قراءة في رسالة عميد الأسرى كريم يونس

حجم الخط
من يقرأ رسالة عميد الأسرى المناضل كريم يونس والذي مضى على وجوده في الأسر ثلاثين عاماُ للجنة المركزية والمجلس الثوري لحركة فتح، يدرك حجم المعاناة التي يعيشها أسرانا في غياهب سجون الاحتلال ومعتقلاته، ويجد أن تلك الرسالة كفيلة بجعل الحجر ينطق، لما فيها الكثير من أنات الألم وصرخات الغضب وعمق القهر و الشعور بالمرارة من قياداتنا الفلسطينية سلطة وأحزاب وفصائل فرسالة الأسير المناضل كريم يونس ليست موجهة لحركة فتح بذاتها بل هي تعبير عن هموم ومعاناة أسرى شعبنا الفلسطيني وبالذات منهم أسرى منظمة التحرير الفلسطينية، وهي كذلك تحوي الكثير من المعاني والدروس والعبر، رسالة من رجل صلب عاش وعايش المعاناة والألم، تكسرت أحلامه وأحلام الكثير من أسرانا من عمداء وجنرالات الصبر بالذات في أكثر من مرة وأكثر من صفقة تبادل، فهو في وصف تلك الحالة يقول"وقضينا السنوات الست الأخيرة نبتهل ونصلي وندع الله أن يحفظ الجندي شاليط كأسير لدى حماس حياً لقناعة كل واحد منا وأماله أن يكون أحد المفرج عنهم في هذه الصفقة وعشنا قبل ذلك على الأمل أن يفرج عنا في صفقات حزب الله وقبل ذلك عشنا على أمل رون أراد وعشنا على آمال وضعناها لأنفسنا كي تستمر الحياة داخل السجون رغم قناعتنا أن القدر ليس معنا". وكما يقول الشاعر الكبير المظفر النواب، هذه كلمات لا تحتاج الى المزيد من الوضوح، فهي واضحة ونافرة ومعبرة، وعميد أسرانا المناضل كريم يونس، يذكر سلطتنا وأحزابنا بأن فلسفة السجون الظالمة، وسياسات إدارات مصلحة سجونها قائمة وهادفة الى قهر روح الأسير النضالية بهدف النيل من قناعاته وانتمائه وزعزعة إيمانه بقضيته، ولكن هيهات لها ذلك؟، فالأسير الفلسطيني بملحمتة البطولية وصموده الأسطوري أثبت لإدارة السجون الإسرائيلية ومن خلفها أجهزة مخابراتها ومستواها السياسي بأن الأسير الفلسطيني صلب وعنيد وعصي على الكسر والتطويع والترويض عميق في قناعاته وثابت على مبادئه. وبعد ذلك ينفجر كالبركان الثائر من عمق المعاناة والألم غضباً وثورة على القيادة الفلسطينية، فهو يتوجه لها بالسؤال الذي يطرحه الأسرى دائماً وباستمرار، سؤال يؤرق ويضج مضاجع الأسرى منذ سنوات وعلى وجه الخصوص بعد اتفاقيات أوسلو والقاهرة وطابا وشرم الشيخ وواي ريفر وغيرها، هو الى متى..؟؟. وبعد ذلك أتخيل أخي ورفيق دربي المناضل كريم يونس في ساحة النزهة"الفورة" وهو الإنسان المعروف بهدوئه وطول باله وبرودة أعصابه وصبره يفقد أعصابه وينفجر كالبركان الثائر والبحر الهائج، ويمطر القيادة بسيل من التساؤلات المشروعة والتي لم تجب عليها حتى اللحظة الراهنة من طراز"الى متى سيبقى هذا الوفاء باتجاه واحد؟ومن بعد ذلك تزداد أسئلة كريم حدة وقساوة فتجد أن كريم فقد أعصابه وخرج عن طوره، وليشن على القيادة هجوماً ونقداً لاذعاً وغير مسبوق، ولكنه مشروع ومبرر عندما يقول للقيادة""والى متى سيبقى هذا الوفاء لقيادة لا تعرف الوفاء ونلمس تجاهلها ونسيانها وإهمالها؟ ومن ثم يتوجه للقيادة ممثلة باللجنة المركزية والمجلس الثوري والقائد العام بالقول"أليس من حقنا أن نتساءل بعد عشرين عاماً من المفاوضات الفاشلة والعبثية والاتفاقيات الزائفة، لماذا تم نسيان الأسرى؟