دستور LWV: نقاط تقارب الإخوان وإخوانهم!

حجم الخط
لم اقرأ تفاصيل الدستور المصري الجديد ولكنني اشعر بحقي في إثارة أربعة ملاحظات لفتت نظري في معركة الدستور المصرية والتي ربما تساوت فيها مختلف القوى المتنافسة مما يجعل هذه المعركة اقرب إلى حرب داحس والغبراء، فهي بين الإخوان وقوى علمانية هي مثابة إخوان للإخوان في مسائل أربع وردت ومتعلقة بهذا الدستور. في هذه المعركة تحدث مثقفون وقضاة وإعلاميون وساسة ومن الجنسين ومن مختلف القوى المتصارعة في معركة الدستور في مصر، و لسوء الحظ كان الجميع متقارباً في هذه الملاحظات، بل كان التفاوت بينهم في بعضها ضئيلاً مما اشاع مناخاً من التدليس الجماعي. 1- مديح الأمية: تحدث جميع من ظهروا على الفضائيات المصرية وحتى العربية بأن 40 بالمئة من المصريين أميين. ولكن، إذا أخذنا بالاعتبار البالغين واصحاب حق التصويت ستكون نسبة الأمية بينهم أعلى من الصغار وبالتالي أعلى من 40 بالمئة. وهذا يعني أن نظام حسني مبارك قد هيأ، عبر تعميم الأمية، لقوى الدين السياسي الإخوان والسلفيين، قاعدة انتخابية واسعة تضمن فوزهم، أو بكلام آخر، سحق إنجاز عبد الناصر في توفير التعليم المجاني من الحضانة وحتى الدكتوراة . وكأن ما حدث في "ثورة؟" 25 يناير بمصر هو نقل للسلطة بتعاون موضوعي بين النظام السابق والحالي. فليس من المعقول أن يصوت شخص أمي لغير القوى التي : · تزعم أنها تمثل الله أي تستخدم الدين وتفتي بتكفير من لا يصوت للإخوان، · وتعد بالمال وخاصة بعد وعد القرضاوي بعشرين مليار دولار من حاكم قطر إذا نجح الإخوان! فأية ديمقراطية هذه التي تسمح باستغلال الدين والرَيْع في استفتاء على الدستور. وعليه، فإن مختلف المتحدثين والذين كتبوا قد مارسوا الكذب حين كانوا يقولون: "صحيح أن هناك 40 بالمئة أميين، ولكن المصري الأمي ليس جاهلاً". كلا ايها السيدات والسادة، ليست المسألة مصري أو سوري أو يمني، ليست المسألة وصف هؤلاء الضحايا بالجهل او غيره، ولكن واقع الحال يؤكد أن الأمي سيكون من السهل توجيهه كما يرى المتعلم سواء من اسرته أو من الحزب الذي يتواجد في مكان سكناه او عمله. إن هذا الإطراء للأمية لا يقوم على احترام الإنسان بل يقوم على جبن في قول الحقيقة الموجودة موضوعياً في البلد، وهو انتهازية كذلك من غير قوى الدين السياسي كي تكسب اصوات بعض الأميين، بل وحتى اشباه الأميين. وعليه، فإن النسبة التي صوتت بنعم لا تعبر حقيقة عن 63.7 بالمئة من اصوات من انتخبوا لأن الكثير منهم لم يختار بمعرفة، بل جرى الاختيار نيابة عنه. 2- قراءة الدستور: قد يفهم المرء كسل بعض من يقرأون بعدم قراءة الدستور، ولكن كيف يمكن استفتاء الأمي على الدستور؟ من قال إن الذي قرأ و/أو شرح له، إن كان فعل، قد قرأ له النص الحقيقي، ومن قال أن الأمي قد فهم النص حتى لو حقيقياً؟ ما هو وجه الافتخار لدى أكبر دولة عربية حين تعرض دستورا للاستفتاء على شعب 40 بالمئة منه أميَّاً؟ ومن هنا، كان يجب الإصرار على وضع الدستور توافقيا. أما المقارنة مع نسبة المقترعين في فرنسا وأمريكا وغيرها، فهي مجرد تلاعب على الفضائيات لأنه حديث عن بلدان الأمية فيها متدنية وربما معدومة. إن الاستفتاء على الدستور مع هذه النسبة الأمية هو في جوهره تزكية لأنظمة الخليج، التي بوسعها في هذه الحالة القول، بأن لا حاجة لا لاستفتاء ولا لدستور في بلدانها لأن كثيراً من الناس أميين. 3- المسيحيون: كيف يمكن الاستفتاء على دستور يعتبر الشريعة مصدره الرئيسي في مجتمع 9-10 بالمئة منه ليسوا مسلمين؟ أي أن الدستور يضطهد علانية وبوضوح وفي القرن الواحد والعشرين 9-10 بالمئة من مواطني الدولة. لو تجاوزنا على وجوب أن يكون الدستور علمانياً، فلماذا تُفرض شريعة المسلمين على غيرهم من المواطنين؟ وهل كان بالإمكان مثلاً النص "جدلاً" بأن الإيمان هو المصدر الرئيسي للدستور، مع ما في هذا من اضطهاد لغير المتدينين؟ لعل من ضحايا هذا النص والتثقيف به هم الكثير من المسلمين في بلدان غير إسلامية حيث يشجعهم هذا على التورط ضد البلدان المضيفة وضد ثقافتها رغم أنهم لاجئون إليها، بل إن هذا هو مصدر تجنيد مسلمين من كثير من بلدان العالم لحمل السلاح والقتل مثلاً كما في سوريا! 4- كيف يمكن اعتماد الشريعة كمصدر رئيسي للتشريع في القرن الحادي والعشرين؟ أي كيف يمكن أن يكون الدستور ذكورياً بما في ذلك منع المرأة من العمل، أو الاختلاط بالرجال أو الذهاب إلى السوق وكيف يمكن حصر الحريات الفردية وحتى طريقة التدين ضمن فتاوى رجال الدين؟ بغض النظر عن تورط قوى المعارضة في قبول مبدأ الاستفتاء على دستور غير توافقي في بلد 40 بالمئة من سكانه أميين، و9-10 بالمئة نصارى، فإن هذه الملاحظات وحدها كافية كي تناضل من أجل إسقاط هذا الدستور. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن إسقاط هذا الدستور ليس شرطا أن يكون موجهاً ضد وصول قوى الدين السياسي إلى السلطة. فليست المشكلة في شخص من يحكم فردياً واعتباريا،ً بل المشكلة في أدوات الحكم والنصوص في الدستور نفسه. ربما يمكن للقوى العلمانية أن تعتمد هذه التجربة أو المعركة لترفعها من حرب داحس والغبراء إلى التصدي للأمية والتصدي للجهل والتجهيل الذي يمدح الأمية بدل أن يجتثها، والتصدي لفرض الطقوس على الإيمان الفردي وهو وحده الإيمان الحقيقي فما بالك بفرض الشيوخ على العلماء والمثقفين، والويل طبعاً للمثقفات؟.