لعنة الأرض وصداقة امريكا

حجم الخط
كم هي فظيعة ميكافيلية الغرب الاستعماري في السياسة والأخلاق، فالغاية تبرر الوسيلة مهما بلغت من الظلم والوحشية. لا ضير ان يُقتلع ويُهجر الفلسطينيين في اربع ارجاء الارض ويشرد الملايين منهم عقودا في خيام البؤس ومخيمات الشتات كي يبلغ الغرب غايته وتنفذ بريطانيا العظمى وعد بلفور المشؤوم. ولا ضير ان تدمر العراق ويبدد جيشها ويُقتل ويهجر الملايين من ابناء الرافدين قربانا لشعارات زائفة عن الديمقراطية وحقوق الانسان ومزاعم عن أسلحة الدمار الشامل، تخفي وراءها اهدافا جهنمية وإرهاب دول، كل همها إحكام قبضتها على نفط المنطقة والحيلولة دون أي تهديد محتمل للأمن "المقدس" لدولة الاحتلال والاستيطان في فلسطين. كم هو غريب مكر التاريخ، فلقد تبارى الرؤساء الامريكيون والأوروبيون في مديح شجاعة صديقهم الرئيس المؤمن المقتول انور السادات، وحِكمة خلفه الرئيس المخلوع حسني مبارك، وتسابقوا في التعبير عن انبهارهم بجرأته وبصيرته ورجاحة عقله وبحربه على الإرهاب وحبه "للسلام"، باعتباره خير خلف لخير سلف. ها هم اليوم وبجرأة يحسدون عليها ، يسطرون آيات في النفاق وهم يكشفون عن ما يسمونه انتهاكات مبارك و نظامه الجسيمة لحقوق الانسان وعن خوفهم على الديمقراطية والحرية وكرامة وأموال الشعب المصري التي هدرها و نهبها مبارك وأبناء عائلته وزبانيته الموقوفون على ذمة التحقيق. كأن التاريخ يعيد نفسه والجريمة لا تنتهي فصولها وتكتمل إلا بالعقاب ، فما من مسؤول أو زعيم من زعماء العرب من النيل الى الفرات، فرط أو باع واشترى في ارض فلسطين المقدسة إلا ولحقت به لعنتها ولو بعد حين ، فمنهم من علق على اعواد المشانق ومنهم من قضى غيلة برصاصة او خنجر ومنهم من ينتظر ، وهو ما وثقته صفحات التاريخ منذ النكبة وحتى يومنا هذا ، قبل اغتيال السادات وبعده. لا تقيم الولايات المتحدة وزنا لخدمها ولا لقيم انسانية ولديمقراطية لا تضمن مصالحها أكانت مشروعة ام غير مشروعة في بلادنا أو لا تضمن الأمن “المقدس” لربيبتها دولة الاحتلال والعنصرية ، وإنه لمن خداع الذات والضلال والكذب على النفس ان يعتقد احد بإمكانية كسب صداقة الادارة الامريكية وخوض المقاومة لحماية الارض من الاستيطان والمصادرة والتهويد، انهما امران لا يمكن الجمع بينهما والحقيقة التي امتحنتها الأيام واكدتها التجربة على امتداد عمر النكبة المستمرة منذ ثلاث وستين عاما. ولعل تفرد الادارة الامريكية في استخدامها للفيتو في مجلس الامن ضد إدانة الاستيطان خلافا لبقية اعضائه الاربعة عشر، والتصويت لوحدها بالأمس في مجلس حقوق الإنسان ضد إجراء تحقيق في تداعيات بناء المستوطنات الاسرائيليةعلى حقوق الفلسطينيين، ما يكفي لتأكيد هذه الحقيقة ويستدعي تكرارها من جديد في يوم الارض، فلقد باتت بمثابة الشرط الذي يتوقف على إدراكه وتمثله السياسي، النجاح في خوض معركة الدفاع عن الارض التي كانت وما زالت جوهر ولب الصراع الدائر في المنطقة وفي هذه البلاد. ___ · عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، رئيس تحرير مجلة الهدف.