المؤتمر الوطني الخامس - مؤتمر شهداء الانتفاضة - شباط 1993

8f77972771a1b9ad8fcbab19d24dee1a.jpg
حجم الخط

المؤتمر الوطني الخامس - مؤتمر شهداء الانتفاضة

وتمتد منذ عقد الجبهة لمؤتمرها الوطني الخامس (مؤتمر شهداء الانتفاضة) في شباط 1993 ثم عقد الكونفرنس الحزبي الأول في حزيران 1994 وصولاً إلى المؤتمر الوطني السادس في تموز 2000  ، ثم المرحلة التاريخية الممتدة منذ عام 2000 حتى ديسمبر عام 2013 حيث انعقد المؤتمر الوطني السابع .

ففي شباط 1993 ، بعد مرور 12 عاماً على انعقاد المؤتمر الرابع ، عقِدت الجبهة مؤتمرها الوطني الخامس، لعدة أيام ، وكان هذا المؤتمر وفق نصوص الوثيقة الصادرة عنه  بمثابة "وقفة مع الذات، مع طروحاتنا الفكرية والسياسية والتنظيمية والعسكرية، حيث جاء المؤتمر بعد طول تحضير ، وفي ضوء ظروف فلسطينية وعربية ودولية بالغة الدقة والحساسية" .

وفي الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الخامس ، ألقى الرفيق القائد جورج حبش مداخلة مطولة تضمنت العديد من القضايا البالغة الأهمية جاء فيها، "ينعقد مؤتمرنا في ظل واقع دولي أصبحت فيه الولايات المتحدة الأمريكية الاستعمارية سيد العالم ،وترافق مع ذلك انهيار النظام العربي الرسمي، واستسلامه شبه الكامل للغزوة الصهيونية وما ولدته من واقع عربي جديد كان من أخطر نتائجه على الصعيد الوطني، انحراف القيادة المتنفذة لمنظمة التحرير الفلسطينية وقفزها عن البرنامج الوطني وتعاطيها مع المشروع الأمريكي- الصهيوني، مما يمهد لتصفية  كاملة للقضية الفلسطينية، خاصة وأننا اليوم نشاهد حالة استسلام رسمية شبه كاملة, اذ بات واضحاً مدى الاستعداد للاعتراف بهذا الكيان ليس على الصعيد العربي الرسمي فقط بل وعلى الصعيد الرسمي الفلسطيني كذلك." .

وأضاف الحكيم " إن كل ذلك يضعنا أمام ظروف ووقائع جديدة تستلزم المناقشة العلمية والجادة والهادفة الجريئة والديمقراطية لإستراتيجيتنا وتكتيكنا، ولأيديولوجيتنا وخطنا السياسي ولأساليب عملنا ومفاهيمنا التنظيمية والعسكرية والمالية والجماهيرية، بهدف تثبيت وترسيخ ما برهنت الحياة والتجربة صحته وسلامته"  ... لكن السؤال هو: على ضوء كل المتغيرات النوعية العميقة التي حصلت في العالم، وتأثيراتها على قضيتنا الوطنية، وعلى ضوء معرفتنا بمواطن قوتنا وضعفنا كجبهة، وبالاستناد لقراءة علمية للواقع الملموس والمستقبلي على الصعيد المحلي والعربي والإقليمي والدولي, هل لا زال مشروعنا الوطني الاستراتيجي التاريخي مشروعاً عملياً يمتلك مقومات الاستمرار والاستقطاب والجذب الجماهيري؟ بالنسبة لي, فإن جوابي الحاسم المستند لقناعة علمية عميقة، هو أن تحرير فلسطين ليس عملية ممكنة تاريخياً فحسب, بل عملية حتمية رغم كل الظروف والتطورات المؤلمة التي نعيشها" .

وفي هذا الجانب ، "علينا الاستفادة من تجربة عدونا، فالحركة الصهيونية وضعت نصب أعينها أهدافاً كانت تبدو إلى زمن ليس ببعيد مستحيلة التحقيق، لكنها تعاملت مع الواقع وتمكنت من فرض العديد من أطماعها وعلى مراحل... إن الحركة الصهيونية التي تمكنت من تحقيق أهداف كبيرة كانت ولا زالت تسير عكس تيار التاريخ, كان بالأحرى أن نتمكن نحن أصحاب الحق والقضية العادلة من تحقيق كامل أهدافنا شرط التمسك بتحقيق هذه الأهداف والتشبث بها والسعي إلى تحقيقها مهما طال الزمن" .

أما على الصعيد الأيديولوجي وتحديداً بالنسبة للوثيقة النظرية ، فقد قال الحكيم " لم تهتز قناعاتي قيد أنملة بصحة المنهج- المادي الجدلي التاريخي كدليل لفهم وتحليل الواقع. وتعمقت قناعاتي بطريقة فهمنا للماركسية بأنها مرشد للعمل وليست عقيدة جامدة.

"إن التحدي الكبير الذي يواجهنا اليوم على الصعيد النظري, هو إعادة إنتاج النظرية النابع من واقعنا وبيئتنا وتربتنا الوطنية، وهذا يعني دراسة تاريخنا دراسة علمية وتحليل الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الفلسطيني والعربي، بالاستناد للمنهج المادي الجدلي والواقع الملموس وقراءة التناقضات الأساسية والرئيسية والثانوية ونستشعر الواقع والتكوين الطبقي وأهمية النضال الاقتصادي وقراءة العملية التي يظهر من خلالها الاضطهاد القومي والطبقي، الذي ترزح تحت وطاته الجماهير الفلسطينية والعربية وبدون ذلك لا يمكن تأمين التفاف الجماهير حول برنامج اليسار الفلسطيني والعربي" .

وعلى صعيد البرنامج السياسي أكد الحكيم على " أن رؤيتنا السياسية الإستراتيجية والتكتيكية، تتوقف على فهمنا لحقيقة إسرائيل وحقيقة الصهيونية، فالحقائق تفرض نفسها فوق كل شيء في نهاية المطاف, إن مشاهدتنا الواقعية المباشرة والملموسة منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى اليوم, تظهر بشكل واضح أننا أمام غزوة استعمارية تهدد كياننا الوطني والقومي".

من هنا "يتحدد جوهر برنامجنا السياسي ورؤيتنا وتصليب وتعميق هذه الرؤية، لأن الفهم الحقيقي لتاريخ الجبهة ومواقفنا ينطلق من هذه الرؤية بغض النظر عن أية أخطاء تكتيكية وقعنا بها... إن الابتعاد عن هذه الرؤية السياسية العلمية يضع الجبهة في موقع يختلف كليا عما كانت عليه في ذهن مؤسسيها وآلاف الشهداء الذين ضحوا في سبيل برنامجها ومشروعها الوطني التاريخي" .

وفي هذا الجانب أضاف بقوله " إن تأكيدي على هذا الخط السياسي الاستراتجي, لا يعني أن لا نتعامل مع التكتيك السياسي وبالمواقف التكتيكية. والتي يتم تحديدها على ضوء جملة من العوامل: أهمها ميزان القوى على الصعيد الدولي والعربي والفلسطيني، والمزاج الجماهيري والعامل الذاتي والتحالفات والظروف الموضوعية المحيطة وغيرها ، حيث أن التكتيك لا يعني الانخراط بالعملية السياسية الجارية والقائمة على أساس مشروع الحكم الإداري الذاتي ولا يعني دخول أية مساومات سياسية بغض النظر عن طبيعة وشكل ومحتوى هذه المساومات ، إن الشرعية الدولية لا تعطينا كامل حقوقنا التاريخية والمشروعة في كامل الأرض الفلسطينية ولكن الشرعية الدولية, تعطينا حق تقرير المصير وإقامة الدولة وحق العودة والقدس وإزالة المستوطنات" . واستطرد  قائلاً " إن الجبهة الشعبية على ضوء قراءتنا لمسيرة الثورة الفلسطينية بقيادة البرجوازية المتنفذة في م.ت.ف وتتبعها للأخطاء الجسيمة التي تعرضت لها الثورة خلال هذه المسيرة, والتي تشكل عاملاً أساسياً في تحليلنا وتشخيصنا للمأزق الذي تعيشه الساحة الفلسطينية اليوم, قد اتخذت الموقف السياسي الذي يعبر عن أعلى وتيرة من التعارض مع القيادة المتنفذة ل م.ت.ف في إطار الوحدة الوطنية, وهذه أصبحت أحد سمات الجبهة الشعبية وما تمثله في الساحة الفلسطينية" .

ثم أضاف القائد الراحل جورج حبش قائلاً " إن قضيتنا الوطنية, تتعرض في الظروف الراهنة لمخاطر جدية وحقيقية من خلال العملية السياسية الاستسلامية الجارية، فالإدارة الأمريكية تقدم حلا تصفويا للقضية الفلسطينية, يقفز بصورة واضحة عن حق تقرير المصير والدولة والعودة ويتحدث بصورة مبهمة عن حقوق سياسية للفلسطينيين غير واضحة المعالم والأبعاد, ويأتي هذا الحل التصفوي في مسلسل متغيرات وموازين قوى مائلة بصورة ساحقة لصالح الإمبريالية والكيان الصهيوني"  ، وبناءاً على تحليله هذا طرح الحكيم تساؤلاً هاماً بقوله " على ضوء كل هذا : ما هو موقفنا وكيف يمكن مجابهة هذا المخطط؟ كيف نواجه هذه اللحظة السياسية الخطيرة التي تهدد بتصفية القضية الفلسطينية, وتدمير الإنجازات والمكتسبات الوطنية الكبرى التي حققتها الثورة الفلسطينية المعاصرة؟.

