‘حين كان الزمن الفلسطيني اللبناني جميلا’ لحسين أبو النمل

صدر للكاتب والباحث الفلسطيني د. حسين أبو النمل كتاب جديد بعنوان "حين كان الزمن الفلسطيني اللبناني جم
حجم الخط
صدر للكاتب والباحث الفلسطيني د. حسين أبو النمل كتاب جديد بعنوان "حين كان الزمن الفلسطيني اللبناني جميلا" عن معهد عصام فارس في الجامعة الامريكية في بيروت وهو مقاربة منهجية تاريخية تأصيلية للعلاقات الفلسطينية اللبنانية والحقوق المشروعة لفلسطينيي لبنان، ويرد على الغلاف بأن مادة هذا الكتاب تشكل أرضية نقاش أولي. وهو نقاش لا بد له أن يبدأ سواء جاء من موقع "الفلسطيني"، شخصا أو مؤسسة، أو من الموقع "اللبناني". فلم تتواشج وتلتبس علاقة بين شعبين عربيين مثل ما حصل بين الفلسطينيين، لاجئين وفصائل مقاومة، وبين اللبنانيين سواء في "الحركة الوطنية" أم في الجهة التي كانت تقابلها على جبهة الصراع اللبناني (أو الذي يدور على الارض اللبنانية) الذي لم ينته الى يومنا هذا رغم انتهاء الحرب الاهلية اللبنانية وخروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية منها وما حدث من اتفاقات سياسية بين اللبنانيين. وها هي مبادرة فتح أبواب ذلك الزمن الذي غلق عليها الطرفان وأحكما الرتاج تأتي من باحث فلسطيني مرموق ومناضل فلسطيني يقيم في لبنان وله اطلاله عميقة على ما رواء تلك الأبواب المغلقة. لهذا السبب يكتسب كتاب أبو النمل الجديد أهميته ومصداقيته فهو بقلم باحث منهجي رصين من جهة ويتسم بحرارة وحيوية من عاش، شخصيا، ذلك الزمن. هنا نص المقدمة التي وضعها أبو النمل لكتابه هذا: جرت العادة أن يتضمن التقديم عرضاً لأبرز ما انتهى إليه البحث، أو محتوياته أو العقبات التي جابهته، أو منهجية العمل التي تم اتباعها، أو الخلاصات التي توصل إليها الباحث. كل ذلك تضمنه متن النص، ولا داعي لتكراره ملخصاً ومنزوعاً عن سياقه. هذا التقديم، مختلف، بل هو استدراك مسبق، لأنه سيتناول بعض الأمور الواجبة المرافقة من مثل: معنى أن يكون البحث بداية في ناحية، ثم صار في ناحية أخرى تماماً. يعرف كل باحث متمرس أنه حين يتقدم بفكرة أو مخطط بحث، يتوقع تعديلاً قليلاً أو كثيرا على ما كان مقدرا، لكن من ضمن نفس النسق والتصور الأولي. لكن أن ينقلب الأمر رأساً على عقب، فذلك يحدث عادة لباحثين، ثمة من يعتبرهم سيئي الحظ لأن عملهم وصل بهم عوالم أخرى لم يتوقعونها. هنالك من قد يراهم محظوظين لأنهم توصلوا إلى جديد؛ إلى خروج إبداعي عن النسق التقليدي والسياق المألوف. ضاع باحثون لأنهم وبعدما صرفوا الموارد المتاحة لهم، اكتشفوا أن إشكالية البحث تقع في مكان آخر، وأن عليهم البدء من جديد. قد يلجأ البعض إلى الخديعة بإخفاء ما إستجد معه، وإبقاء ‘القديم على قدمه’، فيكون عمله زبداً! ثمة من يبدأ من جديد فيبتكر إبداعا، يعوضه مضاعفاً ما بذله من جهد أولي، كان فضله كبيرا، لأنه وضع الباحث عند البداية الصحيحة، وبعدها أصبح كل شيئ سهلاً ومجزياً ومبدعاً. لأسباب عديدة، منها أني أمارس عملي البحثي بمتعة ومسؤولية. وأني ضنين على إسمي، كنت أبدأ البحث من جديد ولغير مرة، إلى أن حصلت على المكافأة التي أريدها؛ نصا أرضى ضميري، وأشبع هاجسي البحثي. ذهب بي نحو السياق الصحيح للوقائع والتحليل القادر على تفسير ما حدث وتوقع ماذا سيحدث. لاحظت تباطؤي في إطلاق سراح عمل ناجز، دون سبب إلا ضغط القلق جراء نتائج مفاجأة قاد إليها البحث، ما إقتضى مني إعادة التيقن مما توصلت إليه. حاولت الإستقواء بإستشارة زملاء ونصيحتهم، لكن ردودهم أتت متلعثمة تحت وطأة أسئلتي لهم بشأن أمور بدت لهم هرطقة. يبقى بالنسبة لي مثيرا للتأمل معنى إستهجان من يطرح نفسه مفكراً يسارياً من سؤالي له حول: وجود وجدان مسيحي أو وجدان لبناني! لعل ذلك يفسر التباطوء في إطلاق عنان نص أعتقد أنه بين أعمق وأشجع ما كتبت. كنت أبحث عن نفسي ووعيي في نفسي ووعيي، قبل البحث في علاقات فلسطينية لبنانية. لم يكن تباطوأً بل إعادة تأكد؛ بحث في كل بُعد؛ تأصيل كل فكرة، بحثاً عن يقين طريقاً لشجاعة القول: النص يُعبر عني. يشبهني. تم تسليم النص لأول مرة في 20/5/2011، وحظي بنقاش عجول تضمن ملاحظات طفيفة على هامش تقدير