محاولة إسرائيلية لاستثمار العدوان سياسيا

حجم الخط

مع رفض الكيان الصهيوني فك الحصار عن غزة والعديد من المطالب الفلسطينية, وعودة وفده منالعاصمة المصرية ,انهارت الهدنة المؤقتة ,وعاد القصف الصهيوني للقطاع , إلى سيرته , كما انتهت المفاوضات غير المباشرة بين الكيان ووفد الفصائل الفلسطينية في القاهرة عن طريق الوسيط المصري , دون تحقيق ما يسمى بالتهدئة, كمقدمة لوقف إطلاق دائم بين الجانبين, وعادت الأحداث إلى مربعها الأول ..إسرائيل وما رشح عن قيادتها من اشتراطات نشرته الصحف الإسرائيلية , تصّر على :نزع سلاح المقاومة وإعلان القطاع , منطقة منزوعة الأسلحة . هذا يتقاطع معما قاله وزير الخارجية الأمريكية في مؤتمر صحفي له في اليوم الاول من سريان تهدئة أل 72 ساعة السابقة , وقد أضاف الوزير الأمريكي : إن المطلوب أيضا : هو عودة الطرفين : الفلسطيني والإسرائيلي للمفاوضات المباشرة من أجل التوصل إلى التسوية النهائية.ممثلو معظم الفصائل الفلسطينية في وفد القاهرة أعلنوا : أن الطلب بنزع سلاح المقاومة غير قابل للنقاش مطلقا .من الشروط الإسرائيلية أيضا : أن يتم دخول مواد البناء وبخاصة الإسمنت, إلى القطاع بهدف إعادة إعماره, فقط يتوجب أن يتم برقابة الدولية وبإشراف إسرائيل, وإعلامها عن مجالات استخدام كل شحنات هذا الإسمنت.
الطلب الصهيوني المؤيد أمريكيا بنزع السلاح الفلسطيني كما تصريح كيري عن المفاوضات ينمّا في الحقيقة عن مؤامرة إسرائيلية – أمريكية للالتفاف على الصمود الفلسطيني في وجه العدوان على غزة .المؤامرة تهدف إلى , أولا : استثمار الصمود والإنجاز العسكري الفلسطيني بمنع الدولة الصهيونية من تحقيق أي هدف من غزوها للقطاع , في مخطط تآمري عنوانه : إعادة السلطة الفلسطيينية إلى المفاوضات مرة أخرى . بالطبع ليس من الصعب على الإدارة الأمريكية , التعهد للفلسطينيين: بأن المفاوضات الجديدة ستختلف عن سابقاتها وستنتهي بتحقيق الدولة الفلسطينية العتيدة ربما في خلال سنة واحدة . إسرائيل لن تكون من جانبها ضد مثل هذا التعهد . هذا المنطق يلامس في الواقع: تيارا فلسطينيا متمثلا في السلطة ,استراتيجيته وخياره الوحيد في الوصول إلى الدولة العتيدة والحقوق الوطنية الفلسطينية من خلال خيار وحيد هو : المفاوضات فقط, وأن لا جدوى من الكفاح المسلح . ما نخشاه : قبول أصحاب هذا النهج بمقترح كيري والعودة إلى التفاوض مع الكيان مقابل فك الحصار الإسرائيلي عن غزة والسماح بإعمارها بشروط والموافقة على الوعود الأمريكية . إنها ليست المرة الأولى التي تعد فيها واشنطن بإقامة دولة فلسطينية تسميها " قابلة للحياة " , كما أن الرئيسين الامريكيين الأسبقين : كلينتون وبوش الإبن ,حددا مواعيد لإقامة الدولة . مضت المواعيد ولم تفعل واشنطن شيئا .
