جورج حبش الحكيم "النموذج"

حجم الخط

مفكّرٌ وكاتبٌ سياسيٌّ، والأمين العام السابق للمؤتمر القوميّ العربيّ/ لبنان

ليسَ من السّهل أن نكتبَ عن قائدٍ أو مناضلٍ أو صديقٍ مقالةً كلَّ عامٍ في ذكرى رحيله، دون أن نكرّر أنفسنا... لكنّ الحديث عن "الحكيم" جورج حبش ، القائد والمناضل والصديق الكبير لا ينتهي؛ خصوصًا أنّ حياته منذ النكبة عام 1948، حتّى الرحيل عام 2008؛ كانت مليئةً بمواقفَ ونضالاتٍ وأحداثٍ لم تستطعْ حتّى مذكراته الشخصيّة أن تحصيها.

وحديثي اليوم وبعد 15 سنةً على رحيل جورج حبش، سيتركزُ على جورج حبش "النموذج"؛ لقائدٍ مؤسّسٍ لواحدة من أهمّ الحركات القوميّة العربيّة، ولواحدةٍ من أهمّ المنظّمات الفلسطينيّة، والمناضل الذي جمع بين المبدئيّة التي ترفض التفريط بذرّة تراب من أرض فلسطين، وبين الحكمة التي تدرك أنّ قوّة شعبه في وحدته، وأنّ الخلاف بين قوى المقاومة الفلسطينيّة، والتحرّر العربيّ والنضال الأمميّ؛ يجب أنّ لا يصل إلى الانقسام، لأنّه ما من شعبٍ عرف كيف يوحّدُ قواه إلاّ وانتصر، وما من شعبٍ عاش حال الانقسام إلاّ وانكسر...

لذلك حين نتطلّع إلى سيرة "الحكيم"؛ لا نقرأ فيها سيرة مناضلٍ آمن بتحرير وطنه، ووحدة أمّته، والعدالة لشعبه، لا نقرأ فيها سيرة مقاومٍ أدرك أنّ الردّ على نكبة فلسطين منذ البداية هو بالمقاومة فقط، بل نقرأ فيها أيضًا سيرة قائدٍ قبض على ثوابت شعبه وأمّته كالقابض على الجمر في زمنٍ تغيّر فيها قادةٌ كثيرون، وانقلبوا على عقائدهم ومواقفهم وتاريخها، بل نقرأُ سيرة قائدٍ عاش حياته الشخصيّة بنقاءٍ وصدقٍ وشفافيّةٍ موصوفةٍ في زمنٍ باتت تغلّف فيه حياة الكثيرين من الزعماء والقادة ألف علامة استفهام واستفهام...

لقد تعلّمنا من جورج حبش؛ القائد والمناضل والرمز والإنسان؛ دروسًا كثيرة، أبرزها: أنّ فلسطين لا يمكنُ التفريطُ بشبرٍ من أرضها، وأنّ الأمّة العربيّة لا يمكن التهاون بأيّ هدفٍ من مشروعها النهضويّ، وأنّ النّقاء هو شرطٌ لازمٌ لكلّ من يتصدّى لعملٍ قياديٍّ في خدمة بلاده.

لذلك؛ فإنّ سيرة الحكيم "النموذج" الممّتدة على مدى ستين عامًا؛ مليئةً بما يمكننا أن نكتب عنه وعن رفاقه المؤسّسين والشّهداء والأسرى الكثير الكثير.

في ذكرى رحيل جورج حبش لا يمكنُ أن ننسى الشهيد الذي تولّى بعده قيادة الجبهة الشعبيّة؛ الشهيد أبو علي مصطفى ، والأسير أحمد سعدات الحرّ في سجنه، ولرفاقه وللشّهداء الكُثر من وديع حداد إلى هاني الهندي إلى باسل الكبيسي، إلى أحمد اليماني، إلى غسان كنفاني، إلى غيفارا غزّة، إلى... والقائمة طويلة.

رحم الله الحكيم النموذج والقائد والرّمز، والنصر لفلسطين والأمّة.