صديقي ابو مرزوق .. وهل بقي في الصحون ما يُجلى؟

حجم الخط

هموم كثيرة، تزاحمت بين قلمي وورقي، فما أكثر ما يستحق الكتابة عنه هذا الاسبوع. محكمة امريكية تقرر تغريمنا بما يزيد عن مائتي مليون دولار، تعويضاً لضحايا امريكيين سقطوا خلال سنتين.

ودعوة وُجهت لاعضاء المجلس المركزي للانعقاد على فرضية انه سيتخذ قرارات هامة. ودعوة الرئيس السيسي لتشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة، لمكافحة الارهاب في اي بلد عربي.

وحسرة أمريكية، تصل حد اللطم على الخدود، جرّاء احتجاز اسرائيل لجزء من أموالنا. وتنبيش من شركة الكهرباء القطرية، على ديون متراكمة تكفي لقطع الكهرباء عن الوطن كله .

وامور كثيرة تندرج تحت عنوان " المشهد السياسي"، دون أن نغفل قضايا اعمق وأخطر تجتاح عالمنا العربي.

ام أكتب عن هذه الموضوعات بسبب اغراء المساجلة ، بين صديقين شخصيين ، واحد منهم يقف على اقصى اليسار مني ، هو جميل المجدلاوي، القائد المخضرم في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وفي منظمة التحرير الفلسطينية، والآخر يقف على اقصى يميني، وهو السيد موسى ابو مرزوق، القائد الحمساوي البارز وصاحب موقع تويتر الاكثر اثارة للشجون والمفارقات، ولا أقول صديقيَّ من قبيل المجاملة، فهكذا نحن في الساحة الفلسطينية، وبحكم ثقافتنا العشائرية المتعمقة، يمكن ان نعزل بنسبة كافية الامور الشخصية عن الامور العامة، اي اننا نختلف جذريا ونبقى اصدقاء.

أبدأ بصديقي ابو مرزوق، ولي على تصريحاته التي نشرت أول أمس، كثير من الملاحظات ، الا انني اختار اثنتين فقط ... الاولى حين شبّه الوضع بين غزة والضفة مثل ما كان قائما قبل عقود بين المانيا الشرقية والغربية، فحين توحدت الالمانيتان بقي الموظفون في مواقعهم، وهذا برهان استخدمه صديقي ابو مرزوق لتفسير بقاء موظفي حماس في مواقعهم في غزة وخصوصاً على المعابر، وحتمية ان يجري التعاون معهم كما لو انهم يؤدون عملا في رام الله .

ملاحظتي... ان الموظفين في الالمانيتين بقوا في مواقعهم لأن الجمهوريتين المتنابذتين قررا انهاء انقسامهما وتوحيد كل شيء على ارضهما وفي مجتمعهما، ولم يُطرد احد بعد الوحدة ، ومع انني لا اوافق على طرد أحد الا ان المثل الذي ساقه ابو مرزوق، فيه مغالطة جوهرية، وهي ان بلادنا ما تزال منقسمة وان صراع النفوذ والهيمنة ما يزال في أوجه، فاين نحن من المانيا الموحدة بصورة مطلقة.

الملاحظة الثانية وحين طلب المجدلاوي بكل المسؤولية والتهذيب، انسحاب موظفي حماس من المعابر، للتسهيل على المواطنين وحتى على اعادة الاعمار، استخدم صديقي ابو مرزوق مصطلحا طريفا وملفتا ، حيث قال وهل يعود موظفو المعابر لمساعدة زوجاتهم لجلي الصحون؟

المصطلح فيه استعارة تصلح لكتابة لقطة ساخرة، وليس لمعالجة قضية تمس عصب ومصالح شعب بأكمله ، وما دام المصطلح طريفا الى هذا الحد ، فانه يغري برد اكثر طرافة ، الا انه اكثر ايلاما في الواقع.... "وهل بقي في الصحون ما يُجلى".

فكم مرة حذر صديقي ابو مرزوق من ان الحصار الظالم على القطاع اهلك الزرع والضرع، واوصل المواطنين الكرام الى حد المجاعة، ناهيك عن الدمار شبه الشامل الذي لم يوفر الفلل والشقق والاكواخ والابراج والمطابخ، بما فيها من اوان، ويعلم صديقي ابو مرزوق، ان الامور لو ظلت كما هي عليه الان، لسنة او اكثر ، فان اعداد الذين يولدون بين الركام، او يعيشون في ظل الانقاض سوف تتضاعف، وبالامكان والحالة هذه ان يظل موظفو حماس في مواقعهم ، بينما البيئة التي يعيشون فيها تذوي من حولهم.

اما صديقي القديم جميل المجدلاوي، فقد أثّر بي كثيراً خطابه الهادئ والمسؤول، وحرصه على مكانة حماس في المجتمع الفلسطيني ، وأخاله توقع ان يُفهم بصورة جيدة من قبل صديقه ابو مرزوق على الاقل، كما اخاله لم يتوقع ان يُقال عنه او عن من يتفقون معه " البعض" ، فهذا " البعض" الذي نطق باسمه جميل المجدلاوي، هو في اكثر التقديرات اجحافا، يمثل ثلاثة ارباع المواطنين الذين يعيشون على ارض غزة ، ويكابدون شظف العيش ، بينما توجد امكانيات فعلية، للتخفيف من هذا البؤس والشقاء، بالاستماع الى نصيحة المجدلاوي الذي لا يملك احد حجة مقنعة في المزايدة على انتمائه للمقاومة ، والتزامه بها قولا وعملا .

أقترح على الصديقين فتح حوار صريح بينهما على مرأى ومسمع كل اهل غزة، ولنرى من سيحظى بالتأييد والتبني.

أخيراً... وإذا ما قرر الصديقان اجراء هذا الحوار المفتوح، على شاشات التلفزيون، وأثير الاذاعة، والمواقع الالكترونية، فسأكون في غاية السعادة لو دعيت للمشاركة في هذا الحوار.