عبد العال: هذا جيل الانقلاب الثوري الذي بشّر به غسان كنفاني

حجم الخط

قال عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين مروان عبد العال، إنّ "الاغتيال الصهيوني هو قرار عقلاني، لا يمارس كعقاب ولا فعل ارتجالي، إنما تهيئة مقصودة لظروف أفضل، وليس غريبًا أن يطلق عليها هذه المرة (جز العشب) فهو يريد أن يغتال المرحلة المقبلة".

وأشار عبد العال في مقابلةٍ مع "صحيفة الحدث"، إلى أنّ "الاغتيال بالمفهوم الصهيوني هو استباق، أكثر مما هو إنهاء لمرحلة سابقة، فالسجل الإجرامي للكيان الصهيوني مليء باغتيالات منظمة كما يروي ضابط الموساد "رونين بيرغمان" في كتابه "انهض واقتل أولاً، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية"، والذي شرح فيه كيف سعت القيادة العسكرية الإسرائيليّة لإيجاد التبريرات القانونيّة لما تُسمى "عمليات القتل المتعمّد" في الضفة الغربية وقطاع غزة خوفًا من الملاحقات القانونيّة ضد جنودها وضباطها".

ولفت عبد العال، إلى أنّ "الاغتيالات طالت المدنيين العُزل، وبذريعة محاولات الطعن، فكم طالب وطالبة وفتى وفتاة قضوا برصاص الاحتلال وفي وضح النهار وعلى الهواء مباشرة، نذكر عملية قتل فتى مجرد أنه كان يضع يده في جيبة، أو طالبة تبلغ من العمر 15 عامًا، وأطلق النار عليها وهي ترتدي الزي المدرسي وتنتظر الحافلة حين صرخ مستوطن أنها تحمل سكينًا فأطلقت قوات الاحتلال النار عليها، بالإضافة لعددٍ كبير من الصحفيين وآخرهم الشهيدة شيرين أبو عاقلة، فالاحتلال الإسرائيلي لم يستثن أحدًا، حامل القلم أو الريشة أو الكاميرا أو البندقية، طالما هي على خط الحقيقة والحق والنضال الفلسطيني الصحيح".

في تموز 1972، اغتال الاحتلال المفكّر والأديب الفلسطيني البارز غسّان كنفاني عبر تفجير سيارته في بيروت بعبوةٍ ناسفة، تلك الحادثة التي استحضرت مؤخرًا بطريقة اغتيال الكيلاني والقيم، ومن قبلهم الكثير من القادة الفلسطينيين والعرب، حيث يرى عبد العال أنّ "هذا التشابه بين لائحة غولدا ولائحة لابيد، بين زمانين مختلفين بالزمن ولكن متشابهين بالمحتوى، ففي زمن لائحة غولدا التي كان على رأسها غسان كنفاني المثقف العضوي الشامل، والشابّ الذي لم يبلغ من العمر 36 عامًا، والمستقبل أمامه وليس خلفه، ويُقاس عليه ولا يُقاس على أحد، ومتعدّد الأسلحة العابرة لحدود الجغرافيا، وقائد وكاتب وسياسي وروائي وباحث ورسام وإعلامي ومعلّم ومفكّر ومقاوم في المواقع الأمامية، يقرن الفكر بالممارسة، ويدرك الفارق بين "السطحية" و"الطليعية"،  واليوم زمن لائحة لابيد التي فيها تامر الكيلاني وإبراهيم النابلسي وعدي التميمي وأقمار نابلس الستة، وأبناء كتيبة جنين، ومخيم شعفاط التي برهنت أن "مخيم عن مخيم بفرق"، كما قالت إم سعد".

وتابع عبد العال: "هذا الجيل الذي بشّر به غسان كنفاني جيل الانقلاب الثوري، جيل تامر كيلاني الذي آمن بفكرة مزلزلة، تودي بكل ما صنعه الكيان وزبانيته وملحقاته خلال سنوات عمره الثلاثين، لأنه أدرك يقينه النهائي وآمن بعقيدة المقاومة التي زرعها غسان كنفاني والتي تقول (خُلقت أكتاف الرجال لحملِ البنادق، فإمَّا عُظماء فوق الأرضِ أو عظاماً في جوفها)".

