في معركة "ثأر الأحرار": المقاومة تصنع المعجزات وتمسك بزمام المبادرة والعدو يفشل في استعادة قوة الردع

حجم الخط

بعد مرور أربعة أيام على المعارك المتصلة، بين فصائل المقاومة في إطار غرفة العمليات المشتركة وبين العدو الصهيوني، يمكن الجزم بأن المقاومة رغم الاختلال الهائل في ميزان القوى، ورغم التفوق العسكري الإسرائيلي التقني، ورغم الغارات الجوية المستمرة على قطاع غزة، إلا أن المقاومة لا تزال تمسك بزمام المبادرة، وتتحكم في مسار المعركة وفي النسق الناري لإطلاق الصواريخ، فرأيناها تزيد من حجم الرشقات الصاروخية، وتوسع من حجم المناطق التي تطالها صواريخ المقاومة، وبات شعاع صواريخ المقاومة يصل مراراً وتكراراً إلى محيط القدس "بيت شيمش- عرتوف" وإلى ضواحي تل أبيب، ومطار اللد "بن غوريون" وكافة مستوطنات غلاف غزة والنقب الغربي ومدينة عسقلان.

واللافت للنظر، أن المؤتمر الصحفي الذي عقده نتنياهو ووزير حربه "يو أف غالانت" مساء اليوم التالي، والذي تبجح فيه نتنياهو، بتحقيق النصر باغتيال ثلاثة من القادة العسكريين في سرايا القدس، وأن جيشه لا يزال في خضم المعركة ،وقادر على إلحاق الهزيمة بالمقاومة وأنه يرفض شروط المقاومة لوقف إطلاق النار، هذا التبجح تسبب له وللقيادة الأمنية بنكسة كبيرة، حين ردت فصائل المقاومة بعد المؤتمر الصحفي المذكور بما يزيد على (300) صاروخ في أقل من ثلاث ساعات، طالت ريتش لتسيون وتل أبيب، ومحيط القدس ومطار اللد وعسقلان ومعظم مستوطنات غلاف قطاع غزة.

لقد جاء اليومان الثالث والرابع من المواجهة، ليقلب الطاولة على رأس المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، حين صبت المقاومة جام نيران صواريخها، على كل الأهداف المحددة في بنك أهدافها رداً على استهداف المدنيين وقصف المنازل واغتيال قادة عسكريين آخرين بحيث وصل مجموع الصواريخ التي انطلقت من قطاع غزة، منذ بداية العدوان الصهيوني- وفق تصريحات حكومة العدو الصهيوني- 866 صاروخاً، لم تسقط منها سوى 200 صاروخاً محققةً حالة من الصدمة والترويع في صفوف المستوطنين، ففي هذين اليومين جرى دك مدينة تل أبيب والقدس ومحيط مدينة بيت لحم، والمجمعا الاستيطانية في سديروت، وناحل عوز، ونير عام، "وياد مردخاي" و"نتيف هعسراه"، و"اشكول" ومعبر كرم أبو سالم، بمئات الصواريخ ما أدى إلى إصابة العديد من المباني وتدميرها، وإصابة العديد من المستوطنين بجروح باعتراف العدو، حيث اعترفت هيئة الإسعاف الإسرائيلي بإنها تعاملت مع 57 إصابة في صفوف الإسرائيليين، منذ بداية التصعيد على قطاع غزة الثلاثاء الماضي.

تل أبيب والقدس تحت نار المقاومة

خلاصة المواجهة المحتدمة حتى ظهيرة اليوم الرابع تمثل فيما يلي:

1- تمكن المقاومة مساء اليوم الثالث من المواجهة، من توجيه ضربة صاروخية من العيار الثقيل إلى ضاحية روحوفوت في تل أببب، والتي أصابت مبنى إسرائيلي من أربعة طوابق وفشل صواريخ "مقلاع داوود" في التصدي لها، واعتراف العدو بمصرع مستوطن وإصابة 15 آخرين بجروح، ما أفقد قيادة العدو أعصابها وراحت تناشد المستوطنين بالالتزام بتعليمات قيادة الجبهة الداخلية.