كيف يمكن أن نفرض على القيادة المتنفذة في م.ت.ف الخروج من هذا المجرى الخطير والعودة للالتزام ببرنامج الإجماع الوطني؟. وكيف يمكن أن نعمل لحشد إطار وطني فلسطيني مناقض لمشروع الحكم الإداري الذاتي الذي يراد فرضه على شعبنا كسقف للحل السياسي الإمبريالي الصهيوني المطروح للقضية الفلسطينية؟" . أجاب عليه كما يلي  " إن مواجهتنا للمخطط المطروح وتصعيد مقاومته يلقى على عاتقنا مسؤولية أساسية لتحشيد كافة القوى السياسية الفلسطينية المناهضة لهذا المشروع بهدف الحفاظ على م.ت.ف وحماية برنامجها الوطني، وحتى نستطيع ذلك، لا بد من إخراج قيادة المنظمة من المجرى السياسي الأميركي. ولكي نفرض على قيادة المنظمة الخروج, لا خيار أمامنا إلا تجميع وحشد كافة الفصائل المناهضة لهذا المجرى... إذ أن هذا المخطط ليس قدراً محتوماً لا مناص منه بل إفشاله وإحباطه إذا عرفنا كيف نستثمر ونستنهض طاقاتنا وطاقات شعبنا من خلال استمرار التصادم مع العدو وتعبئة الجماهير ضد الخط السياسي المهادن" .

وفي هذا السياق، أضاف القائد الراحل الحكيم قائلاً " إن مواجهتنا وتصدينا للواقع السياسي المعقد بات يتطلب العمل الجاد لإحياء واستنهاض حركة الجماهير العربية من خلال إعادة الاعتبار نظرياً وعملياً لشعارات الوحدة العربية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي والعمل على إقامة أوسع جبهة عربية، من خلال التيار الوطني والقومي والماركسي. ومن خلال ذلك، أي من خلال حركة الجماهير العربية، يمكن أن نُؤَمِّن الحماية للخط الرافض والمناهض للمخطط الإمبريالي الصهيوني الرجعي" .

أما على الصعيد التنظيمي ، فقد أشار الحكيم في مداخلته أمام المؤتمر الخامس إلى " أهمية وخصوصية البعد التنظيمي في عملنا وكفاحنا كحزب، فبدون توفر الأداة التنظيمية الصلبة والنواة الكفاحية والتي تتوفر فيها اشتراطات عالية المستوى، يصبح الحديث عن المواجهة والتصدي ضرباً من الكلام غير المستند لأسس واقعية صلبة . وحتى نخرج من دائرة تفسير الواقع الذي نعيشه إلى دائرة تغيير هذا الواقع بصورة فعالة، نصبح أمام واجبات وشروط أساسية وكبرى، أولها ما يتعلق بنا كحزب، وهل نحن مستعدون فعلياً للانقضاض على الذات ومعالجة السلبيات بكل عزم ولكن بعلمية، ومن خلال ممارسة عملية البناء بوتائر متصاعدة ولكن ثابتة وصلبة لكي نصبح واثقين بان مشروعنا الثوري يخطو بثبات على الطريق الذي حلم به مؤسسو الجبهة والذي شكل عنواناً لاستقطاب عشرات الآلاف من الأعضاء والجماهير وشكل عنوانا استشهد تحت راياته قوافل الشهداء"  ، وفي هذا الجانب أضاف " إننا أمام فرصة راهنة حيث تحتدم التناقضات مع البرجوازية المتهافتة والمتلاعبة في البرنامج الوطني، كما يتنامى فعل وتأثير الاتجاه الأصولي الديني، لهذا نصبح أمام استحقاقات البديل الثوري فإما نحن وإما غيرنا، فلا مكان للفراغ في الطبيعة كما في الظواهر الاجتماعية"، و إذا ما أقررنا بكل ما تقدم، تتضح أمامنا معالم الطريق لتصفية مرحلة سابقة، بالمعنى الايجابي للتصفية، وتحقيق قفزة نوعية للأمام تعيد التوازن بين طروحاتنا وبرنامجنا وبين واقعنا ومستوى وضوح ممارستنا" .

كما شدد الحكيم في مداخلته الافتتاحية للمؤتمر الوطني الخامس على أهمية العمل السري كخط أساسي صارم من خطوط عملنا في المرحلة القادمة، قائلاً " لا شك أننا يجب أن نعمل بكل طاقاتنا للاستمرار في المحافظة على المكتسبات والانجازات التي حققتها الظاهرة العلنية للثورة الفلسطينية لكن المحافظة على هذه الانجازات والمكتسبات لا يجوز أن يتعارض مع بناء منظماتنا الحزبية السرية، حيث أصبح هذا الوضع من الموضوعات الأساسية التي يجب أن نعمل على تجسيدها في المرحلة القادمة . لقد كنا نؤكد باستمرار في برامجنا ومهامنا على أهمية وضرورة بناء المنظمات السرية، ولكننا على صعيد الترجمة العملية لم نستطع تجسيد ذلك، أعتقد أن هذا خطأ استراتيجي وقعنا به ، يتطلب المعالجة والمحاسبة الصارمة في المرحلة القادمة . إن حزباً لا يستطيع الدفاع عن نفسه لا يستحق أن يعيش -على حد قول لينين- وأرى أنه آن الأوان لبناء ذاتنا وحزبنا بطريقة جديدة نستطيع من خلالها مواجهة كافة الظروف والاحتمالات المتوقعة" .

أما عن تناقضات الجبهة وكيف رآها القائد الراحل في تلك المرحلة، فقد أشار بوضوح إلى " أن تطور الجبهة الملموس بكوادرها وقياداتها وأعضائها وتعقد الظروف الموضوعية المحيطة بنضالنا، تجعل من الطبيعي أن نكون أمام وجهات نظر متنوعة ومختلفة للتعاطي مع المهام الصعبة للغاية التي تواجهنا في مسيرتنا النضالية" ، وأضاف " أن التنوع والاختلاف الجدل والتناقض في صفوفنا هو مظهر قوة وليس ضعف.. ولكن كيف تعاطينا كجبهة , كمؤسسة وكأفراد ، مع التطورات والأحداث الكبرى التي حصلت في العالم؟ من واجبي أن أشير وبكل مسؤولية وطنية لجميع الرفاق، أن البعض لم يتمكن من التوغل والتفكير  بعمق فيما يجري وهذا خطاْ كبير، لأن معناه الجمود وعدم القدرة على مواكبة الأحداث والبعض الآخر يتصرف وكأنه لم يعد لدينا أية ثوابت، وليس هذا فقط، بل بدأ يعبر عن ذلك بطريقة ليبرالية، وهذا أيضا يقود إلى الفوضى "  ، وأضاف موضحاً " إنني أدرك جيدا أن هناك تناقضات سياسية تكتيكية في صفوفنا كجبهة سواء على صعيد الهيئات القيادية أو على صعيد الكادر، وهذه التناقضات السياسية التكتيكية تشمل موضوعات عديدة، أهمها وتيرة الموقف السياسي الذي نتعاطى به مع قيادة م.ت.ف وبالتكتيك الأسلم في التعامل مع مؤسسات المنظمة ومدى فعلنا وتأثيرنا في الحركة السياسية ، وموضوع التحالفات مع الفصائل المتواجدة خارج إطار م.ت.ف ...إلخ  من موضوعات سياسية تكتيكية مختلفة. من ناحيتي وبكل مسئولية أقول إنني لا أخشى مثل هذه التعارضات السياسية التكتيكية، لكن ما يهمني التأكيد عليه بهذا الصدد نقطتين أساسيتين :  الأولى : أهمية وضرورة ربط التكتيك بالإستراتيجية، لكن علينا أن نتفق أن أي تكتيك قد نمارسه يجب أن لا ينتهك الإستراتيجية ويضرب خط الجبهة ومنطلقاتها الأساسية . الثانية : هيبة الحزب ولغته الموحدة أمام الجماهير، أي بعد أن يأخذ حوارنا الداخلي الديمقراطي مداه يجب أن نلتزم جميعاً بترجمة التكتيك المقر من الحزب وهيئاته المركزية " .

