مخيم اليرموك يتقلب على صفيح ساخن

حجم الخط
يبلغ عدد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ثلاثة عشر مخيماً , ورغم أن مخيم اليرموك المخيم الأكبر من بين كل تلك المخيمات وعلى كل الأصعدة والمستويات , إلا أن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين , لا تتعامل معه باعتباره مخيماً كباقي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا , فهي لا تقدم له أية خدمات تقدم للمخيمات الأخرى . وقد أكتسب المخيم والذي يبلغ عدد سكانه من الفلسطينيين حوالي 150 ألف نسمة مجموعة هامة من الخصائص والمكونات , ألقت بظلالها المختلفة على مجموع سكانه من الأخوة السوريين والذين لا يقل عددهم عبر كل الامتدادات الجغرافية للمخيم عن المليون نسمة . إن مخيم اليرموك يحمل روح الفلسطينيون في كل شيء في الوطنية , وبخصائصها المتمايزة , وسجاياها المعروفة للجميع والتي عبرت عن نفسها قي مراحل المد النضالي الفلسطيني بالعشرات من الشهداء لدرجة كان يمكن القول فيها , أن مخيم اليرموك منبع للفداء والفدائيين الفلسطينيين والذين حملوا هم الوطن فلسطين في قلوبهم وعقولهم . إن مخيم اليرموك عنوان فلسطين في سوريا ولذا هب كل الفلسطينيون في أصقاع وبقاع العالم دفاعاً عنه واستنكاراً لما يجري ويحدث فيه . ومنذ اندلاع الأزمة السياسية في البلد الشقيق سوريا , تحافظ الغالبية العظمى من سكان مخيم اليرموك , وأسوة بباقي المخيمات الفلسطينية على موقف الحياد الإيجابي من الأحداث بعدم الزج بالحالة الفلسطينية في معمعان الحالة السورية المحتدمة , وقد لقي هذا الموقف الفلسطيني بالنأي عن التدخل في الشأن السوري احترام , وتقدير غالبية الأطراف السورية , فالفلسطيني في سوريا عامل موحد , وليس عامل انقسام بالحالة السورية , ولكن منذ ما يقرب النصف عام , تسعى جهات بعينها لاقتحام المخيم في الأزمة السورية المتفاقمة والتي مضى عليها ما يقارب العامين تحت دواعي , مبررات , وتسويغات تحرف بوصلة الموقف الفلسطيني المتوازن والمحايد حياداَ إيجابياً مطلقين على موقف غالبية الشعب الفلسطيني والذي يصل إلى حدود 600 ألف نسمة أوصافاً ونعوتاً ليست فيه , وهي ليست صحيحة من حيث المبدأ , وكأن الموقف الفلسطيني يتسم بالانتهازية , ومن المحزن , وبل من المبكي , أن يندفع بعض الفلسطينيون لترديد مثل هذه الأسطوانة المشروخة منظرين لفكرة الانغماس في الشأن السوري الشقيق , إن أصحاب مثل هكذا أفكار ,ومواقف وعلى جانبي الموقف المتوازن للغالبية الساحقة من الفلسطينيين , هما من أدخلوا المخيمات الفلسطينية في أثون الأزمة السورية المشتعل , فلماذا اقحام المخيمات خاصةً مخيم اليرموك العنوان الأبرز للتواجد الفلسطيني في سوريا الشقيقة , بهذا المعترك الدامي . إن مشهد مغادرة الفلسطينيون مخيم اليرموك منذ عشرة أيام , مشهد محزن , ويدمي القلب , إنه مشهد الملهاة والمأساة الفلسطينية , منذ ما يقارب الستة عقود ونصف عام 1948 م , فإلى متى سيبقى الفلسطيني مصلوباً على صليب نكبته ومشدوداً لها بسلاسل من فولاذ؟ ألم يستفق ضمير العالم بعد ؟ لماذا لا يكون للفلسطيني وطناً , سقفاً أسوة بكل شعوب هذه المعمورة ؟ إن شعباً كشعب فلسطين , يستحق بكل جدارة وطناً عزيزاً سيداً يحيا به بكرامة ويتنفس فيه بحرية . إن تفاقم أزمة الوجود الفلسطيني في سوريا , تتحمل مسؤوليتها الأولى القيادة السياسية الفلسطينية بكل فصائلها وأطيافها والتي أوصلت الحالة السياسية الفلسطينية إلى واقع التشرذم والانقسام والتي تحرك بعضها بهذا الشكل , أو ذاك من تحت الطاولة , أو من فوقها بهذا القدر , أو ذاك مُزيداً في شرخ الموقف الفلسطيني , فكيف يجيب أصحاب نظريات الاقحام الآن بعدما أصبحت المخيمات هدفاً للنار والدمار ؟ أين المخرج في مخيم اليرموك بعدما وصلت أوضاعه إلى أزمة حقيقة تهدد وجوده وكيانيته التي تميز بها عبر العديد من العقود من السنين ؟ إن العودة بواقع حال المخيم إلى ما قبل العشرة أيام , هو الحل الأنسب , وليسامحنا كل أصحاب نظريات ملئ الفراغ الناشئ عن الأزمة بوجهات نظرهم والتي تعبر عن عمق جهلهم بواقع الأزمة الحقيقي بعدما أخذت الأحداث في المخيم مساراً آخر , دفع به إلى أعلى مستويات الخطورة . إن الفراغ الراهن , هو الفراغ الدامي بين الواقع والظاهر من الأحداث والتطورات الشاملة في مكونات الأزمة العامة في سوريا الشقيقة . مصلحة عليا للجميع بعودة المخيم إلى سابق عهده , لا تدعوا المخيم يتجرع الكأس المرة عن واقع الأزمات في الوطن الشقيق سوريا .