إضراب عام في فرنسا: ليست سوى البداية، فلنتابع المعركة



“قطارات متوقفة، طائرات مسمّرة على أرض المطارات، مراكز الخدمات مقفلة، النفايات مجمعة في الشوارع،
حجم الخط
“قطارات متوقفة، طائرات مسمّرة على أرض المطارات، مراكز الخدمات مقفلة، النفايات مجمعة في الشوارع، الجامعات والثانويات مضربة، دروس ملغاة، زحمة سير في المرافئ. ففرنسا تعيش 10 أيام من إضراب شبه عام ضد إصلاح نظام التقاعد. فالعمال يثبتون أن لا شيء يتحرك في بلدهم إلا بفضل قوة عملهم. بعد عدة إضرابات لمدة 24 ساعة، (7 من بداية شهر حزيران) شارك فيها ملايين من المضربين والمعتصمين (3،5 مليون في بعضها). الاندفاعة جاءت من القاعدة، وبعض المدن (كمرسيليا) قررت عدم انتظار أوامر النقابات الطيعة. اليوم، كل شيء يبدو ممكنا، المرور بالقوة، وتسيير المرفق العام من خلال إجبار العمال من قبل الشرطة على العودة إلى العمل، والاعتقالات الجماعية للطلاب، كما انتصار الحركة الاجتماعية…” (غريغوري شامبا- سي أن تي- فرع التربية) خلال الجمعيات العمومية، يُشَبّه عدد كبير من الناشطين الحركة المناهضة لإصلاح نظام التقاعد لعام 2010 لحراك عام 1968 أو عام 1995. في الحقيقة نحن أمام تعبئة لا مثيل لها لناحية وتيرتها وأمام ترسخ سياسي لا سابق له‫.‬ نادراً ما شهدنا على إضراب يوقف العمل في كل القطاع الصناعي والإدارات الرسمية‫.‬ فعمال القطاع العام يشبكون أيديهم بأيدي عمال القطاع الخاص في المظاهرات من أجل إجبار الحكومة على التراجع عن سياساتها الصارمة‫. 3،5 مليون عامل مضرب خلال 8 أيام من إضرابات في مختلف القطاعات المهنية، فإن أعداد العمال والطلاب هي من واجه السياسة النيوليبرالية لساركوزي‫.‬ في الواقع بإمكاننا الحديث عن بسالة، من أجل وصف إصرار المضربين على الحفاظ على استمرارية الإضرابات‫.‬ فالصدقية في التحرك أقنعت عددا أكبر من العمال على المشاركة في المظاهرات‫. تعرض الطلاب وعمال المصافي النفطية إلى حملة قمع لا سابق لها، أكثر من 1500 معتقل، بعض الطلاب جرت محاكمتهم ومنهم من دخل السجن‫.‬ فهناك طالب من مدينة مونترويل ‫(‬ضاحية باريسية‫)‬ جرح في عينه بفعل إصابته بفلاش بول حيث كان وزملاؤه في المدرسة يغلقون مدخلها بشكل سلمي‫.‬ طالب آخر تعرض لكسر في جمجمته إثر إصابته بقنبلة مسيلة للدموع‫.‬ كما هدد رجال الشرطة عمال المصافي بالسجن لمدة 5 سنوات في حال لم يعودوا إلى عملهم‫...‬ في فرنسا، سلطة الأغنياء تقمع العمال‫:‬ إنها ديمقراطية CAC 40‬ ‫(‬البورصة في فرنسا‫)!‬ الوحدة النقابية من القاعدة حتى القمة‬ المظاهرات في فرنسا كانت فاعلة لأن مختلف الاتجاهات النقابية دعت إليها. فرفض الحكومة فتح مفاوضات بسيطة (حيث تدّعي النقابات المعتدلة ‬بأنها حققت نصراً ما للعمال‫)‬ سمح بوحدة نقابية من القمة حتى القاعدة‫.‬ فتشكلت جبهة موحدة حيث تعلّم العمال من خلال التحرك على النضال المشترك والديمقراطية‫.‬ وبعد نجاح إضراب 2 تشرين الأول كماً ونوعاً‫، حيث شارك فيه أكثر من 2 مليون عامل، عمال سكك الحديد والاتحاد العمالي وسود ‫(‬نقابة‫)‬ في قطاع النقل دعوا إلى إضراب قابل للتجديد ابتداء من 13 تشرين الأول‫.‬ في اليوم هذا، نزل أكثر من 3،5 مليون شخص إلى الشارع ليعبّروا عن دعمهم للعمال عبر تحقيقهم معاً إضراباً متينا‫ً.