الفاعل و المفعول به في النزاعات الدولية (قراءات في الجحيم العربي)

حجم الخط
يبدو أن التسخين الحالي على جبهة الوطن العربي، و بالتحديد في سوريا، يوشك على أن ينفجر بأي لحظة لما هو الأسوء. و بغض النظر عن تبعات ما سيجري في الأيام و الأسابيع القادمة من تطورات دراماتيكية، من المهم أن ندرك كيفية وصف الوضع الحالي لبناء شرح تحليلي يُرَكِب لدعم جبهة الصمود العربية - الدولية بوجه أخر حلقات المؤامرة "للحلف الإمبريالي الدولي" في المشرق العربي. هناك من بنى مواقفه منذ بداية ما سُمي ُظلماً "ربيعاً عربياً" على مُعطيات متسرعة أبعدته عن الموضوعية و التحليل التاريخي و العلمي لطبيعة الصراع القائم منذ أن إتخذ الغرب من منطقتنا العربية، ميدانه الأولي لكبح جماح دول العالم و الهيمنة و السيطرة على الثروات الطبيعية و مصادر الطاقة الأهم في الكرة الأرضية، و هو ما أهَلَهُم للسيطرة على أسعار الطاقة و الأسواق العالمية. هذا التسرع أدي بهم إلي سوء التقدير، و بعد أكثر من عامين على بداية "ثورات" السي أي ايه، أصبح اليوم جلياً البعد الحقيقي لمؤامراتهم و هدفهم الأساسي من وراء كل هذه الفوضى، ألا و هو، و كما حذر الكثيرون في حينها، الجبهة الداخلية للمحور الذي إنتصر و غير معادلة الصراع العسكري، ولو جزئياً، على إسرائيل في لبنان و غزة. إنها الجبهة السورية فعلاً، لأنها الجبهة الصامدة و الغير مُطَبِعة مع العدو، و لأنها الداعم الرئيس في المواجهة العسكرية المباشرة مع الذراع العسكري لمحور "الحلف الإمبريالي الدولي" المُمَثل بدولة "الكيان الفاشيصهيوني إسرائيل". جزءً كبيراً ممن أخطأوا التقدير من الوطنيين الشرفاء، تراجعوا عن مواقفهم الأولية و مع الزمن أخذوا يبنون لوصف دقيق لما يجري على الساحة، و جزءً أخراً ما زالَ، جهلاً أم عناداً، يراوح محله متأملاً أن يُسعفه الحلف الغربي لإنهاء حالة نزاعه مع ضميره بأسرع وقت ممكن، ليبنى بعدها فوق سطح شلل حِسه الوطني، موقفاً يجعله أقرب من القرف منه إلى الأخلاق. إن إحد الحقائق التي علينا أن نعيها هي أن "الحلف الإمبريالي الدولي"، و بمركز طرده الأمريكي الذي تسيطر عليه مجموعات نفوذ صهيونية، و مالية، و عسكرية، و صناعية دولية، لا تقوم بالبناء لأي عملية سياسية أو عسكرية إلا على قواعد مدروسة و محسوبة ليضمن الحصول على أكبر قدر ممكن من أهدافه التي خطط لها مسبقاً في برامجه العملاتية التي يتم الإعداد لها لسنوات قبل وضعها قيد التنفيذ. هناك مراكز معلومات و إستخبارات و أبحاث و دراسات و مختبرات و جامعات تضع برامج و دراسات متكاملة و شاملة لأي تحرك ينوون القيام به لإيجاد أي "تغيير أو إصلاح" في أي منطقة للعالم تُدار بها مصالحهم الحيوية، الآنية و الإستراتيجية، إنهم يبنون بإعتمادهم على التأني و التمحص و الإنتظار و على العسكريين و الإخصائيين و العلماء في السياسة و علوم الإجتماع و في الأنثروبولوجيا (علم أصل النوع الإنساني) و السيكيولوجيا و سلوك المجتمعات. يعتمدون