الوثيقة التنظيمية

















الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين


نحو رؤية تنظيمية جديدة

المؤتمر
حجم الخط
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين نحو رؤية تنظيمية جديدة المؤتمر الوطني السادس - تموز 2000 (1) الجبهة الشعبية من الأزمة إلى النهوض لا نعتقد أن ثمة خلاف على أن ما يعطي لأي رؤية قيمتها وقوتها وتميزها، هو أنها مصاغة وفقا لمنهج ومفاهيم ومفردات ونواظم وبنية فكرية عملية داخلية متماسكة، تمكنها من تبرير ذاتها علميا أمام نفسها أولا، وفي سياق صراعها مع الرؤيا النقيضة ثانياً، أما نجاحها وقدرتها على فرض ذاتها سياسيا واجتماعيا في حيز الواقع فمشروط بمدى قدرتها على تلبية استحقاقات الواقع مهما تشابكت وتنوعت وتعقدت. يرتبط هذا بمدى انسجام الرؤية، بل وتعبيرها عن المعطيات التاريخية والمادية للصراع الوطني أو الاجتماعي، وامتلاكها لأصالة ومرونة في آن تمكنها من توظيف تلك المعطيات، وبالتالي تتمظهر أحد أهم ميزات الرؤية العلمية، في قدرتها على استيعاب حركة الواقع وامتلاك آليات وديناميات التجدد والانتقال من طور أدنى لطور أعلى، بكل ما يفرضه ذلك من شروط واستحقاقات عامة وخاصة، على نحو شبه تلقائي. انطلاقاً مما تقدم، نلفت النظر سلفاً إلى خطورة الوقوع في القراءة الخاطئة، لأن أي خلل في قراءة أو فهم حلقة من حلقات الرؤية، التي نحن بصددها، سيقود تلقائياً لسلسلة متتالية من القراءات أو الاختلالات الخاطئة. يستدعي هذا استدراكاً آخر، وهو ضرورة التعامل مع هذه العملية الفكرية – السياسية الحية والملموسة، كاتجاهات ناظمة وليس كسياسات جارية، أو تفاصيل تغرق في الفكر اليومي ومنهجه القاصر . إن التعامل معها كاتجاهات سياسية فكرية ناظمة يؤمن الأداة المعرفية والمنهجية الكفيلة بالتعامل مع حركة الواقع وأسئلته التفصيلية التي لا حصر لها، بطريقة أمينة، ويسلح الهيئات التنفيذية بما يشبه الخيط الناظم الذي يستخدمه البناؤون المهرة ليتمكنوا من التعامل مع كل حجر ومع كل مدماك بصورة خاصة وبارعة وفقا لحجمه ومواصفاته، ولكن على أساس دوره ومكانته ووظيفته في البناء الداخلي الشامل الذي يؤشر إليه الخيط الناظم/ الرؤية المنهجية بصورة دائمة. يحمي الانضباط لهذه الشروط، وما تفرضه من نزاهة نقدية الحزب من الغرق في التفاصيل ويرتقي به من حزب يعالج مسائل اقل أهمية ويعبر عن حالة إحباط ويأس أو تصفية حسابات إلى حزب يسوده تفاؤل بالنهوض، ويتصرف بمسؤولية وطنية، وانعطافه نوعية لتحرير العقل وإطلاق أوسع فعالية تنظيمية وفكرية. نقول ما تقدم، ليس من باب الوهم، إنما من قناعة بأن ما أتينا عليه سابقا في هذا النص هو أمر ممكن، ليس لأننا نريد ذلك كحزب أو كهيئات أو كأفراد، بل لأن ما أتت عليه الوثائق التي بين أيدينا من حقائق ومعطيات بشأن الصراع والاشتباك بمستوياته، يفتح المجال ولأوسع مدى لاستقبال أي حزب يملك الشروط الملائمة ليكون "شخصية" فاعلة ورئيسة على مسرح الصراع، وتلقائيا على صفحات التاريخ. لقد حددنا في (الوثيقة السياسية) نواظم وركائز ومحددات الرؤية السياسية للمرحلة الراهنة، غير أن هذه تبقى تعاني من نقص جوهري إذا ما توقفت عند هذا المستوى. يعود ذلك إلى أن الرؤية السياسية مهما كانت جميلة وسليمة، تبقى مجرد كلام إذا لم تتجلى في بنى ومؤسسات وهيئات ومنهجيات وآليات وممارسة تنظيمية، هي جزء عضوي ومكون داخلي أصيل من أية رؤية شاملة . وبهذا المعنى، فإن تناغم الرؤية السياسية – الفكرية والرؤية التنظيمية، هو بمثابة شرط لازم للعمل والنجاح. إن عملية التناغم المشار لها ليست اعتباطية، وإنما لها شروطها ونواظمها القسرية. إنها تفاعلية متحركة تبعا لحركة الواقع، وفي إطار عملية التفاعل تلك، وما يترتب عليها من ارتقاء في الأداء والبنى والممارسة، تتحدد وظيفة التنظيم وقدرته على تلبية شروط تحويل الرؤية السياسية – الاجتماعية، إلى قوة تغيير وجود مادي في المجتمع. وبقدر ما يرتقي التنظيم بمعايير أدائه وبناه، فأنه يرتقي برؤيته وممارسته السياسية – الفكرية – الكفاحية، وبالتالي إدارة الصراع بكفاءة وبراعة. تتوقف عملية التناغم تلك بضرورة وعيها ووعي شروطها واتجاهاتها، وإلا ستتحول إلى عملية عفوية، بما تعنيه من تجريبية واستنزاف ذاتي وتبديد لعامل الزمن. تتجلى هنا جذور الأزمة البنيوية التي هي حصيلة إجمالية للاختلالات البنيوية المتراكمة، بين الرؤية السياسية – الفكرية، وما تعبر عنه من مصالح وأهداف وطنية واجتماعية انطلاقا من معطيات الواقع والصراع وبين الرؤية التنظيمية بما تعكسه من بنى ونظم وآليات وممارسة. إن الاختلال في الرؤية السياسية الفكرية، إنما يعكس اختلالا جذريا في رؤية الواقع وشروط الصراع ومحدداته، وأما اختلال الرؤية التنظيمية، فانه يعكس وجود عدم تناسب خطر بين الرؤية التنظيمية وبين الرؤية السياسية – الفكرية، أي بين السياسة والهدف وبين أداة تحقيقها. وعليه، يجب الانتباه كي لا تقع الرؤية السياسية – الفكرية في وهم التماسك المنطقي الشكلي، الذي قد يبدو بناء جميلا، ولكنه لسوء الحظ ليس البناء المطلوب والملائم لاستحقاقات الواقع. إن حدوث مثل هذا الاحتمال، وإنما يعود لخطأ في الرؤية نفسها، إن لم نقل عدم امتلاكها لشروط الرؤية، التي لا مجال لوجودها إلا إذا كانت عبارة عن قراءة دقيقة دون أوهام. إن الاحتمال السابق واراد أيضا وبنفس القدر بالنسبة للرؤية التنظيمية وترجماتها العملية، التي قد