الأيديولوجيا وصراع المصالح

حجم الخط

المواجهة الأيديلوجية بين قوى الثورة والمقاومة سوء تقدير جوهري ينتاب عدد من العقائديين في أطراف وقوى الاسلام السياسي كما أحزاب وقوى اليسار الثوري وحتى تلك القوى الوطنية والتقليدية التي تحاول استخدام هذه الاختلافات لتحويلها لصراع يحمي مصالحها وسياساتها السلطوية؛ فالعلاقات الوطنية علاقات لا يمكن أن تكون محدداتها أو بتعريفاتها علاقات الإيمان في مقابل الإلحاد أو التفكير العلمي مقابل الميتا فيزيقي أو الوطني مقابل الإمارة أو الديمقراطية مقابل الربانية.

إن إثارة المواجهات الأيديلوجية في لحظة شديدة الحساسية والتعقيد خدمةً لمصالح السلطة وجماعتها ومراكز نفوذها وهي خدمة مجانية للاحتلال، وضمن مسار المواجهة الوجودية. وأنا هنا أقول الوجودية وهي محطة أكثر تعقيداً وحساسية من مرحلة التحرر الوطني خصوصاً أن شعبنا بات يخوض معركة البقاء في مواجهة هجمات الاقتلاع معركة توسعت بها مروحة التحديات والمخاطر التي يواجهها الإنسان والأرض والمقدسات الفلسطينية على مدار اللحظة وبمسار عابر لجغرافية فلسطين التاريخية.

وأقل ما يقال في هذه الخلافات سوء تقدير جوهري لطبيعة المعركة ومتطلباتها ومحاولة مكشوفة لتوطين الانقسام على أساس عقائدي هدفه تفتيت المفتت وتقسيم المقسم، فإثارة الفزاعة الايديلوجية والعقائدية في هذه اللحظة سيخلق المزيد من الصعوبات والمخاطر على بيئة العلاقات الوطنية الفلسطينية فعلى الرغم من اختلاف الأطراف في النظرة للحقوق والديمقراطية والحريات ومكانة العمال والفلاحين وحقوقهم الثورية وأدوات التفكير والتحليل وحتى الرؤى لطبيعة الصراع مع العدو الصهيوني وآليات إدارته إلا ان الرغبة بالتحرير والخلاص من الاحتلال ومواجهة الاستبداد والفساد واستعادة المؤسسات الوطنية الوحدوية التي يتشارك بها القادة والقواعد الممسكين والمتجذرين بالأرض ومن هجرهم الاحتلال قصرا إلى خارج فلسطين  المتمسك بالعودة حق فردي وجمعي لا يقبل العودة عنه ولا يقبل التسويات ولا المساومات ولا يرى بغير المقاومة طريقاً وواجباً جمعياً وفردياً تتعدد أشكاله وأدواته، بل ويرى بالانتخابات أداة من أدوات المقاومة والاشتباك مع العدو وقوى الاستبداد ومراكز الفساد  وهو ما يفرض علينا كفلسطينيين أن لا نسعى لتغير بعضنا البعض خصوصا وأن لا أحد منا يستطيع تحقيق ذلك المطلوب أن نكسر الحواجز وندير علاقاتنا بالقدرة والحاجة والنتائج، وأن يقبل كل منا بالآخر ولا يسعى لنفيه أو هندسته إجباريا عبر الارهاب أو الاحتواء الأيديولوجي

المطلوب شجاعة استراتيجية وإرادة سياسية لرسم مسار جديد من العلاقات يرى بالاختلاف ثقافة وطنية والتعددية ثروة تحررية بشرعية الصندوق ومقياساً وأساساً لشرعية التوافق تشق طريقها لإنجاز مؤسسة وطنية موحدة واستراتيجية مقاومة جامعة تحفظ للمواطن حقوقه وحرياته مسارا للحرية والتحرير  يغادر العقلية الصفرية في إدارة العلاقات الوطنية يكسر حواجز الايدلوجيا يتكيف مع الاختلافات الفكرية والتعددية العقائدية والسياسية موحدين على درب التحرير والعودة متنافسين في خدمة الوطن والمواطن وتقديم نماذج الفداء والتضحية وملاحم التحرير  والإدارة الرشيدة للشأن الفلسطيني الداخلي بما يعزز صمود المواطن وتمسكه بالأرض والهوية نماذج الشفافية والنزاهة.

بالمحصلة، يجب أن لا تتأسس العلاقات بين قوى المقاومة على الأيديولوجيا، بل على المصالح والأهداف الاستراتيجية والتكتيكية المشتركة، دون المساس بالأيديلوجية الفكرية لأي طرف، لهذا لا يمكن النظر إلى أي علاقة أو التقاء أو مصالح بين هذه القوى من زاوية أيديولوجية بل من زاوية مبدئية أخلاقية استراتيجية، تنسجم مع الأهداف المنشودة من هذه العلاقة.