الذكرى الـ41 لاستشهاد القائد العسكري للجبهة جيفارا غزة ورفيقيه العمصي والحايك




صادف اليوم الأحد التاسع من آذار الذكرى الحادية والأربعون لاستشهاد القائد العسكري للجبهة الشعبي
حجم الخط
صادف اليوم الأحد التاسع من آذار الذكرى الحادية والأربعون لاستشهاد القائد العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في قطاع غزة وعضو مكتبها السياسي الرفيق محمد محمود مصلح الأسود " جيفارا غزة"، ورفيقيه القائدين كامل العمصي، وعبد الهادي الحايك. ولد الشهيد محمد محمود مصلح الأسود (جيفارا غزة) في 6/1/1946 في مدينة حيفا وخرج مع أسرته بعد النكبة 1948 نازحاً إلى قطاع غزة وسكن في إحدى مخيمات وكالة الغوث. درس الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارس وكالة الغوث، وحاول إكمال دراسته الجامعية في مصر ولكن عائلته لم تستطع مساعدته فترك الدراسة وعاد للقطاع بعد سنة واحدة حيث عمل هناك موظفاً بسيطاً. انضم الرفيق إلى حركة القوميين العرب في عام 1963 وأخذ ينشط في كل المجالات فكرياً وتنظيمياً وأصبح من عناصر التنظيم النشطة في القطاع. بعد نكسة حزيران 1967 أصبح قائداً لإحدى المجموعات المقاتلة في منظمة (طلائع المقاومة الشعبية) ثم في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ونفذ مع مجموعته عدة عمليات جريئة خلال بدايات العمل المسلح، قام بعدة عمليات ناجحة أوقفت سيل الزوار الصهاينة لقطاع غزة ومحاولاتهم عن طريق أساليب الفسق والفجور وإغواء شباب القطاع لدمجهم بالمجتمع الصهيوني. اعتقل الرفيق الشهيد جيفارا في 15/1/1968 وبقي في السجن لمدة سنتين ونصف حين أطلق سراحه في تموز 1970. واصل نضاله بعد خروجه من السجن مباشرة في صفوف الجبهة الشعبية، وقام بنشاط مكثف في إعداد المجموعات العسكرية وتدريبها وتثقيفها. تدرج بجدارة في موقعه التنظيمي لما بذله من نشاط وانضباطية عالية وجدية وتقدير للمسؤولية وقدرة على الإبداع والمبادرة حتى أصبح نائب المسؤول العسكري، ثم تولى المسؤولية العسكرية بعد استشهاد رفيقه وتسلم قيادة العمل العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في قطاع غزة حتى استشهاده بعد أكثر من سنتين. في جو المطاردة واستشراس العدو قاد جيفارا غزة رفاقه الثوار بشكل ديناميكي لا يعرف اليأس، واستطاع بسرعة ربط التنظيم السياسي والعسكري، واهتم بإنشاء اللجان العمالية والنسائية والاجتماعية ورعاية أسر الشهداء وحتى ترتيب مكتبة مركزية ومكتبات فرعية في القطاع للتثقيف السياسي والحزبي وكان مثالاً في صبره واجتهاده لكل الرفاق. استطاع "جيفار غزة" أن يكسب ثقة أبناء غزة حين تصدى لمؤامرات الصهاينة في تهجير سكان غزة بأن نظم مظاهراتهم وإضرابهم الكبير، كما عاقب الخونة والعملاء للعدو بعد أن حاكمهم محاكمة عادلة وحذرهم قبل ذلك من التمادي في الخيانة، ووضع شعاراً لمحكمة الثورة هو "أن الثورة لا تظلم.. لكنها لا ترحم". فكرياً كان "جيفارا غزة" يهتم في ظروف العمل العسكري والواجبات التنظيمية اليومية والعمليات الفدائية، يهتم اهتماماً كبيراً نتيجة قدراته وإمكانياته النظرية ويلتهم ما يصل إليه من كتب بذهنية وتركيز شديدين، وكان يلتزم تماماً بالنقد والنقد الذاتي في العمل التنظيمي. يوم استشهد فقدت جماهير غزة ابناً باراً وقائداً عظيماً لنضالاتها، وفقدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بفقده أحد