بصراحة (4).. يلزمنا ثورة في الثورة

حجم الخط

 في الجزء الرابع والأخير من المواضيع تحت هذا العنوان, سأحاول التركيز على الاستخلاصات, كحقائق لا تقبل التأويل. بالنسبة للعدو, ولكل من يقرأه جيدا من داخله, وطبائع شارعه (وأنا أدّعي, أنني أتابع كل تفاصيله) أخرج باستنتاج مقسما: والله لو أرسلَ سبحانه وتعالى كلّ الأنبياء مجتمعين إلى بني صهيون, لدعوتهم بالجنوح للسلام مع شعبنا وأمتنا, لأجابوهم: ارجعوا إلى ربكم, واصنعوا معهم سلاما وحدكم, إنا ها هنا قاعدون! ألم يقولوها لموسى عليه السلام قبلا؟ ولأسُق أمثلة حصلت بالأمس فقط: ثلاثة وزراء من المجلس الوزاري الصهيوني المصغّر, كما معظم شارعه, عارضوا ويعارضون الاتفاق مع تركيا, رغم كل إيجابياته للكيان! محاولات كثيرين من أعضاء الكنيست الصهاينة, الاعتداء جسديا على العضوتين العربيتين (وأنا لست مؤيدا لدخول أهلنا لهذا المحفل الماسوني الصهيوني) حنين الزعبي وعايدة توما سليمان, لأنهما رددا فقط حقيقة قتل الجيش الصهيوني لناشطي السفينة مرمرة! سنسمع قريبا أن الكيان الصهيوني ومثلما اتهم الرئيس عباس بـ”معاداة السامية” لأنه انتقد جرائم قطعان الذئاب من المستوطنين ضد أهلنا (للعلم في بحث أجريته فإن كثيرين من علماء الأجناس, ينفون بشكل قاطع انتماء اليهود وبخاصة الحاليون منهم إلى العرق السامي), سيقوم بتوجيه ذات التهمة إلى النائبتين العربيتين, فهذه التهمة هي الكافية وحدها, لتعليق عضويتهما في الكنيست. تماما كما وجهت التهمة إلى العديد من الفلاسفة اليهود المنتقدين للإجرام الصهيوني (وما أكثرهم). من بينهم الفيلسوفة الألمانية (من أصل يهودي) حنة آرندت صاحبة الكتاب الموسوعي “في الثورة”, المشهورة بكشف علاقات المنظمات الصهيونية مع الحركة النازية, والتي اعتبرت محاكمة آيخمان بعد اختطافه “مسرحية إسرائيلية لاستخدام الهولوكوست كأداة كانت تكره إطلاق وصف الفيلسوفة, عليها.

الحاخام الأكبر ورأس القطيع نتنياهو, يحرض لتعليق عضوية النائبتين في الكنيست. من زاوية أخرى, يستعد الكيان حاليا لهدم عشرات الآلاف من بيوت أبناء وطننا في المنطقة المحتلة عام 48. وللتعبير عن استثنائية الشارع الصهيوني في الحقد علينا, دعوني أنقل لكم ما كتبه الصحفي ذو الضمير جدعون ليفي في “هآرتس” (الخميس 30 تموز/يوليو المنصرم): “إذا كان الاتفاق مع تركيا يواجه هذا القدر من المعارضة في إسرائيل, فماذا سيكون حال الاتفاق مع الفلسطينيين, والذي سيعني التنازل عن أراض مقابل السلام؟ فكما يبدو, ليس هناك مهمة قومية لإسرائيل سوى معارضة أي اتفاق. فالشعب هو شعب الرفض, في دولة عنوانها لا.. لا.. لا”. أما صحيفتا “معاريف” و”يديعوت أحرونوت” فقد وصفتا النائبتين العربيتين بـ”الإرهابيتين” اللتين تؤيدان قتل اليهود! بالتالي, أيمكن لمطلق بشر التعايش مع هكذا أوغاد؟ الكيان يرفض أي حل سوى استسلام الفلسطينيين وكل العرب لاشتراطاته! أي أن يخدموا أمنه في ظل شرشور قوائم من الممنوعات عليهم, أقلها أن لا يمتلكوا مطلق سلاح قد يهدد دولة الكيان مستقبلا!

بالنسبة لـتعبير “الثورة في الثورة”, فالعنوان صاغه المبدع ريجي دوبريه الصحفي الفرنسي, الذي أصدر كتابا بذات الاسم, عن الثورة الكوبية في مطلع الستينيات. معظم جيلنا اعتبر الكتاب آنذاك إنجيلا ثوريا. دوبريه عايش جيفارا في بوليفيا أيضا, واعتقل فيها بعد مقتل الثائر الأممي, ولولا ديغول لقتلوه هو الآخر. التعبير الذي أطلقه من وجهة نظري, يتوجب على كل قيادة ثورة, أو فصيل ثوري يعيش مرحلة التحرر الوطني, أن يطبقه على صفوفه بين الفترة والأخرى, وإلا لترهَّل نضاله الثوري وأصبح من الممكن أن يعتريه العجز.

