"أنا امرأة من فلسطين": الأمومة في فيلم حلو ومر

تعتبر السينما وسيلة هامة للتأثير على المجتمع ونقل القيم الثقافية والحضارية حيث تساهم في تغيير الواقع
حجم الخط
تعتبر السينما وسيلة هامة للتأثير على المجتمع ونقل القيم الثقافية والحضارية حيث تساهم في تغيير الواقع نحو الافضل للشرائح الاجتماعية المختلفة، والمرأة بدورها استفادت من هذا الفن اداءاً واخراجاً لطرح قضاياها داخل المجتمع الفلسطيني، بشكل انساني يحمل فكر التحرر والمساواة من خلال الرسائل الاجتماعية التي تبني الاسرة وتنطلق في سبيل تقدم المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية. اثارت افلام شاشات النقاش حول قضايا المرأة الفلسطينية والتي لم تأخذ حيز كافي من الاهتمام في الوسائل الاعلامية والثقافية، حيث قالت ريما نزال وهي كاتبة في مجال قضايا المرأة في مشروع "أنا امرأة من فلسطين": ان المهرجان نقل صوت المرأة الفلسطينية بصدق ووضوح، واضافت بان الافلام النسائية الفلسطينية وافلام شاشات بشكل محدد اكتسبت اهمية كبيرة بنواحي عدة حيث تخصصت بافلام المرأة والتي لم تكن قد أخذت حيزاً كافياً من قبل. وتكمن اهمية هذه الافلام بانها اثارت النقاش حول قضايا المرأة والتي تقاطعت مع النقاشات الدائرة في اوساط الحركة النسوية الفلسطينية واوساط الحركة المجتمعية حول المساواة والحقوق. وتكتسب هذا الأفلام أهميتها من الفن بشكل عام وتحديداً الفن المرئي له جمهور واسع ويوصل الرسائل ببساطة وبشكل مباشر يفهم المشاهد من خلاله أهداف الحركة النسوية. وتضيف نزال ان افلام شاشات تنطلق من فكر تقدمي يؤمن بالمساواة وتسعى الأفلام لتعزيز هذه المفاهيم في مجتمعنا الفلسطيني الذي تعدد فيه الثقافات والرؤى والطبقات الاجتماعية والفكرية، حيث ان استخدام السينما كفن جماهيري سيحقق الهدف المرجو من هذه الافلام. وتقول امل الجعبة من مركز المرأة للارشاد القانوني والاجتماعي على أحد افلام شاشات فيلم "حلو ومر" ان الفن بشكل عام والسينما على وجه الخصوص لها دور تربوي مهم لتقريب بين الاجيال وردم الفجوة بينها ، فالفيلم يعكس معاناة الام والدور الكبير الملقى على كاهلها واثر ذلك عليها، حيث تزداد الأعباء عليها يوماً بعد يوم. ولدى المرأة مبررات كافية للإحساس بالجبن، طالما أن العرف الاجتماعي يلقي على عاتقها عبء العمل المنزلي اضافة الى الولادة والارضاع والسهر مع الاطفال سواء كانت أم عاملة ام ربة منزل. وتدور أحداث فيلم "حلو مر" الوثائقي للمخرجة لنا حجازي من غزة حول مقارنة بين حياة امرأتين الأولى نسرين والثانية ميسون، كلتاهما يجمعهما قاسم مشترك وهو انجاب وتربية الاطفال، الا ان الاختلاف يكمن بعدد اطفال والفترة التي تم انتظارها لحصول الحمل، حيث ان نسرين انتظرت تسعة اعوام وبفارغ الصبر ان ترزق بالاطفال وبعد هذه المدة انجبت خمسة توائم من خلال عملية زراعة"، حيث اوضح الفيلم المعاناة التي رافقتها بعد الولادة، خاصة اثناء وجود اطفالها الخمسة بالعناية المركزة لمدة عشرة ايام،مظهراً خوفها وقلقها على حياتهم، وهنا يبرز تدخل الاخصائية النفسية في المستشفى التي نصحتها بالتواجد بالقرب من اطفالها والتحدث معهم ليستمدوا منها الحياة. ثم تنقلنا المخرجة الى واقع وجود الاطفال الخمسة بحياة الام والتحديات التي واجهتها لتلبية احتياجاتهم والاعتناء بهم، الأمر الذي قلب حياتها رأساً على عقب مما ادى الى اختلاط المشاعر لديها في خضم الدور وحجم المسؤوليات وعبرت عن ذلك عندما قالت انها ليس لديها وقت لتشعر بالأمومة لكثرة مسئولياتها، وهنا يبرز السؤال عن دور الاب في اخذ مسؤلياته في التربية بالاضافة الى العبء الاقتصادي الملقى على الاسرة لإعالة هذا العدد من الاطفال. أما الأم الثانية ميسون لم تنتظر كثيرًا بعد الزواج حيث حملت، لتنجب طفلها الأول، وتتحدث ميسون بالفيلم عن تجربتها مع الأمومة واصفة حالة السعادة التي تمر بها أثناء تربيتها لطفلها كما تتحدث عن التغيرات التي طرأت على حياتها بسبب المسؤولية التي تترتب عليها كأم. الجميل بالفيلم والذي استمر لتسعة دقائق، انه نقلنا لمراحل تطور ونمو الاطفال وهم اجنة ومن ثم وهم في العناية بالمستشفى وبعد ذلك وهم في سن اكبر يتابعون واجباتهم المدرسية، مركزاً على المسؤولية والعبء الذي يقع على الأم بشكل خاص. فيلم "حلو ومر" فتح الباب على مصراعيه للنقاش والجدل واختلفت الآراء حول مؤيد ومنتقد لمضمون الفيلم، كما جرى تقييم