المهام إلا حزب طليعي مناضل يسترشد بنظرية الطليعة، وكما يقول لينين "نحن نسير جماعة متراصة في طريق وعر وصعب، متكاتفين بقوة، يطوقنا الأعداء من جميع الجهات وينبغي لنا أن نسير على الدوام تقريبا ونحن عرضة لنيرانهم، لقد اتحدنا بملء إرادتنا، اتحدنا بغية مقارعة الأعداء بالذات، لا للوقوع في المستنقع، أحرار في النضال لا ضد المستنقع وحسب، بل أيضاً ضد الذين يعرجون عليه".

أيها الرفاق... إن مسيرتنا سوف تمضي في طريقها، رغم كل ما هو كائن، ومن أجل ما سيكون... قد يهتز من مصاعب الطريق من يهتز... قد يحبط من حجم الإخفاقات من يحبط... قد يسقط في خندق الأعداء بفعل الإغراءات من يسقط. ومع ذلك، فإن قافلة الماركسية في بلدان العالم الفقيرة والمهمشة، في كل بلدان وطننا العربي، سوف تواصل مسيرتها، حتى تبلغ غايتها في التحرر والعدالة الاجتماعية على طريق تحقيق اشتراكية عصرية متجددة ذات وجه إنساني، وذات محتوى ديمقراطي.