اتفاقية أوسلو نهج سياسي سبق توقيعها وما زال حاضرًاً

حجم الخط

لم تأتِ اتفاقية أوسلو في سكرة من الزمن (إعلان المبادئ الذي وقع في 13/9/1993 وينص على اعتراف منظمة التحرير بحق إسرائيل في الوجود والعيش بأمن وسلام على 78% من أرض فلسطين التاريخية، مقابل اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير والتفاوض على قضايا القدس واللاجئين والمستوطنات خلال 5 سنوات).

ولم يكن هذا الاتفاق وليد لحظته، فهو نتاج نهج سياسي ليس معزولاً عن ما سبقه من تحولات وتحالفات وقرارات منذ دورة المجلس الوطني الثانية عشر التي أقرت فيها منظمة التحرير الحل المرحلي في نقاطها العشر، والقبول بإقامة دولة على أي شبر من فلسطين، والذي على أثرها شكلت عدد من الفصائل جبهة الرفض استشعاراً منها بخطورة هذه الخطوة والتوجس بأن تكون مقدمة للاعتراف "بإسرائيل" واعتبار الحل المرحلي حلاً نهائياً، وما تلاها لاحقاً من عملية تهيئة المناخات داخلياً وخارجياً وعلى مدى عقدين من الزمن، وتحركات للقيادة المتنفذة في منظمة التحرير تراكم من حالة الهبوط السياسي، والتي كانت تتصاعد وتيرتها وتنخفض حسب الأحداث التي مرت بالقضية الفلسطينية.

فمن المساهمة في عودة مصر بكامب ديفيد إلى حضن الأمة العربية، إلى دورة المجلس الوطني السابعة عشر في عمان 1984، إلى فتح مفاوضات غير مباشرة مع الأمريكان 1988، والإعلان في فرنسا عام 1989 بأن ميثاق منظمة التحرير قد عفا عليه الزمن (كادوك)، إلى مؤتمر مدريد 1991.

كما أنها ليست معزولة عما تلاها من أحداث واتفاقيات وتنازلات، فقد غُرِزت أقدام هذه القيادة في وحل سياساتها المرتهنة للوسيط الأمريكي، ومن ثم جاءت قسمة المناطق المحتلة عام 67 إلى (أ، ب، ج) في اتفاقية طابا 9/1995، واتفاقية باريس الاقتصادية 8/1995، واتفاقية واي ريفر الأمنية عام 1998 التي على أثرها أصبح التنسيق الأمني مقدساً، وفشل مباحثات كامب ديفيد واندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، ومن ثم سيناريو الصراع الداخلي على السلطة بين ياسر عرفات ورجالاته الذي انتهى باستشهاد عرفات وتولي محمود عباس لرئاسة السلطة عام 2005 والطلاق لاحقاً بين محمود عباس ومحمد دحلان، والفوز الصادم لحماس في أغلبية مقاعد المجلس التشريعي عام 2006، إلى أن حدث الانقسام الداخلي 2007 وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة بالقوة، واستخدام الانقسام في تحويل الاختلافات والتناقضات الداخلية إلى تناقضات رئيسية تناحرية، وما زال يترك مشهدها السوداوي نفسه حتى اليوم؛ من تراجع وانكسارات على القضية الفلسطينية داخلياً وعربياً ودولياً، في ظل تشبث أصحابها بالالتزامات السياسية والأمنية والاقتصادية التي فرضتها هذه الاتفاقية على شعبنا وقضيته، وتستكمل طريقها بنفس النهج؛ ضاربة بعرض الحائط كل النداءات والمطالبات بوقفة ومراجعة المرحلة السابقة، والتوافق على استراتيجية وبرنامج وطني جديد ينهي هذا المسار ويعيد القضية لمسارها الوطني التحرري، ويلملم اللحمة الوطنية مرة أخرى.

تلك هي أوسلو التي نعرفها وحذرنا الحكيم من سُمَها المدسوس داخل قشرتها العسلية، ورفعنا راياتنا السوداء يوم توقيعها.