تبدو متماسكة بمعايير محددة، وتشير لحركة ما وبناء ما، لكنها ليست الحركة أو البناء المطلوب القادر على إنجاز المهام والاستحقاقات التي تطرحها الرؤية السياسية الفكرية. على هذا الأساس، نستطيع أن نعالج التجربة المتحققة وما حفلت به، حيث طال الاختلال مجمل الرؤية ببعديها السياسي _ الفكري والتنظيمي لكل فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية. هذا لا يعني تغييب الإنجازات التي تحققت في سياق النضال الوطني الفلسطيني، ولكننا نتحدث عن واقع مأزوم، يحتاج لجرأة عالية لتخطي دوائر المراوحة والتذمر ومحاولات تبرير الفشل، باتجاه التأسيس لعمليات نهوض لا بد منها، كوننا كشعب وقوى وطنية لا نزال، على ما يبدو، في جولات الصراع الأولى رغم كل عقود النضال التي انقضت حتى الآن. إننا أمام عملية حيوية واستراتيجية بكل معنى الكلمة، وما دام الأمر كذلك، فيجب الارتقاء بالنقاش والتصدي للمعضلة التنظيمية بكل أبعادها إلى المستوى الذي يؤمن شروط مغادرة دوائر الأزمة، إلى دوائر النهوض والانطلاق. يشترط هذا حكماً، ضرورة توفير مجموعة محددات ونواظم، دون توفرها ستبقى العملية أسيرة العفوية وضيق الأفق. وهنا نشير إلى: أولاً : إن وعي الأزمة والاعتراف بها دلالة حيوية وصحة، وليس دليل عجز أو إحباط، ذلك أنه يؤشر إلى مكونات وقوى يملكها التنظيم، تدفع باتجاه تخطي الأزمة، كما أنه دليل مقاومة وصفاء وثقة بالذات وبالمشروع الوطني، كذلك فإنه يضع الحزب عند خط متقدم، هو بمثابة الشرط اللازم لإنقاذ التنظيم من خطر مميت إذا ما واصل التصرف، وكأنه في أحسن حال. إنه والحال هذه، بالضبط مثل مريض يعطي بعدم وعيه الفرصة للمرض ليواصل الفتك بالجسد والروح ببساطة وسهولة. أما وعيه وعدم الاعتراف به فهو بمثابة انتحار. إن التعاطي مع العملية برمتها يجب أن يتم بعلمية وهدوء، وليس تحت ضغط التشاؤم، وفقدان الأعصاب، لأن ذلك يؤدي إلى ما يتراوح بين الشلل وبين الفوضى. إن الأزمات ظواهر مألوفة، تحدث في كل زمان ومكان، وكم من أزمة كانت مناسبة لتخطي مخاطر أكثر كارثية وسبباً في قفزات نوعية، كونها تفتح العقول لإعادة وعي الذات والتجديد الذي يتخطى هدف مواجهة الأزمة، باتجاه إعادة إطلاق عملية نهوض وفعالية مذهلة على مختلف المستويات. نكثف ما تقدم بالقول : إن مغادرة الأزمة باتجاه النهوض، رهن بوعيها والاعتراف بها قمة وقاعدة، مع أهمية خاصة للهيئات القيادية بحكم مكانتها ودورها ووظيفتها على مستوى الحزب ككل. تأخذ عملية مغادرة الأزمة شكل التراكم والقطع في سياق صيرورات شاملة، على جميع هيئات وفروع الحزب الإسهام بها. إن بروز ومواجهة الأزمات لا تتم مرة واحدة وإلى الأبد. إنها عملية مستمرة، كون عناصر الأزمة تتولد في كل لحظة وفي كل مرحلة. فليس هناك حزب يولد كاملاً ورائعاً، ويستمر إلى ما لا نهاية، هذا وهم مناقض لمنطق الحياة، فحتى في أرقى مراحل الحزب حيوية ونشاطاً وقوة هناك بذور ما لأزمة قادمة. لا داعي للتذكير، بأن طابع الأزمة دائماً موضوعي، ويعكس اختلالاً ما سواء بين الواقع والرؤية أو بين الرؤية والأداة. وبناء عليه، فإن خير ضمانة لحل الأزمات، بل وعدم نشوئها أصلاً، في حفظ التوازن دائماً بين حركة الواقع وحركة الرؤية وحركة الأداة. هنا تبرز القيمة الكبرى لبديهية أساسية، وهي الاستعداد والتعامل دائماً باستمرار وكأن هناك أزمة قادمة وذلك ربطاً، بحركة الواقع وطبيعة المهام المطلوبة ووظيفة الحزب. وعي هذه الحقيقة والعمل بموجبها هو ضمانة أساسية لتجنيب الحزب دفع كلفة باهظة سياسياً ومعنوياً ومادياً، كان بالإمكان تجنبها بثمن زهيد وهو التصحيح في الوقت المناسب وعلى النحو المناسب. أو بكلمات أخرى يكثفها مأثورنا الشعبي: درهم وقاية خير من قنطار علاج. ثانياً : ضرورة مغادرة عقلية جلد الذات بضيق أفق، بما تعبر عنه من تشاؤم وهبوط معنوي وفقدان للثقة والمبادرة، والتمييز أثناء مواجهة المعضلات والقصورات التنظيمية، بين النقد العلمي والقراءة العميقة لجذور تلك المعضلات الفكرية والسياسية والعملية، وعمليات الندب والنواح. يؤسس المظهر الأول لديناميات تطور ونهوض، ويؤشر المظهر الثاني لبؤس معرفي ومعنوي، ويقود في حال استفحاله إلى تبديد المزيد من الطاقات والاستنزاف الداخلي، وتعطيل العقل وإشاعة مناخ من اليأس والإحباط، مما يفاقم المعضلات ويضاعف الصعوبات. وهنا يرى المؤتمر أن التأكيد على التأهيل النظري للكادر كفيل بتحصين بنيته الفكرية وتصليب تماسكه الداخلي بما يخدم أجواء مهيئة لعملية النهوض والتطور. ثالثاً : وعي العملية التنظيمية وما يرافقها من معضلات على أنها عملية وطنية واجتماعية موضوعية وتاريخية مع أنها تتجلى في حزب محدد على شكل بنى وهيئات وأفراد وآليات وتقاليد وممارسة ونظم محددة. إن تلك العملية ومعضلاتها، تعكس بقدر كبير ولكنه ليس مطلقاً، معضلات الواقع وتعقيداته، مع الاحتفاظ دائماً بالمساحة المناسبة للعامل الذاتي ودوره في حل أو تسعير المعضلات. يمثل وعي هذه الحقيقة، أهمية قصوى كونه يرتقي بالمسألة التنظيمية من مجرد عملية فنية إدارية وبعض الآليات والقواعد والنصوص الجامدة، التي يتعامل معها البعض وكأنها خاصة به وبعاداته ومستواه، إلى مستوى اعتبارها انعكاساً كثيفاً للرؤية الاجتماعية والفكرية، التي تعني إطاراً لجذب أرقى الكفاءات، وأرقى النظم الإدارية، وأرقى ممارسة ديمقراطية، وأرقى بنى وآليات تتجسد فيها عملية إطلاق الفاعلية، والقدرة على التجديد