بمناسبة مرور خمس سنوات على كارثة البارد، مقابلة مروان عبد العال مع موقع الكرمل

حجم الخط
مروان عبد العال عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية ومسؤول لجنة المتابعة العليا لملف نهر البارد في مقابلة مع موقع الكرمل بمناسبة مرور خمس سنوات على كارثة نهر البارد ، في نظرة عميقة للواقع الفلسطيني في الصيغة اللبنانية والاحتمالات و التطورات... مروان عبد العال : أزمة نهر البارد أريد لها أن تكون مشروعا تفجيرا و فتنة داخلية على عدة اتجاهات وما زالت فصولها تتوالى! موقع الكرمل يستضيف الاستاذ مروان عبد العال في مقابلة خاصة ماذا حدث قبل خمس سنوات في نهر البارد وما هي التوقعات المستقبلية؟ السنوات الخمس من سفر مخيم يقيم على جرح هويّة ! وعلى روح أحلامه النديّة ..نهر البارد الكائن الحي في روح المكان الذي نهض من تحت الرماد . مثل كل شتات يشبهك وطن الذي صورك وبقي يقيم في رئتيك وبين مفاصل الاوقات القاسية وفي مفارق الايام الطويلة . السؤال الذي تأخر كثيرا ...ماذا حدث ؟ ولماذا حدث ؟ ومن المسئول؟ ومن أين يتم قرءأة الكتاب من الصفحة الاخيرة ؟ كما يجرى الان أم من الصفحة الاولى ؟ كما هو مغيب حتى الان عن هذه القراءة ، كأن هناك مسعى لتجهيل الفاعل ! بحجم الذي حصل للمخيم ، فهو الحدث الاخير و الأكثر مأساوية وقهر في تراجيديا النكبات ، وهنا لا يتسع المجال لقراءة رواية تفصيلية لما حدث، إنما كتاريخ لواقع لا بدّ من تقديم تقييم لدرس ما حدث، والذي نجم عنه نكبة مصغّرة ومستعادة لنزوح فلسطيني من مخيم إلى مخيم، وتدمير المخيم وما يشكّله من وعاء ذكريات وفضاء سياسي ونسيج اجتماعي، تواصل على مدار النكبة الأم، وما خلته من تداعيات مازالت فصولها تتوالى حتى الآن. وهنا لا يمكن اعتبار ما حدث هو مجرد طارئ، بل هو ذروة التعبير عن مقدمات حكمتها سياسات تهميش لواقع المخيم، وإحداث فراغ أمني، يتحول من خلاله إلى ورقة آيلة إلى السقوط في أي لحظة، وما كنا نعبّر عنه ومازال متواصلاً حول مفهوم الجزر الأمنية وجزر البؤس. إنّ استهداف مخيم نهر البارد، كساحة لمعركة لا شأن فيها لساكنيه، وما يتصف بها واقع المخيم من مميزات، الموقع الاجتماعي والثقافي الجغرافي والسكاني والإقتصادي، إلاّ أنّ حالة الفراغ الأمني كانت قائمة، وأسهمت عوامل عدة في تأسيسها واستغلالها والبناء عليها. لقد أسهم التواطىء المشترك من جهات عدة، لوصول الظاهرة المسماة "فتح الإسلام"، إن كان تسهيلاً أو جسراً للوصول للمخيم واتخاذه موقعاً، أو الّاأبالية في التلكوء في معالجة الظاهرة لجهة محاولات استخدامها أو الاستفادة من وجودها في لجّة التناقضات الداخلية الفلسطينية- الفلسطينية، أو اللبنانية- اللبنانية، مذهبياً وسياسياً، ومن ثم العجز من قبل الجميع في الوقوف أمام الظاهرة وأخطاءها، وإن استخدم في الخطاب أنها ظاهرة غريبة عن نسيجنا الوطني إلاّ أنها استفحلت إلى مستوى العجز عن الوقوف في وجهها وحسم المسألة بالقوة الفلسطينية أثناء وجودها وبعد شن الحرب عليها. كارثة نهر البارد رسم لها كي تكون مشروعا تفجيرا وموضوعاً لفتنة داخلية على عدة اتجاهات وما زالت فصولها تتوالى في أمكنة متنقلة . الان يظهر أكثر من أي وقت كيف مضى ، كيف تم تبادل الادوار و كيف تعامل كلٌ الاطراف معها ووفق ما يروقه، في ظل