"حماس" وفوز الإخوان

حجم الخط
ربما كانت أهم نتائج الربيع العربي هي مشاركة الإسلام السياسي العربي في الانتخابات التشريعية في البلدان التي تمت فيها الانتخابات إثر ذلك وفوزه في هذه البلدان، بل إن تأثير هذا الربيع أمتد للبلدان التي لم تحدث فيها تظاهرات ضد الأنظمة وإطاحة بتلك الأنظمة حيث فاز الإسلاميون في المغرب مثلاً دون أن يكونوا مضطرين للإطاحة بالملك والعائلة. إن إحدى التسميات الماكرة التي أطلقت على الربيع العربي كانت الربيع الإسلامي. والثابت ان صعود الإسلام السياسي يمكن رده للعديد من الأسباب التي سيكون أحدها هو قوة حضور هذا التيار في الشارع العربي بعد أن تعرض للتنكيل والمطاردة والحرمان من المشاركة السياسية سواء بالقوة أو عبر تزوير نتائج الانتخابات. لذا وفي المناسبة الأولى التي يمكن لهذا التيار أن يستعرض قوته في صناديق الاقتراع نجح في تحقيق فوز كبير على خصومه الذين كان كثير منهم حلفاءه ضد النظام سابقاً. وليس من عيب في التداول السلمي للسلطة بل إنه سمة أساسية من سمات الديمقراطية ولا يمكن تصور نجاح عمليات التحول الديمقراطي إذا لم تنتج تنوعاً حزبياً وسياسياً يغني العملية التشريعية ويثور السياسات العامة من فترة لأخرى بما يخدم تحقيق أكبر متسوى من الخدمات المقدمة للأفراد. بهذا فإن وجود الإسلام السياسي تحت قبة البرلمان العربية ستشكل إضافة نوعية للسياسة العربية وتعزز من شرعية النظام السياسي العربي خاصة أن الدولة الوطنية العربية ولدت منقوصة الشرعية بعد تحول النخبة التحررية التي خاضت مرحلة التحرر الوطني إلى نخبة قامعة للحريات في جل الأنظمة العربية. إلا أن ذلك سيكون له ثمنه أيضاً إذا أراد الإسلام السياسي أن يكون مكوناً أصيلاً وفاعلاً في السياسات العربية وليس مجرد بوق معارض حتى وهو في مقاعد الحكم. الواضح بأن ثمة ترتيبات تجري واتصالات تتم بين جماعة الإخوان المسلمين التنظيم الأهم في الإسلام السياسي العربي وبين البيت الأبيض وإدارة اوباما وبعض الأوساط الغربية الاخرى. الضابط الاميركي لا يريد أن يجد نفسه بين ليلة وضحاها ليس ذا صلة بما يحدث في البلدة بل إنه سيعمل جاهداً من أجل أن يتم كل شيء في البلدة وفق رؤيته ورغبته وإن تعذر ذلك فبما لا يتعارض مع مصالحه ولا يضر بهذه المصالح. الولايات المتحدة تعرف ان التحول الأساسي الذي يمكن للإخوان أن يحدثوه ويضر المصالح الأميركية هو تغيير قواعد العلاقة مع إسرائيل بما قد يعنيه هذا من نقض وإلغاء اتفاقية كامب ديفيد وتصعيد الأجواء مع الجارة التي وقعت معها القاهرة اتفاقية سلام قبل أكثر من ثلاثين عاماً ونيف. وبالتالي فإن جل غابة التدخل الاميركي والحوارات التي تتم مع قيادة الإخوان ستحاول تأمين استقرار هذه العلاقة وعدم المساس بها. وقد يسمح ببعض التعديلات والتحويرات في السياسات المرسومة تجاه إسرائيل من دون أن تصل لحد التوتر والاشتباك. بيد أن مثل هذا النقاش لا يمكن أن يقتصر على الدور الأساس للإخوان المسلمين في الدولة المصرية ما بعد 25 يناير بل إن ثمة دوراً كبيراً للإخوان في مجمل السياسات الخاصة بفروع الإخوان في الدول الأخرى التي نجح فيها الإسلام السياسي في الصعود للحكم او في تلك المرشحة لحكم إخواني قادم. وعليه فإن ترتيب الأوراق مع الإخوان سيعني بالنسبة لإدارة أوباما ترتيب الاوراق مع كل الإخوان في العالم العربي الجديد وعليه فإن المقاربة الاميركية الجديدة للدول العربية التي حدث فيها تغيير في أنظمة الحكم ستحاول أن تستفيد من