ثم تحدث القائد الراحل عن التجديد وضرورته في حياة الحزب، راسماً بذلك ملامح المستقبل بقوله " إن فهمي للتجديد لا يقوم على أساس أنه موضة لابد أن نمارسها ولا يقوم على أساس شكلي أو ردة فعل على أحداث جرت في هذا العالم. إن التجديد ضرورة موضوعية وعملية دائمة ومتواصلة يفرضها منطق الحياة والتطور. والتجديد ليس كلمة تقال، بل هي مضامين وتغيير جذري لأسلوب وعادات وطرائق عمل أصبحت بالية تحتاج للتغيير, لأننا لا نستطيع مواجهة المرحلة الجديدة بنفس الأساليب والأدوات والطرق القديمة. إن التجديد منهج حياة وممارسة شاملة تطال كافة جوانب العمل بهدف التطوير والتقدم الدائم للأمام, والتجديد في الهيئات القيادية التي يجب أن يتم ضخها باستمرار بالدماء والأفكار الجديدة ... إننا أمام واقع جديد ووضع جديد وبداية معالم مرحلة جديدة، تتطلب استراتيجية جديدة على ضوء المتغيرات الكبرى في العالم من ناحية, وعلى ضوء تجربة الثورة الفلسطينية وما أفرزته المرحلة السابقة من دروس, وهنا أرى أهمية تسجيل بعض النقاط والاستخلاصات  الأساسية التالية :

  1. التطورات السياسية النوعية التي حدثت على الصعيد العالمي والعربي الفلسطيني والإسرائيلي, والتي أدت إلى وضع يهدد فعلا بتصفية القضية الفلسطينية, تفرض علينا أن نقف أمام هذا الوضع الجديد ورسم الاستراتيجية والتكتيك السليمين على الصعد السياسية والتنظيمية والعسكرية والمالية والأيديولوجية وهذه المهمة مطروحة أمام مؤتمركم.
  2. إننا على ضوء انخراط القيادة المتنفذة في م.ت.ف في مجرى التسوية الأميركية الصهيونية, وعلى ضوء انهيار النظام العربي الرسمي وسيره في طريق تطبيع علاقات مع العدو الصهيوني، نصبح أمام مرحلة جديدة، تطرح أمامنا بقوة وجدية مسألة البديل الديمقراطي الذي يُسْقِطْ مشروع التصفية ويسير بالثورة و م.ت.ف نحو تحقيق وإنجاز البرنامج الوطني.
  3. ضرورة الربط بين النضال الوطني والقومي واعتبار ذلك قضية أساسية وخط سياسي أساسي للمرحلة القادمة. لأن التركيز على الشعب الفلسطيني لا يجوز أن يعني إغفال البعد القومي, وبذات الوقت فإن التأكيد على أهمية العامل القومي لا يعني التقليل من أساسية العامل الوطني.

إن تسجيلنا لهذا الخط وتبنينا له، لا يعني أن الجبهة ستنوب عن الجماهير العربية في تحقيق أهدافها الوطنية والقومية.

إن فهمنا الجديد لهذا الخط يقوم على أساس ضرورة التنسيق والتفاعل المستمر مع كافة القوى السياسية والتقدمية والقومية العربية المؤمنة بتحرير فلسطين والوحدة العربية.

  1. أن الاستناد إلى أسلوب الكفاح المسلح لا يجب أن يعني إهمال أساليب النضال الأخرى ، لأن التركيز على أسلوب الكفاح المسلح كان على حساب الأخرى وتحديداً النضال الاقتصادي.
  2. أن القرارات الشرعية الدولية تشكل أكبر سند وأفضل تكتيك يمكن أن نستند له في مواجهة مرحلة الانهيار الصعبة.
  3. يجب أن نخوض معركتنا ضد المشروع الأمريكي الصهيوني والنهج الاستسلامي على أساس إمكانية النجاح في إحباطه وليس على أساس أن التصفية قادمة لا محالة وقدر لا يرد.
  4. التأكيد على الأهمية الخاصة للبعد التنظيمي لعملنا في المرحلة القادمة, لأنه بدون تصليب البنية التنظيمية والتخلص من أمراض الظاهرة العلنية والبيروقراطية والجمع الخلاق بين العمل السري والعلني وتعميق الديمقراطية والتجديد لن نستطيع إنجاز برامجنا ومهامنا.
  5. التأكيد على أهمية الجبهة الثقافية، فقد نخسر الجبهة العسكرية والجبهة السياسية, ولكن لا يجوز أن نخسر الجبهة الثقافية.

وفي ختام مداخلته الافتتاحية في مؤتمرنا الوطني الخامس ، قال القائد الراحل مخاطباً رفاقه " إن القيمة الحقيقية لهذا المؤتمر أن يحدث ثورة في أوضاعنا, أن يردم الهوة ما بين خطابنا السياسي وواقعنا وممارستنا, وهذا غير ممكن إلا إذا استطعنا النهوض بواقعنا نهوضاً شاملاً وهذا هو التحدي الذي يواجهنا, فهل سنكون بمستوى هذا التحدي؟ نتائج مؤتمركم ستعطى الجواب" .

وفي ضوء مداولات ومناقشات المؤتمر ، أصدرت الجبهة التقرير العام للمؤتمر في آب 1993 الذي تضمن أربعة عناوين رئيسية : 1- التقرير السياسي.   2- الوثيقة النظرية.  3- التقرير التنظيمي.  4- ملخص التقرير العسكري.

التقرير السياسي :

تناول هذا التقرير بالتفصيل مقدمات الانتفاضة الشعبية الأولى (1987) وتقييم الجبهة ورؤيتها للانتفاضة من حيث محاولات التصفية وعوامل التصعيد والاستمرار، ارتباطاً بأوضاع م.ت.ف   ، كما تناول التقرير علاقة الجبهة باليمين الفلسطيني والقوى الديمقراطية الفلسطينية والعلاقة مع القوى الإسلامية ، والموقف من التسوية التصفوية. وفي القسم العربي تحدث التقرير عن " اضمحلال الفوارق بين الأنظمة الوطنية والرجعية ، وانتعاش الحركة الإسلامية الأصولية ، وانكشاف أزمة التحرر الوطني العربية " ودعا إلى "تأسيس حركة وطنية ديمقراطية عربية جديدة" ، كما حدد مهام الجبهة ونضالها في الساحات ، الفلسطينية والعربية والدولية .

وفي هذا السياق أشار التقرير السياسي الذي قدم تحليلاً ضافياً للانتفاضة الأولى أواخر عام 1987 مشيراً إلى "ما تعرض له الشعب العربي الفلسطيني خلال سنوات الاحتلال الصهيوني لاقصى أنواع القمع والقهر والظلم والتشويه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، وكان طبيعياً في مواجهة ذلك أن يبلغ الغليان الشعبي درجاته القصوى بانفجار الانتفاضة الشاملة التي شقت طريقاً جديداً للخلاص الوطني وصولاً لأهداف شعبنا في العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة" .

وأضاف التقرير أنه "لم يكن ممكننا لهذه الانتفاضة ان تنفجر بتلك الشمولية والاستمرارية دون توفر جملة عوامل موضوعية وذاتية مهدت لها وفجرتها في مواجهة الاحتلال وكانت وراء استمرارها" .

 وفي هذا الجانب تناول التقرير بالشرح المفصل طبيعة العامل الموضوعي المرتبط بنضج الظروف الموضوعية المحيطة بحياة الجماهير الفلسطينية وتفاعلها مع العامل الذاتي الذي كان - حسب التقرير – العامل الحاسم في استمرار العملية الثورية، فالوقائع الملموسة آنذاك تشير إلى " أن الفصائل الوطنية والديمقراطية الفلسطينية كانت قد قطعت شوطاً كبيراً في تنظيم صفوفها والارتقاء بمستوى وعيها وادائها وتعبئة الجماهير الفلسطينية وتأطيرها في المنظمات النقابية والجماهيرية وقيادتها وممارسة النضال معها بأشكاله المختلفة" .

ثم تناول التقرير السياسي السبب المباشر لاندلاع الانتفاضة الناجم عن "إقدام شاحنة إسرائيلية على صدم متعمد لسيارة تحمل عمال فلسطينيين عائدين من عملهم إلى مخيم جباليا مما أدى إلى استشهاد أربعة عمال على الفور ، وقد كان لهذا العمل الوحشي أثره الكبير في نفوس الجماهير الفلسطينية ، وشكل عود الثقاب الذي أشعل الانتفاضة مساء يوم 8/12/1987 أثناء تشييع الشهداء الأربعة في تظاهرات عارمة وغاضبة معلنة بدء عهد جديد مع الاحتلال " .

وإذا كان هذا العمل الغادر هو السبب المباشر لبدء الانتفاضة ، فإن هناك –كما يضيف التقرير - جملة من التطورات السياسية وغير السياسية لعبت دوراً في إطلاق شرارة الانتفاضة، حددها التقرير بالنقاط  التالية:

أولاً :  انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني التوحيدي في العاصمة الجزائرية وما تمخض عنه من نتائج إيجابية في المجالين السياسي والتنظيمي. فقد أسفر عن إعادة الوحدة الوطنية لصفوف "م.ت.ف" وأسقط اتفاق عمان المشؤوم, مما انعكس على وتيرة التنسيق بين القوى والفصائل الوطنية الفلسطينية وأطرها النقابية والجماهيرية من ناحية ورفع معنويات وعزم الجماهير من ناحية أخرى.

ثانياً : النتائج التي أسفرت عنها قمة " الوفاق والاتفاق" في عمان بما انطوت عليه من انكشاف لمدى عمق الأزمة التي يعاني منها النظام العربي السائر نحو الانهيار والإفلاس التام. حيث تولدت مخاوف حقيقة لدى الجماهير الفلسطينية من نتائج القمة لخلو بيانها السياسي الختامي من أي إشارة صريحة إلى حق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة.

