اليسار الفلسطيني.. الدور والفعالية

حجم الخط

 

لم يكن لليسار الفلسطيني قبل عام 48 أي دور سياسي فاعل ومؤثر في الحركة الوطنية الفلسطينية الذي قادها على المدى التاريخي التيار الوطني وقوى الاقطاع السياسي الديني وقوى البرجوازية الوطنية الناشئة ولم يكن اليسار هو الوعاء الذي يستقطب الوطنيين الفلسطينيين بسبب الالتباس الذي أحاط بمواقف الأحزاب الشيوعية العربية من بعض القضايا القومية كالقضية الفلسطينية ومسألة الوحدة العربية الأمر الذي نتج عنه ضعف التيار الوطني الديموقراطي في القيام بدوره المطلوب منه باعتبار القضية الفلسطينية قضية تحرر وطني ديموقراطي.

بعد النكبة وقيام الكيان الصهيوني تمحور نضال اليسار الفلسطيني في اطار العمل القومي التقدمي بمختلف اجنحته حيث توافق الوعي الوطني الفلسطيني بالمشروع القومي الذي كان له قاعدته الشعبية العربية الواسعة بفضل دور مصر بقيادة عبد الناصر بعد ثورة 23 يوليو التي رفعت شعار الوحدة والحرية والاشتراكية انطلاقا من سياستها الوطنية في محاربة الرجعية والاستعمار وحلفائه في المنطقة وكذلك في المجال الداخلي إصدار بعض القوانين الاقتصادية التي وضعت البلاد على طريق التطور الرأسمالي.

أما بخصوص اليسار الفلسطيني الماركسي بالتحديد فقد تفكك إطاره التنظيمي الذي كان سائدا قبل تأسيس الكيان الصهيوني حيث كان يضم العرب واليهود والتحق في الضفة الغربية بالحزب الشيوعي الأردني وفي قطاع غزة عمل في اطار عصبة التحرر الوطني وظل هذا الحال السياسي والتنظيمي حتى عاد للتوحد بعد احتلال الضفة والقطاع في اطار تنظيمي واحد ابرزه حزب الشعب الفلسطيني ولكن دوره النضالي ظل في الإطار النقابي بعيدا عن اي فاعلية عسكرية حتى جاءت هزيمة يونيو حزيران 67 ليتعزز اليسار الفلسطيني بكل أطيافه وتلاوينه بالتطلع نحو ضرورة ولادة حزب ثوري جديد يرفع لواء الماركسية -اللينينية وينخرط في حركة المقاومة المسلحة طارحا حلا ديموقراطيا للمسألة الوطنية الفلسطينية وقد تم ذلك بظهور الجبهتين الشعبية والديموقراطية من رحم حركة القوميين العرب.

ان قدرة اليسار الفلسطيني كانت تستجيب للظروف التي تمر بها القضية الفلسطينية لذلك كان دوره في الحركة الوطنية الفلسطينية أكثر فاعلية في مجال التنظير السياسي والفكري (مشروع الحل المرحلي الذي نسب للجبهة الديموقراطية) وسعيه لتعميم ثقافة ثورية ماركسية في مواجهة الفكر السياسي اليميني بشقيه الوطني والديني وكذلك الفكر الاصلاحي الذي نما وترعرع في الوسط النقابي العمالي سعيا لكسب بعض الفوائد من الأرباح التي تجنبها الشركات الرأسمالية المحلية.

بفعل عوامل عديدة متداخلة فقد ارتبط الفكر السياسي بالعمل العسكري واختارت قطاعات كثيرة من الفئات الشبابية الوطنية والقومية الانعطاف نحو اليسار الفلسطيني وبذلك اكتسب موقعه كطرف اساسي في محور المقاومة على مستوى المنطقة وتشكلت له قوة عسكرية في الساحة الفلسطينية على غرار الأجنحة العسكرية للفصائل الأخرى.

في الحديث عن اليسار عموما علينا أن نلاحظ انه في خضم النضال السياسي افتقرت القوى اليسارية العربية في التعبير بصدق عن المصالح الطبقية للجماهير الشعبية الكادحة خاصة طبقتي العمال الاجراء والفلاحين الفقراء على الرغم من وضوح البرنامج السياسي المتعلق بالمصلحة الطبقية وهذا يعود إلى عدم نشوء هذه القوى عن تبلور طبقي خالص مما جعلها اطارا عاما يضم شرائح اجتماعية متعددة وهو ما يعرف بالاختلاط الطبقي الذي ساد في الهيكل التنظيمي وهو الشيء الذي يخالف نشأة اليسار في الدول الرأسمالية حيث الأحزاب اليسارية هناك تعبر عن مصالح سياسية واقتصادية واجتماعية لطبقات متبلورة مكتملة النضج بعيدا عن حالة الاختلاط الفئوي الاجتماعي الذي لا تحكمه مصلحة طبقية واحدة مما اكسبها فاعلية في الحياة السياسية الغربية.