ومواكبة تطور المجتمع. هكذا يمتلك الحزب المواصفات المطلوبة التي تكفل دوره الإيجابي وممارسته، الطبيعية داخل التنظيم الأشمل والأعقد والأغنى، أي المجتمع. بهذا الفهم، يتم إنقاذ العملية التنظيمية من محاولات الهبوط بها وكأنها صراع أشخاص يمارسون عبرها هواياتهم. إن الحقيقة التي يجب أن يتم احترامها وبحزم، دائماً وأبداً، هي أن الحزب في نهاية المطاف وبداياته، عقد اجتماعي/ سياسي طوعي يسعى لتحقيق مشروع وطني تحرري اجتماعي شامل، لا يجوز الإخلال بأي من شروطه. إن مترتبات الإخلال بالعقد الاجتماعي لا يقتصر فقط على علاقة الأعضاء بالحزب، بل أيضاً، اهتزاز علاقة الحزب بالمجتمع. يؤدي ما تقدم، إلى فقدان الحزب لدوره ووظيفته، وتبديد الطاقات وهبوط المعايير، وحفظ ديناميات التخلف، وكبح تطور الأعضاء، وحجز تطور الحزب بوصفه صاحب رؤية ومشروع وطني. هذا الأمر يدفعها، للتعامل مع أي خلاف أو تناقض ضد أدائها وممارستها وسياساتها، وكأنه تناقض مع الحزب كمشروع وطني سياسياً واجتماعياً. إن حدوث ما تقدم أو العمل بموجبه، يعني الهبوط بفكرة الحزب من حامل مشروع وطني اجتماعي تاريخي، يعبر عن عملية التفاعل الواعية والشاملة مع المجتمع، إلى مجرد سياسات ومواقف وخيالات لقيادة ما أو زعيم ما. لهذا السبب نقول: إن الحزب يجب أن يكون مفتوحاً لكل ما يرى فيه حاملاً لمشروع التحرر الوطني والاجتماعي بكل استحقاقات هذا المشروع، الأمر الذي يفرض ضرورة الارتقاء بالذات إلى مستوى تلك الشروط الواجبة. انطلاقاً من هذا التأكيد والإحالة التي تعكس تناغم وانسجام الوثائق والنصوص، والتعامل معها بصورة تكاملية، نستطيع تناول أي عنوان أو إشكالية في إطار المسألة التنظيمية بيسر واطمئنان. ولعل هذا بين عوامل أخرى هو سبب ما لدينا من قناعة أكيدة بأن الجبهة الشعبية تملك ممكنات مغادرة الأزمة باتجاه النهوض والانطلاق لتأدية دورها ووظيفتها الوطنية والاجتماعية. يزكي هذه القناعة ويدعمها ليس المقاومة الجدية والعميقة التي أبداها ويبديها جسم الجبهة الشعبية وعقلها الجمعي لكل مخاطر الجمود والتكلس فحسب، بل ربطا بالحيوية الفكرية الداخلية أيضاً والتي قطعت شوطاً يجب الاعتزاز به، كونه يؤشر إلى حزب يملك الجرأة والوعي لإعادة قراءة تاريخة وتجاربه، بدافع القناعة الراسخة بمسؤولية الجبهة وواجبها. وفي ضوء ما أنجز حتى الآن، نستطيع القول بأننا تخطينا المرحلة الأصعب والتي غطت المساحة الممتدة منذ المؤتمر الوطني الخامس وحتى الآن، تمكنت خلالها الجبهة الشعبية من تحديد شامل ودقيق وعلمي لواقعها وجذور ومظاهر أزمتها. هذا لا يعني أنه لم يعد هناك أمامنا مهام صعبة وطويلة، ولكن المستجد هو أنها تدار الآن على أساس وعي ناضج تبلور في سياق عملية فكرية داخلية صعبة وساخنة وطويلة، وخاصة على مستوى الهيئات القيادية. ولعلنا لا نجانب الحقيقة في شيء لو قلنا أن طريقة إدارة هذه العملية والنجاح في السير بها لتصل إلى ما وصلت إليه، شكل العامل الضابط للتناقضات الداخلية، التي بقيت في إطار الاحترام للمؤسسات الحزبية، رغم حيوية الخلاف حول بعض عناوين النقاش، والتي هي على أية حال عناوين كبرى وجدية وشاملة لم تصمد أمامها العديد من القوى في الساحة الفلسطينية، فذبلت أو تشظت وتشققت. لقد زاد من الصعوبة العملية المشار لها، أنها لم تجر في ظل ظروف طبيعية أو ملائمة إن على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي، بل في ظل واقع التراجع والانكفاء وطنياً وقومياً، وفي ظل واقع داخلي مأزوم وقاسي. لقد كانت المرحلة الراهنة اختباراً هائلاً لقدرة الجبهة الشعبية وسواها على الصمود، وكشفت ولا تزال، الفوارق بين معادن القوى ومدى أصالتها، وبنفس القدر على مدى مخزونها الديمقراطي والفكري والأخلاقي والنضالي وعلى مستوى الأفراد والكادرات المنضويين في صفوفها. لا يعني هذا الحديث أن مساحة السنوات المنصرمة الفاصلة بين مؤتمرين قد استثمرت كما يجب، ذلك أنها حفلت أيضاً بالثغرات والأخطاء، وبتواصل ضغط عناصر وتجليات الأزمة الوطنية والداخلية. غير أن ذلك لم يحرف الاتجاه العام الذي بدأ بطور الاعتراف بالأزمة، مروراً بسيادة مظاهر النقد، ثم الانتقال لطور وعي الأزمة وقراءتها العميقة من خلال عمليات ووقفات ووثائق مراجعة شاملة، وصولاً إلى المرحلة الراهنة التي تمثل عملية التهيؤ للدخول في ديناميات النهوض. لم تمر هذه العمليات المتداخلة ببساطة، بل رافقها ارتباك وتشوش ونزف داخلي ومعنوي وسياسي غالي الثمن، لكنه يبقى ضريبة لا بد منها، وإن كنا نتمنى لو أمكن توفيرها، بعد أن وصلت الأزمة لما وصلت إليه، وهو ثمن لا يعود فقط لمفاعيل الأزمة الداخلية، بل تتداخل فيه مفاعيل الأزمة الوطنية. عزاؤنا أن الثمن يبقى أقل، كماً ونوعاً، من استمرار حفظ الأزمة والتستر عليها، بما في ذلك من تدمير للذات والقضية الوطنية. يعني ما تقدم، أن الجبهة الشعبية تقف بالمعنى الخاص والعام أمام استحقاقات وشروط النهوض، وإن كان من ضمن تحفظ هو أن ذيول وأثقال ومفاعيل المرحلة السابقة قد انتهت وتمت تصفيتها، واستحقاقات النضال الوطني الفلسطيني التي لا تنتظر ترتيب الأوضاع الداخلية لأي حزب ليس هذا فحسب، بل أن عملية النهوض السياسي – التنظيمي للجبهة الشعبية، يجب فهمها كجزء عضوي أصيل من عملية النهوض الوطني العام، دون أن تنتظرها بالطبع، لكنها ولأسباب موضوعية تتقاطع وتتشابك معها على أكثر من مستوى وصعيد. وبناء عليه، تصبح الجبهة الشعبية، ارتباطاً