خيار الدبلوماسية الفلسطينية في مواجهة وهم مشروع السلام الإقليمي

حجم الخط

كان الحصول على اعتراف الأمم المتحدة بعضوية دولة فلسطين في جمعيتها العمومية هو إنجاز وطني كبير وهام للدبلوماسية الفلسطينية في سعيها لتحقيق هدف الاستقلال الوطني في ظل تعنت الكيان الصهيوني وعدم استعداده لتقديم استحقاقات عملية السلام، وهو كذلك أي الحصول على عضوية الأمم المتحدة لدولة فلسطين هو أيضا استحقاق سياسي مشروع أقرته الشرعية الدولية عام 47 بصدور قرار التقسيم الذي على أساسه قامت دولة الكيان الصهيوني في فلسطين في حين بقي الشعب الفلسطيني منذ ذلك التاريخ بلا دولة وطنية تعبر عن هويته القومية وكان الاجدر على القيادة الفلسطينية التي كانت تقود النضال الوطني حينذاك ضد المشروع الصهيوني الاستعماري أن تعلن قيام الدولة الفلسطينية عام 47 على ما يقارب من 50%من أراضي فلسطين التاريخية ولكن قصر نظر النخب السياسية القيادية الفلسطينية التي كانت تعبر عن مصالح الإقطاع والبرجوازية في تلك المرحلة من الصراع رأت في قرار التقسيم هذا انتقاص من عروبة فلسطين ومن الحق التاريخي للشعب الفلسطيني على أرضه ولم تمتلك الوعي السياسي والنظري الكامل لكي تحول هذا القرار الدولي إلى مشروع وطني فلسطيني متكامل قابل للتطبيق في ظل فهم مسائل التكتيك والاستراتيجية المتعاطية مع الظروف الدولية المتغيرة؛ الأمر الذي جعل زمام إدارة الصراع ضد الدولة اليهودية ينتقل بعد ذلك من اصحاب القضية الي بعض الأنظمة السياسية العربية لتصبح القضية الفلسطينية برمتها بعد ذلك مجرد ورقة من اوراق الصراعات والمزايدات السياسية العربية والاقليمية وهو ما يجري الآن في ظل تراجع القضية الفلسطينية على مستوى الاهتمام الرسمي العربي بطغيان العامل القطري في السياسة العربية على العامل القومي بسبب تعميق واقع التجزئة السياسية العربية والذي يدفع العامل القطري بدوره بعض دول المنطقة خاصة دول الخليج العربي إلى اعتماد تدريجي في سياسة التطبيع مع الكيان الصهيوني وهو ما تم بالفعل عبر مظاهر مختلفة كاجتماع مسؤوليين إسرائيليين بشخصيات رسمية خليجية وتقديم تسهيلات سياحية كما تقوم دولة الإمارات وكل ذلك يحدث بصورة تدريجية متسارعة وفي وقت لم يقدم الكيان الصهيوني على اتخاذ أي خطوة في طريق تحقيق السلام على أساس المبادرة العربية التي أقرها مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002 والتي تتضمن قيام دولة فلسطينية على أساس حدود عام 67 والتي تقارب مساحتها الجغرافية أقل من نصف مساحة الدولة الفلسطينية التي أقرتها الأمم المتحدة في قرار التقسيم عام 47.

نقول ان توجه القيادة الفلسطينية الآن إلى الأمم المتحدة هو توجه ضروري تمليه الظروف الإقليمية والدولية واستعصاء عملية السلام فدولة إسرائيل بحكم طبيعتها الاستيطانية القائمة على التوسع والعدوان وبمرجعيتها الدينية العنصرية لن تقر بأي حقوق للشعب الفلسطيني والولايات المتحدة الراعي لعملية التسوية ليست وسيطا محايدا يمكن القبول به والارتهان إلى سياساته فالإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة ترامب التي تسعى إلى تحقيق مشروع السلام الإقليمي الذي يبدأ بالتطبيع الاقتصادي مع الكيان هي ليست أقل انحيازا من الإدارات السابقة بل هي تفوقها أكثر في درجة اهتمامها بتحقيق الأهداف الصهيونية، فالسياسة الأمريكية تمارس سياسة ثابتة في موضوع الصراع العربي الصهيوني وهو موقف الانحياز وتحقيق مكاسب للدولة العبرية على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية والعربية فقد عودتنا الولايات المتحدة على الوقوف بجانب دولة الكيان في كل قضايا الصراع في المنطقة وهو ما يستدعي في هذه المرحلة التي يكثر فيها الحديث عن طرح أكثر من مشروع للتسوية، وضع الأمم المتحدة باعتبارها الجهة الدولية المنوط بها حل النزاعات الدولية أمام مسؤولياتها في التوصل إلى حل سياسي شامل وكامل وعادل للقضية الفلسطينية بكل جوانبها وبشكل أخص قضيتي اللاجئين والقدس وذلك عبر انعقاد مؤتمر دولي للسلام وذلك هو الخيار الوحيد الذي يجب أن تسعى إليه الدبلوماسية الفلسطينية في تحركها على المستوى الدولي وذلك بدلا من الإرتهان للدور الأمريكي وانتظار أوهام مشاريع التسوية السياسية الذي يطلقها كالسلام الإقليمي الذي يتضمن في بنوده التفاف كبير على الثوابت الوطنية.