إجماع باطني وظاهري على دور الجيش ومكانته في حسم المعركة. مما وضعنا حقيقة أمام صعوبة صياغة موقف سياسي يجمع عليه الفلسطينيون، وهذا كان متعذراً للخروج بأقل الكلفة الممكنة، وتفويت الفرصة على مرور مشروع الفتنة. وأي موقف كان يحتاج لوجود إجماع وطني فلسطيني، ولا يقوى أي فصيل على أخذ المسألة كقضية حصرية، في نطاق المزايدة والشعاراتية وتسجيل النقاط على الفريق الآخر. لقد كان للتناقضات الفلسطينية والأحتراب المؤذي في قطاع غزة كلها عوامل كان لها تأثيرها السلبي وان كان بشكل غير مباشر ، على قدرة حماية المخيم وتصليب الموقف الفلسطيني، أو في خلق موقف لبناني متعاطف، مما دفعنا إلى الدعوة لقاسم مشترك: حماية المدنيين، الحل السياسي، ورد الاعتبار لهيبة الجيش وتسليم القتلة. لكنها جميعاً لم تمنع من وقوع الكارثة وتداعي تأثيراتها الثأرية في استغلال المعركة ونتائجها، وخلق أجواء معادية للفلسطينيين في لبنان رسمت لها أبواق عدة. وتداعت في السياسة وصولاً إلى إبقاء المخيم تحت عهدة الجيش، ومحاولة فرض من نموذج نهر البارد مثلاً لصياغة علاقة بين الفلسطينيين والدولة. إن مطلب الملح يومها هو العودة للمخيم، ولاكثر إلحاحا هو إعادة إعماره وحفظ كرامة القاطنين فيه.. هي مسألة إنسانية لا تحتمل التأجيل، كما أنّ العاطي مع ما حدث على أنه " جرح البارد" وليس " نصر البارد " ففي الحالة الأولى هو إقرار بأن المخيم كان ضحية ومن يستخدم نشوة النصر بإعتبار أن المخيم كان جلاداً، وقطعاّ هذا غير صحيح. وهي عملية قتل ثانية للمخيم ـ مما يجعل المستقبل مناط بما سيتحقق. والأهم أن لا يتكرر، ولا يسمح لأحد أي من كان أن يستخدم المخيم أي مخيم، لتبديد وتدمير الوجود الفلسطيني. يطرح السؤال عن أولوية البحث في النظر إلى الواقع السياسي الفلسطيني وأهمية بلورة خطاب فلسطيني، إن لجهة تقويمه للماضي وخاصة الحرب الأهلية ومؤثراتها على الواقع الفلسطيني، أو لجهة بلورة خطاب سياسي وديمقراطي، في النظر إلى ما يجري من تطورات. لقد أكدت الجبهة الشعبية في لبنان قبل غيرها وعبر رؤيتها و دراستها ووقفاتها ومراجعاتها المستمرة في قراءة الواقع المجتمعي، تظهر حجم الإختلال الحاصل لجهتين: أولاً: البنية الفلسطينية: إنّ الوقائع الدامغة بأمثلة متعددة، تُظهر حجم الضرر الذي أصاب الواقع المجتمعي الفلسطيني في لبنان، من خلفية الماضي وغياب السياسة الرسمية المناسبة في التعاطي مع هذا الوجود، مروراً بالحرب الأهليّة وآثارها المدمرة وصولاً إلى سياسة الإغلاق، وآخرها حمّى التجاذبات الدائرة في لبنان، لا شك أنّ جميعها ترخي بظلالها المُرّة والثقيلة عليه. ووجه الكارثة بقاء حالة التمزق الفصائلي وحتى المجتمعي في صميم البنية الداخلية الفلسطينية، إضافة إلى استمرار التحسس اللبناني من طبيعة الوجود الفلسطيني. إنّ تحولاً تدريجياً قد جرى داخل بنية وذهنية المجتمع الأهلي والسياسي إلى حد ما للفلسطينيين في لبنان، بالنظر أولاً إلى نفسه ومن ثم إلى الآخرين، فالمخيم بذهنية الإنسان الفلسطيني في لبنان، تحوّل من "القلعة" إلى "المعسكر" في زمن الحرب الأهليّة والدفاع عن الوجود، إلى صيغة أصبح التعبير عنها أكثر إفصاحاً، أي المخيم "المجتمع"، الذي له احتياجاته الخاصة والعامة وتغيير حتى في إزدياد الإلحاح في نطاق مرحلة ما بعد الطائف