أي ترتيب فردي مع إخوان مصر من أجل التأثير العام على مجمل مخرجات الربيع العربي بعد استقرار الإقليم. فالإقليم الساخن لابد أن يهدأ بعد أشهر وسيكون لزاماً على الجميع البحث عن تلك اللحظة التي لا يجد فيها نفسه خاسراً بعد أن تهدأ الأوضاع. وهو ما سيحاول كل طرف البحث عنه سواء الإدارة الاميركية أو قيادة الإخوان أو فروع الإخوان في الدولة الاخرى. احد أهم مراكز التأثير التي ستصاب جراء هذا التحول والترتيب مع واشنطن سيكون المركز الإخواني في فلسطين: أي حركة حماس. "حماس" كانت تعتبر نفسها جزءاً من الإخوان المسلمين ستعمل على دمج هويتها في الهوية العامة لتنظيم الإخوان بشكل رسمي حتى تستطيع تبرير التحول في مواقفها السياسية في المرحلة المقبلة على أنها جزء من التحول العام في مواقف الإخوان. فحين تكون "حماس" فرعاً من فروع الإخوان فسيسهل عليها تبرير أي تحول في مواقفها. "حماس" لم تعد وحيدة في تقرير مصيرها في غزة وهي لم تكن يوماً كذلك ولكنها بعد صعود الإسلام السياسي في القاهرة سيصبح لزاماً على "حماس" أن لا تعكر حكم الإخوة في القاهرة بل عليهم ان يعملوا كل جهد ممكن حتى يساعدوا في نجاح هذا الحكم. لم يعد هذا الطفل المشاكس وحده في الشارع فابن العم الاكبر جاء وسكن في الحي وعليه أن يراقب حركاته حتى لا يورط العائلة في مشاكل وأزمات. وعليه فإن ما ستحتاجه "حماس" هو أن تصبح جزءاً من شيء أكبر حتى تستطيع أن تبرر ما يحدث من تحول داخلها في حال تم إقرار ذلك. والشيء الاكبر سيكون إعادة الحياة إلى نفوذ تنظيم الإخوان المسلمين في فلسطين وتقويته وإبرازه بوصفه البوتقة الأكبر وصانعة القرار في ترشيد سياسات الحركة. بعد تأسيس "حماس" العام 1988 بعد إندلاع الانتفاضة الأولى استولت الحركة على صناعة القرار وصارت قيادة الحركة هي القيادة المعروفة للإخوان ولم يعد من وجود فعلي في الشارع للإخوان. إن واحدة من هذه التأثيرات القادمة ستكون إعادة الدور المنوط بتنظيم الإخوان بوصفه البوتقة الأشمل. وعندها فإن أي موقف مهم سيتباه تنظيم الإخوان العالمي سيكون من السهل على تنظيم الإخوان في فلسطين تبنيه. ونتيجة ذلك إعفاء "حماس" من الحرج النابع عن أي موقف. صدرت عن بعض المصادر في "حماس" إشارتان مهمتان تأتيان في هذا السياق أولاها هي إعلان مصدر مسؤول في الحركة أن الحركة انضمت فعلاً إلى التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين قبل شهرين، وأنها لم تعد تابعة لإخوان بلاد الشام المرتبط بالأردن. ووفق ذات المصدر فقد تمت إضافة عبارة فرع من جماعة الإخوان المسلمين (فلسطين) إلى جانب اسم الحركة المعلن وهو حركة المقاومة الإسلامية حماس وأصبحت ممثلة في مكتب الإرشاد العالمي، وبات مسؤول الحركة ممثلاً لحماس في التنظيم العالمي للإخوان. والإشارة الثانية صدرت قبل تلك بيومين وتحدثت عن توجه لدى بعض أطراف في "حماس" إلى إنشاء حزب العدالة والحرية على نمط الموضة التركية التي أصابت الوطن العربي. المؤكد أن هذه الإشارة تقترح بأن ثمة مراجعات مهمة متأثرة بالتحولات العربية تحاول أن تؤقلم بين مواقف الحركة والنمو المتزايد لإندماج الإخوان في السياسات الإقليمية والدولية الجديدة، والتي ستكون "حماس" جزءاً منها بحكم بالضرورة. تبعات ذلك ستمس المشهد الفلسطيني الداخلي بالطبع وبالتالي فإن المصالحة ستكون جزءاً من هذه الترتيبات وهي قد تنظر إلى فرز آخر صندوق في الانتخابات المصرية في الجولة الثالثة وربما حتى الانتخابات الرئاسية المصرية.