وما زال مسلسل القتل مستمراً

حجم الخط
جرائم وعمليات قتل وأي كانت الذريعة أو السبب،فهي لا يمكن تبريرها ،فهي جرائم وبوهيمية ووحشية وتعبير عن حالة بامتياز،فهي عدا عن كونها قتل خارج القانون،أو تعارض مع كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية،فهي تعبير عن مدى عمق الأزمة المجتمعية التي يشهدها مجتمعنا الفلسطيني،وغياب السلطة والقانون والمحاسبة الرادعة لمرتكبي مثل هذه الجرائم،والتي إن كانت ضحيتها امرأة أو فتاة تغلف بغلاف الشرف،في ظل وضع يغتصب فيه شرف الأمة من محيطها الى خليجها وتدنس مقدساتها دون أن نحرك ساكناً،بل ونتجند للمساهمة في عملية الاغتصاب تلك،والتغليف هنا حتى يتم تبرير عملية القتل وتخفيف الحكم بحق القاتل،أي منحه رخصة لارتكاب الجريمة،وتشجيع لغيرة على ارتكاب جرائم مشابهة. وفي الوضع الفلسطيني الراهن،ومع دخول مجتمعنا الفلسطيني مرحلة الاستنقاع أو ما بعدها،أي مرحلة الانهيار الكلي والشمولي، لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع عن حوادث عنف في المجتمع الفلسطيني جريمة قتل هنا واحتراب عشائري وقبلي هناك،اختطاف وابتزاز وزعرنات وعربدات وتعدي على الحقوق والكرامات،ويبدو أنها في الشهر الفضيل تتصاعد وتزداد حدة ووتيرة،رغم أن المنطق والعقل يقول،أنه يجب ان تنخفض الى أدنى مستوياتها ومعدلاتها في هذا الشهر ولكن يبدو انه لا رمضان ولا شعبان ولا دين ولا قيم ولا أخلاق بالوارد دورها في حسابات هذا الرعاع الهائج في لجم هذه الظواهر،فحتى في الجاهلية كان هناك أشهر حرم،وهذه الحوادث والجرائم التي تتصاعد يوماً بعد يوم في مجتمعنا الفلسطيني تنذر بعواقب وخيمة على النسيج المجتمعي الفلسطيني الآخذ في التفكك والانهيار،وهناك من يرجع حوادث العنف والجرائم تلك بأشكالها ومظاهرها المتعددة (عنف جسدي ونفسي واجتماعي وعاطفي ولفظي ) إلى عامل رئيس ألا وهو وجود الاحتلال الإسرائيلي،هذا الاحتلال الذي يمارس كل أشكال وأنواع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني من قتل واعتقال ومصادرة أراضي وهدم منازل وحصار وتجويع وعزل وجدران وغيرها،فهذه الجرائم تخلق حالة واسعة من الإحباط واليأس والضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية،والتي تنفجر على شكل سلوك عنيف وعدوانية بين مختلف فئات الشعب الواحد،فالانتظار على الحواجز العسكرية لساعات طويلة على سبيل المثال لا الحصر،من شأنه دفع الناس إلى ممارسة العنف سواء اللفظي أو الجسدي،وانتظار الأهالي أمام بوابات السجون الإسرائيلية لساعات طويلة من أجل زيارة أبنائهم الأسرى قد يفضي للنتائج ذاتها،وكذلك سياسة الحصار والتجويع تؤدي نفس الغرض،فنحن ندرك أن الاحتلال يعمل بشكل ممنهج ومنظم على تخريب البنية الاجتماعية الفلسطينية كاملة،وله الدور الرئيس والهام في هذا الجانب،ولكن ليس الاحتلال وحده من يتحمل المسؤولية في هذا الجانب فلا شك بأن الجهل والتخلف والمواريث الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية المتخلفة وغياب الوعي وانتشار ثقافة الدروشة والتكفير والتخوين وعقلية امتلاك الحقيقة المطلقة وشيوع المفاهيم الخاطئة في التربية،وكذلك انفصال العقيدة عن السلوك والتدين عن الأخلاق،كلها من العوامل التي تدفع نحو انتشار مظاهر العنف في المجتمع الفلسطيني على نطاق واسع،وخاصة إذا ما ترافق ذلك مع غياب للسلطة والعناوين والمرجعيات وشيوع الفلتان بأنواعه وأشكاله المختلفة،وتسييد ثقافة البلطجة والزعرنة والاستزلام. وهنا يجب الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية،وهي أن الأحزاب والقوى المنوط بها قيادة المجتمع ومحاربة العنف بأشكاله المختلفة لا تشكل عنوان ومرجعيات موثوقة للجمهور،فهي