نحو المدخل الاجتماعي وتأسيس الخطاب السياسي والشعبي بالمطالبة بالحقوق والكرامة والعدالة والسيادة، عوضاً عن تبلور فكرة الانتساب للمخيم كتعبير عن هوية وفضاء سياسي وثقافة لذاكرة وطنية ومكان لنسيج اجتماعي. إنّ السنوات المعدودة الماضية، في ظل استمرار الإغلاق والتجاذبات الداخلية اللبنانية، والخلاف على مكانة لبنان في الصراع واستهدافه من قبل العدو عسكرياً وسياسياً، طرحت خوف فلسطيني مُبطّن حيناً، ومُعلن أحياناً، على الوجود والمستقبل، وربما أزمة بقاء... بما رافقها من طنين مستمر من سيناريوهات دولية لتذويب الفلسطينيين وتوطينهم، وأحياناً دمجهم في مجتمعات بعيدة. ثانياّ- الواقع السياسي الفلسطيني في لبنان: إننا ندرك أنّ الفلسطيني في لبنان يعيش في نطاق خصوصية لبنانية لها شروطها الموضوعية وتؤدي دورها سلباً وإيجاباً في هذا الواقع وداخل البنية الفلسطينية، نستطيع القول، أنّ السياسة المنتهجة بالتعامل مع هذا الواقع، مازالت تتحكم فيه ويتضح لنا ذلك من خلال: السياسات الحكومية من الطائف إلى اليوم بقيت مكبلة بالماضي، بل حافظت على جمود العلاقة من خلال استمرار سياسة الإغلاق، أي رفض إعطاء الحقوق المدنية والاجتماعية للفلسطينيين، وزادت عليها قانون رفض تملك الفلسطينيين وما خلقه من أزمات اجتماعية مضاعفة. كذلك صدور القرار الدولي 1559، والذي كان ولم يزل بنظرنا مشروع فتنة، أسقط على لبنان لهذا الهدف، وشمل ضمن مندرجاته السلاح الفلسطيني، أي العودة إلى فتح الملف من صفحته الأخيرة الأمنية، وغابت عنه المقدمات السياسية والاجتماعية والقرارات الدولية القاضية بحق العودة. إنّ إدراك الجميع لمكمن الخطر الناجم عن آلية تطبيق القرار، والتي جعلت من موضوع السلاح الفلسطيني نقطة على طاولة الحوار اللبناني- اللبناني. وإنطلاق الحوار الفلسطيني- اللبناني، إلى اعتماد أجندة خاصة، نظرنا لها كخطوة بالإتجاه الصحيح وفي طريق الألف ميل، والتي تمّ تتويجها بإستعادة العلاقات الرسمية عن طريق فتح ممثلية لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وهي غير كافية إن لم تُستتبع بصيغة علاقة مجتمعية وجماعية، تحول دونها الصراعات والإنقسام الدائر في كلا الطرفين. عقدة الخوف من الآخر، والتي تستعيد حقيقة موضوعية، إنّ سلامة لبنان ووحدة لبنان وخير لبنان هي قوة للفلسطينيين والعكس صحيح، نعني بالعكس هو تأجيج المشاعر والنوازع المرضية والحروب بين مذاهب وتيارات والتي بات ينقصها قرقعة السلاح فقط. لذلك باتت كل خطوة باتجاه تحقيق العدالة للفلسطينيين في لبنان تحتاج لشبكة أمان، لا تستطيع متطلبات اللحظة وواقع البلد من تأمينها، نتيجة السجال الداخلي، والخوف والشكوك وإنعدام الثقة بين الأطراف كافة، الذي سرعان ما يستدعي الموضوع الفلسطيني ليأخذ مكانته فيه. لقد توجّس المجتمع الفلسطيني من أنّ كل رفض للحقوق الإنسانية للفلسطينيين وإقحامه في السجال اللبناني الداخلي تحت مبرر رفض التوطين، من شأنه أن يستعيد ثقافة الكراهية والتنابذ. الجميع بات يتفهم أنّ رفض التوطين يكون في قطع الطريق عليه، بإقرار الحقوق المدنية، وهذا لم يعد بمقدور أحد فعله، لأنّ العاقل وحده يعلم أنّ داء التوطين لا يُعالج بدواء العنصرية. كما أنّ الوطنية لا تُصنع بتهميش الآخر " نهر البارد نموذجاً ". لذلك فإن