د. محمد مراد يرثي المناضل النقابي الشيوعي كمرات

لا يسعني في هذا المقام  إلا وأن أتقدم  بالعزاء الحار لجميع أفراد اسرة الفقيد ولاهله داخل السودان وخا
حجم الخط
لا يسعني في هذا المقام إلا وأن أتقدم بالعزاء الحار لجميع أفراد اسرة الفقيد ولاهله داخل السودان وخارجه متمنياً للجميع الصبر والسلوان لجميع الذين يعتصرهم الحزن والألم اسر رحيل كوكبة من رفاقنا الاعزاء خلال الشهور والاسابيع الماضية نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر أحمد حبيب أبو القاسم، من الله عبد الوهاب ، محمد بابكر والدكتور جعفر محمد صالح، إننا نفتقدهم في ظروف نحن أحوج فيها لخبراتهم وعطائهم وتضحياتهم الجسام على مدى سنين طويلة تحملوا فيها عبء النضال بثبات وعزم لتحقيق الأهداف والمثل النبيلة التي استشهد من أجلها قادة الحزب والحركة النقابية السودانية، والرفيق عبد اللطيف كمرات هو واحد من هؤلاء القادة العظام الذين تركوا لنا ارثاً قيماً ننهل من معينه ولنستهدئ بقيمه النضاليه. في هذا السياق ولتبيان أهمية الماضي بالحاضر والمستقبل أعود بالذاكرة إلى فترة الخمسينيات من القرن الماضي حيث تعرفت لأول مرة على الرفيق كمرات وكان ذلك في مدينة مدني حيث كان أحد قادة الحزب المفرغين الاساسيين في مديرية الجزيرة. التقيت به في منزل مؤجر من قبل بعض الموظفين ينتمون للحزب، لكنهم معروفين بأنهم أعضاء في الجبهة المعادية للاستعمار، في ذلك المنزل كان يسكن عبد اللطيف. كنت أحد أعضاء وحدة رابطة الطلبة الشيوعيين حيث نعقد اجتماعات الوحدة في المنزل المذكور وعلى الرغم من أن الرفيق عبد اللطيف لم يكن مسئولاً عن الوحدة إلا أنه كان يشارك في المناقشة كلما اتيحت له الفرصة، وفي حقيقة الأمر كنا نتشرف بسماع ارائه وما يقدمه من أفكار خاصة وأنه يمتلك اسلوباً سهلاً لا يخلو من الطرافة عما يريد قوله اثناء تلك الفترة، ايضاً تعرفت وعن قرب عن حياته الخاصة وعمله الحزبي، كان يهتم كثيراً وبجدية يرتب حاجياته الشخصية وملبسه ومظهره الخارجي كان يلبس بصورة منتظمة بنطلون من قماش يسمى سولار وقميص ابيض كان الموضة والبنطلون من الكوردروي. الأهم من ذلك كان يقوم بعملية الغسيل والمكواه بنفسه. ومن بين الاعمال والمهام الحزبية التي كان يقوم بها طباعة البيانات والمنشورات على ماكينة الرونيو القديمة ثم اعداد الرسائل للاقاليم. علاقتنا الخاصة به اتاحت لنا الفرصة للاطلاع أولاً بأول بمحتويات تلك البيانات والمنشورات والاستماع إلى ارائه وتعليقاته الصريحة وامتدت العلاقة بعد مرحلة رابطة الطلبة الشيوعيين إلىالعضوية الكاملة في الحزب والعمل في اطار الهيكل التنظيمي القيادي لمديرية الجزيرة، واصبحت لدينا مساحة واسعة من اللقاءات في اطار الحياة الاجتماعية وقد كانت مرحلة مليئة بالاحاديث الشيقة والقصص والتجارب السياسية الجادة، ودون شك كان عبد اللطيف كمرات سيد الحديث. نسبة لضيق المساحة المتاحة اكتفي بالاشارة إلى مسألة واحدة أعتبرها أكثر أهمية في حياة عبد اللطيف السياسية والمسألة تتعلق بالزيارة التي ذهب فيها عبد اللطيف إلى ايطاليا في مهمة نقابية، حدثنا عبد اللطيف طويلاً وفي أغلب المناسبات عن تفاصيل تلك الزيارة واللقاءات والاجتماعات التي عقدها مع قادة النقابات والناشطين الإيطاليين. كانت عبارة عن فتح جديد له في عالم العمل النقابي والسياسي، الجميع كانوا ينادونه كمرات وقد أصبحت تلك الكلمة تعني بالنسبة إلي الرفاقية الحميمية والتضامن. ما زودنا به الراحل في ذلك التاريخ من حقائق وتفاصيل حول النضال من أجل الحقوق والعدالة والحريات زادنا معرفة ووسع مداركنا حول ما يجري في واحدة من أكبر الدول الراسمالية التي لا تخلو الحياة فيها من فقر وضيق فرص العمل ومصادرة الحقوق. انني عندما أنظر إلى الخلف عبر تلك السنين الطويلة من نضال الحزب وحركة الطبقة العاملة السودانية استطيع أن اقول أن الحزب بنى استراتيجية صحيحة نابعة من النضال الدؤوب على أرض الواقع والتجارب المكتسبة عالمياً محورها النضال الوطني والتضامن الاممي بين عمال وشعوب العالم المضطهدة. في الختام أدعو جمع وكتابة وتوثيق ما تركه الراحل الرفيق كمرات من تراث قيم لا غنى عنه لعمل المناضلين خاصة الشباب الصاعد والعمل على نشره على أوسع نطاق.