قادتها الأبطال. استشهد بعد معركة بطولية خاضها مع رفاقه في قطاع غزة يوم 9/3/1972. أما الرفيق عبد الهادي الحايك، فقد ولد في غزة سنة 1948 من أسرة فقيرة جداً. وأمام واقعه الطبقي ومسؤولياته العائلية الجسمية اضطر الرفيق أن يترك المدرسة ويعمل ليكسب قوت أهله فتعلم تحمل المسؤولية منذ الصغر فنشاً على مواجهة الصعاب. اشتغل بالحياكة فتعرف أثناء وجوده في المهنة على مشاكل الجماهير المسحوقة ونذر نفسه ليكون قائداً لشعبه فأخلص لقضيته وطبقته. بعدما دخل العدو الصهيوني واحتل قطاع غزة سنة 67 لم يستطع الرفيق أن يقف مكتوف الأيدي فأخذ موقعه بين الثوار في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. اعتقل الرفيق عبد الهادي أثناء قيامه بمهامه النضالية وأودع زنارين العدو، إلا أن جلاديه لم يستطيعوا أن يحصلوا منه على أي نوع من المعلومات أو الاعتراف فكان مثال الفلسطيني الكادح والثائر في مواجهة أعدائه وأعداء شعبه. بعد خروج الرفيق من المعتقل واصل مهماته الكفاحية وعاد إلى مقارعة العدو من خلال صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فخاض أشرس المعارك وأوقع أفدح الخسائر في صفوف الأعداء فطارده العدو أصبح الرفيق عبد الهادي مشرداً، وأثناء تشرده تولى المسؤولية التنظيمية لمدينة غزة فألهب الأرض من تحت أقدام العدو حتى أن مراسلي الصحف قالوا "إنه لا يوجد شارع في مدينة غزة لم تلق فيه قنبلة أو تحصل فيه معركة مواجهة بين الثوار والجنود الصهاينة". استشهد الرفيق عبد الهادي مع رفاقه في معركة مواجهة حامية بتاريخ 9/3/1973 بعد أن رفضوا الاستسلام للعدو وأوقعوا في صفوفه خسائر كبيرة جداً في الأرواح والمعدات فضربوا المثل الذي سيظل يضيء الطريق لكل الثوار وليعلموا كل الأعداء كيف تخوض جماهيرنا معاركها وكيف تحقق الانتصار على أعدائها. أما الشهيد الرفيق كامل عبد العزيز العمصي، فقد ولد في سنة 1948 في السوافير في فلسطين المحتلة، خرج مع أسرته في نفس السنة حيث استقروا في معسكر الشاطئ بقطاع غزة المحتل. أكمل دراسته هناك بين جماهير شعبه في مدارس وكالة الغوث، بعد هزيمة الأنظمة العربية عام 1967 حمل السلاح مع رفاق كثيرين له وانضم إلى صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. شارك في كثير من معارك المواجهة الشرسة مع العدو الصهيوني وأوقع في صفوف الغزاة الكثير من الخسائر المادية والبشرية. ألقى العدو القبض عليه في أواخر سنة 1969، وتعرض لأبشع أنواع التعذيب بقصد الإدلاء بأي نوع من الاعتراف أو المعلومات إلا أن كل أساليب العدو فشلت مع بطلنا فخرج من أسره في سنة 1971. بعد خروجه من السجن واصل طريقه النضالي في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من أجل جماهير شعبه وحريتها، حاول العدو أن يلقي القبض عليه مرة أخرى إلا أنه فشل هذه المرة وأصبح الرفيق كامل مطارداً في أرضه من قبل العدو الغاصب. في أثناء تشرده تسلم المسؤولية السياسية والعسكرية للمنطقة الشمالية في قطاع غزة "بيت حانون ـ جباليا البلد ـ جباليا المعسكر بيت لاهيا". خاض البطل مع رفاقه معارك شرسة مع العدو كبدوه فيها خسائر فادحة وكبيرة دون أن تضعف عزائم الرفاق أو تخور قواهم وقد أجبروا موشي دايان وزير حرب العدو على الاعتراف بأن أبطالنا يحكمون القطاع في الليل "وقواته في النهار". كان الرفيق كامل أثناء توليه المسؤولية مثالاً للقائد في الشجاعة والإقدام