التحالفات والتطورات، تنطلق من الواقع وترسم سياسة مبنية على طبيعة وظيفية، حيث نتفق على تأديتها عبر وعي المقدمات والأسباب للنتائج التي نعيشها حالياً، وتفتح باستمرار لآفاق جديدة، ومن يحترم حاجة ومتطلبات العيش الكريم للفسطينيين، وفي ظل السيادة، والأهم أن يحفظ للسياسة إعتبارها ووفق الأسس التالية: • من الموقع الوطني الفلسطيني التمسك بالحقوق الوطنية وحق العودة. الفعل السياسي الإيجابي لخدمة المصلحة العُليا للشعبين الشقيقين صاحب الوطن والضَيف، أن يعي كل طرف خصوصية الآخر، فالخيار القابل للحياة، احترام الخصوصية اللبنانية والفلسطينية، إدراكاً بأنّ ما تعانيه هذه العلاقة لم تكن إلاّ مزيجاً من خصوصية القضية الفلسطينية وخصوصية الوضع اللبناني، وهذا يتطلب أن لا يقحم الفلسطيني في الواقع السياسي اللبناني وتجاذباته الداخلية، أو أن لا يكون عنصراً في تجاذبات فرقاء لبنان الداخلية. إنّ واجب أي فلسطيني مخلص لفلسطين أن يضع أولى اهتماماته مصلحة البلد المُضِيف. • من مبدأ هوية لبنان العربية، كما أعاد تأكيده اتفاق الطائف، يطرح عليه واجب احترام خصوصية الهوية الوطنية الفلسطينية وحفظ بقائها واستمرارها، واحترام هذه الاستثنائية، لإرتباطها بالقضية الفلسطينية، وكي لا يتحول فلسطينيو لبنان إلى جزر معزولة لا رابط بينها، بما يسهّل على القوى المعادية إنهاء وحدة الشعب الفلسطيني. كذلك احترام الكيان اللبناني وسيادته ووحدته وهويته. • من مبدأ الديمقراطية السيادة والعدالة. أي السيادة للبنان كدولة مُضِيفة، والعدالة للضَيف.. والإقلاع عن وهم: إمكانية تحقيق العدالة بلا سيادة. والوهم الآخر: سيادة بلا عدالة. إنّ أولى متطلبات خطاب ديمقراطي يساري فلسطيني، يملأ الفراغ ويكمل الدور المطلوب لتيار عريض في الدعوة إلى تحقيق السيادة وصونها في نطاق دولة عادلة، أي دولة قانون، تديرها عقول ورؤية حتى لا تتحوّل السيادة إلى استبداد.. أي القانون بوجهيه: الحقوق والواجبات.. ونعني القانون الشامل: وتحديداً لناحية كرامة الإنسان وحقوقه أياً كان الإنسان. فإنّ ذهنية الاستباحة هي محل إدانة، وأنّ استباحة الآخرين لا بدّ وأن تنتهي عاجلاً أم آجلاً باستباحة الذات لنفسها. ومن ينتمي لتيار ديمقراطي عليه أن لا يزكّي أي سياسة تنتهك حرية وكرامة الإنسان. 2_ الفلسطينيون وعلاقتهم بسوريا: العلاقة بين الفلسطينيين وسوريا يحكمها منطق السياسة أولاً، حيث أن لسوريا نموذجاً في تعاطيها مع الفلسطينيين في سوريا والذين لجؤا إليها من عام 1948، حيث يعامل الفلسطيني كالسوري أصلاً إلا في حدود الجنسية والوظيفة السياسية. لذلك ينظر الفلسطيني في لبنان أمام هذه المقارنة، بأن واقعه استثنائي. وفي المقاربة التي يحكمها المنطق الجغرافي، فإن فلسطينيو لبنان تحكمهم علاقة قربى بفلسطيني سوريا، فهم أبناء شعب واحد، وفي ذات الوقت قرب سوريا من المسرح اللبناني، ووجودها فيه على مدار السنوات الماضية، لا شك أن التأثير بكافة الأوجه رسم بصماته على الواقع الفلسطيني، دون الذهاب إلى المستوى الذي يريده البعض بأن أمر المخيمات الفلسطينية، هو بيد سوريا، هي لا تريد ذلك ولا نحن. وإضافة إلى علاقة ومكانة سوريا في الصراع الإسرائيلي العربي وممانعتها للمشروع الأميركي، الذي يجده الفلسطينيون أنه المشروع النقيض لوجودهم، فإن حاجتها السياسية والجغرافية تتكامل بالمعنى الإستراتيجي، في نظرة فلسطينيو لبنان. 