صراعات أطراف الإنتاج تتجلى مع اقتراب تطبيق قانون الضمان الاجتماعي

حجم الخط

لم يحظ قانون في فلسطين بتفاعلات ونقاشات واختلافات وتحركات جماهيرية متباينة بين مؤيد ومعارض كما حظي به قرار بقانون الضمان الاجتماعي حيث خرجت مسيرات حاشدة متضادة هنا وهناك للضغط من أجل تطبيق القانون أو المطالبة بتعديله أو إلغائه , وأياً كانت الجهات التي نظمت هذه الفعالية أو تلك وأيا كانت الجهات المستفيدة او المتضررة من تطبيق القانون . فإنه من المفيد التوضيح بأن هذا القانون والذي حمل رقم 19 لعام 2016 والذي شهد ضغوطات عالية على الحكومة لتعديل مسوداته الأولى ونظمت الفعاليات الجماهيرية وحملات الضغط من قبل النقابات العمالية والمجتمع المدني والتي قادتها الحملة الوطنية للضمان الاجتماعي حتى صدر القانون بصيغته الحالية ولبى الجزء الكبير من الملاحظات والمطالب وخاصة تعديل نسب المساهمات من العامل وصاحب العمل ونسبة التعويض والتي بلغت 2% بدلا من 1,5 % حيث أبدت كافة الجهات ذات العلاقة في حينه ( نقابات عمالية – أطر سياسية وكتل برلمانية – مؤسسات مجتمع مدني – منظمات أصحاب عمل – وزارة العمل والجهات الحكومية ...الخ ) موافقتها عليه باعتباره صيغة مقبولة مع بعض التحفظات على بعض البنود من هنا او هناك , وقد منح القانون مدة عامين منذ صدوره للتطبيق الاختياري والتحضير ويصبح إلزامي بتاريخ 19 نوفمبر من هذا العام حيث كرست السنتين للإعداد والترتيب وبناء الهيكلية وإعداد اللوائح التنفيذية والسياسات وبناء المؤسسة التي سيكون على كاهلها إدارة الصندوق وأمواله واستثماراته , ومع انتهاء فترة التحضير والاشتراك الاختياري واقتراب موعد التنفيذ الإلزامي عادت التفاعلات والاحتجاجات من جديد ولكن بشكل مضاد هذه المرة وتزَعم الاحتجاجات بعض النقابات او العاملين لدى الشركات الاستثمارية وبعض البنوك وشركات التأمين وأصحاب رأس المال المتضررين من إنفاذ القانون مستفيدين من بعض التصريحات الخاطئة لوزير العمل الفلسطيني بصفته رئيس مجلس إدارة الصندوق خاصة المتعلقة منها بموضوع طريقة احتساب مكافأة نهاية الخدمة عن فترة العمل قبل الالتحاق بالضمان والتي لعب أصحاب العمل دوراً واضحا في إحداث الإرباك في فهم مواد قانون العمل المتعلقة بمكافأة والتي أحيلت للمحكمة الدستورية للبت بشأنها , كما ساهمت بعض التصريحات التوتيرية والتحريضات الغير صحيحة والغير واقعية في إحداث لبس لدى آلاف العمال والموظفين وخوفهم المبرر على ضياع حقوقهم ومستحقاتهم ومدخراتهم إن كان من خلال تسريب معلومات خاطئة عن القانون مثل عدم وجود ضامن للقانون برغم وجود نص ملزم للدولة بأن تكون الضامن النهائي لتطبيق أحكامه , والمطالبة بالتطبيق الاختياري وهو ما يعني عدم إلزام أصحاب العمل بتطبيقه ومحاولة الهروب من إستحقاقاته , أو التحريض على الحكومة والسلطة بأنها تحاول سرقة أموالهم ولاشك بأن عدم الثقة في سلوك السلطة والمتنفذين فيها وإسباقية الإجراءات العقابية بحق موظفي غزة كلها عوامل ساهمت في سرعة وسهولة تأجيج الشارع وإثارة المخاوف من القانون وصلت حد المطالبة بإلغائه بدلاً من تعديله وهو ما يثير الريبة والشك حول الجهات ذات المصلحة في إلغاء القانون وعدم تطبيقه وهو ما بدا جلياُ من الجهات المنظمة لبعض الفعاليات حفاظا على مصالح رأس المال والشركات الكبيرة والبنوك الغير مستفيدة وغيرها

وهذا ما يستوجب من كل من قرأ القانون وإطلع عليه توضيح أهم مزايا وعيوب القانون والتي أوجزها بالتالي :

- قانون الضمان مطلب نقابي عمالي يشكل حماية للعمال في كافة مواقع عملهم ويحقق لهم العديد من التأمينات وأهمها تأمين العجز والشيخوخة والوفاة والأمومة وإصابات العمل وهي مطالب طالما طابت بها الحركة النقابية العمالية لتوفير الأمن المستقبلي للعمال وعائلاتهم .

