كفانا انهزامية

حجم الخط

بعد الكارثة والفضيحة الأخلاقية التي سجلت في أروقة الأمم المتحدة، من خلال انتخاب مرشح الدولة الاستعمارية (إسرائيل) نائبا لرئيس "لجنة انهاء الاستعمار" ومرشح  "المجموعة الإقليمية لدول غرب أوروبا ودول أخرى" الوحيد، لا يحق للرئيس محمود عباس، كما لا يحق لوزير الخارجية رياض المالكي  الحديث عن "إنجازات" دبلوماسية أو "اختراقات بطولية" على مستوى الحكومات في الدول الغربية. وهذا الفشل الذريع يصل إلى حد المصيبة لـ"الدبلوماسية" الفلسطينية.

ومنذ أوائل السبعينات، ومنذ إنشاء هذه اللجنة، كانت القضية الفلسطينية وعلى الدوام وحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وإنهاء الاستعمار الإسرائيلي، أمور حاضرة ولازمة في جميع قراراتها. فالمقاومة الفلسطينية للمحتل هي التي فرضت نفسها على الأمم المتحدة، وداخل أروقتها وفي قراراتها.

وتعقيبًا على خطاب الرئيس عباس في مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية، هناك ما هو أسوأ من "التدمير" الذي تحدث عنه، وأردف بعده المالكي،  حول ما فعلته دبابات وجنود جيش الاحتلال الإسرائيلي في خضم الانتفاضة الفلسطينية الثانية في الشوارع والبيوت ومقار السلطة الوطنية الفلسطينية و.. إلخ، حيث لم تبق حجرًا فوق حجر!.

فالتدمير الحقيقي وهو الأسوأ على الإطلاق، هو سياسة التشكيك بقدرة وحتمية انتصار المستضعَف على جلاده، ومحاولة زرع ثقافة الهزيمة والاستسلام في قلب شعب بأكمله. والتدمير أيضًا، أن تحدد عدالة قضيتك على مقاس المحتل، حيث يعلن الرئيس أمام وزراء خارجية عشرات الدول عن هذا الاستسلام بالقول "لا نستطيع أن نواجه إسرائيل لا عسكريًا ولا غيره".

ليست القضية هنا، ولا بأي حال من الأحوال، تلك الواقعة التي ضجت بها الدنيا ولم تقعد، بل الخطاب الذي تبناه من هم في موقع المسؤولية السياسية، سبيلا لمعالجتها. كيف لرئيس "منظمة تحرير" وشخص يفترض أنه أدرى بما يقوم به المحتل من "تصعيد" متواصل ومستمر منذ عقود ضد الأرض والإنسان الفلسطيني، أن يقول من على منبر دولي "السبب في التصعيد هو عملية الخطف"؟

وهل يحتاج المحتل إلى "فرصة" حسب تعبير الرئيس عباس لــ"يبطش" بنا؟ ألم يقتل جيشه اطفالا وشبابا بعمر الورود، ويدمر المنازل ويسرق الأرض في كل ساعة، رغم "التنسيق الأمني الذي نريده لكي نحمي أنفسنا" وفي كل يوم؟ ألم يكن لزاما عليه أن يذكر محمد ومحمود ونديم وأحمد ومصطفى وبلال وغيرهم، الذين قتلوا برصاص الاحتلال، فضاعت أحلامهم وضحكاتهم وشغرت مقاعدهم وأسرّتهم في بيوتهم وبين عائلاتهم وأصدقائهم، دون أن يحميهم ذاك "التنسيق المقدس"!

والدة الشهيد نديم نوّارة (17 عامًا) وهو أحد شهيدي النكبة، وفي رثائها له بعد مرور 40 يومًا على استشهاده، كانت دموع كلماتها تسقط كالجمر، لأتساءل في سرّي، ألم يكن جديرا بهؤلاء العاملين في مجال "فن الممكن" من بين ظهرانينا، أن يحملوا هذه الأم الفلسطينية على الأكف ويطيروا بها إلى شتى أنحاء العالم؟ فتنقل آهات أمهات أطفالنا الثكالى، وإنسانيتنا في مقابل همجيتهم وقذارتهم؟ ألم يكن الأجدر بهؤلاء، بدل أن ينبروا في الحديث على المنابر الدولية عن "ضرورة عودة فتية إلى بيوتهم"، أن يتركوا لهؤلاء العظيمات الجميلات كل المنابر والمنصات ليُظهرن الاحتلال على حقيقته ويبرزن أكاذيبه وأضاليله للعالم، الذي فتح المجال أمام والدة أحد الجنود المفقودين لمخاطبة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لتشارك في أكبر عملية تزوير عرفها التاريخ السياسي؟ هم ملكوا كل المنابر وعبر عقود، فهل نمنحهم أيضا زمنًا خصص لنا على المنابر والمنصات؟

في عهد هؤلاء، الذين يركضون خلف كلمة ثناء، وإيماءة رضا من الدول الغربية التي كانت سبب مصيبتنا ونكبتنا، ولاتزال، فهي نفسها التي قدمت اسم المرشح الإسرائيلي للجنة إنهاء الاستعمار الأممية، خسرنا الكثير الكثير، لكننا لم نفقد إنسانيتنا، ولن نتنازل عن فلسطينيتنا ولا فلسطيننا.

الكلمة مقاومة أيضا، ولكن هؤلاء، يرفضون حتى استخدامها لخدمة هذا المعنى، وكأن مسًا يصيبهم كلما ذكرت. هؤلاء فشلوا في كل شيء، في كل شيء، ويصرون على تكرار فشلهم الذي يؤلمنا في كل لحظة.