نهاية عصر الفضائيات

حجم الخط
انتهى عصر الفضائيات العربية، أو يكاد. وصل إلى ذروته، وهو ينحدر. أو بتعبير آخر: انتهى عصر قناة الجزيرة وأخواتها. فهن أخوان كان، لا أخوات ما سيكون بعد الآن. لكن لعل هذا هو ما يحصل عالميا وليس عربيا فقط، بعد المفاجأة التي حققها الممثل الكوميدي الإيطالي، بيبي غريللو، زعيم حركة النجوم الخمسة، الذي حصل على 26% من أصوات الطليان في الانتخابات من دون أن يستخدم إعلانا تلفزيونيا واحدا، بل ومن دون حتى أن يجري مقابلة تلفزيونية واحدة. قاطع التلفزيون. أدار له ظهره. ومع ذلك حصل على هذه النسبة. حصل هذا في إيطاليا حيث تمكن رجل خليع مهووس، يدعى بيرلسكوني، من السيطرة على الحياة السياسية الإيطالية لأنه يملك سلسلة قنوات فضائية. فمن يملك شبكة الفضائيات يملك إيطاليا. غريللو نقض هذا. استند إلى الإنترنت؛ إلى الفيسبوك وتويتر، وغيرها من وسائل الاتصال، ونجح. نجح ضد الفضائيات. ويجري في العالم العربي مثل هذا تقريبا، بشكل أو بآخر. دليل ذلك ما يجري في السعودية. حيث يشتد ساعد الحركة الشعبية المعارضة من دون تلفزيونات.. من دون قنوات فضائية.. بل وفي ظل حصار محكم تفرضه هذه الفضائيات على هذه الحركة. فالقنوات الفضائية إما ممولة من السعودية، مثل العربية، أو متواطئة مع النظام السعودي، مثل الجزيرة. يشتد ساعد المعارضة الشعبية بتويتر أساسا. قوة التويتر قوة متفجرة. هناك أكثر من ثلاثة ملايين سعودي لهم حساب على تويتر. والأعداد في تزايد مستمر. الناس هناك تتحرك من دون الفضائيات. بل وفي مواجهتها. حصل هذا جزئيا في مصر. فقد لعبت أدوات الاتصال الاجتماعي، وخاصة الفيسبوك، دورا حاسما في الثورة. لكن الفضائيات سرعان ما استولت على الثمرة لصالحها. نعم، سرعان ما أمسكت الجزيرة بمقعد القيادة من أجل تمرير صيغة: (الحكم الإسلامي لمعتدل)، أي حكم الإخوان المسلمين. لكن هذا يتغير. هيمنة الجزيرة وأخواتها، أخوات كان، تنحسر. والناس ينفلتون تدريجيا من قبضتها.لم يكتمل الأمر بعد. فما زال للفضائيات قوتها. لكن الأمور تتغير بتسارع. ولن تعود الأمور كما كانت عليه من قبل. مضى ما يقرب من عقدين والجزيرة هي من يقرر. فقد قررت حتى نتيجة الثورات، ودفعت بالإخوان المسلمين نحو الحكم. دفعتهم بموافقة أمريكا والغرب. وهو ما أدى إلى فقدان هذه الثورات طابعها العام المعارض للسيطرة الغربية. كان الشيخ حمد يقرر أن يضع شيخا كالقرضاوي على قناته، قناة الجزيرة، فيحوله إلى بابا الكاثوليك السنة. كان يقرر أيضا أي المناطق هي التي يجب أن تحدث فيها الاشتعالات والثورات. وتذكرون قبل انفجار الثورات أن قناة الجزيرة خططت لإشعال انتفاضة ضد السلطة الفلسطينية في رام الله عبر وثائق المفاوضات التي حصلت عليها من مكتب صائب عريقات. حضرت الجزيرة هيئة الأركان، وأشعلت الكبريت. وكادت الأمور أن تشتعل. القرار كان يتخذ في الدوحة. وقناة الجزيرة كانت هي قيادة الأركان. هذا ينتهي. مكانة تويتر والفيسبوك تترسخ. والثقة، ثقة الناس في الفضائيات وأهدافها، تنحسر. لا يمكن بعد الآن أن يتم تعيين بابا كالقرضاوي بقرار من الشيخ حمد. والثورات لا يشعلها، حسب الطلب، لا القرضاوي ولا وضاح خنفر أو غيرهما. انتهى عهد وضاح خنفر وأمثاله. دام عهد الفضائيات العربية من عام 1996 إلى 2012. دام ما يقرب من عقدين. لكن ذروته كانت من عام 2000، عام الانتفاضة الفلسطينية، حتى عام 2011، عام الثورة المصرية. والآن نشهد نهاية هذا العهد. أي نشهد نهاية العهد القطري ذاته. فيمكنك الآن أن تعيش من غير الجزيرة. لم يعد هناك من بث موحد. انتهى البث الموحد. هناك بث متعدد في تويتر، والفيسبوك، والموبايل، وغيرها. لكل واحد موجة. لكل واحد قناة. ولا حاجة للشيخ حمد. يقول محمد بن نايف، وزير الداخلية السعودي، في ما نقل عنه: (التويتر مصيبة. لا يمكن السيطرة عليه. لا يمكن السيطرة على 3 ملايين مشترك). أما لسان حال مبارك فكان يقول: (الجزيرة مصيبة). الزمن يتغير. حطمت الجزيرة البث الخاص، التلفزيونات الخاصة للأنظمة، لمبارك وبن علي. حطمتها تماما. بذا فقد لعبت دورا إيجابيا في البدء. لكن سرعان ما اكشف هدفها: نصب أصنام جديدة محل الأنام القديمة التي دمرت، وتحت اسم: (الحكم الإسلامي المعتدل). أما الآن فالتغيير يكتمل: البث الواحد الموجه ينتهي، ويحل محله البث المتعدد، الذي لا حدود لتعدده. أي تنتهي الجزيرة وأخواتها، لصالح بث ديمقراطي واسع متعدد. الحقبة القطرية، حقبة الفضائيات، تنتهي. وتحل محلها حقبة أخرى. حقبة بيرلسكوني تنتهي، وتحل محلها حقبة بيبي غريللو...