3 _ هل إتفاقية أوسلو خيانة أم بحث يائس عن إتفاق مع إسرائيل؟ نحن من اعتبر في توصيف سياسي، بأن أوسلو كان تفريطاً بالحقوق الوطنية الفلسطينية، وهو بهذا المعنى، بحث يائس وبائس عن إمكانية عقد إتفاق سلام مع إسرائيل. وهو توصيف سياسي وموضوعي وليس توصيفاً " أخلاقياً " كالتي تحمله كلمة " الخيانة ". فمن الناحية المنهجية، لم يكن أوسلو إتفاقاً، بقدر ما هو إعلان مبادىء، ويعالج نتائج الصراع وليس أسبابه، بدليل أن الصراع اشتدّ في ظل أوسلو، والإستيطان وقضم الأرض وحصار المدن والقرى، والجدار ليست إلّا شواهد على إحتدام هذا الصراع ولو قمنا بمراجعة سياسية لعواقب مسيرة أوسلو، والمفاوضات التي قامت على أساس إحتكار مرجعية المفاوضات من الجانب الأميركي الحليف والداعم الإستراتيجي لدولة الإحتلال ولجرائم الحرب بحق الأرض والإنسان والحقوق، لتبين أن توصيفاتنا كانت صحيحة، وإن إسرائيل التي عادت حتى عن رشوات إتفاقيات أوسلو، صارت تبحث عن حلّ أحادي الجانب، يهدف إلى تدمير أهداف شعبنا وإجماعه الوطني على حق العودة وتقرير المصير والدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وبعاصمتها القدس. بل إن إسرائيل إستخدمت هذا الإتفاق لخداع العالم أنه ثمة سلام يجري ومفاوضات تستمر بلا نتائج إلا المزيد من دفع الشعب الفلسطيني نحو متاهات التشظي والتصفية والإلحاق. للتأكيد بأن المرحلة الإنتقالية التي صممها إتفاق أوسلو، لن تكون جسراً للشعب الفلسطيني كي يعبر إلى دولة فلسطينية وأن شعباً مقسّماً بسلطة مجزّئة، للإحتلال يد طولى في عجزها وإنهاكها، لا يستحق دولة. لذلك كان التوصيف الأكثر دقّة بإعتباره تفريطاً يستدعي المراجعة المسؤولة، لقراءة وتقييم نتائج ما سمّي بإتفاقية أوسلو، ومدتها القانونية المنتهية أصلاً. 4_ هل تشكّل عودة م. ت. ف إلى بيروت عام 2006 إنتصاراً للفلسطينين؟ هي عودة التمثيل السياسي، لنظمة التحرير الفلسطينية، وليس عودة لمنظمة التحرير الفلسطينية لما كان قبل عام 1982، حيث كان وجودها مركزياّ في لبنان، قيادة ومؤسسات وطنية وعسكرية...إلخ. لذلك فهي عودة بمثابة إستئناف للعلاقة الرسمية الفلسطينية- اللبنانية. وتشكل خطوة إيجابية بالإتجاه الصحيح، أكثر منها إنتصاراً. لأن هذه الخطوة تحتاج إلى إستكمال لبناني وفلسطيني، لبناني لجهة أن يكون هذه العودة مجرد قضية بروتوكولية أو دبلوماسية، بل ترسيخ العلاقات الوطنية الفلسطينية البنانية، وترجمة ما ورد في البيان الحكومي الأخير، بأن الحقوق المدنية للفلسطينيين في لبنان واجب إنساني على الحكومة. وهي ليست خطوة بإتجاه التوطين، وهذه المسألة من شأنها أن تكون انتصاراً لبنانياً وفلسطينياً في الآن معاً. أما فلسطينياً فإنّ إستكمال هذه الخطوة تخلق مرجعية فلسطينية جامعة، تستند إلى الأساس التمثيلي المعبّر عنه في مؤسسات م. ت. ف. والقوى الفلسطينية الأخرى. لأن التمثيل الحقيقي والفاعل يكون من خلال مهمة الجمع بين القوة الرسمية للمنظمة والفصائل التي مثلت بمجملها قوة الواقع بكافة شرائح المجتمع الفلسطيني، مهمة نصارع لتحقيقها، لكن دونها عقبات كبيرة، متأثرة في أزمة النظام السياسي الفلسطيني وحالة اللإنقسام في مجمل البنية السياسية الفلسطينية، فإن كان لدينا أولوية حفظ الوجود المجتمعي، سيبقى هذا الجهد ناقصاً بلا توحيد الإطار المرجعي السياسي، ووفق رؤية سياسية خاصة في الواقع اللبناني. 