ثانيا : الحلف الصهيوني الامريكي سيظل يطمح إلى تشليح المقاومة الفلسطينية من أسلحتها لضمان أمن المناطق المختلفة من الكيان في المنطقة المحتلة عام 1948, بمنع أي تهديد فلسطيني لها من خلال الصواريخ . كما يهدف إلى كسر شوكة المقاومة من أجل تمرير الحل الإسرائيلي , واقصى مدياته : الحكم الذاتي الإداري على السكان مجردا من أية مظاهر سيادية .الكيان والحليف الأمريكي يسعيان إلى تحقيق أهداف العدوان ,التي لم تتحقق لتل أبيب بالعدوان العسكري وآلة الحرب الهمجية, والإبادة الجماعية للفلسطينيين , وتدمير البنية التحية لكل مدن وقرى وبلدات قطاع غزة , من خلال المفاوضات السياسية . على المفاوض الفلسطيني أن يدرك , أنه ووفقا لورقة الضمانات الإستراتيجية التي قدمها جورج بوش الإبن, للكيان في عام 2004 , وقرأها شارون من على منبر مؤتمر هرتزيليا آنذاك, تتضمن في أحد بنودها : تعهدا أمريكيا بأن لا تقدم أية إدارة أمريكية على إجبار إسرائيل بأي حل , لا تريده . عليه أيضا أن يعي : أن فتح مخازن الأسلحة الإستراتيجية الأمريكية لمساعدة إسرائيل خلال عدوانها يؤكد : شراكة الأهداف بين الحليفين , بالتالي لا يمكن للولايات المتحدة , لا أن تكون وسيطا نزيها في الصراع العربي الصهيوني ,ولا حتى وسيطا عاديا , إنها طرف أساسي في هذا الصراع وحليفا دائما للدولة الصهيونية .
ثالثا : يسعى الكيان إلى إرضاء الشارع الصهيوني الذي يعيش الآن جدلا عميقا ينصّب : حول فشل عدوان ال 30 يوما في تحقيق أي هدف من أهدافه بما في ذلك : تدمير الأنفاق. كما يتناول الجدل : تقصير المجالين السياسي والعسكري في إدارة المعركة , وخسائر إسرائيل الكبيرة بين صفوف الجيش , وتكاليف الحرب الإقتصادية ,وقد بلغت حتى اللحظة 5 مليارات دولار, وعدم التناسب بين الخسائر وبين ما حققته الدولة من حربها .إضافة إلى ذلك : فإن معظم الإسرائيليين ( وفقا لإحصائيات كثيرة حديثة أجريت في الكيان ) تطالب بالاستمرار في الحرب وإعادة احتلال غزة. هذا الرأي يتقاطع مع رأي حكومي يتزعمه الوزيران: ليبرمان (حزب إسرائيل بيتنا ) , وبينيت ( حزب البيت اليهودي ) وبعض القادة العسكريين .
رابعا : إسرائيل تسعى كما واشنطن إلى تلميع صورتها من جديد على الساحة الدولية بعدما ألحقته جرائمها ومذابحها من كشف لحقيقتها على الساحة الدولية , فمثلا : بوليفيا اعتبرتها دولة إرهاب , واوقفت باب دخول الإسرائيليين إليها دون سمات دخول , فبعد الآن سيحتاجون إلى فيزا . الإرجنتين اتخذت قرارا بتخيير الإسرائيليين من ذوي الأصول الأرجنتينية ويحملون جوازات سفر مزدوجة, بانتقاء إحدى الجنسيتين. هذا سيؤثر على الهجرة العكسية من الكيان وتقليل أعداد المهاجرين إليه من اليهود بعد حالة اللاأمن التي سادت إسرائيل بفعل رد المقاومة الفلسطينية, فقد ثبت أن هذه الدولة تكذب في الترويج بأنها دولة الأمن .كما أن وزيرة دولة في الحكومة البريطانية , استقالت من منصبها احتجاجا على تأييد حكومتها الدائم للكيان .
من الضروري كذلك الأخذ بعين الإعتبار : بأن الرؤوس الحامية في الكيان من القيادات السياسية والعسكرية وأمام الوضع المرتبك لها , والمطالبات بتمديد الحرب وبخاصة من الأطراف والأحزاب اليمينية الفاشية , فإن أحد الإحتمالات التي قد تلجأ إليها هو الاستمرار في قصف غزة والمزيد من التدمير والقتل وبخاصة بعد ارتفاع الأصوات في إسرائيل ( يتزعمها زئيف إلكين عضو الكنيست من الليكود والمنافس لنتنياهو على قيادة الحزب وأحد أبزر المطالبين باحتلال غزة ) المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق للبحث في تقصيرات القيادات الصهيونية الحاكمة للإعداد لهذه الحرب . المطلوب : الحذر من الالتفاف على الصمود الفلسطيني أمام العدوان وأمام صراع الإدارات .