- القانون ينسجم مع المعايير الدنيا للاتفاقيات العربية والدولية وأخذ بمبدأ الشراكة الثلاثية في الإدارة حيث يدير الصندوق ممثلين عن أطراف الانتاج الثلاثة حكومة وعمال وأصحاب عمل بواقع 5 أعضاء لكل فريق إضافة الى ممثل لكل من النقابات المهنية والمؤسسات الأهلية وخبير مالي .

- يساهم القانون في علاج العديد من اشكاليات نزاعات العمل التي تحدث يومياً بين العمال ومشغليهم حيث استبدلت مكافاة نهاية الخدمة براتب تقاعدي أو الدفعة الواحدة والتي كانت في الغالب لا يحصل عليها العامل إلا بصعوبة وعبر المحاكم غالباً , ويضمن وقف تهرب أصحاب العمل من عدم التأمين على العمال ضد إصابات العمل والتحايل في التعويض وتهرب شركات التامين ليصبح بذلك التأمين والتعويض من مسئولية الصندوق , كما منح القانون زيادة في مدة إجازة الولادة للمرأة العاملة لتصبح 90 يوم بدلأ من 70 يوم وليتحمل الصندوق دفع راتب الأمومة خلال فترة الإجازة بدلاً من صاحب العمل , عدا عن غيرها من الامتيازات التي تحققت للعامل لم يكن يغطيها قانون العمل كالعجز والوفاة الطبيعية وراتب التقاعد وغيرها .

- إن نجاح تطبيق القانون من شأنه أن يساهم في تنظيم سوق العمل وضبط بياناته والمساهمة في تطبيق الحد الأدنى للأجور وتشجيع الاستثمار والأهم إعادة اموال العمال الفلسطينيين الذين عملوا طوال عشرات السنوات لدى ارباب العمل داخل الخط الأخضر من أموال مقطوعة في صندوق حكومة الاحتلال والتي تلزم الاحتلال باعادتها في حال تشكيل صندوق للضمان وفق إتفاقية باريس الاقتصادية وهي أموال تقدر بمليارات الشواكل وتحتاج الى تدخل جهات دولية لتحديد قيمتها الفعلية وهو ما تحاول حكومة الاحتلال التهرب منه .

مع أهمية القانون واهمية النضال من أجل البدء الفوري بتطبيقه رغم ما لدينا وما لدى العديد من النقابات والمهتمين من ملاحظات على القانون والمتعلق بعضها بغموض أو التباس في فهم بعض النصوص والمصطلحات أو عدم الرضى التام عن النسب والتعويضات , والمبالغة في الخصومات لحالات التقاعد المبكر , إضافة الى الملاحظات المتعلقة بإجراءات وآليات التطبيق والتي طالبنا بأن يتم التطبيق فوراً وبشكل تدريجي تبدأ من الشركات والمنشأت الكبيرة العدد من العمال

وعلى مراحل متباعدة وصولاً إلى المنشأة الصغيرة ذات العامل الواحد , إضافة إلى الملاحظات المتعلقة بطريقة تشوكيل مجلس إدارة الصندوق وضعف تمثيل المحافظات الجنوبية , على أن يبقى الباب مشرعاً لكافة المعنيين وأصحاب العلاقة من تقديم الاقتراحات للتعديل خلال فترة التطبيق وهو ما يحدث عادة في باقي القوانين والتي تخضع للنقاش والتعديل مرات عديدة بما يتلاءم مع المستجدات السياسية والاقتصادية وظروف البلد .

أخيراً يبقى نجاح تطبيق القانون مرهوناً بتوفر النية الصادقة والسليمة للنقد الموضوعي وتحييد القانون ومشاكل العمال عن الصراع الحزبي السياسي والمصالح الفئوية والنزوع نحو الحرص العام على تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتحقيق تنمية نوعية وتوفير حماية للعمال والموظفين في القطاع الخاص وضمان أمن وظيفي ومصدر دخل دائم للعمال ويشكل حماية لكافة المشتركين والمساهمين وتوفير حياة كريمة لائقة لهم وبشكل خاص ذوي الدخل المحدود من العمال .