عنصرية السياسة الأمريكية وغضب الأصدقاء والخصوم

حجم الخط

يتراجع الدور الأمريكي في السياسة الدولية بسبب عنصرية الولايات المتحدة التي تسعى لتحقيق مصالحها القومية دون اعتبار لمصالح الدول الأخرى وما يؤكد هذه السياسة العنصرية هو تحالف اليمين الأمريكي ذي الانتماء الأصولي المسيحي في الكونجرس مع تيار الأصولية اليهودية وترجمة هذه السياسة العنصرية هو في اتخاذ مواقف معادية لتحرر الشعوب الساعية لتحقيق الاستقلال الوطني الكامل والتخلص من علاقات التبعية وبالمقابل دفاعها عن النظم الرجعية والاستبدادية والفاشية ويزداد هذا التراجع الآن بسبب موقفها المنحاز مع الكيان الصهيوني العنصري والذي جاء إعلان الرئيس الأمريكي ترامب على الاعتراف بالقدس عاصمة لدولته ليؤكده لأنه يتوافق مع الرؤية الإسرائيلية. . بإعلان ترامب فقدت الولايات المتحدة وقوف حلفائها وأصدقائها معها في هذا الموقف السياسي الأرعن ويجيء موقف دول الاتحاد الأوروبي ليوضح بشكل جلي على مدي خسارة الولايات المتحدة وعزلتها السياسية كون قضية القدس قضية دينية تهم الشعوب الأوروبية ذات الغالبية المسيحية وهو تعارض بين الموقفين الأمريكي والأوروبي عادة يبرز بوضوح عند تفجر الأزمات الدولية الساخنة التي لها علاقة بالمشاعر الدينية والقومية حيث الموقف الأمريكي من هذه الأزمات يكون دائما بالدرجة الأولى لتحقيق المصالح القومية الاحتكارية وان ذلك يقابل بعدم الرضى من الجانب الأوروبي وذلك بسبب التعارض بين مصالح اقطاب النظام الرأسمالي على المستوى العالمي والذي يتخذ هذا التعارض أشكالا متعددة سياسية واقتصادية وثقافية حيث يرتبط الصراع بين الدول الراسمالية بطبيعة النظام الرأسمالي نفسه وبقوانين تطوره ..وفي مقابل تراجع الدور السياسي الأمريكي في السياسة الدولية تكسب روسيا الاتحادية وهي التي ورثت الاتحاد السوفييتي السابق في معارضتها لسياسات النظام الرأسمالي العالمي الامبريالي وذلك على الرغم من طبيعة نظامها السياسي الحالي غير الاشتراكي وكذلك ورثته في مقدرته العسكرية النووية وهي دولة عظمى بكل المقاييس بتعداد سكانها وبموقعها الجغرافي في شرق اوروبا وعلى تخوم آسيا وبثروتها النفطية وبمكانتها الكنسية الارثوذكسية .

. . تكسب حلفاء وأصدقاء جدد بسبب موقفها السياسي في مناصرة القضايا الوطنية العادلة لشعوب العالم الثالث وتصديها للتنظيمات التكفيرية الارهابية الظلامية المتطرفة وقد دلت زيارة بوتين مؤخراً إلى القاعدة العسكرية الروسية في سوريا دليلا على قدرة روسيا على التصدي للدور السياسي والعسكري الامريكي في الأزمة السورية حيث التفاهم الروسي التركي في وضع حلول لهذه الأزمة التي أوجدت شكلا من أشكال التفاهم في المصالح الأمنية بين الدولتين وقد تعزز صفقة منظومة الصواريخ الروسية المتطورة التي تم التعاقد بشأنها هذه المصالح المشتركة في وقت تشهد فيه العلاقات التركية الأمريكية منذ فترة حالة من الإنزعاج بسبب الدعم الأمريكي العسكري للمعارضة الكردية السورية المسلحة وقد ازدادت هذه العلاقة انزعاجا وارتباكا بل وتوترا بعد إعلان ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني خاصة أن القدس لمكانتها الدينية تحظى بأهمية بالغة عند حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم (قمة اسطنبول الإسلامي) ...لقد كان الفشل الدبلوماسي الأمريكي في السير بعملية السلام إلى الطريق المنشود فرصة ثمينة أتاحت للدور الروسي أن يكون فاعلا في الشرق الأوسط وهو ما يعتبر تحول نوعي في مجرى التسويات السياسية القادمة لعدد من القضايا السياسية ومنها القضية الفلسطينية التي من الصعب بعد إعلان ترامب أن يكون للولايات المتحدة أي دور سياسي في الوصول إلى تسوية بشأنها فالوساطة الأمريكية غير المحايدة والمنحازة كليا للجانب الإسرائيلي قد انتهت تماما بدون عودة وهو ما يدفع إلى وجود وساطات جديدة محايدة في حلبة التسوية لصالح مشروع حل الدولتين الذي يحظى بقبول المجتمع الدولي وبالتأكيد سيكون لروسيا الاتحادية ودول الاتحاد الأوروبي دورا هاما في الوصول إلى هذا الحل باعتبارها دولا محايدة غير منحازة ..