2- المفاجأة الكبرى للمقاومة ظهيرة اليوم الرابع من المعركة، والتي أصابت نتنياهو بصداع مزمن وبارتباك كبير، ووضعت مستقبله السياسي، ومستقبل حكومته الأكثر فاشية على كف عفريت، تمثلت بقيام المقاومة بدك مستوطنة "غوش دان" في محيط تل أبيب برشقات صاروخية، وبدك القدس ومحيطها ومحيط مدينة بيت لحم برشقات محكمة من الصواريخ، حيث قصفت مستوطنتا بيت شيمش وجيلو في القدس المحتلة، ومستوطنتا كفار عتسيون وبيتار عليت قرب مدينة بيت لحم، بوابل من الصواريخ الثقيلة، حيث شاهدنا الفيديوهات التي تبين هروب المستوطنين إلى الملاجئ، وإلى الحقول والأحراش المجاورة للطرقات للاحتماء من صواريخ المقاومة.

خلاصة المواجهات حتى ظهيرة اليوم الرابع من المعركة المشتعلة بين فصائل المقاومة وقوات العدو الصهيوني يمكن تلخيصها بما يلي:

أولاً: في جانب المقاومة

1-أن المقاومة بإمكاناتها المتواضعة، ورغم الفرق الهائل جداً في ميزان القوى، لا تزال سيدة الموقف في إدارتها الذكية للمعركة، وفي تكتيكاتها العسكرية، عبر إطلاق صواريخ من مناطق متعددة من القطاع، إلى مناطق متعددة داخل الكيان الصهيوني، وعبر مدايات متعددة، أربكت القبة الحديدية، مستندة إلى مراكمتها الخبرة العسكرية في المواجهات السابقة، وإلى إرادتها الصلبة، وإلى مناوراتها المشتركة" الركن الشديد"، وباتت المقاومة تخوض حرب استنزاف للكيان الصهيوني باقتدار.

2- أنها استخدمت تكتيك الحرب النفسية باقتدار، عندما أخرت الرد على اغتيال القادة الثلاثة من سرايا القدس حوالي 36 ساعة، وهذا التكتيك شل الحياة في المناطق الجنوبية في فلسطين المحتلة، ودفع مئات الآلاف من المستوطنين للمبيت في الملاجئ أو الهرب إلى مناطق أكثر أمناً وتعطيل المدارس والقطارات.. الخ.

3- أنها أدارت معركة إطلاق الصواريخ بنجاح كبير، حيث تمكنت من تحدي صواريخ القبة الحديدية وصواريخ "مقلاع داوود"، عبر استخدام صواريخ بتقنيات متطورة، وعبر استثمار فترة إعادة تلقيم صواريخ القبة الحديدية، بإطلاق رشقات صاروخية دون أي اعتراض لها.

4- أنها تدرجت في مسلسل بنك الأهداف، بحيث بات كل موقع في الكيان الصهيوني في منطقة الوسط والجنوب وفي محيط القطاع، محل استهداف لصواريخ المقاومة.

5- برهنت المقاومة أن اغتيال القيادات العسكرية " خمسة من قادة سرايا القدس وهم: جهاد الغنام وخليل البهتيني وطارق عز الدين وعلي غالية وأحمد أبو دقة " وخمسة من كوادر كتائب الشهيد أبو علي مصطفى العسكرية وهم: محمد يوسف أبو طعيمة، علاء ماهر أبو طعيمة، أيمن كرم صيدم، علم سمير عبد العزيز، وعدي رياض اللوح، واثنين من قادة كتائب المجاهدين وهم: محمد دادر وحسين دلول " لم يفت من عضدها، بل زادها تصميماً وقدرةً على مواصلة القصف لمغتصبات العدو كماً ونوعاً.