الفيلم من قبل الطلبة بعد انتهاء الفيلم، فتم تسليط الضوء بالنقاش على قضية رئيسية وهي مفهوم الشراكة ما بين الأم والأب ودور كل منهم في رعاية الاطفال والاعمال المنزلية والتي تعتبر من "الادوار الانجابية" الخاصة بالمراة نتيجة العادات والتقاليد والموروث الثقافي الذي يعزز السلطة الذكورية في المجتمع ونرى ان الرجل يغيب دوره في مساندة المرأة بالبيت وداخل الأسرة كالعادة. ان ازدواجية المعايير تسمح للمجتمع أن يتقبل بكل بساطة أنماطاً من السلوك تفرض على المرأة واجبات إضافية دون أن يرضى في المقابل بإجراء أي تعديل على بنية نظامه الحقوقي مايجعل التنسيق بين الزوجين يأخذ مسالك مضطربة و يحظى بكثير من الأخذ والرد . التشارك في الحياة الأسرية والأعباء المنزلية أمام الأطفال يخلق جواً من التعاون والمشاركة، ويعلمهم قيمة الشراكة بين الجنسين، ويساهم في تغيير هذه الثقافة المجتمعية لتخرج إلى جو أكثر اتساعاً وأكثر عدالة بالمجتمع، ثم إلى حالة من التأثير الايجابي للفرد على المجتمع، وهذا لا يكون إلا بتغيير المفاهيم السائدة وخلقها من جديد وتعديل الصور النمطية، بالاضافة إلى العمل نحو تحقيق المساواة بين الجنسيين والتي لا تعني صعود أحدهما على حساب الآخر، بل تعني التكافؤ والتكامل والتساوي في الحقوق والواجبات بشكل كامل، وتحقيق العدالة الاجتماعية. ويسلط "حلو ومر" الضوء على دور الدولة ومسؤولياتها بدعم وتحمل الجزء الاكبر من التكاليف اللازمة لرعاية الاطفال في الاسر التي تنجب اكثر من طفل في حالات الاخصاب خاصة حيث ان التكلفة مرتفعة لهذه العمليات، كم يلتفت الفيلم إلى الدور المؤسساتي في رعاية النساء وتقديم العون لهن سواء كان معنوياً أو مادياً، الشيء الذي يجب أن تأخذه الحكومة بعين الاعتبار، بحيث لا تقدر الأسرة الفلسطينية في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها معظم الشعب الفلسطيني على القيام بهذا العبء وحدها. وناقش الجمهور الرعاية الصحية الموجودة في العيادات وفي المستشفيات ومدى أهليتها لرعاية الامهات وتحدث عن العديد من حالات الوفاة للامهات او اطفالهن اثناء عملية الولادة بسبب اهمال الاطباء، وهذه رسالة اخرى قيمة من رسائل الفيلم. كما تم الالتفات إلى أهمية تقديم الإرشاد النفسي للمرأة قبل فترة الولادة وبعدها، نتيجة للمخاوف والضغط النفسي الذي يحيط بالمرأة في المجتمع الفلسطيني بسبب عدم الانجاب لفترة طويلة كما ان كثير من الامهات يحدث عندهن اكتئاب ما بعد الولادة وهو مرض طبيعي يحدث عند كثير من الامهات نتيجة تغييرات هرمونية وبيولوجية تطرأ على جسم المراة بسبب الانخفاض الحاد في هرمون الاستروجين بعد الولادة فيجب توعية كل من الرجل والمراة على حد سواء، بان المراة ليست مجرمة عندما تبتعد عن الطفل ولا تقصد الاساءة الى الطفل فالعوامل البيولوجية وآلآم الولادة هي التي تؤدي الى ذلك وهذا لا يعتبر انتقاص من الامومة بأي حال من الأحوال. المخرجة لنا حجازي قالت ان الفيلم ومن اسمه " حلو ومر " يتناول الصعوبات التي تواجه المرأة كأم بالرغم من حلاوة ومتعة تربية الأطفال، لأنه حتى يكبر الاولاد وحتى يصبحوا شباب وشابات يحتاجون الى مجهود كبير وعناية وتعب شديدين ، حيث كان ذلك واضحاً في حالة نسرين و أطفالها الخمسة فتربية طفل واحد عملية صعبة فما بالكم بخمسة؟؟، اضافة الى الامومة بفلسطين بشكل عام تحت احتلال وما يصحبه من قصف واعتداءات اسرائيلية يجعل الامهات دائما في حالة من الخوف على اطفالهن وقلق عليهم في حالة خروجهم من البيت وحتى داخل البيت وفي احضان الاهل. كما دار النقاش حول الاجحاف الكبير الذي تواجهه المرأة اذا كانت عاملة في اي قطاع سواء الخاص او الحكومي او مؤسسات المجتمع الاهلي والذي يحمل مفهوم ثقافي ذكوري بخصوص اجازة الامومة وساعات الرضاعة. حيث تحدث النقاش عن الاجحاف بحق الام العاملة وعدم توفر حضانات ترعى اطفالها وعن أهمية ان يكون هناك قانون يكفل حياة كريمة للمرأة واطفالها. غادة طيراوي رئيسة مجلس ادارة مؤسسة شاشات قالت ان تقبل الجمهور الفلسطيني لهذا النوع من الافلام بازدياد وذلك نتيجة لتنوع الافلام وتطرقها لقضايا تهم المجتمع والشعب الفلسطيني وتنوع المواضيع التي تعالجها الافلام سواء روائية او وثائقية. واخيراً فلقد نقل فلم "حلوومر" صورة المرأة الفلسطينية بمعاناتها وبهموها الى الجمهور الواسع علها تلقى بعض الانصاف والاهتمام لدورها الكبير كمرأة وكأم .