ثالثاً : تزايد الشعور لدى جماهيرنا في الوطن المحتل بعجز الثورة عن ترجمة برامجها الداعية إلى اعتبار الداخل الركيزة الأساسية للثورة, إضافة إلى شعورها بمدى خطورة الإشكالات التي تواجهها الثورة, كما أن البروفات التي خاضتها الجماهير في مواجهة الاحتلال راكمت لديها الخبرات والتجارب, وعمقت لديها الثقة بقدراتها على المواجهة الشاملة.

رابعاً : احتفالات حزبنا بالذكرى العشرين للإنطلاقة حيث كانت منظماتنا الحزبية قد بذلت جهوداً استثنائية في التحضير لهذه المناسبة عبر سلسلة من الفعاليات الجماهيرية والنضالية ساهمت في تهيئة الأجواء الجماهيرية في التحرك اللاحق.

خامساً : كما شكلت العمليات البطولية العسكرية التي خاضها المقاومون الوطنيون اللبنانيون والفلسطينيون عاملاً  مهماً في رفع همم وعزائم الشباب الفلسطيني في الداخل لما مثلته تلك العمليات من صور التضحية والفداء. وعلى سبيل المثال فقد أدت عملية الطائرة الشراعية البطولية التي نفذها الشهيد خالد أكر أحد مقاتلي الجبهة الشعبية "القيادة العامة", إلى تأجيج الحماس في نفوس الشباب الفلسطيني وتمثلهم لصور البطولة والفداء.

سادساً : الصمود الأسطوري الفلسطيني بوجه الحصارات وأعمال القتل والتدمير لمخيمات شعبنا الفلسطيني في لبنان.

 لجملة هذه الأسباب والعوامل الموضوعية والذاتية والمباشرة –حسب التقرير السياسي- "انفجر بركان الغضب الفلسطيني في الأرض المحتلة صبيحة التاسع من كانون أول 1987 في أعنف وأشد المواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي, مدشناً بذلك مرحلة نضالية نوعية جديدة في مسار النضال الوطني الفلسطيني ناقلاً وبخطوات كبيرة إلى الأمام شعار الدولة الفلسطينية المستقلة من إمكانية تاريخية إلى إمكانية واقعية. ولقد كان لحزبنا في الوطن المحتل دوراً ريادياً في صنع هذه الملحمة, وصياغة صيرورتها سياسياً وكفاحياً وتنظيمياً, وعلى نحو يدعو للفخر و الاعتزاز" .

أما عن نظرة الجبهة الشعبية للانتفاضة, فقد أوضح التقرير أنه " لم يكد يمضي وقت طويل على اندلاع الانتفاضة وتواصلها بزخم وعنفوان ثوريين, حتى بدأت تتبلور على أرض الواقع وفي الواقع وفي الممارسة السياسية العملية على الساحة الفلسطينية نظرتان  مختلفتان ازاءها:

الأولى : يمثلها اليمين الفلسطيني وبعض القوى الديمقراطية, وترى في الانتفاضة الفرصة المواتية التي يتوجب استثمارها سياسياً وبأسرع وقت ممكن قبل انطفاء جذوتها, وينطلق أصحاب هذه النظرة في تداعياتها المختلفة من عدم الرهان على استمرار الانتفاضة وتواصلها وعدم الثقة بقدرات الجماهير وطاقاتها الكافية عالية المستوى.

الثانية : هي نظرة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي ترى في الانتفاضة مرحلة نوعية جديدة من مراحل النضال الفلسطيني جعلت من هدف الدولة امكانية واقعية , وهي من العمق والأهمية بحيث يستوجب الأمر توفير عوامل استمرارها وتجذيرها وتصعيدها لبلوغ مراحل نضالية أعلى, توفر ممكنات إحداث تعديل في ميزان القوى يسمح برحيل الاحتلال وتسليمه بحقوق شعبنا الوطنية المشروعة وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة على ترابه الوطني.

كما أشار التقرير السياسي للمؤتمر الخامس إلى الأسباب التي جعلت الجبهة تعتقد أن الانتفاضة تشكل مرحلة نوعية جديدة في النضال الوطني الفلسطيني وقد حددها التقرير السياسي في ثلاثة أسباب هي  :

  1. انتقال مركز ثقل الثورة الفلسطينية إلى الداخل ولأول مرة في التاريخ الصراع مع العدو الصهيوني.
  2. السمة الثانية هي تعزيز الصراع الفلسطيني - الصهيوني بصفته المحورية والأساسية في إطار الصراع العربي الصهيوني وبصورة لم يسبق لها مثيل منذ نكبة العام 1948.
  3. أما السبب الثالث والأخير فيتمثل في : اتخاذ الصراع ضد العدو الصهيوني طابعاً شعبياً مميزاً ومنظماً وشمولياً لأول مرة منذ أربعة عقود. حيث تميزت الانتفاضة بالمشاركة الشاملة لجميع الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية في النضال المستمر, وشملت جميع الأماكن والمناطق من مدن وقرى ومخيمات.

وفي الفصل الثاني تناول التقرير موضوعة الدولة الفلسطينية من الإمكانية التاريخية إلى الإمكانية الواقعية, حيث أشار إلى أن الانتفاضة نقلت شعار الدولة المستقلة من حيز الإمكانية التاريخية إلى حيز الإمكانية الواقعية خطوات للأمام .

وفي هذا السياق أشار التقرير -في الفصل الثالث- إلى أن الانتفاضة تؤكد من جديد حقيقة وطبيعة العدو الصهيوني من جهة, ومن جهة أخرى تمهد لنمو ظاهرة القوة الديمقراطية اليهودية .

كما أكد التقرير -في الفصل الرابع- على أن الانتفاضة تُبرز الأهمية الخاصة لإجادة التكتيك السياسي, مشيراً إلى أن "الفكر السياسي الفلسطيني عرف خلال العقدين الماضيين الكثير من الخلافات والتباينات حول مفهوم التكتيك السياسي: دوره ووظيفته وارتباطه بالهدفين المرحلي والاستراتيجي. ونتيجة لذلك تعرضت "م.ت.ف" لخطر الانقسام غير مرة، بسبب الخلافات على التكتيك السياسي. وهذه الإشكالية لازالت قائمة وتلقى بظلالها بين وقت وآخر على الوحدة الوطنية, من حيث فتحت الانتفاضة الباب واسعاً لنشاط سياسي ودبلوماسي متعدد الأوجه و الأشكال, الأمر الذي أظهر المزيد من التباينات والاجتهادات السياسية في صفوف "م.ت.ف" وفصائلها الأساسية" .

وفي إطار التمسك بالثوابت والأهداف الوطنية –يضف التقرير- "فإن الجبهة الشعبية تدرك أهمية تكثيف الحضور السياسي الفلسطيني, وتنشيط التحرك السياسي و الديبلوماسي لاستثمار الكفاح الضاري الذي تخوضه الانتفاضة سياسياً. كما أنها تتفق على ضرورة إبداء كل أشكال المرونة السياسية الهادفة إلى محاصرة العدو الصهيوني وعزله وتحقيق أوسع تأييد ممكن للانتفاضة على المستوى الدولي ، كما أن ديناميكية الواقع والحدث تفرض استخدام المرونة السياسية كسلاح تكتيكي يتيح لنا ممارسة الحركة السياسية بدون تقديم التنازلات الضارة. الأمر الذي يتطلب دوماً تحديد الفواصل بين المرونة السياسية الهادفة وبين التنازلات المضرة " .

من هنا كما يستنتج التقرير" ينشأ الاختلاف والتعارض بين النظرة التي تتبناها الجبهة حيال التكتيك السياسي وبين ممارسة اليمين الفلسطيني للتكتيك الهابط في خضم مسيرة الانتفاضة, فتحت مظلة " الاعتدال" و"المرونة" و "الواقعية السياسية" أقدم اليمين الفلسطيني على سلسلة من التنازلات المجانية متجاوزاً قرارات المجالس الوطني الفلسطيني" .

وفي الفصل الثالث بعنوان " الانتفاضة بين محاولات التصفية وعوامل التصعيد والاستمرار" يستعرض التقرير أهم المخاطر التي تهدد مسيرة الانتفاضة وأهدافها, "كما يلي:

أولاً : خطر القمع العسكري من قبل العدو الصهيوني .

ثانياً : "خطر الإجهاض السياسي: على أثر إخفاق محاولات الاحتلال الصهيوني تصفية الانتفاضة, ووقف تأثيراتها إسرائيلياً وعربياً ودولياً فقد أدركت الإدارة الأمريكية خطورة انعكاسات وتأثيرات الانتفاضة على الكيان الصهيوني من جهة, وعلى المنطقة العربية الحبلى بالمتغيرات من جهة ثانية, وعلى المصالح الامبريالية في المنطقة العربية من جهة ثالثة فيما لو تواصلت الانتفاضة لفترة طويلة, أو نجحت في تحقيق أهدافها وعليه فقد اتجهت مبكراً لبذل الجهود المكثفة والمحمومة للإلتفاف على الانتفاضة سياسياً, وإغراقها في وهم الحلول والمبادرات. أما بعض الأنظمة العربية فقد لعبت دوراً مستتراً أحياناً وواضحاً أحياناً أخرى, عبر إطلاق الدعوات المشبوهة تارة, وبالضغوط على "م.ت.ف" تارة أخرى لاستدراجها إلى مواقع تنازلية استجابة للشروط الأميركية" .

