لندن: الجيل الجديد يتحرّك


شرطي من مكافحة الشغب يدفع تلميذة في الخامسة عشرة من عمرها. بالرغم من حجمها الصغير، تثبَت في مكانها
حجم الخط
شرطي من مكافحة الشغب يدفع تلميذة في الخامسة عشرة من عمرها. بالرغم من حجمها الصغير، تثبَت في مكانها وتقوم بدفعه عنها. الشرطة الخيّالة تهجم على الحشد. يتجنّبهم آلاف من المراهقين ويحيطون بثلاثة من الأحصنة. تفشل المحاولات الجامحة للشرطة لضرب الطلاب بالهراوات، فأهدافهم صغيرة جداً، أصغر من أن يدركها الخوف. خلفي، طالب جامعي من الواضح أنّه ينتمي للطبقة الوسطى العليا، يوبِّخ أحد رجال الشرطة فينضمّ إليه تلامذة وتلميذات من إحدى ضواحي لندن المحرومة. تلميذات ما زلنَ في زيهنّ المدرسي، تبدأن بتنظيم حاجز، لكنه لم يصمد كثيراً أمام شرطة مكافحة الشعب ذات التدريب العالي. لكنْ، تم الاستفادة من الدرس سريعاً. بعض الطلاب الأكبر عمراً والذين شارك العديد منهم في التحرّكات ضد الحرب على غزّة العام الماضي، قاموا بتقديم المشورة للمشاركين الجدد. صاح أحدهم، “قفوا وجهاً لوجه أمام الشرطة، ولا تديروا ظهركم لهم”. شبان وشابات يرتدون الكوفيات ومخضرمون جدد من التظاهرات الخطيرة والمستمرِّة ضد الفاشية يُرشِدون الأصغر منهم حول أساسيات قتال الشوارع ويقومون بصدّ أي خطوة طائشة ضدّ “الجمهور”. وسط الهتاف والقتال، يقوم تلميذ بطلاء كلمة “ثورة” على حائط إحدى الوزارات، ويرقص بعض زملائه على سطح شاحنة شرطة تمّت السيطرة عليها. وبينما كانت شرطة مكافحة الشغب تحاول المناورة لاعتراضهم، هرول الشباب والشابات نحو وسط المدينة. في طريقهم، هاجموا مقرّ وزارة المالية وقلب مستوعبات النفايات وإشعال محطات الباصات. يكمن في قلب هذه الحركة الطلابية غضب من تفتيت التربية والتعليم. طلاب الصفوف العليا يحتجّون على إلغاء البدَلات المتواضِعة للنقل والكتب. طلاب آخرون احتجّوا على زيادة الرسوم الجامعية ثلاثة أضعاف حيث سيقعون في ديون ستقارب 60 ألف دولار (كان آباؤهم وأمهاتهم قد تعلّموا وتعلّمن مجاناً). حتّى الأسر الميسورة ترى في ذلك الرقم ثمناً باهظاً، خاصة وأنه سيتضاعف مرتين أو ثلاثة إذا أضفنا الأشقاء والشقيقات. جاءت هذه المشاهد في قلب الحي الحكومي في لندن بعد عشرة أيام على اقتحام الطلاب لمقر الحزب المحافظ وتحطيمه، خلال مظاهرة حشدت حوالي 52 ألف طالبا. يوم التحرك الثاني حشد 130 ألفاً، وكان يمكن أن يكون أكثر لولا صدّ أبواب المدارس من قبل الإدارات لمنع الطَلبة من المغادرة للالتحاق بزملائهم. التظاهرات الضخمة في لندن قابلتها تظاهرات مماثلة في أنحاء البلاد. وجد طلاب الجامعات النخبوية أنفسهم في نفس الحركة مع فتيان وفتيات من المناطق الأكثر فقراً وحرماناً. التقاء المصالح هذا لم يكن محض صدفة، ففي الأيام العشرة التي فصلت بين التحرّكات، أرسل طلاب الجامعات وفودا إلى جميع أنحاء مدنهم. هذه السلسلة من لجان الطلاب تعدّت إطار الكلية أو الجامعة الواحدة واستقطبت مندوبين من المدارس والمعاهد والجامعات. سريعاً، تحوّلت هذه الاجتماعات الحاشدة إلى مركز لتنظيم الحركة، حيث بدأت قيادة سياسية جديدة بالنشوء. الاتحاد الطلابي الرسمي المسيطر عليه من قبل أنصار يمينيين في حزب العمال اختفى ودفع جانباً بعد انفجار التحركات التي لم نرَ مثيلاً لها منذ أجيال. كما حرّضت التحركات حالة معارضة لسياسة التقشّف التي من شأنها تدمير سُبُل معيشة ملايين العمّال والعاملات. خلال “الأيام الطلابية العشرة” رأينا تحولاً كبيراً داخل النقابات العمالية حيث سيطر اليسار على أكبرها - نقابة عمّال النقل والمصانع والحمّالين في المستشفيات - التي تصل عضويتها إلى مليونَي عامل وعاملة. فقد أعلن أمينها العام الجديد أن الاتحاد بصدد تشكيل “ائتلاف مقاوم” وأثنى على تحركات الطلاب المحتجّين. أيّدت نقابة أساتذة الجامعات والكليات إضراب الطلاب. في كل مكان هناك دوي غضب. مجموعات من العمال تجمهرت لمشاهدة تطوّر الأحداث على شاشة التلفزيون حيث يمكن سماع الهتافات المتكررة، وتوجّه عدد من الوفود العمالية نحو المظاهرات. كما شوهد الطلاب على أبواب المصانع وفروع النقابات حيث دعوهم إلى التضامن معهم. إنها حركة عابرة للحدود: البرتغال، إيطاليا، أيرلندا، فرنسا... في أرجاء أوروبا تثير ميزانيات التقشّف الوحشي غضبأً جماهيرياً وإضرابات وإضرابات عامة واحتلالات واحتجاجات عفوية صغيرة. ها هو الجيل الجديد يتحرّك. اللجان الطلابية دعت إلى يوم جديد من الإضرابات. في الوقت نفسه، انخفضت درجات الحرارة بشكل كبير في جميع أنحاء البلاد. جاء الشتاء باكراً وارتفعت أسعار الغاز المستخدم للتدفئة 20٪ وأسعار تذاكر القطارات 6٪ والضريبة على القيمة المضافة ارتفعت 20٪. الإيجارات سترتفع 4 أضعاف، استحقاقات البطالة ستنخفض، بالإضافة إلى خسائر ضخمة في وظائف القطاع العام ... عندما اقتحم الطلاب مقر حزب المحافظين، لم يحطّموا النوافذ وحسب، كان بين الركام ولاية الحكومة المنتخبة حديثاً بالإضافة إلى الحجّة القائلة بأنّ البريطانيين لا ينتفضون ضد حكّامهم. ترجمة: موقع المنشور/المنتدى الاشتراكي : غسان مكارم