تمارس العنف والتعبئة الخاطئة والحاقدة ضد بعضها البعض. وممارسة العنف في المجتمع الفلسطيني لا تقتصر على شكل واحد من أنواع العنف والسلوك العدواني،والذي نرى تجسيداته وتجلياته العملية من خلال جرائم القتل والتخريب والاقتتال والاحتراب العشائري والشللية في المدارس القائمة على العشائرية والجهوية والبلدية،بل ونرى ان هذا العنف يمتد ليطال النساء والأطفال،وفي هذا الجانب نسجل بأن البعض يرجع العنف الممارس بحق المرأة مرده إلى حالة الإحباط واليأس وتردي الأوضاع الاقتصادية والتي تضطر وتدفع بالرجل إلى ممارسة والقيام بسلوك عدواني تجاه زوجته او أخته أو ابنته،ولكن يضاف الى ذلك الثقافة الأبوية والتسلطية والقمعية السائدة في المجتمع وما يرافق ذلك من نظرة وتقاليد اجتماعية بالية ودونية للمرأة ككائن بشري،حتى أن البعض لا ينظر ويتعامل مع المرأة فقط على أساس أنها "فقاسة دجاج" ومكانها الوحيد هو المطبخ،بل وأبعد من ذلك كبضاعة وسلعة يستبدلها متى يشاء،أو رجس ونبتة شيطانية،فهو عندما يتحدث عن المرأة يقول "أجلكم وأعزكم الله"،والعنف بحق المرأة ليس قصراً على العنف اللفظي بل يمتد للجوانب الجسدية والاقتصادية والعاطفية،حيث يحرم الكثير من الأزواج زوجاتهم من التحكم في مرتبها او دخلها ،وفي الجانب العاطفي نشهد تزايداً في الاعتداءات الجنسية. لن ينقذنا من هذا العنف الاحتلال وأجهزته الشرطية،فهو الذي يوفر كل المقومات لاستمرار العنف في مجتمعنا،هو وأدواته المأجورة من يوفرون السلاح المشبوه والسموم ويغذون قضايا الاحتراب والخلافات العشائرية والطائفية،فشرطة الاحتلال التي تحضر أو تستدعي لفض أي اشتباك أو احتراب اجتماعي عائلي أو عشائري،تنتظر حتى نهاية أو هدوء الاشتباك أو الاحتراب العائلي والعشائري ولسان حالها يقول "فخار يكسر بعضه" والكثير من الجرائم والاعتداءات تسجل ضد مجهول ولا تحل ألغازها،ولكن إذا ما تعلق الأمر بعمل مقاوم أو سلاح نظيف،فقوات الاحتلال وشرطته توصل الليل بالنهار من أجل معرفة من يقف خلف تلك الأعمال أو السلاح،وكذلك مشكلة العنف لا تحل بالندوات والمحاضرات وورش العمل واللقاءات المتلفزة وفنجان القهوة ونشر الصكوك العشائرية في الصحف والحديث عن التسامح والكرم العربي الأصيل مع التقدير لكل جهد أو نشاط يبذل في هذا الاتجاه،وعلاجه ليس مسؤولية القادة والزعماء وحدهم،بل هو مسؤولية جماعية تبدأ من رب الأسرة ولتنتهي بأعلى سلطة سياسية واجتماعية ودينية وتربوية،وجوهر الحل يكمن في التوعية والتثقيف من خلال المناهج التربوية والتعليمية،وسن تشريعات وقانونين رادعة في هذا الجانب،فالعنف بقصد أو دونه يصب في خانة الخدمة المباشرة للاحتلال،وهو تمرد وخروج عن كل قيم وأخلاقيات شعبنا الوطنية والاجتماعية والدينية وغيرها. ونحن نفهم أن مجتمعنا الرازح تحت بساطير الاحتلال ينقصه الكثير من الأماكن أندية ومؤسسات ثقافية واجتماعية وفنية يفرغون فيها الكثير من طاقاتهم،ولكن هذه المؤسسات بالحد المتوفر منها تقع عليها مسؤولية كبيرة،في وضع ورسم خطط وبرامج تسهم في توعية الشباب وتثقيفهم،والاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم وتفريغها في مجالات تنتشل مجتمعنا من براثين الجهل والتخلف والعشائرية والقبلية والطائفية والانهيار....الخ. والعنف دائماً وأبداً ليس سلاح الأقوياء،بل لغة الخائفين والعاجزين وهو ليس شرفاً ورجولة،واستمراره وتصاعده بوتائر عالية وغير مسبوقة في مجتمعنا الفلسطيني،أصبح يهدد وجودنا كأفراد وشعب،وهو رديف لسياسة فرق تسد والفوضى الخلاقة التي تمارسها قوى الاستعمار والاحتلال بحق شعبنا وأمتنا العربية،فلنعمل بشكل وجهد جماعي من أدنى درجات السلم حتى أعلاها لمحاربة واجتثاث هذه الظاهرة المدمرة.