ثالثاً : "خطر إجهاض الانتفاضة من داخلها: إن هذا الخطر يصبح وارداً نتيجة الأخطاء الذاتية والممارسات السلبية التي يمكن أن تؤدي في حال تفاقمها إلى ضعف العامل الذاتي وضمور الانتفاضة وتفتتها" .

وفي هذا الصدد –كما يضف التقرير- "تتحمل الفصائل والقوى الفلسطينية المختلفة مسؤوليات جساماً في منع تفشي وتفاقم الظواهر السلبية وطغيانها في أتون الانتفاضة وتتجلى هذه الأخطار الأشكال متعددة أهمها:

  1. "المواقف اليمينية الانتهازية المستجيبة للضغوط الامبريالية والرجعية العربية والتي تتمثل في التجاوب مع المشاريع الساعية إلى استدراج المزيد من التنازلات السياسية المجانية" .
  2. "بروز الأمراض الفئوية وطغيان التعارضات الثانوية على الرئيسية في إطار الفصائل والمنظمات الجماهيرية واللجان الشعبية" .
  3. "الضغوط الاقتصادية التي يمارسها الاحتلال, سواء أخذت شكل الحصار والإغلاق ومنع التجول, أو تدمير البنية الاقتصادية الوطنية" .
  4. "بداية انتقال الأمراض والعديد من الظواهر والمظاهر الخاطئة في حياة وعمل أجهزة "م.ت.ف" ومؤسساتها وهيئاتها المختلفة إلى الداخل, بما تحمله من انعكاسات ضارة وخطيرة على الجماهير الفلسطينية والانتفاضة الباسلة" .
  5. "تنامي مظاهر الاحتراب والاقتتال الداخلي بما يخلقه من تصدعات في جدران الوحدة الوطنية والتماسك الجماهيري, وتشتيت الجهود والطاقات, وفتح الثغرات أمام مخططات الاحتلال الرامية إلى اختراق الانتفاضة من داخلها" .

أما بالنسبة لموقف "م.ت.ف": العلاقة والدور والمهام المحددة حيال الانتفاضة, فقد أشار التقرير –في الفصل الرابع- إلى "أن هناك سياسات محددة تحكمت في نظرة القيادة المسيطرة لـ "م.ت.ف" للانتفاضة يمكن إجمالها بالتالي" :

أولاً  : الاعتقاد بأن الانتفاضة يمكن أن تتوقف في أي لحظة.

ثانياً: الاعتقاد الواهم بأن الانتفاضة قد أنضجت الظروف الملائمة لتحقيق شعار الحرية والاستقلال وأن الدولة أصبحت على مرمى حجر.

ثالثاً : المبالغة في تقدير حجم تأثيرات الانتفاضة على الشارع الإسرائيلي.

رابعاً : إعطاء الأولوية للنشاط الديبلوماسي والتحرك السياسي بوصفه الحلقة المركزية في جهود "م.ت.ف".

خامساً: المبالغة في وزن الحلقة الدولية في الوصول إلى هدف الدولة المستقلة واعتبارها أحياناً الحلقة الأساسية.

سادساً: الرهان على إمكانية إحداث تغيير جدي في الموقف الأمريكي والمبالغة بمستوى تأثير موقف الإدارة الأمريكية على الكيان الصهيوني مما جعل القيادة اليمينية تقدم العديد من التنازلات المجانية.

وفي ضوء ذلك قدم التقرير تفسيراً لانحدار القيادة اليمينية في م.ت.ف إلى هذا الاتجاه, مشيراً إلى عدد من العوامل :

  1. طبيعة البنية الطبقة للشرائح البرجوازية الفلسطينية المتحكمة بمقاليد الأمور بـ"م.ت.ف" ورؤيتها الخاطئة لمسار التطورات, وميلها الطبيعي نحو المهادنة والمساومة غير المشروعة وفهمها الخاطئ لطبيعة العدو الصهيوني وسماته ووظائفه.
  2. الوضع الرسمي العربي المستجيب والمروّج لسياسة التنازلات.
  3. تفكك وانهيار الاتحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية.
  4. موقف بلدان السوق الأوروبية المشتركة المؤيد لما يسمى بسياسة الاعتدال الفلسطيني والوعود التي تطلقها لـ م.ت.ف.
  5. الحوار الفلسطيني الأمريكي, وموجبات الحفاظ عليه، لاعتقاد م.ت.ف أن هناك إمكانية لإحداث تغير جذري في الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية .

تلك هي العوامل التي دفعت وتدفع باتجاه تقديم التنازلات السياسية ، والتي هي في نفس الوقت –كما يقول التقرير بحق- أسباب حقيقة وراء تقصير م.ت.ف في الوفاء بدورها تجاه الانتفاضة .

أما عن سياسة الجبهة الشعبية لمواجهة هذا الواقع, فقد أكد التقرير " أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين انطلقت في رسم سياستها في مواجهة مختلف التطورات والمواقف من فهم علمي جدلي لمجمل الظروف الصعبة و المعقدة والمحيطة بالنضال الوطني الفلسطيني, ومن رؤية سياسية دقيقة تستجيب لمتطلبات صيانة الوحدة الوطنية والحفاظ على الانتفاضة وتوفير عوامل إدامتها وتصعيدها" .

ويمكن إيجاز أهم محاور سياسة الجبهة الشعبية –اثناء الانتفاضة الأولى- بالنقاط التالية :

  1. العمل على ترجمة شعار الجبهة الشعبية, الانتفاضة محور عملنا, عبر وضع كل الإمكانات في خدمة هذه المهمة.
  2. اعتبار الوحدة الوطنية الفلسطينية و "م.ت.ف" الحلقة المركزية في عمل الجبهة لدعم الانتفاضة وتوفير مستلزمات تجذيرها وتصعيدها لبلوغ أهدافها في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة المستقلة.
  3. النضال الجاد ضد تذبذب البرجوازية الفلسطينية وميوعتها السياسية وتنازلاتها المجانية وخاصة في الموضوعات الأساسية ، والتصدي لطرائق وأساليب عملها التنظيمية الفئوية والفردية البعيدة عن الروح الجماعية والجبهوية ، وضد الفساد الاداري والمالي ، من أجل الإصلاح الديمقراطي والتنظيمي والمسلكي في مؤسسات م.ت.ف .
  4. النضال المستمر لمنع وقوع البرجوازية الفلسطينية فريسة الضغوط الامبريالية والرجعية.
  5. العمل على إقناع القيادة الفلسطينية للقيام بعملية مراجعة نقدية لسياسات المنظمة ومواقفها في السنوات الماضية.

وبموازاة هذه السياسة وضعت الجبهة الشعبية لنفسها وللثورة الفلسطينية مهام أساسية سعت وتسعى بكل طاقاتها لتحقيقها ويمكن إجمال تلك المهام بالآتي :

أولاً: تحديد الموقف السياسي بوضوح ودقة وبما لا يتعارض مع مقررات المجالس الوطنية الفلسطينية وبرنامج حق العودة وتقرير المصير وإقامة دولة مستقلة.

ثانياً: إجراء الإصلاح التنظيمي الديمقراطي الواسع في هيئات م.ت.ف مؤسساتها وأجهزتها, والثورة على طرائق وأساليب عملها كما ترى الجبهة الشعبية أن عملية الإصلاح الديمقراطي لابد أن تستند إلى مبدأ التمثيل النسبي الذي يأخذ بعين الاعتبار التناسب بين التمثيل القيادي والحضور الميداني.

ثالثاً: تعبئة الجماهير الفلسطينية في المناطق المحتلة عام 1948, ومناطق الشتات لتأمين أعلى مستوى من الدعم والإسناد من أجل تحقيق أهداف شعبنا في الحرية والاستقلال.

ثم يضيف التقرير تحت عنوان "الانتفاضة": الآفاق والمهام" إلى أنه إذا كانت حملات القمع العسكري ومحاولات الإجهاض السياسي تشكل العامل الموضوعي المؤثر سلباً على مسار الانتفاضة, فإن تقصيرات القيادة الرسمية الفلسطينية عن القيام بواجباتها ومسؤولياتها تجاه الانتفاضة, وخطها السياسي المتساوق مع الحلول الأمريكية تمثل العامل الذاتي السلبي الآخر الذي لا يقل دوره عن العامل الموضوعي, مما جعل المظهر العام لنشاطات الانتفاضة وفعالياتها في السنتين الأخيرتين يتسم بطابع المراوحة, ودون أن تبلغ مستويات جديدة أكثر تأثيراً على العدو الصهيوني .

وبالانطلاق من هذه الحقيقة –كما يقول التقرير- فقد أكدت الجبهة "على ضرورة تأمين الحماية السياسية للانتفاضة, وتأمين مستلزمات إدامتها وتصعيدها, ولكن بالرغم من أننا في الجبهة الشعبية نرى أن العوامل التي تدفع بالانتفاضة لا تزال أقوى من عوامل إيقافها وإجهاضها, إلا أننا لا نقلل من شأن الاحتمالات الأخرى التي تهدد مستقبلها" .