على الأفضل لديهم، و لا يدّخرون المال أو الجهد كي يعمل لديهم الأفضل دائماً. هم لا يَدَعون مجالاً لسياسات عفوية أو غير محسوبة النتائج، و أن أخطأوا و فعلوا ذلك يوماً، تجدهم يصححون أخطائهم على الفور دون عنتريات أو غوغائيات، و سياساتهم عندما تأخذ حيز التنفيذ، تكون قد أعدت ما بين عشرة أو عشرين سنة مُسبقاً. إنها ليست دول أشخاص أو زعماء، بل دول مؤسسات صناعية و مالية و أجهزة عسكرية – أمنية تُدار عبر شبكة معقدة و متوازنة من المصالح الحيوية المشتركة و المتشابكة، لا يكون بها لدور الأشخاص أو الزعامات سوى دور مُمَثِل كومبارس له وظائفه المحددة المعالم، لا يستطيع من خلالها تجاوز المؤسسات التي وضعته في الموقع الذي هو به، مهما كانت صلاحياته الدستورية. و من يحاول تجاوزها، يتم تحييده أو تصفيته. قد يجزم البعض بأن هذه هي طريقة عمل العصابات الإجرامية المنظمة، و قد يكون على حق، و لكننا نتكلم عن دول عظمى بمؤسساتها و منظماتها و هيئاتها و جيوشها و حكوماتها التي تعمل بشكل دائم و على مدار الساعة لقضم و انتهاك حقوق و حياة البشر و ثرواتهم الطبيعية في جميع أنحاء الكوكب. ما يعنيه ذلك، هو أن مواجهة هذا الحلف المجرم و المعقد في تركيباته و الذي يملك أكثر من 80% من ثروات الكرة الأرضية، ليس بالشيئ الهين أو السهل، بل يستدعي جهوداً جبارة من مجموعة قوى و دول تعمل خارج إطار سيطرة "الحلف الإمبريالي الدولي" لخلق توازنات جديدة بعد فشل تجربة الإتحاد السوفييتي في الحرب الباردة. و هنا علينا العمل جميعاً، ممن يؤمن بحق الإنسان بالكرامة و السلام العادل، للإستفادة من الثغرات التي يتركبها الحلف المجرم و تفعيل التناقضات في معسكرهم لحسم المعركة النهائية مع أطرافه لصالح شعوب العالم، و لخلق نظام عالمي جديد أكثر توازناً و عدلاً يؤسس لعهد جديد ما بعد الرأسمالية الظالمة و المجرمة، التي أودت في المائتين سنة الغابرة، بحياة مئات الملايين من البشر عن طريق إفتعالهم للحروب المدمرة و من خلال تشتيتهم و تجويعم لألاف الملايين من الرجال و النساء و الأطفال في القارات الخمس. و عليه، فإن الحرب الدائرة اليوم في سوريا (التي تشكل اليوم مع إيران و فصائل المقاومة رأس حربة دول المواجهة "للحلف الإمبريالي الدولي") و الجبهة العربية، تتجلى بأنها لتحقيق أهداف مُحددة لا يُشكل التحول نحو الديمقراطية على النمط الغربي أو أي نمط أخر أي جزء منها، بل تسعى لكسر محور الممانعة الدولية لهيمنة "الحلف الإمبريالي الدولي" على الثروات الطبيعية و مصادر الطاقة و أسواق العالم. أن الإقتصاد و علاقات إنتاجه هي التي تحدد طبيعة الأنظمة السياسية، فلا يمكن تطبيق أي نظام سياسي جديد في أي مجتمع لا توجد لديه نُخبة من السياسيين و المفكرين و رجال دولة يجيدون تشغيله (أي النظام الجديد)، و ما يحكم القدرة على الفعل و التفاعل هو خريطة الإدراك و المعرفة، و هنا، علاقات الإنتاج لها دور أساسي في أي مجتمع لخلق النُخبة اللا زمة لإدارة أي نظام