نحن بحاجة إلى ثورة ونضال متجددين. ثورة تزيح عن كاهلها الترهل. ثورة إن لم تكن قادرة على استباق تضحيات شعبها بخطوات كفاحية متجددة (وهو المفترض), وابتكار آليات وأساليب نضالية يومية جديدة, وأطروحات عقائدية فكرية نظرية تؤدي وظيفتها بشكل عاجل، في استقطاب العدد الوفير من شباب شعبنا كل صباح! فلا أقل من مضاهاة هذه النضالات الجماهيرية. أما إن تأخرت عنها, فتلك هي الطامة الكبرى. نحن بحاجة إلى ثورة ترفع كل يوم شعارا سياسيا جديدا لشعبها, متوائما مع أهداف نضالها الاستراتيجي ومستقطبا لكل من هو تحرري إنساني. الظاهرتان الأخيرتان ملتحمتان عضويا وحتميتان, فالتحرر في صميمه إنسانية والعكس أيضا صحيح. كتبنا عن البعض الذين يودون إلحاق وصف “المنظرين” أو “المفكرين” بأسمائهم (وفي بعض الأحيان يشترطون على الوسيلة الإعلامية ذلك, كما حدثني الصديق المرحوم أحمد الشولي, وقد كان مديرا في إحدى الفضائيات العربية المهمة, عندما طلب مني توصيف نفسي). هؤلاء ألحقوا ويلحقون أشد الأضرار بالثورة. باختصار شديد. نريد من يتقن لغة الطخ على العدو. هذه اللغة التي لا يعرف العدو سواها. شعبنا ليس بحاجة لمن يستغرقون ثلاث ساعات في الإجابة على أسئلة لا تحتمل سوى كلمة واحدة: نعم أو لا.

بالنسبة للسلطة الفلسطينية الموقرة, فإن رئيسها (ومع الاحترام له) رغم كل الوضوح الإسرائيلي في رفض حل الدولتين والدولة الواحدة والأخرى الثنائية القومية و”الدولة لكل مواطنيها (وهو شعار اخترعه عزمي بشارة), ما زال رئيس السلطة يصرح: بأن أيدي الفلسطينيين ممدودة للسلام دوما لحل الدولتين (بالمناسبة أنا من جملة ملايين من الفلسطينيين ممن لا يمدون أيديهم للسلام مع عدو ما بعد فاشي, ويؤمنون بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر, إضافة إلى أميال مضاعفة من المياه الإقليمية, فكيف يجمع رئيس السلطة كل الفلسطينيين في بوتقة واحدة؟). مصير السلطة في رام الله: أن تجري مصادرة المزيد من صلاحياتها في الإشراف الحياتي على الفلسطينيين والفرض عليها للمزيد من وظائف خدمة الأمن الإسرائيلي. بتعبيرات أخرى, الكيان سيحول كل قادة السلطة إلى مخاتير, مهامهم فقط تتلخص في ختم الأوراق الثبوتية للناس, لاستصدار الهويات, والمساهمة في فض النزاعات العشائرية. أما بالنسبة للسلطة الأخرى في غزة, فلن يزول الحصار عنها بدليل, أنه لا يزال قائما رغم مضي عقد زمني عليه. معروف أن العدو الصهيوني لا ولن يلتزم باتفاقيات, أيا كانت! فشهيته مفتوحة للمزيد من أخذ أرطال من لحوم (ودماء) الفلسطينيين صباح كل يوم! لذا فإن أي اتفاق هدنة يُعقد معه, فإنه لن يمنعه من العدوان الواسع بين الفينة والأخرى على الفلسطينيين حيثما يتواجدون, بما في ذلك قطاع غزة.

أخيرا, زار وفد عسكري سوفياتي في السبعينيات (يتقدمه شخص يوازي رتبة جنرال في الجيش, وكان قد شارك في معارك الحرب العالمية الثانية, التي استمرت خمس سنوات) زار مواقع الثورة الفلسطينية في الجنوب اللبناني, ففوجئ بحجم عدد الرتب العسكرية المتقدمة في بعضها, كان يسأل دوما عن المعارك العسكرية التي خاضها كل منهم, والتي استحق عليها الرتبة؟ لن أقول الجواب حتما! بالله عليكم: أكثروا من الأفراد العاديين, وقللوا من الرتب العسكرية المتقدمة, وصَدَق المثل العربي القائل “كلنا روس ما فينا قنانير!” ملاحظة: تعبير قُنّارة: يعني رأس البصل الصغير جدا, والذي يُزرع في الأرض لإنتاج البصل.