وبالتالي "فمن البديهي القول وبعد مضي بضع سنوات على اندلاع الانتفاضة أن المهام المتوجب تحديدها للانتفاضة والثورة الفلسطينية ينبغي أن ترتبط برؤية الواقع من مختلف جوانبه, وإن قدرتنا ونجاحنا على هذا الصعيد مرهون بقدرتنا على رؤية واقع الانتفاضة وتقييمها بعلمية, ورؤية ما طرأ عليها من تغيرات وتحولات, والإمساك بما لحق بها من ثغرات ومظاهر سلبية بهدف التصدي لها, وتلمس ممكنات وعناصر تطورها وتعزيز جوانب قوتها" .

ويضيف التقرير تحت عنوان "المهام المحددة" : "لاشك بأن من غير الممكن أن تتم محاكمة الانتفاضة في هذه المرحلة وفقاً لذات المعايير والمظاهر السياسية والتنظيمية والاقتصادية والكفاحية التي اتسمت بها في مراحل انطلاقتها الأولى, بمعنى أن ثمة مظاهر انتفاضية تلاشت وانتهت, وثمة مظاهر جديدة تولدت، ويمكن تخليص هذه المظاهر بما يلي :

  • تتسم الانتفاضة راهناً بظاهرة التموج في حركتها وفعلها, فهي في بعض الأوقات تتسم بالهدوء وتدني مظاهرها الحاشدة بيد أنها تنفجر أحياناً على نحو عنيف وصاخب وشامل.
  • تلاشي وبهتان العديد من البنى التنظيمية التي رافقت الانتفاضة في سنواتها الأولى: اللجان الشعبية, "قاوم" المناطقية, وحتى "قاوم" المركزية تآكلت.
  • تواصل التكتيك الإسرائيلي المتسم بالعنف والتركيز على نواة الانتفاضة الصلبة تنظيمياً وكفاحياً, وتمثل ذلك بملاحقة ظاهرة المطاردين والنشطاء وتصنيفهم واعتقال أعداد متزايدة منهم.
  • تراجع عمق وحجم التأثيرات الاقتصادية من قبل الانتفاضة على الكيان الصهيوني, مع بقاء بعض مظاهر التمرد والمقاومة على هذا الصعيد.

وبصورة عامة أيضاً يستخلص التقرير ما يلي بصدد الانتفاضة :

(1) لا يجوز أن تخدعنا بعض مظاهر الركود والهدوء التي تسود في بعض المراحل في أوساط جماهيرنا المنتفضة. فأكثر من مرة أعلن عدد من المسؤولين الصهاينة, انتهاء الانتفاضة وتساوق معهم عدد من الكتاب والشخصيات الفلسطينية. إلا أن الانتفاضة بجماهيرها كانت تفاجئهم بتجديد فعالياتها وعنفها وشموليتها.

(2) الانتفاضة ظاهرة اجتماعية كفاحية حية, وهي جزء لا يتجزأ من النضال الوطني الفلسطيني بل هي طليعته المتقدمة, وبالتالي فإنه من الطبيعي أن تتأثر بجملة التطورات العاصفة التي شهدها العالم وشهدتها القضية الفلسطينية.

(3) على ضوء بروز قوة وحجم التيار الديني عموماً, وقوة "حماس" تحديداً وآخذين بعين الاعتبار أن التيار الإسلامي وتعبيراته السياسية لم تكن له أية مشاركة تذكر في النضال الوطني الفلسطيني قبل الانتفاضة, فإن النقلة التي حدثت على صعيد ممارسة هذا التيار وهذه القوى سياسياً خلال سنوات الانتفاضة وتنامي حجمها وفعلها يفرضان علينا أن نرى بأن مقاومة الاحتلال وربح صراعنا ضده بحاجة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني, على نحو يأخذ بعين الاعتبار هذا الانتقال وهذا التحول في مواقف القوى الإسلامية, على أن يتم ذلك بصورة ديمقراطية, هذا هو مطلبنا وخطنا منذ رفعنا شعار الإصلاح الديمقراطي.

 

وأخيراً, يستعرض التقرير السياسي, المهام الوطنية المطروحة أمام الشعب الفلسطيني وطلائعه الوطنية وقواه الحية في تلك المرحلة من وجهة نظر الجبهة الشعبية كما يلي :

  1. العمل على إدامة الانتفاضة وتأمين عوامل استمراريتها.
  2. النضال السياسي الجاد على جميع المستويات لتطبيق قرارات الشرعية الدولية بشأن القضية الفلسطينية, والتأكيد على مسألة إعادة ملفاتها إلى مؤسسات الشرعية الدولية, والمطالبة بتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة, والحماية الدولية المؤقتة, حتى ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير مصيره.
  3. تصعيد مستوى النضال داخل أطر ومؤسسات "م.ت.ف" ضد أي تجاوزات لبرنامج القواسم المشتركة واعتماد نهج المواجهة الحازم للممارسات الخاطئة من قبل الجناح اليميني.
  4. تطوير الفعالية العسكرية ضد قوات الاحتلال الصهيوني.
  5. العمل على الارتقاء بدور التجمعات الفلسطينية الأساسية في "م 48" والأردن ولبنان وسوريا وبقية مواقع الشتات.
  6. تكثيف اللقاءات والحوارات مع فصائل حركة التحرر الوطني العربية وقواها الطليعية بشكل خاص.
  7. الاستفادة من القوى الديمقراطية اليهودية المؤيدة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
  8. توسيع إطار النشاطات المبذولة لتوفير أوسع دعم دولي للانتفاضة ولحقوق شعبنا الوطنية في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة.

 أما عن علاقة الجبهة الشعبية وموقفها من م.ت.ف, وبدون القفز أو تجاوز الدور الذي لعبته البرجوازية الفلسطينية في الثورة المعاصرة, التي أسهمت –كما يقول التقرير- "في تحقيق مجمل المكاسب والإنجازات لشعبنا وفي مقدمتها: ترسيخ الهوية الوطنية الفلسطينية وتكريس منظمة التحرير كياناً سياسياً جامعاً لشعبنا" .

وفي هذا السياق يضيف التقرير "بما أن دور البرجوازية الفلسطينية هذا حقيقة واضحة، ليست موضع نقاش بالنسبة لنا، فإن ما نركز عليه هو الجانب الآخر من الصورة الذي نعتقد بمسؤوليته عن العديد من الأزمات التي هددت الثورة ومنجزاتها بالتبديد والضياع. فمنذ انطلاقتها عانت الثورة الفلسطينية من سيطرة القوى الطبقية البرجوازية على قيادتها، ومن تذبذب مواقف القوى وتأرجحها، مما أدخل الثورة والمنظمة في سلسلة أزمات متلاحقة، هددت القضية الوطنية وأداتها فعلياً بالشطب والدمار والضياع. فالسمات السياسية لهذه الطبقة، وأهمها التردد والتذبذب وقصر النفس, وإظهار الاستعداد للمساومة اللامشروعة والتراجع عند المنعطفات، هي التي جعلت المنظمة تعيش أسيرة دوامة الأزمات المتلاحقة، والمشكلة لا تكمن في وجود استعدادات وميول تساومية غير مشروعة لدى الأوساط القيادية النافذة فحسب، بل وفي نمو فئة بيروقراطية داخل أجهزة منظمة التحرير ومؤسساتها، تتمتع بامتيازات واسعة توفرها لها مواقعها القيادية" .

 ويضيف التقرير ، "إن هذه الفئة التي اتسعت وازداد حجمها ودورها في صياغة القرار الفلسطيني, تقف بحُكم طبيعتها وبنيتها ضد الإصلاح الديمقراطي وتقوم بالترويج لسياسة "الاعتدال" و "الواقعية" كما تقدم الغطاء السياسي النظري الإعلامي لمجموع السياسات اليمينية الخاطئة، وفي سبيل الحفاظ على الامتيازات والمصالح الطبقية التي تكونت على مدار السنوات السابقة, ازدادت هذه الفئة اقتراباً من رئيس اللجنة التنفيذية المسؤول الأول عن حالة الفساد والإفساد التي تشهدها مؤسسات المنظمة المختلفة" .

ويرى التقرير أن "محاكمة تجربة قيادية الجناح اليميني البرجوازي للثورة الفلسطينية لا ينبغي أن تقتصر بالطبع على الجانب السياسي, بل يجب أن تتناول مختلف الجوانب الأخرى التنظيمية والعسكرية والمالية والمسلكية" .

أما بالنسبة لما تمثله الجبهة الشعبية, يؤكد التقرير " إن تراث الجبهة الفكري والسياسي والنضالي والتنظيمي بالإضافة إلى وزنها ودورها في العملية الكفاحية ماضياً وحاضراً يؤكد أن الجبهة تمثل قطباً أساسياً في الثورة الفلسطينية المعاصرة, لها سماتها الخاصة  وخصائصها المحددة ورؤيتها المميزة لمختلف الجوانب المتعلقة بالصراع وبالعملية النضالية. وغنى عن القول أن الإقرار بهذه الحقيقة وتمثلها على نحو عميق وراسخ إنما يشكل الخطوة الأولى لفهم طبيعة علاقة الجبهة الشعبية باليمين الفلسطيني واستيعاب موجبات هذه العلاقة راهناً ومستقبلاً. وتتمثل الخطوة الثانية بتوجه جميع الأعضاء للعمل السياسي على أساس أننا القطب المواجه لليمين, الذي يملك خطاً سياسياً وتنظيمياً وعسكرياً مختلفاً, له مواصفاته المحددة, وأن مصلحة الثورة والشعب تستوجب النضال لسيادة الخط الصحيح في السياسة والتنظيم" .