بالرؤية التنظيمية، أمام جملة استحقاقات واشتراطات بعضها يعود للمرحلة السابقة، ومعظمها يتجه للواقع والمستقبل. يتمثل أهم استحقاق ناظم على الصعيد التنظيمي في قدرة الجبهة اشعبية على تطوير بناها ومؤسساتها وأدائها، بما يلبي الوظيفة والدور التاريخي الذي يجب أن تقوم به، ارتباطاً بما تمثله تاريخياً وضميرياً، وما تطرحه راهناً من رؤية سياسية اجتماعية كفاحية. وهذا يمر كما يقرر المؤتمر عبر اعتبار الحلقة التنظيمية هي الحلقة الرئيس وبأفق تصليب البنية التنظيمية. تتوقف ترجمة هذا الاستحقاق إلى فعل ملموس على مدى الاستعداد للقطع مع فكر يهبط بالتنظيم عملياً إلى مجرد هيئات وهياكل وتراتبات ميكانيكية وعلاقات بيروقراطية، الأمر الذي يحول الحزب من وسيلة إلى هدف بالمعنى الضيق. تتم مواجهة مثل هكذا فكر قاصر، من خلال التعامل مع التنظيم، إطاراً ومحتوى، وفق معايير الكفاءة والمرونة والحيوية، بالوظائف المطلوب تأديتها التي يجري تحديدها في ضوء الرؤية السياسية. هذا يعني ضرورة امتلاك البنية التنظيمية لشروط التغيير والحركة، تبعاً لحركة الواقع واستطراداً المهام والرؤية السياسية التي يحملها الحزب، وبما أن أحد شروط النجاح في إدارة الصراع ضد العدو تكمن في الارتقاء بالمعايير إلى مستوى معايير الخصم، بل ومحاولة التقدم عليها، يصبح لزاماً على الصعيد الداخلي الارتقاء بأداء الهيئات والأفراد من مستوى المعايير الداخلية، إلى مستوى المعايير التي يفرضها الصراع التاريخي ويعمل بموجبها الطرف الآخر. تحتاج تلبية هذا الشرط لفعالية حزبية قائمة على الوعي وتتوفر لها القدرة والآليات والجرأة للإقدام على التجديد المطلوب في الوقت المناسب والمضمون المناسب. إن ترجمة الاستحقاق المشار إليه، ليس بالأمر السهل كما قد يتخيل البعض، ذلك أنه يصطدم بالعادات والتقاليد والبنى التنظيمية التي تأسست تاريخياً، فأصبحت لها قوة دفع ذاتية، تغذيها وباستمرار روافد لا حصر لها. هنا يبرز خطر إقحام التنظيم في تحولات قسرية قد لا يتحملها الجسم التنظيمي، بحكم حالة الاستنزاف والإنهاك التي تعرض لها وعوامل الضغط التي لا تزال تفعل فعلها على كل المستويات. ولذا، يجب أن تتم العملية وعياً وممارسة بوصفها صيرورة تقوم بوظيفتها ودورها المحدد، من خلال عمليات تركيم وإزاحات متتالية تصل إلى لحظة التقدم النوعي بعد تأمين مقدماتها. تتجلى عمليات التركيم والإزاحة والتقدم ، مقدماتها في جملة عناصر هي: أولاً : تأمين الديمقراطية الداخلية، التي تعني توفير البيئة القادرة على استيعاب مجمل العمليات التنظيمية الداخلية، بحيث تغدو الديمقراطية نظام حياة. هذا يفرض بدوره بنى ومؤسسات وآليات وكفاءات ومعايير داخلية، قادرة على حماية الديمقراطية، وتأمين فعلها وما يترتب عليها من نتائج. وقطعاً لأي محاولة للهبوط بالنقاش وابتذال المسائل تحت عنوان مساواة الديمقراطية بالفوضى. نذكر بأن الحديث يجري داخل حزب محكوم برؤية سياسية اجتماعية محددة وواضحة مرتبطة بمصالح وأهداف الشعب الفلسطيني الوطنية والقومية. هكذا لا تكون الديمقراطية مناسبة ليرقص كل من يشاء كما يشاء وفقاً لفكرة فوضوية خطرة "أنا حر". هنا ، لا بد من التشديد على أن لا أحد، مهما كان، هو حر بالمعنى المطلق، لأن الديمقراطية مشروطة بالوعي ومصلحة الجماعة، مشروطة بالنواظم المنهجية الملائمة. الديمقراطية التي تحمي ذاتها من الفردية والأنانية والانغلاق، وفي ذات الوقت من الابتذال والانفلات وإلحاق الضرر بالجماعة. ما لم يتوفر هذا الشرط التأسيسي فإن كل حديث عن "البديل الوطني الديمقراطي"، و "الديمقراطية الجماعية"، و"مغادرة ذهنية التعامل مع الشعب بعقلية- القطيع"، و "إدارة الصراع ضد الاحتلال على نحو كفؤ وشامل"، مجرد لغو أو لهو. إلى ذلك يؤكد المؤتمر على أهمية اتخاذ الموقف الحاسم في اللحظة المناسبة وبالسرعة التي يتطلبها منعاً للفوضى والارتباك وبما يضمن وحدة الإرادة والعمل. ثانياً : تؤمن البيئة الديمقراطية المناخ المناسب لإطلاق أوسع فاعلية فكرية في الحزب، والتي تعود بدورها، لتشكل رافعة الارتقاء بالوعي الفردي والجمعي، وتحرر العقل الحزبي من قيود الركود والشلل، وهذا بمجمله، شرط أساسي للنهوض وجذب الكفاءات الاجتماعية، مما يؤسس لديناميات التطور والتصدي للمهام الكبرى التي تواجه العملية النضالية ليس على مستوى الحزب فحسب، بل المجتمع بأسره. ثالثاً : توفر البيئة الديمقراطية والفاعلية الفكرية الحل المناسب لإدارة تناقضات الحزب الداخلية بهدف إنضاجها وحلها وتوظيفها إيجابياً، أكبر مثال على ذلك ما شهدته الجبهة الشعبية من خلافات واجتهادات، سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي، وخلافاتها/ تناقضاتها مع غيرها من القوى والكفاءات السياسية والفكرية والاجتماعية. لقد حصدت نتائج إيجابية لأنها تعاطت مع التناقضات من ضمن مستوى أرقى. مستوى يتخطى الفهم الضيق الذي يرى فيه مجرد خلافات شخصية، وليس انعكاساً لتناقضات الواقع، بما هو تعبير عن قوى اجتماعية متنوعة، وأفراد متنوعين، ولهذا يقال في العربية "فرد" لأنه فريد بتجربته ومستواه العملي، والاجتماعي والعائلي والوراثي، الأمر الذي يجعل من الاختلاف والاجتهاد مسألة موضوعية تماماً من ناحية ومفيدة إذا ما استطاعت استثمار "الفرادة" على نحو توحيد يضيف ولا ينقص من ناحية أخرى. إن التنوع وصراع الأفكار هو مصدر إثراء وإغناء طبيعي لمن يقدرها ويعرف كيف يستفيد منها، لأن التطابق