وحسن التخطيط والإدارة والتفاني في أداء مهماته بكل روح ثورية عالية، ولم تقعده ضخامة المسؤولية الثورية والعائلية عن أداء واجباته حيث كان متزوجاً ومسؤولاً عن أسرة كبيرة. وفي معركة مواجهة مع عدد غفير من قوات العدو الصهيوني وآلياته استشهد الرفيق مع اثنين من أبطالنا هم القائد جيفارا والقائد عبد الهادي الحايك في 9/3/1973 بعد أن ضربوا أروع مثل في القيادة والمواجهة والاستشهاد ليبقوا مشاعل مضيئة على طريق الثورة والثوار. جيفارا القائد والمعلم والإنسان: إن المهمات الضخمة التي كان يقوم بها الرفيق محمد الأسود "جيفارا غزة" من قيادة للعمل سياسياً وعسكرياً والجهد الجبار الذي كان يبذله في متابعة كل القضايا التنظيمية وبناء الحزب والاتصال والتفاعل مع كافة نشاطات الثورة في الداخل والخارج وبرغم الجهد الكبير الذي كان يبذله للتخفي والانتقال من مكان الى آخر باستمرار. إلا أن هذا كله لم يعقه من الاطلاع والدراسة في شتى ميادين العلوم السياسية والعسكرية ، فقد كان يلتهم الكتاب الذى يصل اليه التهاما ، انه يمتلك قوة ذهنية رهيبة وقدرة على الاستيعاب والتذكر ، ولا ننسى يوما عندما كان يخاطب رفاقه المقاتلين حول الانضباطية اللازمة لكل ثائر ، "تعلموا من تجارب رفاقنا الذين سبقونا فى النضال". عند حدوث أى خطأ يقع فيه ويأخذ أى رفيق فى محاسبته أو عندما كان يأتيه نقد من قيادتنا خارج فلسطين المحتلة كان الرفيق محمد الأسود "جيفارا غزة" يتصرف كحزبي ممتاز مطبقا مبدأ النقد والنقد الذاتي وكلماته المأثورة فى هذا الصدد "فبالنقد والنقد الذاتي نستطيع أن نحول الخطأ إلى صواب والسلبيات الى ايجابيات". ولقد كان يتقبل النقد بكل رحابة صدر بل ويشعر بالارتياح لأن رفاقه واعين متابعين كل شئ وكان يقول "أتمنى دائما أن توجهوا لي النقد البنّاء ، وأعترف أنني أخطأت". لقد كان الرفيق جيفارا يهتم كثيرا برفاقه المعتقلين وأسرهم وأسر رفاقه الشهداء انه محب بطبعه فقد أحب الناس وأحبته الجماهير فقد كان اسمه على كل لسان الرجال والنساء والأطفال لقد كان والد الجميع يحس أحاسيسهم ويشعر بما في نفوسهم ويسهر على راحتهم ويعمل المستحيل لرعايتهم ولقد كان دائما يوصى رفاقه ويقول "لا تنسوا رفاقكم الشهداء ، لا تنسوا رفاقكم المعتقلين ، لا تنسوا أن علينا واجب توفير كل قرش لاعانة أسر رفاقنا ، ان صراخ اليتامي والارامل فى وجهي ، ان الصور كلها تمر أمامى ، الوجوه تصرخ بكل ما يرتسم عليها من آلام ، لا تنسوا شعبنا الذي يقاسى آلام التشرد والضياع ، شعبنا الذي يضع فى ثورته كل الآمال". ان رفيقنا جيفارا محب ، محب لشعبه ، محب لرفاقه ، يحرص على كل واحد منهم حرصه على نفسه ، انه وهو المجرب وقد علمته السنون خبرة واسعة فهو يريد كل رفيق ان يكون على مستوى الثائر الذي يحافظ على نفسه ليعيش أطول فترة في خدمة ثورته وكثيرا ما كان يخاطب رفاقه المقاتلين قائلا على كل مقاتل ان يتحرك بعقل وحكمة وأن يعمل بسرية تامة ، ويحصن نفسه بقواعد غير مكشوفة ، لا يتحرك بأى مظهر عسكرى الا عند القيام لتنفيذ عملية وبأمر مسبق من المسؤول حافظوا على علاقتكم بالجماهير فهى سلاحكم وسندكم ، تقيدوا بتعاليم الحرب السرية ، التزموا بذلك وتقيدوا به جيداً ، وعندها لن تستطيع قوة مهما عظمت الوصول اليكم ، المهم أن نبتعد عن المسلكية العاطفية ، بل تجردوا من العواطف الا من حبكم وتقديركم لثورتكم ، ومثله كان دائما من لا