وما جاء في بيان الناطق باسم سرايا القدس حول "أن اغتيال القادة لن يوقف مسيرة المقاومة وأن هناك كوادر وقادة آخرين قادرون على تحمل المسؤولية، وأننا قادرون على توسيع دائرة النار" يؤكد أن عمليات الاغتيال في السياق التاريخي للصراع مع العدو، تزيد من صلابة المقاومة، وتجعلها أكثر إصراراً على تحقيق أهدافها.

6- أن غرفة العمليات المشتركة "هيئة أركان فصائل المقاومة"، بحكم قدرات فصائل المقاومة القتالية، وخاصةً دور "سرايا القدس" المركزي بوصفها حسب عقيدتها وطرحها بأنها "ولي الدم" وبحكم إرادة المقاومة، وبحكم استناد المقاومة إلى حاضنة شعبية هائلة وغير مسبوقة، ورغم الخسائر البشرية في صفوفها، التي وصلت حتى ظهيرة اليوم الرابع إلى 31 شهيداً و93 جريحاً، أبلغت الوسيطين المصري والقطري، أنها لن توقف القتال إلا بموافقة حكومة العدو، على شروط المقاومة الثلاث وهي: وقف سياسة الاغتيالات في قطاع غزة وفي الضفة الغربية وفي الشتات / تسليم جثمان الشهيد خضر عدنان وكافة جثامين الشهداء إلى ذويهم / وقف مسيرة الأعلام الصهيونية للمسجد الأقصى المقررة في 18 مايو ( الجاري) في ذكرى احتلال القدس/ وقف الإجراءات التضييقية على الحركة الأسيرة / رفض مطلق لطرح العدو الصهيوني هدوء مقابل هدوء" والإصرار على وقف إطلاق النار وفق شروطها.

ثانياً: في جانب الكيان الصهيوني

1-فشل العدو الصهيوني في استعادة قدرة الردع، بعد أن تمكنت المقاومة من شل الحياة في الكيان الصهيوني، فالإنجاز التكتيكي الذي حققه العدو باغتياله القادة الثلاثة في سرايا القدس في فجر اليوم الأول من العدوان، تبخر لاحقاً أمام مئات الصواريخ التي دكت منطقة الوسط والقدس وعموم مستوطنات غلاف قطاع غزة، ملحقة خسائر كبيرة على الصعيد الاقتصادي والبشري وفي البنية التحتية للمستوطنات.

فقد أشارت وسائل إعلام إسرائيلية "إنّ العملية في غزة لم تكسر أي معادلة، ولم تغيّر أي أمر أساسي" مضيفةً "بأنّه يتوجب على حكومة نتنياهو مصارحة سكان مستوطنات غلاف غزة بهذه الحقيقة".

وبهذا الصدد قالت صحيفة "إسرائيل هيوم": "من يتبجّح في الجانب الإسرائيلي بتغيير المعادلة مدعو للعودة إلى البداية: للمرة الثالثة في 3 سنواتٍ ونصف سنة، تكرر إسرائيل المناورة نفسها، وأثر الردع في الجهاد الإسلامي قصير وبحاجة إلى صيانة دائمة".

من جانبه، ما يسمى برئيس مجلس "الأمن القومي" للاحتلال، "تساحي هنغبي"، قال بصريح العبارة: "أن لا مصلحة للاحتلال في مواصلة المعركة الحالية مع الفصائل الفلسطينية، مشيراً إلى أنّ "فرصة تحقيق ردع طويل الأمد منخفضة، في حين نقلت صحيفة "هآرتس" عن مصدر سياسي رفيع قوله إنّ "لإسرائيل مصلحة في إنهاء الصراع مع فصائل غزة في أسرع وقت ممكن".

2- فشل العدو في إحداث انقسام في صفوف المقاومة، بزعمها أن حماس لم تشارك في المعركة القائمة، وأن المعركة تستهدف فقط حركة الجهاد الإسلامي، حيث تخوض المقاومة المعركة بمشاركة جميع الفصائل، وإن كان لسرايا القدس – الذراع العسكري لحركة الجهاد الدور الرئيسي والمركزي في هذه المعركة.