والتماثل لا يعني سوى الموت والركود الذي يقود إلى دكتاتورية الرأي الواحد، فيتحول الحزب إلى قوى طاردة بدل أن يكون مركزاً جاذباً للطاقات الاجتماعية. وبناء عليه، فإن التناقضات الداخلية ما دامت تقوم على أساس القناعة بالمشروع الوطني وبرؤية الحزب الناظمة، ودوره التاريخي، وتستهدف تطوير هذه الرؤية باستمرار، وتخليص الحزب من أسباب ومظاهر القصور والخلل، فإنها تصبح قوة تغذي عملية النهوض، وتعبير عن حيوية الحزب مادياً ومعنوياً وفكرياً. رابعاً : لقد عالج النص مسألة استيعاب علاقات العام والخاص، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن تجد تلك المعالجة، وما وصلت إليه من نتائج واتجاهات، انعكاسها في الرؤية التنظيمية، إذ بات النجاح في التعامل مع الإشكالات المرتبطة بهذا العنوان بمثابة الشروط اللازمة للتقدم والنهوض الحزبي. لقد دلت التجربة على أن اغتصاب الخصوصيات باسم العام أو العكس، يقود دائماً لعملية استنزاف داخلي شديد الوطأة وعالية الكلفة. وعليه، فإن النواظم التي أتينا عليها، هي التي تؤمن الوصول لعلاقات ملائمة تتيح للخصوصيات مجال للتعبير عن تمايزها، الذي يجب أن يجد تعبيراته في بنى وآليات ملائمة، دون إيذاء العام وحضوره الوازن. هذا يفرض على العام، بالمعنى التنظيمي أي الحزب، أن يكون مرناً إلى درجة تتيح له استيعاب الخصوصيات بما هي واقع موضوعي. إن النجاح في عملية الاستيعاب تلك وإدارتها باتجاه الاستفادة القصوى من كل خصوصية، هي التي تعطي للعام عناصر حضوره كعام جامع منظم وموجه. إن الإخفاق في إيجاد العلاقات والأشكال التنظيمية الملائمة لهذه الإشكالية، سيقود إلى حالة من التضاد بين الخاص والعام، وسينتهي إلى صدام جدي سيدفع الحزب كلفته عالياً. هنا تتجلى مسألة الديمقراطية كقوة فاعلة لضبط التناقضات والتعامل معها. من موقع الإغناء والقوة في وحدة الحزب وتجلي أدائه الوطني والمجتمعي الديمقراطي. (2) شروط الفعالية القصوى والوحدة الصلبة إن توفير البيئة الديمقراطية وترجماتها الملموسة في معايير ونواظم وآليات، إلى جانب إطلاق الفعالية الفكرية، ووعي التناقضات الداخلية، واحترام الآراء والتعامل معها كعنصر قوة للارتقاء بدور الحزب ورؤيته وممارسته، واحترام علاقات الخاص والعام، تؤمن الأسس والشروط الضرورية، لتركيز وحدة الحزب على بنى ونواظم وآليات وقناعات عميقة، وفعالية سياسية وفكرية متواصلة، تصبح معها الوحدة نتيجة طبيعية، كونها تملك شروط الدفاع عن ذاتها بصورة موضوعية. هكذا تتخطى وحدة الحزب مصيدة توليف المواقف وتوازنات القوى والكتل وتمويه التناقضات وسياسة التراضي ومزاج الافراد والانفعال. إن وضع الحزب تحت رحمة هذه المناهج والعقلية، يؤدي بصورة حتمية إلى هبوط مريع في الأداء والمعايير، سواء على صعيد استثمار الطاقات المادية أو البشرية المتوفرة، أو على صعيد رسم السياسات واتخاذ القرارات. هذه العملية السلبية تفتح الباب واسعاً أمام توليد بيئة ملائمة للنفاق وفقدان الجرأة والصراحة، واللعب على التناقضات وشخصنتها، وفقدان القدرة على المحاسبة والنقد الجريء. وبالحصيلة، إغراق حياة الحزب وما تواجهه من أسئلة ومعضلات ومهام كبرى فكرياً وسياسياً وكفاحياً، في المناورات والحسابات الأنانية التافهة. هكذا يدخل الحزب في ديناميات استنزاف داخلي سلبية، تحت ضغط الحفاظ على التوازنات والمعايير الهابطة، الأمر الذي يؤدي إلى شل فاعلية الحزب، وكبح حرية الإبداع لدى الهيئات والأفراد، مقابل "الإبداع" في إيجاد المبررات للأخطاء وتدني الكفاءة والفشل. إن وقوع الحزب في أسر هذه الدوامة المميتة، يحول وحدته إلى بناء هش، مهدد بالتمزق عند أول منعطف جدي يمس مواقع وامتيازات مراكز القوى فيه. تكمن المأساة في مثل هذه الحالة، في أن الحزب هو الذي يدفع الثمن من رصيده السياسي والمعنوي، على شكل فقدان الشروط الضرورية لتأدية دوره ووظيفته السياسية والاجتماعية على المستوى الوطني، ويخل ببنيته كعقد اجتماعي. هذا الأمر يجد ترجماته في العجز واستفحال الأزمات، بما يرافقها من بيئة طاردة للكفاءات، وضعف شديد في الحراك الداخلي، وتكلس البنى والهيئات والأفراد وبالتالي افتقاد القدرة على التجديد السياسي والفكري والتنظيمي، الذي لن يأتي إلا إذا توفرت شروطه الأساسية. هكذا تصل الوحدة الشكلية إلى نهايتها المحزنة، على شكل نزف داخلي مستمر، وفقدان للثقة والهيبة داخلياً وخارجياً، وصولاً إلى تصدع البناء الحزبي بالكامل، وفي أحسن الأحوال، تحوله لتنظيم هامشي وتابع، يتخطاه الواقع والتاريخ عاجلاً أم آجلاً. إن وصول الحزب لهذه الحالة، يعيدنا إلى معضلة اختلال التناغم والانسجام بين الرؤية السياسية – الاجتماعية، وما يترتب عليها من مهام وبرامج وطنية، والرؤية التنظيمية التي من المفروض أن تؤمن للأولى أدواتها وحواملها التنظيمية، والبيئة المناسبة لعملية تطويرها باستمرار. تنعكس هذه الحصيلة في النهاية على شكل اختلال جدي في وظيفة ودور الحزب على المستوى الوطني. أمام مثل هذا الواقع، يصبح أي حديث عن المهام الثورية الكبرى وتحويل المجتمع، ومصارعة المشروع الصهيوني، وتحقيق الانتصارات أشبه برجع الصدى. إن إنقاذ الحزب ووحدته من مثل هذه المصيدة المميتة، يأتي من خلال عملية واعية لأقصى حد بإطلاق دينامية معاكسة ونقيضة للأول تماماً. دينامية تتيح للحزب، كجسم اجتماعي حي، إطلاق حيويته وفاعليته وعملياته المعنوية والمادية الطبيعية، وتحرره من الكوابح