كما أوضح عبد العال، أنّ "الموت لا يرهب إنسانًا يقاتل من أجل وطنه، فكيف إذا كانت له قضية يفنى من أجلها. سيتحول إلى إنسان أسطوري، كما هو الفلسطيني، الشعب الذي لا يقهر، فقضيته نفسها تخلق في نفسه القوة. وعندما يضحي بكل شيء وبأغلى ما يملك، حتى بروحه سيظل مرتاح الضمير حتمًا إذا كان مقتنعًا بأن الحق إلى جانبه، وأن فلسطين وطنه المحتل، ومن هنا يأتي تفسير سر البطولة، والشجاعة وقوة الفكرة التي تتوارث، والرصاص يغتال الجسد لكنه لا يقتل الفكرة أبدًا، ولا الحق أو الحقيقة، إنمّا وجود الاحتلال وفاشيته وعنصريته وإجرامه المستمر ضد كل أشكال الحياة، هو الزيت الذي سيبقي المقاومة مشتعلة أكثر، فمزيد من الاحتلال يعني مزيدًا من المقاومة. وبهذه الحالة ستكون المقاومة إحدى أشكال حفظ البقاء".

وتابع عبد العال: "بالنسبة للعدو لا يعنيه إن كانت المقاومة فردية أو جماعية مركزية أو ميدانية فصائلية أو غير ذلك، ما يرعبه هو تجديد العقد الوطني المقاوم، والتواصل بين كل هؤلاء، لأنهم يجسدون الاستمرارية التاريخية، وهذا تأكيد أن مقاومة فلسطين ليست جديدة وليست بعاقر، وشعب فلسطين لم ينفرط عقده كما يظن، رغم ما فعلت به الرهانات الخاسرة وسنوات التسويات العجاف، وتجزأت همومه كجزر منعزلة، وأبطال فلسطين الجدد قدموا درسًا للقريب قبل البعيد، وللمطبعين من ذوي القربى قبل غيرهم، أنه جيل صنع في فلسطين، لأنه ضنين بكرامته الوطنية وكفاحه ووحدته وعابر للفئوية والعصبية التنظيمية، يتمسك بالعقد الوطني كقوة لمقاومته بكل أشكالها وأساليبها بشجاعة نادرة وتضحية بلا حدود، لفرض قوة الإرادة على العدو، القوة التي ينبغي أن تستخدم دون تردد لحماية شعبنا، تكمل الطريق إن استشهد أو أسر أو تعب أو سقط من سبق، وهي دعوة جادة لصياغة العقد الوطني ووفق سياسة وطنية جديدة، تعتمد على استراتيجية شاملة لتحقيق الاستقلال الوطني الناجز لكل فلسطين وليس أي شيء سواه، كذلك  قوة  الإرادة التي تكتب بالدم، قوة الحاضنة الأمنية التي تستند إلى طاقات الفعل الوطني والشعبي".

وحول مستقبل هذه المجموعات المقاومة، أكَّد عبد العال، أنّ "مستقبل هذه الجماعات المسلحة المقاومة يكون بتأمين الحاضنة ليس الشعبية فقط وهي موجودة، ولكن الحماية السياسية، وتبدأ بالقطع الكامل للعلاقة مع الاحتلال بوصفه "العدو" وليس "الشريك"، وبأن العلاقة معه علاقة بين دولة محتلة وشعب واقع تحت الاحتلال، واستيعاب درس مجموعات المقاومة الذين ينفذون العمليات الفدائية الفردية، حيث أدركت هذه الفئة العمرية الشابة بأن السائد لا يحلّ القضية وأن الشرط الضروري لتغيير الواقع، هو المقاومة ورفع الجهد الانتفاضي وحمايته".

وشدّد على ضرورة "تشكيل جبهة المقاومة الفلسطينية لتأكيد حق الشعب الفلسطيني فبالمقاومة تستعيد الشرعية الكفاحية، وينخرط تحت لوائها الجميع"، مستذكرًا "النداء الذي أذيع عند احتلال بيروت عام 1982، كان بداية مرحلة "أيها المواطنون.. هيا إلى المقاومة" وكانت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية وانطلقت وانتصرت. كذلك في أوروبا في مواجهة الاحتلال النازي، هذا النداء الذي يؤسّس لبناء حركة وطنية فلسطينية جديدة تتجاوز سياسة تقديس الوضع الراهن العاجز".