عال، ليس لدي ما يمنع تصديقه. كان النص بحاجة إلى تعديلات طفيفة من طبيعة فنية! ذلك ما بدا للآخرين، أما بالنسبة لي، وقد خبرتُ إلتباسات الموضوع، فكنت بحاجة إلى إخضاع ما قمت به إلى إعادة فحص، تشمل ما تم آنفاً، ثم تذهب نحو مراجعة مصادر جديدة قد تبدو لمتسرع خارج الموضوع تماما. أزعم أن مكتبتي اللبنانية تجددت وتضخمت وتنوعت، ما كلَّفني وقتاً ثميناً وطويلاً قضيته، خلال معرض الكتاب العربي أواخر 2011، في أجنحة دور نشر، إستهجن بعض معارفي من مكوثي المتأني فيها، وذلك على المدى من منشورات جامعة الكسليك إلى دار الحكمة، ومن مذكرات كميل شمعون وقبله بشارة الخوري، وصولاً إلى ميشال شيحا، الذي هال بعض أصدقائي كثرة سؤالي عنه، وكثير كتب له وعنه إقتنيتها. كان العام الماضي حافلاً بالقراءة حول نفس الموضوع. كانت الفائدة حاسمة وقاطعة لناحية تشكيل قناعة راسخة، أن النص المنجز في 20/5/2012، يستحق أن يتحول – يرتقي من ‘مسودة غير نهائية’، إلى مقاربة منهجية رأيتها صالحة لأن تكون ‘أرضية نقاش’. ثمة من قد يستهين بالمصطلح الصفة، التي إستخدمها من ضمن معنى هو أن النقاش حول الموضوع المحدد يكون على المنهجية – الأرضية للمقاربة المقدمة من قِبلي أو لا يكون صحيحاً. نعم كنت بحاجة إلى عام إضافي من البحث والتنقيب في حدود المتاح من الوقت المخصص للموضوع المحدد، لأتخلص من قلقي بشأن النص ويقيني أنه إجتاز إختبار الصلاحية. لقد كنت وما زلت أمام إغراء توسيع النص، أضعافاً مضاعفة، دون أي تعديل هيكلي أو منهجي فيه. كان يجب عدم الوقوع في الإغراء، وحفظ النص كما كان عند بكارته الأولى، حيث قال أفكاراً يسجل أنها قيلت في فترة سابقة لتاريخ 20/5/2011. تنبع قيمة الوقائع؛ روح النص، من توقيته وزمانه المحددين. من هنا أسبقيته وقيمته الإستشرافية. وعليه، كان لابد من حفظ النص كما هو مع إستثنائين: (أ) تعديلات طفيفة شكلية. (ب) إضافة نقطتين قصيرتين محددتين في نهاية النص تم التأشير بوضوح أنهما أضيفتا لاحقاً. ينتمي النص إلى نوع مركب معروف من الكتابة حيث يلعب نفسه الشخص دور الكاتب الباحث في ناحية، ودور الشاهد المصدر في أخرى، وذلك بوصفه شاهد عيان على وقائع تاريخية، له بها رأي مخالف لشهادات آخرين. دائماً وأبداً ليس الأمر التأريخي متروكاً لذاكرة سليمة من هنا أو ذكريات مثقوبة من هناك، بحيث يتحول التاريخ رهينة كلمة تقال أو تنسى، زائدة كثيرا أو ناقصة قليلا. نجد التاريخ في الأنساق؛ في السياقات المتصلة، حيث تتناغم الوقائع منطقياً وتتقاطع الروايات، تاريخية وراهنة، شفاهة كانت أو كتابة. إذ ألقيت ضوءً دافئاً على ‘رميش’ المارونية فلأنها ظُلِمت. وحين تذكرت ‘الحنية’ ثم صور الشيعية فلتأكيد أن ذلك الزمان كان جميلاً. كما أسلفت، ليس النص شهادة شخصية، بل بحث علمي مستوف الشروط الواجبة، وإن صدف أن من مصادره شاهد عيان هو الباحث نفسه، الذي لم يكتب من الذاكرة، بل مما ترسب بها من خلاصة تجربته وقراءته المتنوعة والمستمرة على مدى أربعين عاماً من الجهد الفكري المتصل، في مختلف مجالات وتشعبات القضية الفلسطينية، والإقتصاد السياسي للصراع العربي الإسرائيلي! ختاما، إذ يتوجه كاتب النص بالشكر لكثيرين ساهموا في إنتاج هذا العمل يسجل أنه يتحمل وحده مسؤولية كل ما ورد به من آراء وتحليلات، لم تخضع لتشذيب. لعل ذلك كان السبب الوحيد لعدم المساس بالنص الأصلي. كنت على خشية أن يفتقد لو أعيدت صياغته، شجاعته العالية وبكارته الأولى. كان يجب ترك النص كما صيغ لأول مرة وقُدِم دون مراجعة لأنه كان حقيقياً وحاراً وصادقاً، أي تدخل فيه سيتسبب بجعله أكثر محاذرة وديبلوماسية ومباشرة. سيجعله جباناً. هذا لا يليق بكاتب مقاتل يستحق نفسه وقلمه. إن كان من رجاء ومعيار لنجاح، فهو أن يكون العمل منصفاً ونزيهاً وأن يجد الجميع نفسه فيه، ظالماً ومظلوماً،كما هو الأمر في الواقع. ربما، ثمة خطأ قد يبرز هنا أو هناك. ربما ثمة قسوة في جانب أو حنان في آخر، لكن كل ذلك يبقى إنسانياً وغير مقصود البتة ولا يُعتد به، إلا إذا إنسجم مع العقل والمنطق والسياق العام، وتقيد تماما بمقتضيات النزاهة الفكرية والأخلاقية الواجبة التي يجب أن تعلو فوق كل إعتبار.