‬ وقرر عمال مصافي النفط خلال الجمعيات العمومية الإضراب، ودخل الطلاب بعد عدة أيام المعركة‫. المعركة الأساسية بنيت داخل مصافي النفط من النقابات الناشطة هناك، خاصة وأن حراكها هدا يأتي بعد الإضراب العام المنصرم إثر صرف عدد كبير من العمال في شركة توتال‫.‬ فظروف العمل السيئة، والنقص في اليد العاملة والخوف من البطالة كانت الدافع لمشاركتهم في الإضراب للسنة الحالية‫.‬ وكان السلاح الوحيد أمام الحكومة هو باعتمادها على القوة الشرسة‫.‬ ولكن دعم جيران المصانع حيث شاركوا في إغلاقها شجع كل العمال على المشاركة في الإضراب‫.‬ في مصنع توتال في غران بوي، نسبة المشاركة في الإضراب ارتفعت من 60٪ إلى 98٪‫ عقب محاولة الشرطة لتفريق المتظاهرين والمضربين. اليوم، القمع الممارس من قبل ساركوزي هو الرابح لأنه أجبر العمال على العودة إلى عملهم. لكنه فوز مكلف، لأن القمع طاول الجميع ولأن العمال تلقوا درساً لن ينسوه عن ديمقراطية الرأسمالية.‬ ليست سوى البداية، فلنتابع الصراع! طرحت مسألة عدم شرعية سلطة الحكومة على بساط البحث في الحركة الحاصلة على الأرض. يوم الأربعاء 27 تشرين الأول، وافق البرلمان على مشروع قانون لإصلاح نظام التقاعد ولكن الغضب بقي عميقاً لدى العمال وخاصة عند الطلاب. فساركوزي أصبح مبغوضاً من كل الناس في فرنسا.‬ الحزب الإشتراكي، الحزب الشيوعي والخضر أنقدوا الحكومة من خلال إغراق التظاهرات بشعارات تدعو إلى التصويت لصالح اليسار في الانتخابات الرئاسية لعام 2012، فتخلوا عن إمكانية قد تكون تاريخية لإسقاط حكومة فييون الغارقة بقضية فساد مع ليليان بوتانكور صاحبة شركة لوريال. أما الحزب الجديد المناهض للرأسمالية فكان الطرف الوحيد الداعي لإسقاط ساركوزي فانضم عدد كبير من الطلاب والعمال إلى صفوفه.‬ الإدارات النقابية قررت الاستسلام عقب الموافقة على مشروع القانون من خلال إقتراح التفاوض على شروط توظيف الشباب. كما أجبرت النقابات بفعل غضب قاعدتها على الدعوة إلى إضرابين في 28 تشرين الأول و6 تشرين الثاني. ولكن تراجع نسبة المضربين في سكك الحديد (30٪) وبين عمال مصافي النفط (5 مصانع مضربة على 12)، يسمح بالقول بأن الحكومة فازت في المعركة، على الرغم من استمرار الحراك الطلابي ولكن بمستويات ضعيفة.‬ دروس ينبغي تعلمها… ما كان ينقصنا في الإضراب، هو مجموعة من الناشطين المحليين تكون قادرة على كسر البيروقراطية النقابية التي تسعى إلى مصادرة المظاهرات عوض العمل على توسيعها. كما كان ينقصنا تيار جماهيري مناهض للرأسمالية بإمكانه ترجيح الكفة بمواجهة السلطة الأيديولوجية للإشتراكية الديمقراطية. هده الحركة علينا يجب بناءها.‬ حتى لو خسرنا، ولكننا حافظنا على كرامتنا. العمال في فرنسا تعرضوا لخسارة لكنهم لم يستسلموا. فتشكلت المجموعات الناشطة في مؤسسات لم تشهد في السابق أي تحرك. أصبح العمال أكثر إدراكا حول طبيعة من يتحكم بهم، كما تعلموا درسا حول ديمقراطية القاعدة. الفوز الكبير هو أن الجميع يكره ساركوزي وأرباب العمل، الصراع ضد الرأسمالية لم ينته فهو بدأ للتو، فبوحدة العمال لن يخسروا أبدا!‬ بنجامين لورمي ترجمه/ترجمته: نضال مفيد ترجمة موقع المنشور/المنتدى الاشتراكي