والقوى الضاغطة السلبية (نظم – آليات – عادات – مناهج عمل – بنى – أفراد..) التي تثقل تنفسه وحركته، مما يصيبه بالترهل والشيخوخة قبل الأوان. هذه العملية الحيوية تتجلى على شكل صيرورات لا تتوقف، ارتباطاً بسنة الحياة التي تحكم مسار أي ظاهرة حية. خلاصة القول، أن وحدة الحزب الحقيقية، إنما تأتي كحصيلة إجمالية لفاعليته القصوى سياسياً وفكرياً وكفاحياً، وهذا غير ممكن، إلا إذا تم الارتقاء دوماً بالممارسة الديمقراطية وبالمعايير التي تحكم العمليات التنظيمية المتنوعة، لتصبح بمستوى الرؤية السياسية، التي بدورها ترتبط بمعايير الصراع الأشمل، وأداء الطرف النقيض. يتوقف الوصول بالعملية لهذا المستوى الراقي، على مدى الانضباط للقيم والممارسة الديمقراطية، واحترام العقل الجمعي والفردي، ووعي التناقضات الداخلية كمظهر طبيعي وشرط للتطور والارتقاء، وبنفس القدر، وعي واحترام علاقات الخاص والعام. عبر هذا تتأمن أسس وشروط إطلاق الفاعلية الحزبية، على مستوى الهيئات والفروع والأفراد، وتترسخ وحدة الحزب كقانون ناظم، حيث يجد الحزب ذاته كمشروع وطني تحرري اجتماعي في الهيئات والبنى والممارسة والأفراد، وهذه تجد ذاتها في الحزب. في سياق هذه العملية تتراجع عقلية التوليف وتمويه التناقضات، وتفقد مراكز القوى –بما هي تعبير سلبي يتمظهر على شكل أحزاب صغيرة في إطار الحزب الأشمل- البيئة التي تحتضنها والتربة التي تغذيها. هنا يجب التمييز جيداً بين مفهوم مراكز القوى السلبي كظاهرة تحتضن الضعف والعجز لتأمين الحماية لذاتها، وبين الاصطفافات الطبيعية، التي تظهر في سياق العملية الإيجابية القائمة على إطلاق الفعالية الحزبية ضمن الشروط الناظمة التي أتينا على ذكرها. إن الاصطفافات في هذه الحالة، إنما هي تعبير عن تجاذبات الفعالية الطبيعية المحكومة بمعايير حق الاجتهاد والاختلاف، بما يترتب عليها من تقاطعات، والمشروطة بمجملها بهدف الوصول للحقيقة السياسية الصائبة، وذلك ارتباطاً بشرط بديهي مطلق ألا وهو: احترام المصلحة الوطنية، وركائز الرؤية السياسية في الصراع ضد العدو. يكمن في ما تقدم، الفارق النوعي بين حق التناقض والاجتهاد، كحق فردي مطلق على مستوى الأفراد والجماعات بدون أية ضوابط، وحق الاجتهاد والتناقض في حزب محكوم بوظيفة ودور وطني تحرري واجتماعي تاريخي. قد يذهب الفهم الأول إلى دائرة العبث والانفلات والفوضى بأبشع مظاهرها. وأما الثاني، فإنه يرتقي إلى أعلى درجات الوحدة والانتظام على وعي الدور والوظيفة، وقيمة العمل والإرادة الموحدان. بهذا المعنى نفهم مقولات من نوع: "في التناقض حياة" , "التناقض جوهر الديالكتيك"، وهكذا يتاح المجال لقانون التناقض كي يفعل فعله في الحزب بحرية كاملة كمدخل للتطور والتقدم، وبالتالي تحريره من محاولات كبحه، أو تمويهه، باسم الحفاظ على وحدة الحزب، الأمر الذي يقطع الطريق على الفعالية الفكرية والسياسية الجدية من الوصول لنهاياتها المنطقية، بما يترتب على ذلك من سياسات مربكة غامضة ومترددة، تتحول مع الزمن، وفي سياق قانون التراكم، إلى ديناميات كبح مستقلة في فعلها، لا بد وأن تنعكس سلباً في النهاية على مجمل بنية الحزب وأعضائه. إن وحدة الحزب مشروطة بإطلاق فعالياته الطبيعية لأقصى مدى، وليس بحجرها وقتلها، الحزب الذي ليس إلا وسيلة ليقوم بوظيفته ودوره ارتباطاً برؤيته السياسية – الاجتماعية، المحددة بدورها استناداً لمعطيات الواقع وشروط الصراع/ الاشتباك التاريخي، كعملية تاريخية مفتوحة ضد العدو. وبالتالي فإن وحدة الحزب المتجسدة في بنى ونظم وهيئات وأفراد وممارسة، يجب أن تتناغم مع الرؤية السياسية – الاجتماعية. إن عملية التناغم تلك شرط ناظم لتطور الحزب وإخراجه من مأزق الاستنزاف الداخلي. إن العمليات المشار إليها هي بمثابة الصيرورات التي لا تتوقف، وأي ممارسة أو تدخل سلبي لحبسها تحت سقف معايير هابطة، يعني التأسيس لديناميات الأزمة، وبالتالي فإن وعي واستيعاب تلك العمليات بصورة صحيحة، وفي سياقاتها العملية، مشروط بمستوى كفاءة الهيئات والأفراد والبنى والممارسة. وتبعاً لذلك يرتبط مستوى الكفاءة بشرط القدرة على مواكبة واستيعاب تطور الواقع المادي والعملي والمعرفي. هذا ينقل النقاش لعنوان آخر من عناوين المسألة التنظيمية، نقصد عملية التجديد الحزبي. (3) تحول وتجديد أو الضمور والتلاشي تحدثنا في العنوان السابق عن وحدة الحزب كتتويج لفعاليته القصوى، بما هي ممارسة شاملة لكل المستويات، وليس نتيجة لمجموعة الأوامر والاشتراطات والهياكل الإدارية، وكل ما يحفل به النظام الداخلي من نصوص، تكمن أهميتها. في دورها ووظيفتها كمؤطر ومنظم لفعاليات الحزب، التي تعني فعله السياسي والفكري والاجتماعي والكفاحي، أي الترجمات الشاملة لرؤيته الناظمة. وبهذا المعنى تصبح الأطر الحزبية بكل تجلياتها، في خدمة تلك الرؤية، تتحرك وفق شروطها واستحقاقاتها، وتتغير تبعاً لمتطلباتها. إنها الشكل الذي تمارس من خلاله الوحدة فعاليتها. إن الأحزاب السياسية كظواهر تاريخية، ما هي إلا عملية تكثيف وتركيز شديد لأرقى وأكفأ الطاقات، وإدارتها بأحسن مستوى، في سبيل تحقيق مشروع سياسي- اجتماعي محدد وواضح، يعكس رؤية سياسية- اجتماعية- فكرية- أخلاقية- وعملية شاملة، ارتباطاً بدوره ومكانته الاجتماعية الطبقية، وبالتالي فإن ميدان فعله الأول والأخير هو المجتمع. هنا يتقرر نجاح أو إخفاق أي حزب، بمعنى قدرته الدائمة والمتجددة على مواكبة حركة المجتمع المعقدة والمتشابكة لأبعد حد، وبالتالي القدرة على تلبية مصالح وأهداف ذلك المجتمع، في كل مستوى ومرحلة. بهذا المعنى تصبح مسألة التجديد الحزبي عملية موضوعية تماماً، يقود إغفالها أو الاستهتار بها، وعدم تلبية شروطها واستحقاقاتها، إلى إغلاق دوائر الحزب، وبالتالي موته اختناقاً. يفرض التسليم بأن الحزب جسم حي، منح ذلك الجسم حقه الكامل في الحفاظ على صحته وعافيته. ولكن، هل هذا ممكن بدون تغذية مناسبة ومستمرة، تؤمن له مختلف احتياجاته المادية والمعنوية؟ وهل يمكن لعملية التغذية المستمرة تلك، أن تؤدي دورها، إذا لم تترافق مع عملية رديفة، تتجلى في تخليص جسم الحزب من المخلفات التي تتركها عملياته الحيوية الداخلية والخارجية؟ إن فاعلية الحزب وتأديته لوظيفته ودوره الوطني التحرري والاجتماعي، هي التي تؤمن وحدته، التي تعود من جديد لتضاعف فاعليته. هذه العملية تحمي الحزب من الانغلاق، كونها مشروطة بتوفير علاقة سليمة بين الحزب والمجتمع، فالحزب ليس فوق المجتمع أو خارجه أو تحته، بل هو مكون داخلي أصيل من مكونات المجتمع، وميزته الحاسمة تتجلى في وعيه لدوره ووظيفته كجسم عالي التنظيم والأداء، لصالح الأصل/ المجتمع، سواء على الصعيد البنائي الداخلي، أو على صعيد الصراع ضد عدو قومي كالعدو الصهيوني. يوفر نجاح الحزب في تأدية وظيفته ودوره، شرطاً حاسماً ليصبح الحزب دائرة جذب، تقوم على القناعة والثقة والاحترام من قبل أوسع الطبقات والفعاليات والقوى الشعبية. تحمل عملية الجذب المشار إليها، طاقات وكفاءات اجتماعية واسعة ومتنوعة لأبعد حد إلى الحزب، الأمر الذي يضع البنية الحزبية، وآليات العمل ومعايير الحزب، أمام تحديات مستمرة، وسقف يجب أن يرتفع باستمرار. هذا يفرض ضرورة التحرك الدائم لتلبية استحقاقات عملية الجذب تلك، لأنها تمثل الترجمة المادية على صعيد الإزاحة في موازين القوى الاجتماعية لصالح الحزب بصورة تراكمية، بما تعنيه وتحمله هذه العملية من تناقضات جديدة، وأسئلة جديدة، ومهام جديدة، وصولاً للحظة القطع الثوري، وهكذا تستمر دورة الحياة. هنا يجب الانتباه لمخاطر جدية ترافق هذه العملية الحيوية، تتمثل في وهم التسرع والقفز عن تشابكات الواقع، وبالتالي إقحام الحزب والمجتمع في عملية صراع داخلي مبكرة. ثمة خطر آخر هو، استمرار العمل بنفس المعايير والأداء والأدوات السابقة، الأمر الذي يقود الحزب إلى دائرة العجز عن استيعاب حركة الواقع، وبالتالي إضاعة فرص ثمينة لتجديد بنيته ورؤيته وممارسته، بالاستفادة من الكفاءات والطاقات التي تلتف حوله، وتنجذب إليه في سياق هذه العملية. يتأتى هذا الخطر الجدي، عن عقلية قاصرة ونرجسية، تفسر نجاح الحزب وتستخدمه باعتباره نجاحاً شخصياً، الأمر الذي يعني السقوط في وهم أن البنية والقيادة والممارسة والآليات التي أتى النجاح في ظلها في لحظة أو مرحلة ما، صالحة لكل زمان ومكان. إن الوقوع في أسر هذا المحظور الخطر، يؤشر على خلل منهجي ومعرفي تجاه بديهيتين هما: (1) إغفال مبدأ التجديد كخط ناظم يعبر موضوعياً عن مبدأ تعاقب الأجيال بصورة طبيعية في المجتمع والحزب. إن إغفال هذا المبدأ وعدم وعيه بعمق، ينقل فعله من ديناميات التركيم والتكامل والتواصل بالمعنى الإيجابي، إلى ديناميات الصراع والصدام بما يرافقها من عفوية وتبديد واستنزاف وفوضى وسوء استغلال. (2) القفز عن بديهية أن المجتمع يملك طاقات وكفاءات مبدعة أكثر من كل الأحزاب السياسية مجتمعة. يقود إغفال هذه الحقيقة إلى البيروقراطية وعلاقة فوقية مع المجتمع، والاستخفاف به، وصولاً للتعامل معه بوعي أو بدون وعي، بعقلية القطيع، انطلاقاً من بديهة خاطئة جملة وتفصيلاً، وهي أن أي عضو حزبي أرقى من أي مواطن آخر غير حزبي. يترتب على هذه الخطيئة، انغلاق الحزب وعدم قدرته على استيعاب الكفاءات، والتصرف نيابة عن المجتمع. عملية توظيف الكفاءات والطاقات الاجتماعية، لإدارة وممارسة في منتهى التطور، وإلى بنى تنظيمية حزبية وغير حزبية، غاية في المرونة، تجعل من الحزب قوة منظمة، تمتد مجساتها وفاعليتها، لتشمل كامل مساحة المجتمع. هذه العملية هي ذات قيمة قصوى، لأنها تؤمن التواصل والتفاعل الإيجابي الشامل، بين الحزب والمجتمع، وبالتالي الارتقاء المتواصل بدور الحزب ووظيفته، في سياق عملية متحركة ومتناسقة مع المجتمع باستمرار. هكذا نصل بالنقاش إلى نتيجة مفادها، أن عملية التجديد في الحزب ذات طابع موضوعي، مستمرة ومتواصلة باستمرار، وشاملة لكل الجوانب. يستدعي حماية عملية التجديد من مصيدة الشكلية، والفهم الضيق، الذي يحصرها في الحراك والتبادل الحزبي الداخلي، وإعادة النظر الشكلية في النصوص بصورة مجردة، إلى مستوى التعامل معها، مفهوماً وممارسة، كعملية تبادل فعالة بين الحزب والمجتمع. الأمر الذي يعني ضرورة فتح أبواب الحزب، وخاصة في المراحل الصعبة من النضال، لجذب ما يمكن جذبه من طاقات اجتماعية، إن التجديد الحقيقي يكون بإضافة طاقات جديدة، لم تكن أصلاً موجودة داخل الأطر الحزبية. هذا يعني بالضرورة، الارتقاء بمعايير التجديد لتصبح متناغمة مع أفضل ما يضمه ويختزنه المجتمع من كفاءات، وإلا سيجد الحزب نفسه في لحظة معينة، خاصة إذا ما كان يعطي لنفسه اسماً ووصفاً ومهمة طليعية، أمام مشكلة جدية، تتجلى في تراجع مستوى معايير قيادته وكوادره وأعضائه وبناه وممارسته، قياساً بتطور معايير المجتمع، الأمر الذي يفقده أفضليته الحاسمه، ودوره المتقدم كجسم منظم يتصدى لقيادة