3- أثبتت المواجهة القائمة بين فصائل المقاومة وقوات العدو، هشاشة الجبهة الداخلية للعدو، على الصعد العسكرية والاقتصادية والمعنوية، مقابل تماسك الجبهة الداخلية للمقاومة، إذ لم يعد بإمكان العدو شن حرب طويلة مع المقاومة ،بحكم أن مغتصباته وعمقه بات تحت مرمى النار الفلسطينية، فهروب عشرات الآلاف من المستوطنين إلى الشمال وإلى إيلات، ومكوث الملايين في مستوطنات الغلاف والوسط بما فيها مدينة تل أبيب في الملاجئ، وتعطل الحياة الاقتصادية، وتوقف حركة القطارات وكذلك تعطل مطار اللد "بن غوريون"، خلق حالة من التذمر والقلق الوجودي لدى المستوطنين، على النحو الذي حصل إبان معركة سيف القدس في مايو ( أيار) 2021، كما أن المستثمرين الذين بدأوا يفكرون بمغادرة الكيان الصهيوني على خلفية الانقسام القائم على أرضية الانقسام بين العلمانيين والمتدينين، وعلى أرضية الانقسام الاثني بين اليهود الشرقيين "السفارديم" واليهود الغربيين "الاشكنازيم"، وبسبب تخفيض التصنيف الائتماني ل( إسرائيل) باتوا أكثر حماسة لمغادرتها في ضوء انعدام الأمن فيها.

4- لقد أراد نتنياهو من المعركة ضد المقاومة في قطاع غزة التي أسماها "الدرع والسهم" الهروب بأزمة الكيان الداخلية إلى الأمام، لوقف حراك المعارضة ضده على خلفية أزمة التغييرات في المنظومة القضائية، لكنه فشل بعد مرور أربعة أيام من بدء المعركة، فزعيم المعارضة "يائير لابيد" الذي تضامن معه في البداية، عاد لينتقد فشله في تحقيق الهدف المركزي من المعركة، ممثلاً باستعادة قوة الردع المتآكلة، وطالب بوقف العملية فوراً، ما يعني أن المظاهرات الصاخبة بمئات الألوف ستعود ضده في الأيام القادمة، بعد أن تضع الحرب أوزراها.

4- لقد راهن نتنياهو على منظومة "القبة الحديدية" على اصطياد صواريخ المقاومة، لكنها هذه القبة فشلت فشلاً ذريعا، ولم تتمكن من إسقاط سوى نسبة قليلة منها، ما يعني أن قدرة التصدي الإسرائيلي للصواريخ الفلسطينية، باتت وراء ظهر المقاومة الفلسطينية، ما جعل المستوطنين في الكيان في حالة من انعدام الأمن وهم يتلقون الضربات من المقاومة من قطاع غزة ومن المقاومة المشتعلة في الضفة الغربية.

لقد دخل العدو الصهيوني في حالة من التخبط والارتباك، فبعد ساعات من قصف مستوطنة روحوفوت في محيط تل أبيب، أوصت القيادات الأمنية في اجتماعها مع نتنياهو بوقف العملية العسكرية، وبعد نجاح غرفة العمليات المشتركة للمقاومة بدك القدس المحتلة والمستوطنات المحيطة بها والمحيطة بمدينة بيت لحم، برشقات صاروخية كبيرة راح نتنياهو يوصي باستمرار المعركة وشن المزيد من عمليات القصف على قطاع غزة.

وأخيراً: ننحني إجلالاً لقطاع غزة، وللشهداء والأسرى والجرحى فيه، فهذا القطاع الذي لا تتجاوز مساحته 360 كيلو متر، بطول 41 كيلو متر وبعرض يتراوح بين 5 إلى 15 كيلو متراً، هذا القطاع الأشم بأبنائه الأشاوس في مختلف فصائل المقاومة، المستندة إلى حاضنة شعبية (ما يقارب 2 مليون نسمة)، يصنع المعجزات رغم الحصار المطبق عليه براً وبحراً وجواً، ويكيل الصاع صاعين للاحتلال ويشكل سنداً للقدس وللضفة في مقاومتها المشتعلة في إطار وحدة الساحات.