5_ الإنقسامات الفلسطينية وصعوبة الخروج باتفاق جامع. إن الدور المناط بأي قوة سياسية حكيمة وعاقلة، أن تخففق من كلفة الإنقسامات، وتأثيرها وتداعياتها الحادة والمؤذية على الواقع الفلسطيني في لبنان. فكان الجهد المبذول لمنع تأثيرات الإنقسام في السلطة الفلسطينية في الداخل الفلسطيني، قد لاقى ترحيباً من الجميع، وإن استطعنا إلى حد ما أن لا تجاري القوى الفلسطينية حالة التصادم في مكان آخر، ولكن بقيت متأثرة وأجواء الثقة مختلة بين الفصائل، دون حدوث صدامات ولكن التوحد على رؤيا وعدم الدخول في التجاذبات اللبنانية اللبنانية عبر تشكيل قيادة طواريء، كان النجاح الأهم في إخراج الحالة الفلسطينية من أي إستخدام للقوى المتصارعة في لبنان. وهذا أسهم بشكل جلي وواضح في تجنيب مخيماتنا في لبنان مآسي الصراعات الداخلية. إن الوصول إلى قيادة سياسية موحدة، يحتاج إلى خطوات من مكان آخر. وهو إنجاح الحوار الوطني الفلسطيني الشامل واستعادة دور م. ت. ف ومشاركة الجميع فيها.. هل هذا تحدي يمكن أن ينجح؟ نحن نقول أن إدراك الجميع أن المصلحة الوطنية فوق المصالح الفئوية وأي إعتبارات خاصة أخرى، فإن إرادة الحوار كفيلة بالوصول إلى حل الإنقسامات. 6_ الرقابة السياسية والإجتماعية لمخيمات اللاجئين؟ يتجلى الخطر الذي يتعرض له الوجود الفلسطيني في لبنان على المستوى المجتمعي، في أكثر من مظهر ومن أكثر من جهة، وجميعها في المحصلة يستهدف هذا الوجود، إما عن طريق خنقه ودفعه قسراً نحو الهجرة طلباً لحياة كريمة، أو تذويب هويته الوطنية تمهيداً للتوطين، أو نحو التطرف خروجاً من المشروع الوطني إلى مشاريع أخرى عبثية. أن أدراك مهمة الرقابة، يتطلب من القوى السياسية والمجتمعية إستيعاب ومواجهة التحديات وهي متعددة، إجتماعية وأمنية وسياسية. أ_ دفعا خارج القانون/ سياسة أمنية: منذ بداية التسعينات بدأت التحولات البنيوية تجري على مستوى المجتمع الفلسطيني، فقد بدأ ينتقل من وضع المعسكر، حيث تتزاحم فيه المواقع العسكرية، إلى البناء المجتمعي، حيث تتزاحم المؤسسات والجمعيات والأندية الرياضية والثقافية المتعددة الاهتمامات والخدمات. وقد ضمت هذه الأطر المئات، بل الآلاف من الشباب الفلسطيني، حيث أدى ذلك إلى تحول جدي في الاهتمامات لفئات واسعة من الشباب، ونوعياً على المستوى التربوي والثقافي والقيمي، منه ما هو سلبي " إلاّ أنّ هذه التحولات لم تلقَ أي اهتمام من قبل السلطة اللبنانية، وظلت الحكومات اللبنانية المتعاقبة في ممارسة سياسة ثابتة، أمنية التوجّه في المضمون، وسلبية في الاعلام واصفة المخيمات بالجزر الأمنية، والخارجة عن القانون، سياسة في بعض من جوانبها تعود إلى حقبة ما قبل عام 1969. ففي حين كان الفلسطيني يعيش هذا التحوّل على المستوى المجتمعي وحتى الذهني، كانت السلطة تدفع به خارج القانون من خلال جملة من الإجراءات والقوانين التي تزيد من حرمانه من أبسط الحقوق المدنية. إنّ أهم مظاهر هذا التحوّل على المستوى الفلسطيني ما وصفه التقرير "تأسيس خطاب سياسي وشعبي للمطالبة بالحقوق المدنية والاجتماعية، الكرامة والعدالة من جهة والسيادة من جهة أخرى".