ذكرى اقتحام سجن أريحا

حجم الخط
في 14 مارس/ آذار 2006 اقتحمت قوات الاحتلال الصهيوني سجن أريحا واعتقلت خمسة من القيادات والكوادر الفلسطينية بعد محاصرة السجن لأكثر من اثنتي عشرة ساعة دمّرت خلالها أجزاءً كبيرةً منه بالجرافات . الحدث الأبرز في عملية القرصنة الإجرامية تلك أنها جاءت بعد خمس دقائق من انسحاب المراقبين الأمريكيين والبريطانيين من السجن ومحيطه، ولم تقدم واشنطن ولندن أي تفسير مقنع لقرار الانسحاب الذي كان بمثابة تواطؤ واضح لم يحترم التزامات كلتا الدولتين تجاه الاتفاق الذي قضى بنقل الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات ورفاقه الأربعة المتهمين بتصفية وزير السياحة “الإسرائيلي”، في حينه، رحبعام زئيفي رداً على اغتيال “إسرائيل” للأمين العام السابق أبو علي مصطفى، بالإضافة إلى المسؤول المالي في حركة “فتح” فؤاد الشوبكي، إلى سجن أريحا تحت إشراف مباشر من مراقبين أمريكيين وبريطانيين . ما حصل لم يكن غريباً على “إسرائيل” بل إن سعدات نفسه كان يعتبر الاقتحام “الإسرائيلي” للسجن مسألة وقت، حيث لم يكن هناك ثمة تفسير لإصرار “إسرائيل” على نقل الأسرى الخمسة الذين كانوا محاصرين مع الراحل ياسر عرفات في المقاطعة، إلى أريحا بالتحديد، باعتبار أن المدينة خاصرة أمنية رخوة من حيث كونها معزولة نسبياً من الناحية الجغرافية ومحيطها أراض جرداء لا تتيح لأحد الاختفاء فيها . الدرس الأبرز الذي ينبغي استخلاصه، بعد مرور سبع سنوات على ذلك العدوان المبيّت على السجن والمناضلين الخمسة، هو عقم المراهنة على “حيادية” قوى تقف على الدوام إلى جانب “إسرائيل” وتسهّل لها سياساتها ضد الشعب الفلسطيني والأمة العربية، وتشكّل لها الغطاء السياسي في المحافل الدولية، والحماية من الملاحقة القضائية . كان قرار السلطة الفلسطينية اعتقال المناضلين الخمسة خطأ كبيراً، وكانت موافقتها على نقلهم إلى سجن أريحا خطأ أكبر . وقد أثبتت الأحداث اللاحقة أن المبرر المعلن، وهو حمايتهم، لم يكن في مكانه، وها هم يقبعون في سجون الاحتلال حيث أصدرت محاكم الاحتلال بحقّهم أحكام سجن عالية . كان يجب قراءة المكتوب من عنوانه، ف “إسرائيل” نسفت اتفاق أوسلو، بداية عندما توقّفت عن استكمال تنفيذه، ثم حين اجتاحت “إسرائيل” الضفة الفلسطينية في مارس/ آذار وإبريل/ نيسان 2002 وأعادت احتلال ما كانت تصنّف كمناطق “أ” التي كانت تخضع لسيطرة السلطة حسب الاتفاق، لم تكتف بتدمير مقوّمات السلطة من خلال استهداف حواجز الأمن الوطني والمقرات المدنية، بل تعمّدت تدمير مبان سكنية وبنى تحتية مثل شبكات الكهرباء والإشارات الضوئية . ويتذكّر الفلسطينيون الذين شاهدوا من نوافذ منازلهم وشرفاتها كيف كانت الدبابات تسحق السيارات المتوقفة على جنبات الشوارع أمام منازل أصحابها، فهل لذلك السلوك علاقة بمحاربة “الإرهاب” المزعوم؟ هذا غيض من فيض سياسات “إسرائيل” التي لا تحترم اتفاقات ولا تحترم التزامات ولا تتردّد في انتهاك كل ما يتنافى مع أيديولوجيتها العنصرية العدوانية التوسّعية . ولعل آخر شواهد ذلك انتهاكها ما تسمى “صفقة شاليت” من خلال إعادة اعتقال عدد من الأسرى المحررين الذين يخوضون الآن إضراباً عن الطعام ويوشكون على الموت . يحكى أن عقرباً طلب من ضفدع أن ينقله من ضفة نهر إلى الضفة الأخرى، وعندما أبدى الضفدع للعقرب مخاوفه من أن يلدغه، رد الأخير بأن من الغباء أن يفعل ذلك لأنه يعني غرقهما معاً . اقتنع الضفدع وحمل العقرب على ظهره، وفي منتصف النهر لدغه العقرب الذي سأله مذهولاً: ألم تعدني بأنك لن تفعل؟ رد العقرب: وهل نسيت أن اسمي عقرب؟