ضحايا كثر لميدان التحرير… اتفاقية الغاز نموذجاً

حجم الخط
لم يكن من قبيل المفاجأة قيام مصر بإلغاء اتفاقية تصدير الغاز إلى إسرائيل وبرأيي كان الأمر مسألة وقت فقط، حيث ماتت الاتفاقية إكلينيكياً صباح 25 يناير الشيء نفسه يصح بالنسبة لمعاهدة السلام التي باتت هي الأخرى بحكم المجمدة والإعلان الرسمي عن وفاتها سيكون مسألة وقت أيضاً، ولكن سنين وليس شهور كمان كان الحال مع اتفاقية الغاز. بداية لا بد من الإشارة إلى ضحايا كثر لميدان التحرير منها، على سبيل المثال لا الحصر أنظمة الاستبداد والقهر، الاستئثار والفساد أنظمة التوريث السياسي وزعماء الصدفة، ليس في القاهرة وحدها وإنما في العالم العربي أيضاً وفق القاعدة التاريخية والصحيحة حيثما ذهبت مصر ذهب العرب. بمجرد سقوط نظام مبارك انهارت بشكل مباشر منظومة العلاقات مع إسرائيل التي أخذت في العقد الأخير أبعاد اقتصادية، أمنية، وحتى استراتيجية، وفيما يتعلق باتفاقية الغاز تحديداً فنحن بصدد عملية أنجزت في الظلام وبشكل غير قانوني أو غير شرعي، كما أشار إلى ذلك الحكم القضائي الشهير الرافض لها والذي تنكر له النظام الساقط وهي اتفاقية أهدرت الثروات وأضرّت بالاقتصاد المصري وكبدته خسائر باهظة، وانطلقت من مصالح شخصية وفئوية ضيقة للعائلة الحاكمة وأزلامها وعوضاً عن ذلك قدمت هبات أو جوائز ومكاسب للدولة العبرية لا تستحقها بأى حال من الأحوال نتيجة الجرائم التي ارتكبتها بحق مصر ونهبها لثروات سيناء طوال عقد ونصف كما نتيجة لاستمرار احتلالها للأراضي العربية وتنكيلها المتواصل بالشعب الفلسطيني، ونهب ثرواته ومصادرة حقوقه . اتفاقية الظلام والهوان لم تنل يوماً رضا أو مباركة الشعب المصري، وما كانت لتمر ضمن أي عملية ديموقراطية ومؤسساتية سليمة ونزيهة، وهى أبصرت النور واستمرت لسنوات فقط نتيجة المصالح الضيقة للنظام، ورغبة منه في تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية تتيح له تمرير مشروع التوريث السياسي للجمال مبارك، وعندما سقط النظام أضحت يتيمة منبوذة وورقة خريف ساقطة في ظل رفض الجمهور لها وسعي المجلس العسكري والقوى السياسية الأخرى إلى إرضائه وتحقيق رغباته في تعبير جوهري صريح ومباشر عن مصر الجديدة. المفردات السابقة نفسها يمكن استخدامها تجاه معاهدة السلام المجحفة بحق مصر، والتي لم تمر بأي عملية ديموقراطية ومؤسساتية شفافة ونزيهة، وغالباً ما مثلت عنواناً لرفض الشعب للنظام المستبد والمتفرد. كما للعلاقات والتطبيع مع إسرائيل، وهي سقطت أيضاً مع سقوط النظام داخلة مرحلة الجمود أو الموتى السريري، غير أن إنهائها مرتبط بنهضة مصر وتجاوزها لحالة الانهيار متعدد الأبعاد والمستويات إلى تسبب بها النظام السابق، وهي سيرورة أو عملية تستغرق سنوات أو عقد ربما غير أن ذلك لا يغير من المصير المحتوم للمعاهدة، والذي حسم نظرياً مع نزول الملايين للميدان صباح 25 يناير رفضاً لسياسات النظام الداخلية والخارجية.. لا يمكن تجاهل رد الفعل الإسرائيلي الذي سعى بمنهجية إلى وضع الأمر في السياق التجاري الاقتصادي ونفى أي طابع أو إطار سياسي له، علماً أن تل أبيب تحاول منذ الثورة التأقلم مع الواقع المصري الجديد والعمل للاحتفاظ بشعرة معاوية مع القاهرة مع يقين تام بأن ما كان لن يكون فالمعاهدة باتت مجرد اتفاقية لوقف إطلاق النار، والحدود لم تعد حدود سلام أبداً صحيح أنها لم تصبح حدود عداء إلا أن ذلك مسألة وقت أيضاً ومرتبط ليس فقط بسيرورة النهوض المصري، وإنما بالسياسة أو الممارسات الإسرائلية تجاه الشعب الفلسطيني ويبدو غريباً في هذا الصدد حرص النخبة الحاكمة في تل أبيب على عدم تحميل القاهرة ما ليس بوسعها، بينما تبادر أطراف فلسطينية وعربية للعكس، وتعمل عن سبق إصرار وترصد إلى توريطها في صدام أو صراع مع تل أبيب دون أن تستعد أو تتهيأ له كما ينبغي. في الأخير لا بأس من الاقتباس عن عراب اتفاقية الغاز والصديق الشخصي للمبارك الوزير الإسرائيلي السابق بنيامين بن اليعازر الذي علق على إلغاء تصدير الغاز معبرا عن حقيقة شعوره كمواطن كمسؤول اسرائيلى، كما يلي - لقد تمزق قلبي كما أنا مرتبط بهذا الاتفاق عاطفياً، فضلاً عن أنني المسؤول الإسرائيلي الذي وقع عليه الأمر صعب جداً بالنسبة لي-.