في الذكرى الـ 21 لاستشهاده، " العكاوي " .. مدرسة عنوانها الصمود

حجم الخط
" الاعتراف خيانة " شعار رفعته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين منذ ثلاثة عقود ، وأدرجته ضمن أدبياتها ونشراتها الداخلية ، ورددته قياداتها مراراً ، وسمعناه من رفاقها وأعضائها كثيراً داخل السجون وخارجها . ولم تكتفِ برفعه كـ " شعار " وإنما سعت لترجمته ، وعاقبت من أخل واعترف من أعضائها و قياداتها ، ومع الوقت جعلت منه منظومة وجزء أساسي من ثقافتها وفلسفتها وأحد أبرز الدروس في مدرستها الخاصة . ومع الوقت أضحى الصمود في أقبية التحقيق " قاعدة " لدى رفاقها ، فيما الاعتراف " استثناء " ، على اعتبار أن من يعترف أمام المحققين ، أو يدلي بمعلومات مجانية عن رفاقه واخوانه في الفصائل الأخرى ، إنما هو يخون الثورة ويلحق الأذى بفصائل المقاومة وأعضائها ، وقدمت في هذا السياق مجموعة من رفاقها الأسرى شهداء في أقبية التحقيق .. فكان منهم الشهيد الأسير " مصطفى العكاوي " . " مصطفى عبد الله العكاوي " ابن مدينة القدس المحتلة ، هو واحد من الذين انتموا للثـورة من خلال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين منذ نعومة أظافره ، فتتلمذ على أيدي عمالقة الثورة ، ودرس في مدرسة " الحكيم " وتخرج من جامعات السجون ، فأحسن التعلم وأيقن الممارسة ، وأجاد لغة المواجهة في غياهب السجون وزنازينها المعتمة ، و في أصعب اللحظات وأحلكها ، وانتصر على السجان والجلاد ، حينما صمد ولم يحرك عضلة لسانه برغم ما مورس بحقه من صنوف مختلفة من التعذيب القاسي ، وفضّل الاستشهاد بكرامة ، على الاعتراف والبقاء على قيد الحياة ، فاستحق لأن يبقى حيا بين رفاقه ، وفي قلوبنا وقلوب أبناء شعبه على اختلاف انتماءاتهم الحزبية ، ليُشكل مدرسة تُحتذى اسمها " العكاوي " وعنوانها " الصمود في أقبية التحقيق " . مجسداً بذلك مقولة المناضل الأممي التشيكي " يوليوس فوتشيك " في مذكراته المهربة من الزنازين في كتاب " تحت أعواد المشانق " ( اذا كان ولا بد من التضحية لأجل الوطن ، فلنضحي بالحياة وليس الشرف ) ... الشهيد " مصطفى العكاوي " من مواليد عام 1957 ، متزوج ولديه ابن واحد اسمه " عبد الله " ، واعتقل من قبل عدة مرات ، فيما المرة الأخيرة كانت في الثاني والعشرين من يناير / كانون ثاني عام 1992 من منزله في ضاحية البريد شمال مدينة القدس ، في إطار حملة هي الأشرس والأوسع لأعضاء وقيادات الجبهة الشعبية ، وكان عمره آنذاك ( 35 عاماً ) . وكان قد تسلح بقضية عادلة ، ومبادئ راسخة وقناعة بحتمية الانتصار وإلمام كامل بكل أساليب التحقيق قبل اعتقاله .. فسّخر كل ذلك في معركته أمام جلاديه لشكل بمجموعها عوامل ساعدته لأن يسطر ملحمة الانتصار وأن ينال الشهادة في زنازين سجن الخليل في الرابع من فبراير من العام ذاته ، صوناً لشرف الوطن والثورة والمقاومة . وبهذه المناسبة أدعو كافة الفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية إلى إعادة النظر في ثقافتها وبرامجها التعبوية وآليات صقلها لعناصرها ، والاستفادة من تجارب الصمود السابقة بما يؤسس لمنظومة متكاملة تجمع ما بين ثقافة النضال والاستشهاد والاعتقال في آن واحد ، مع التركيز على أهمية الصمود في أقبية التحقيق في حال الاعتقال ، لما لذلك من ضرورة وطنية ملحة تكفل الحفاظ على المعلومات التي يمتلكها المناضل وعدم البوح بأسرار المقاومة وفصائلها ورموزها . صحيح هناك أكثر من سبعين شكلاً من أشكال التعذيب الجسدي والنفسي تمارس بحق المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي ، ولكن ومع ذلك فان الصمود ممكناً والانتصار وارد جداً ، ومئات من التجارب الفردية والجماعية يمكن أن تُسجل هنا والتي تشكل بمجموعها نماذج رائعة . وبتقديري أن المناضل إذا ما بنيَّ وصُقل جيداً قبل خوض تجربة التحقيق وتربى على ثقافة الاعتقال والصمود ، وتشرب فلسفة المواجهة وراء القضبان ، يمكنه الصمود في أقبية التحقيق .. فإما حياة تسر الصديق ، وإما ممات يغيظ العدا .... فتحية اجلال وإكبار للشهيد " مصطفى العكاوي " ولكافة شهداء الحركة الوطنية الأسيرة وشهداء الصمود في أقبية التحقيق من كافة الفصائل أمثال قاسم أبو عكر ، إبراهيم الراعي ، عطية الزعانين ، عبد الصمد حريزات ، خالد الشيخ علي والقافلة تطول . وتمر قوافل الأبطال إما إلى القبور و إما إلى السجون