وهنا يشير التقرير إلى " أن الجبهة لا تفتعل هذه المسألة الهامة ولا تسعى للقفز عن الوقائع والظروف الموضوعية كما أنه لا تقبل بإهمال أو تجاهل المزاج الجماهيري عند صياغة المواقف وطرحها بل تعتمد فهم هذا المزاج بشكل صحيح وتعتبر بأن قراءة التناقضات قراءة صحيحة هي واحدة من أهم القضايا التي يتوجب إيلاؤها اهتماماً كبيراً، فقد تميزت الجبهة دوماًَ بالتركيز والإنشداد إلى التناقض الأساسي, مع العدو الصهيوني, ولم يحدث أن وقعنا بخطأ الخلط بين التناقضات الأساسية والتناقضات الثانوية في أي مرحلة من المراحل. وإن كل ما نريد التأكيد عليه هو أن للجبهة مبررات وجودها النظرية, السياسية, التنظيمية, العسكرية, الجماهيرية والمسلكية، كما برهنت على ذلك تجربة الحياة والمعطيات القائمة وأنها تمثل قطباً تاريخياً يسعى لإنجاز مهام الثورة الوطنية بجدارة, وأن القطبين يتحدان في إطار م.ت.ف على قاعدة  القواسم الوطنية المشتركة, وأن القانون الذي يحكم العلاقة بين القطبين الأساسيين هو قانون وحدة – صراع – وحدة, وأن من حق الجماهير أن ترى في مسلكية الجبهة وجه الصراع الهادف إلى تصويب العمل بالبرنامج الوطني كما ترى وجه الوحدة" .

إن الهدف من كل ما سبق ذكره حسب التقرير السياسي "هو الوصول إلى النقطة الأساسية التالية: بلورة وصياغة الخط السياسي للجبهة إزاء العلاقة مع البرجوازية الفلسطينية والوحدة الوطنية الفلسطينية في إطار منظمة التحرير. والذي يمكن تحديد عناوينه الأساسية بما يلي :

أولاً: الوحدة الوطنية الفلسطينية هي قضية مبدئية, وهي في مرحلة التحرر الوطني ترقى إلى مستوى القانون الذي لا يمكن تجاوزه أو القفز عنه في خوض عملية الصراع وتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني.

ثانياً : إن صيغة الوحدة الوطنية هي صيغة جبهوية ائتلافية تضم مختلف الطبقات والفئات والشرائح الوطنية المعادية للاحتلال والمستعدة للنضال من أجل تحقيق البرنامج الوطني.

ثالثاً : إن م.ت.ف هي صيغة جبهوية للوحدة الوطنية الفلسطينية.

رابعاً: إن م.ت.ف هي بالنسبة لنا الكيان السياسي للشعب الفلسطيني الذي يجسد هويته وشخصيته الوطنية المستقلة, وهي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده.

خامساً: وبسبب من خصوصية وتعقيدات معركة التحرر الوطني الفلسطيني فإنها لا يمكن أن تحقق كامل أهدافها بقيادة البرجوازية الفلسطينية. فقد كشفت التجربة عن ترددها وتذبذبها وقصر نفسها وعجزها.

سادساً: التوجه لتطبيق جدل الوحدة والصراع في إطار الوحدة الوطنية تطبيقاً خلاقاً, ووفق الظروف والمعطيات السائدة والمحددة. فالتعارضات السياسية والخلافات التنظيمية مع البرجوازية ينبغي أن تبقى موضع صراع في إطار الوحدة, يعلو ويهبط ارتباطاً بالمعطيات السياسية بمدها الوطني.

أما عن العلاقة مع القوى الإسلامية, فيشير التقرير إلى ما حصل من تطور عميق على مواقف وممارسة القوى الإسلامية على الساحة الفلسطينية, " تَمَثّل بانخراطها في الانتفاضة ومجابهة الاحتلال, وممارسة العنف ضد جنوده ومستوطنيه, الأمر الذي ترتب عليه تحرك لوحة القوى السياسية والاجتماعية, مما يستدعي التعامل معه بكل علمية ووضوح, يضاف لذلك, موقف هذه القوى (حماس, والجهاد الإسلامي) من عملية التصفية السياسية التي ابتدأت فصولها منذ مؤتمر مدريد ولا تزال تتوالى" .

وفي هذا الجانب يضيف التقرير "إننا ونحن نؤكد على هذه النقلة, وهذه التطورات, وإيجابية التعامل مع القوى الإسلامية, فإن ذلك يفرض بالمقابل ضرورة التنبه لرؤية هذه القوى وتكتيكاتها تجاه م.ت.ف, وتجاه البرنامج الوطني المرحلي, إضافة إلى مواقفها وممارساتها الاجتماعية، كما أن النضال الديمقراطي لجذب هذه القوى وإقناعها بأهمية العمل الوحدوي, والانخراط في م.ت.ف على قاعدة الإصلاح الديمقراطي, وعلى قاعدة تحشيد الجهود والطاقات, بعيداً عن سياسة فرض المواقف الإيديولوجية, هو أمر هام وحيوي لتوسيع قاعدة اللقاء وتحييد عناصر الإفتراق, فما يواجه شعبنا وقضيتنا يحتاج لكل الطاقات والجهود والإمكانات" . وفي ضوء كل ما تقدم, يستعرض التقرير السياسي الاستخلاصات التالية :

  1. إن السياسة التي تسير وفقها القيادة المتنفذة وتحالفاتها لا يمكن أن تحقق أهدافاً وطنية بل إنها متجهة أو مدفوعة للتفريط بالأهداف الوطنية.
  2. إن سياسة هذه القيادة, وهي تستند إلى الخطة الأمريكية فإنها تتكيف مع السياسة الأمريكية التي تُغَيّب الحقوق الوطنية, وتحافظ على إسرائيل كبعد استراتيجي للامبريالية في المنطقة.
  3. ستندفع هذه القيادة باتجاه المصالحة مع الأوساط الرسمية العربية وخاصة بلدان الخليج.

وعلى ضوء هذه الاستخلاصات يحدد التقرير السياسي موقف الجبهة بقوله "إننا وبعد التمحيص في كل الاحتمالات والقراءة السياسية المعمقة, لتجربة القيادة المتنفذة وطبيعتها,نرى من الضروري تحديد الشعار السياسي الذي ينسجم وهذا التطور الهام وعناصر نجاحه الأساسية وهو على النحو التالي":

"الدفاع عن م.ت.ف والتصدي للمؤامرة التصفوية وإسقاطها, والعمل من أجل تحقيق البرنامج الوطني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس" .

كما أن النجاح في حمل راية البرنامج الوطني ووحدانية تمثيل م.ت.ف للشعب الفلسطيني ودحض أفكار وسياسات القيادة المتنفذة وحلفائها والإعراب عن رفض المؤامرة, تتطلب –حسب التقرير السياسي- توفير الشروط الأساسية التالية :

أولاً: القيام بأوسع نشاط تعبوي جماهيري في أوساط عموم الشعب الفلسطيني, وقواعد وكوادر التنظيمات الأخرى على قاعدة الدفاع عن المنظمة والبرنامج الوطني, وتوجيه الجهد الرئيسي للنضال ضد الاحتلال.

ثانياً: أعلى وتيرة نضالية في الخارج والداخل وعمل نوعي متميز يمثل مصداقية للموقف السياسي.

ثالثاً: تقوية تحالفاتنا الوطنية والقومية واستخدام لغة سياسية موضوعية همها الأساسي الدفاع عن م.ت.ف والبرنامج الوطني عبر التصدي للاحتلال وعملائه وللمخطط الأمريكي.

رابعاً: ستكون معركة التصدي للمشروع التصفوي طويلة, وإن ضمان ربح هذه المعركة هو بكسب تأييد الجماهير, وفي الخط السياسي السليم, المسنود بفعل كفاحي متنام ومتصاعد.

خامساً: التصدي لخطر التوطين في لبنان وسوريا والأردن.

سادساً: علينا أن نعمل جهدنا في إيجاد جسور التحالف على الصعيدين الوطني والقومي بين التيار القومي الديمقراطي والتيار الديني المناهض للاحتلال والمشروع التصفوي.

وينتهي التقرير بالقول مخاطباً كافة أعضاء الجبهة الشعبية "إننا ندرك أن المرحلة صعبة والجميع في مأزق إلا أن مأزق المستسلمين لا نهاية له, وإن مأزقنا هو بسبب صعوبة الوضع الذي نعيش ونعمل فيه، قرارنا الصمود والتشبث بالمنظمة والحقوق وبالانتفاضة والكفاح المسلح وبالجماهير صانعة التاريخ" .