سياسي، جديداً كان أو قديم. نرى ذلك جلياً في ما جرى في اليابان و ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، فلقد أراد الحلف الإمبريالي تثبيت إنتصاراته العسكرية بتشييد ديمقراطيات ليبرالية رأسمالية على النمط الغربي تابعة لمركزها في واشنطن و دول الغرب الرأسمالي، علاقات الإنتاج التي كانت متطورة في تلك الدول (دول صناعية)، خلقت المناخ الملائم لهذا التوجه، و ما تم تثبيته، هو ربط شبكة المصالح الحيوية لتلك الدول (ألمانيا و اليابان) بمركز رأس المال في واشنطن، و الإحتواء المبكر لنتائج أي إنتخابات داخلية. بالمقابل، نجد أن سياساتهم في دول أمريكا اللاتينية و دول شرق أسيا و المشرق العربي، إعتمدت على فرض أنظمة متخلفة و قبائلية إقطاعية، قمعية، كومبرادورية، و مُستبدة لأستحالة السيطرة و التحكم عبر نظام ديمقراطي ليبيرالي، و ذلك لعدم تأهل علاقات الإنتاج في تلك الدول مما يجعل تفعيل أي نظام ديمقراطي، حتى ولو كان على النمط الغربي الليبرالي، يشكل خطراً على مصالح "الحلف الإمبريالي الدولي". و أينما حاولت دول تلك المناطق تجاوز الطوق الإمبريالي لفتح آفاق تطورها و تغيير نظامها و علاقات إنتاجها خارج إطار السيطرة للحلف، كما حصل في إيران مع محمد مصدق أو في تشيلي مع سلفادور أليندي، تم إجهاض التجربة قبل بلوغها سن الرشد. أو كما حصل مع مصر جمال عبد الناصر عندما أراد إدخال مصر في عصر الصناعات و التحرر الوطني، حيث تم حصاره ومقاتلته و من ثم تسميمه. نحن، الشعوب العربية و شعوب العالم المنكوب من جرائم "الحلف الإمبريالي الدولي"، جميعاً، اليوم، نخوض معركة هامة جداً و تكاد تكون مصيرية للمائتين سنة القادمة فوق الأرض العربية السورية، فأما نكون جزء فاعل من الحلف الذي يواجه طغيان المعسكر المعادي لمصالح الشعوب ضمن مجموعة دول البريكس و معظم دول عدم الإنحياز في أفريقيا و أسيا و أمريكا اللاتينية، و إما أن نبقى مفعول بنا في خارطة النزاعات الدولية و لحم رخيص لنيران مدافعهم و أسلحتهم، تماماً كما يفعل اليوم دول النظام الإقطاعي الخليجية المُجَنَدون لخدمة "الحلف الإمبريالي الدولي" و المتآمرون مع "إسرائيل" لكسر شوكة محور المقاومة في الجبهة العربية. نعم، معركة سوريا اليوم هي معركتنا جميعاً، ليست معركة العرب فقط، بل معركة كل شعوب العالم التي تتوق للحرية و الخلاص من إجرام الفاشية الرأسمالية. بغض النظر عن توافقنا أو عدمه مع طبيعة النظام السوري، فأن صموده لأكثر من عامين أمام أعتي و أشر حلفاء حلف الأطلسي المجرم، قد أدى للدفع بإسرائيل بالدخول بشكل مباشر و سافر لكسر المعادلة العسكرية. إنها إحدى الأخطاء الجسيمة التي يرتكبها من حين لأخر، كما سبق و أن ذكرت، "حلف الشر الدولي"... علينا أن نغتنم هذه الفرصة للتحضير لرد مثالي لا يتوقعوه و يُربكبهم مرة أخرى ليوقع بهم أفدح الخسائر. المعركة الحاسمة تقترب، إنها المواجهه الأهم التي علينا أن ننتصر بها، ليس لنا أي خيّارٍ أخر، و سوف ننتصر لا محالة.