المجتمع. بناءً عليه، إن عملية التجديد بقدر ما هي عملية موضوعية تعكس قوانين الحياة، بقدر ما يجب أن تتم في الحزب بصورة واعية، وإلا ستتحول إلى عملية عفوية، تجري تحت ضغط الأزمات والأحداث مع ما يرافق ذلك من نبذ للكفاءات، ونزيف داخلي، وفقدان للهيبة والثقة على أكثر من مستوى، لأن الأمر لن يقف عند حدود التذمرات الداخلية والاستنكاف، بل –وهذا هو الأخطر- سيتعداها إلى تآكل الحزب كمشروع سياسي – اجتماعي – تحرري. وتبعاً لذلك، فقدان المبادرة، والتخلف عن صيرورات المجتمع، واستحقاقات الصراع الأشمل. تؤمن ممارسة عملية التجديد الحزبي ضمن نواظم هذه الرؤية، عملية التناغم والتناسق بصورة متواصلة، بين الرؤية السياسية وما يترتب عليها من وظائف وأدوار ومهام وبرامج شاملة، والرؤية التنظيمية التي تكون مهيأة باستمرار لتلبية دورها كجزء مكون من الرؤية الشاملة ورافعة عملاقة لها. تتجلى عملية التجديد الواعية لدورها ووظيفتها ومكانتها كقانون طبيعي في حياة الحزب الداخلية، التي هي جزء من حياة المجتمع الأشمل، على شكل استثمار كثيف للزمن وللطاقات الحزبية والاجتماعية. هنا تبرز مكانة الديمقراطية كقيم ومعايير وممارسة وبيئة لتشكل الحاضنة والناظم لصيرورات هذه العملية الاجتماعية الطبيعية، ذلك أن عملية التجديد الحزبي تشمل أيضاً التجديد على صعيد الرؤية السياسية والفكرية والاجتماعية، والبنى والأطر والبرامج، بصورة مستمرة ومتواصلة ارتباطاً بحركة الواقع وشروط الصراع، والأهداف الوطنية والقومية، وتبعاً لذلك التجديد في وظيفة الحزب ودوره. هكذا تتناسق العملية وتتناغم ضمن نواظم مبدأ التواصل والتركيم والاستمرارية وعدم القطع المرضي مع التاريخ الحزبي الوطني، الذي يحفظ وعيها وممارستها على أساس هذه الرؤية للحزب، تاريخه ومكانته في الضمير الجمعي الحي للشعب، بما هو أي الحزب تعبير عن مشروع سياسي اجتماعي، قادر على حماية ذاته وأهدافه، واحترام تضحيات أعضائه وتضحيات الشعب التي يجري تقديمها عن طيب خاطر تحت رايته ومشروعه الوطني التاريخي. عدا ذلك، يبدد رصيده التاريخي ويتآكل تحت ضغط العجز والأزمات، وعدم القدرة على النهوض وتلبية استحقاقات ما أشرنا إليه من مشروع وطني تاريخي. هنا تبرز بصورة خاصة، الأهمية القصوى لدور الهيئات القيادية في الحزب (اللجنة المركزية العامة – المكتب السياسي)، ارتباطاً بعملية التجديد الحزبي بكل النواظم والشروط التي أتينا عليها آنفاً. لقد بينا في السياق، أن عملية التجديد من ناحية المبدأ، هي عملية موضوعية، لكنها يجب أن تتم في الحزب بصورة واعية، هذا يعني، أن هيئات الحزب القيادية، يجب أن تملك الوعي والكفاءة والصبر لإدارة هذه العملية بنجاح، وإنقاذها من مزاجية الأفراد، ومما يتراكم من هبوط في المعايير مع مرور الزمن، وما تفرضه عملية احتدام الصراع من إعادة نظر في المعايير بصورة متواصلة، وإلا ستتخلف عن مواكبة الأحداث واستحقاقات المشروع الوطني بجانبية التحرري والاجتماعي، وهو الأمر الذي يقود لتأسيس ديناميات كبح داخلية حفاظاً على سقوف الوعي والأداء والبنى القائمة. نجاح القيادة في إدارة هذه العملية وإطلاق فعالياتها لأقصى مدى، هو معيار عمق وعيها لدورها ووظيفتها في إطار الحزب كمشروع وطني شامل وممتد ومتواصل ومتجدد باستمرار، كظاهرة اجتماعية عمرها من عمر المجتمع وليس الأفراد. هذا الأمر يعني حكماً أن ثقل دور القيادة ومكانتها في صفحات تاريخ الحزب والوطن، مرتبطان بقدرتها على شروط استمرار الحزب وتطوره، ارتباطاً بدوره ووظيفته كحامل لرؤية سياسية – اجتماعية متطورة باستمرار، تبعاً لتطور الواقع الموضوعي والذاتي، وتبعاً لتطور الأهداف من مرحلة لأخرى. إن وعي الهيئات القيادية، أفراداً وجماعة، بنى وممارسة ومعرفة لهذا الدور والوظيفة يعني أن تقوم بتوفير شروط ارتقائها بذاتها باستمرار، عبر التغذية المستمرة للعقل، والتجديد المستمر للذات بتوظيف كفاءات جديدة، وإخلاء من لم يعد لديه القدرة على التقدم، أو من تثبت الممارسة عجزه وتخلفه، سواء بحكم عوامل موضوعية أو ذاتية، بحيث يفعل هذا القانون فعله بصورة موضوعية تماماً، عبر توفير الآليات والمعايير والقيم، التي تجعل من التطوير والتجديد ممارسة طبيعية في حياة الحزب. تحتل القيادة، عبر هذه العملية والنجاح في تأمين شروطها، دورها ومكانتها في تاريخ الحزب والشعب، وتفرض بذلك دورها القيادي الطليعي والمبدع، ولا تختلسه اختلاساً في غفلة من الحزب أو الزمن. نستعيد في هذا المجال مضامين وأبعاد الفكرة التي أطلقتها الجبهة الشعبية في مرحلة متقدمة، من تاريخها ألا وهي: "مبدأ التحول"، بما هو عملية شاملة ومتواصلة دائماً وأبداً، وحيث يتماهى التحول تماماً مع مبدأ التجديد الذي أتينا على ركائزه ونواظمه الموضوعية والذاتية. والحال هذه، يرتقي التحول في دوافعه وأهدافه، وما يطلقه من ممارسات وما ينضبط له من قيم وشروط، إلى مستوى إطلاق فاعلية الحزب ارتباطاً بوظيفته ودوره، المرتبطان برؤيته السياسية/ الاجتماعية، المرتكزة إلى الواقع وحركته ومعطياته وفق شروط علمية صارمة. التي بدورها، تعيد الاعتبار لجوهر فكرة التحول، التي تراجعت تحت ضغط الأزمة والركود الداخلي، وكادت تندثر بعد أن جرى الهبوط بها إلى مجرد خطاب نظري. إن إعادة الاعتبار للتحول، بما هو عملية تجديد مستمر، تحفظ للجبهة الشعبية تاريخها وحقوقها، وتسلحها بمبدأ أن يكون التجدد جوهر حياة الحزب ومصدر شبابه. إن التاريخ مدعاة للفخر، و