ولماذا تم الدوس على آلامهم ومعاناتهم"؟.... هل يجب أن يدخل كل واحد منا موسوعة غينس للأرقام القياسية لكي يتم الإفراج عنه؟ ويستمر القائد وعميد الأسرى في طرح الأسئلة من العيار الثقيل على القيادة، وليصل حد القول لهم "..وفي الحقيقة أسرى فتح منسيون الى الأبد وغائبون عن ذاكرة قيادتنا واللجنة المركزية والمجلس الثوري والقائد العام.إن القائد الذي يترك جنوداً له في المعركة يفقد أهليته للقيادة وهذا ليس شعار بل شعور يجول في خاطر كل واحد فينا وإدراك حقيقي يساور قلوبنا وقناعة تسربت إلى نفوسنا حيث لا يعقل أن يكون السلام للقادة ومع القادة ومن فوق رؤوس وجماجم وحطام المناضلين الذين دفعوا كل الأثمان لكي يصبح لنا قضية وعنوان". والقائد كريم يونس الذي كان عنده أمل كبير بأن يكون هو والكثيرين من الأسرى قبل أوسلو من ضمن الأسرى المحررين في صفقة التبادل يصاب بخيبة أمل كبيرة، فالصفقة على حد قوله هو وأسرى فتح الشعبية والديمقراطية والجهاد كانت فئوية بامتياز، فمن مجموع الأسرىال450 المحررين، كان هناك (363) أسير من حماس، وهو هنا يقول" وبعد انتهاء الصفقة وبعد أن تبين لنا الخيط الأبيض من الأسود واتضحت الرؤية تبين أننا كنا نحلق في فضاء من الوهم في السنوات الماضية ونتشبث بخيوط وهمية لم تكن موجودة أصلاً فسقطنا مرة أخرى الى أرض الواقع الأليم وعدنا الى عتمة الزنازين نتلمس جدرانها علنا نجد طاقة أو حتى ثقباً يبعث فينا بعض النور..". ويخلص القائد كريم يونس هو وأبناء الحركة الأسيرة ويصل الى قناعة وصل اليها أغلب أبناء شعبنا الفلسطيني، بأن إسرائيل لا ولن تفرج عن أي أسير بدون ثمن، وهي لا تقدم تنازلات مجانية، فهي لديها قيادة تحكمها عقلية الثأر والانتقام والبلطجة، وبالتالي هي لا تفهم الإ لغة واحدة، لغة تفرض على شعبنا وقيادتنا أخذ زمام المبادرة من أجل تحرير الأسرى، وهو يخاطب القيادة بالقول"..ونحن لا ولن نقبل الانتظار الى ما لا نهاية ويتعين على قيادة الحركة أن تثبت أنها أهل للقيادة وأنها مسؤولة وفاعلة وعليها اتخاذ القرارات. قرارات من شأنها العمل على إطلاق سراح أسرانا وتحررهم من سجون الاحتلال، قرارات ترتقي إلى مستوى المسؤوليات وأهمية وخطورة هذا الملف، فهو على سبيل المثال يرى بأنه على السلطة الفلسطينية ربط التنسيق الأمني بتنفيذ الاستحقاقات الوطنية ومن ضمنها إطلاق سراح الأسرى ووقف الاستيطان. وكذلك على السلطة والأحزاب التخلي عن اللغة الخشبية في التعاطي مع هذا الملف وهذه القضية الحساسة، وعليها أن تقدم خطاب سياسي وإعلامي جديد يؤكد على إطلاق سراح الأسرى كشرط لاستئناف المفاوضات، وليس كنتيجة لها وترحيل لهذا الملف الى ما يسمى بالحل النهائي الذي لا تعرف له تواريخ وسقوف. الضغط على المجتمع الدولي وبالذات الرباعية الدولية وأمريكا، بضرورة أن تتضمن أي صفقة إفراج جديدة عن الأسرى، جميع الأسرى القدامى قبل عام /2000 دون استثناء إضافة إلى شمولها لأكبر عدد من المؤبدات والأحكام العالية والقادة السياسيين والرموز الوطنية. ويختم عميد الأسرى كريم يونس رسالته بكلمات قمة في الروعة ووضع لليد على الجرح، فهو يقول لتلك القيادة "كفانا شعارات وخطابات وتصريحات بدون أي مضمون ولا رصيد لها ونحن لا نريد أن نكون في قلوبكم بل نريد أن نكون على أجندة عملكم الصادق وعلى رأس سلم أولوياتكم سياسياً واجتماعيا وجماهيرياً ونضالياً.