يحافظ على نفسه لا يحافظ علي ثورته ، وبالتالي تجب محاكمته ، وايماننا ايها الرفاق هو : إنك لن تموت الا إذا أخطأت. جيفارا عسكريا: "جيفارا غزة" مبتكر العديد من وسائل التخفي التى كانت تسهل عليه الافلات من قبضة العدو مرارا. انه الاسطورة والفدائى العنيد المسلح بالخبرة الطويلة والحنكة النادرة ، ويكفى ان نسجل هنا أنه بقى أربع سنوات مطارداً للعدو داخل قطاع غزة السهلى حيث لا تساعد طبيعته الجغرافية على سهولة الاختباء ، ظل جيفارا لغزا محيرا للعدو طوال أربع سنوات كان يقود نضال الجبهة طوال آخر ثلاث سنوات. جيفارا الديناميكي الذى لا تمضى عليه أربع ساعات فى مكان واحد ، أوجد له ملجأ فى كل مكان من قطاع غزة الضيق ، لقد أحبته الجماهير وفتحت بيوتها له ، ولقد جن جنون العدو يوم أن قام باحتلال غزة عسكرياً ، أكثر من عشرين ألف جندي مجهزين بكل وسائل التحرك والاتصال الحديثة مستخدماً العديد من الطائرات الطوافة بحثاً عنه وعن رفاقه ، لم يتركوا مدينة ولا قرية ولا حارة ولا زقاقا ولا بستانا بل لم يترك العدو شبراً فى قطاع غزة الا ودخله ولكن خابت آمالهم وفشلت خططهم أمام عبقرية جيفارا العسكرية. جيفارا واضع تكتيك اضرب عدوك ضربات سريعة متلاحقة وفى أماكن عدة متباعدة وفى نفس الوقت ، حتى يفقد العدو صوابه وحتى لا يترك له مجالا للبطش بمنطقة منفردة. لقد كان اسلوب العدو وبعد كل ضربة توجه إليه القيام بفرض حصار شامل على منطقة الحدث يبقى فيها أهالى تلك المنطقة لاكثر من أسبوع يعانون فيها أقصى أنواع التعذيب الوحشي وحيث لا مأكل ولا مشرب أجياناً ، وحيث اقتحام البيوت وتحطيم كل شئ وسرقة ما يجدونه. لقد أجبرهم جيفارا غزة على ترك هذا الاسلوب عندما كان يوجه للعدو عدة ضربات متفرقة وفى نفس الوقت. بل وكان يحدث أن تقوم مجموعات خاصة بمفاجأة تجمعات العدو المستخدمة فى الحصار ، ان حادث يوم 6/7/1971 شاهد علي ذلك عندما اقتحمت مجموعة من رفاق جيفارا منطقة الحصار وقذفوا تجمعات العدو بالقنابل وأمطروهم الرشاشات مما أدى الى مقتل أربعة جنود اسرائيليين وجرح العديد منهم وكان ذلك على مرأى الجماهير المحاصرة مما سبب في إرباك العدو ورفع معنويات جماهيرنا المحاصرة. لقد تراجع العدو مرغما عن اسلوب العقاب الجماعي واقتصروا بعد ذلك على فرض حصار جزئى على منطقة الحادث ولمدة ساعات فقط وأحياناً بدون إجراء. جيفارا واضع خطط استدراج العدو حيث المكان والزمان يحددهما جيفارا وحيث يقع العدو فى المصيدة وهناك العديد من العمليات يؤكد ذلك وما حادث وادى غزة الا دليلاً على ذلك ، فقد نصب ثوارنا كميناً لدورية للعدو وفى نفس الوقت كانت مجموعات خاصة تنتظر قوات نجدة العدو التى تأتى عادة بعد كل حادث وفاجئوها بوابل من الرصاص والقنابل مما أفقد العدو صوابه وخلخل انضباطه العسكري وتفتت قواته ، ولقد فقد أحد سائقى عربة لوري محملة بالجنود أعصابه وتدهورت العربة فى وادى غزة من فوق الجسر. جيفارا اتبع اسلوب الكر والفر ، فبعد كل ضربة توجه الينا وبعد كل عملية بطش وتصفية وملاحقة كان الرفيق جيفارا يأمر بالتريث واعطاء أنفسنا فرصة للمراقبة والمتابعة واعطاء فرصة توهم العدو بأن الثورة انتهت ، كما يعطى الأمان للعملاء والمطلوبين لمحكمة الثورة فيأخذون بالظهور من جديد وبعدها يكون جيفارا قد أعاد ترتيب أوضاعنا التنظيمية والعسكرية وانتهى من وضع مخططات عملنا مستقبلاً حيث لا يتوقع العدو ولا عملاؤه ذلك.