الوثيقة النظرية الصادرة عن المؤتمر الوطني الخامس : تناولت هذه الوثيقة في مقدمتها موضوعاً شكل مدخلاً هاماً لها بعنوان  "أفكار أولية حول أزمة الماركسية اللينينية" ناقش من خلالها ، بمنهجية  نقدية ، انهيار الاتحاد السوفيتي وانعكاس عملية الانهيار على الوضع الدولي، وعلى الحركات الثورية والتحررية في العالم ، وقدم رؤية الجبهة وتحليلها لهذا الانهيار، تتلخص في " أن حزبنا يرى أن المنهج العلمي في بحث هذه القضايا يستدعي معالجة نقدية وملموسة وموضوعية بعيداً عن أية قوالب جامدة، وعن أية سلطة إلا سلطة العقل والمنطق والجدل الموضوعي للحقائق العلمية، وإن بحثاً كهذا ، هو بحث في التاريخ عن الماركسية والاشتراكية والتقدم الاجتماعي والتحرر الإنساني ، وهو ما يتطلب قراءة نقدية جديدة للماركسية تعيد إنتاج الإدراك النقدي الماركسي ذاته لدراسة الاشتراكية والفكر الاشتراكي، والكشف عن أسباب وعوامل الخلل في الممارسة والتطبيق ، والوقوف على التطورات والظواهر الجديدة في العالم المعاصر وصولاً إلى صياغة الاستخلاصات والاستنتاجات والتعميمات النظرية والفكرية – السياسية، التي تؤسس للتجديد الثوري المطلوب"  .

وتحت عنوان "الماركسية منهج حي وليست عقيدة جامدة" أوضحت الوثيقة بصورة عقلانية ونقدية واضحة ومتماسكة ، موقف الجبهة وثباتها على هويتها الفكرية ... الماركسية ومنهجها المادي الجدلي، حيث أكدت أن النظرية الماركسية صاغت على الصعيد الفلسفي الديالكتيك المادي، الذي " شكل ثورة حقيقية في المعرفة والتفكير، وأسس لبلورة منهج علمي لا غنى عنه في دراسة وتحليل وتفسير الظواهر والعمليات في الطبيعة والمجتمع والفكر والتأثير عليها، وعلى أساس هذا المنهج المادي الجدلي التاريخي استطاعت الماركسية أن تكشف عن الجوهر الاستغلالي البشع للرأسمالية وان تنتقد شرورها، وأن تبين محدوديتها التاريخية وتعلل حتمية زوالها "  .

أما على صعيد الفكر السياسي، فتم التأسيس لنظرية علمية عن الاشتراكية كبديل للمجتمع الرأسمالي، وهكذا فإن الماركسية "شكلت نسقاً ومنظومة فكرية متكاملة ومترابطة عضوياً لحصيلة واسعة من النظرات والمفاهيم والمقولات والأحكام والقوانين المنسجمة مع موضوعها وفق منهج علمي محكم" .

وبالرغم من هذه الوحدة وذلك الترابط –كما تضيف الوثيقة – " إلا أننا نستطيع أن نميز في الماركسية مستويات كالمنهج المادي الجدلي التاريخي، والمفاهيم والمقولات والقوانين المرتبطة به، وتمييزنا للمنهج  ينبع من إيماننا بأنه الأساس النظري الجوهري للماركسية الذي يشكل روحها الحية" .

انطلاقاً من هذا الفهم –كما تضيف الوثيقة - وعلى أساس "المنهج لم تعلن الماركسية أفكاراً أو نظرية مكتملة ونهائية. بل على العكس من ذلك، حيث أكدت على أنها نظرية النمو الدائم التي تعكس الحركة الأبدية للحياة وقد أعطت الماركسية بهذا المنهج حلاً مبدعاً لعلاقة الفكر بالواقع، علاقة النظرية والمعرفة بالممارسة والتطبيق العملي ، فصاغت مفهومها العلمي لنسبية المعرفة الإنسانية باعتبارها عملية اجتماعية تاريخية ، أي جزء من الممارسة" ، وبهذا فإن الماركسية أعلنت الممارسة والتطبيق العملي معياراً ليقينية وصحة أو عدم صحة الفكر والنظرية وتعبيرها عن الحقيقية الموضوعية.

وبهذا المعنى ، فإن الفهم الصحيح للماركسية يتطلب النظر إليها في نسبيتها وتاريخيتها. وعلى هذا الأساس فإن الحفاظ على عظمتها ومتابعة رسالتها الإنسانية الثورية لا يكمن في تقديسها والدفاع اللاهوتي عنها ، وإنما بنقدها الدائم وتجديدها وإعادة إنتاجها ارتباطاً بمعطيات الممارسة الاجتماعية والتملك المعرفي للواقع الاجتماعي التاريخي بتطوره المستمر.

وفي ضوء تحليلها لانهيار الاتحاد السوفيتي، استخلصت الوثيقة شعارا موضوعيا بعنوان" واجب تجديد الماركسية والدفاع عن الخيار الاشتراكي" انطلاقا من وعيها لأهمية التمييز بين النظرية والنظام الاشتراكي "فانهيار الاشتراكية القائمة لا يعني على الإطلاق انهياراً للماركسية كما يحاول أن يروج لذلك خطاب الإمبريالية والرجعية، فالماركسية كما هي وكما نفهمها أوسع من نظرية الاشتراكية والتعاليم عنها، فهي نظرية ومنهجاً كونياً شاملاً ليست مرتبطة بهذا البلد أو ذاك في هذه الحقبة الزمنية أو تلك، وإذا كانت أزمة النظام الاشتراكي المحقق قد بينت أنها أزمة بنيوية مستفحلة قادت إلى الانهيار، فان أزمة النظرية الماركسية لا تمس جوهرها ومنهجها المادي –الديالتيكي- التاريخي، ولذا فإنها تعتبر أزمة نمو ناجمة عن الجمود العقائدي والممارسات والتطبيقات الخاطئة للمنهج والتنكر لروحه الخلاقة وناتجة عن التخلف عن مواكبة التطورات التي شهدها العالم خلال العقود الماضية" . واستنتجت الوثيقة بحق "أن أزمة الاشتراكية المحققة وانهيارها بالنسبة لنا لا تعني ويجب أن لا تعني انهيار الفكرة الاشتراكية أو انهيار الخيار الاشتراكي لنا ولشعوب المعمورة كافة بل العكس إذ أن الأزمة والانهيار أكدا الفكرة والخيار"  .

انطلاقا من هذه الرؤية كما تضيف الوثيقة "فإننا (في الجبهة) نضع التجديد على سكة منهاجية صحيحة تجعله يرث الإيجابي والقيّم والعلمي والتقدمي في الماضي ويتحسس الجديد ويحمله في الحاضر متطلعا نحو المستقبل على الطريق الديالتكتيكي للمعرفة والحقيقة ومملكة الحرية والعدالة". وإذ يتصدي  حزبنا لهذه المهمة ويدعو كل الماركسيين للتصدي لها والارتقاء إلى مستوى التحديات التي تفرضها ويفرضها الواقع المستجد، فإنه يؤكد على ضرورة إعادة الاعتبار للفهم الخلاق للنظرية كما سجله في وثيقة الإستراتيجية السياسية والتنظيمية الصادرة عن المؤتمر الوطني الثاني للجبهة عام 1969 والذي ظل نصاً ولم يتحول إلى وعي جماعي في صفوف الجبهة الشعبية رغم وضوحه الشديد جداً، فقد جاء في الوثيقة المذكورة "أن النظرية في المفهوم الماركسي هي باستمرار على علاقة جدلية متصلة مع الواقع والممارسة وكونها على علاقة جدلية مع الممارسة معناه أنها في حالة نمو دائم وارتقاء وتعديل وهي ليس في حالة جامدة " .

وإلى جانب تأكيد الوثيقة الفكرية على هذا الفهم وضرورة تمثله في الممارسة اللاحقة وفي عملية التجديد التي تتصدى لها، فقد لخصت رؤية الجبهة الشعبية لمناحي التجديد في المسائل التالية:

أولا: التجديد النظري العام : ويتلخص بالإنشداد لمنهج النظرية الماركسية العلمي والتأكيد على ضرورة إعادة النظر بكل ما شاخ في المقولات والمفاهيم والأفكار والإنشاءات التي ارتبطت بزمان محدد وظروف محددة وهو الأمر الذي أكده ماركس وانجلز ولينين. وإذ يؤكد حزبنا هويته الفكرية هذه فإنه يشرع بالانفتاح على الماركسية بكل تياراتها محترما كل من اسهم في تطويرها كما يحترم حق الاجتهاد على أرضيتها والحوار الديمقراطي الذي يستهدف الإسهام في إعادة إنتاجها.

ثانيا: في فهم الرأسمالية المعاصرة وواقع العالم الثالث : "إن الرأسمالية التي تحدث عنها ماركس قبل (150)عاما ليست هي رأسمالية اليوم التي تشمل العالم بأسره، فالرأسمالية المعاصرة شهدت في العقود الأخيرة عملية واسعة للعولمة والتدويل شملت تدويل رأس المال وعملية الإنتاج والعلاقات الإنتاجية والسوق وحتى العمل. ولا شك في أن تقدم الرأسمالية المعاصرة يجد أحد أسبابه في نهب العالم الثالث والنجاح في ربطه بعجلة الاقتصاد الرأسمالي والسوق الرأسمالية عبر آليات متجددة تبعية وإعادة الإنتاج التابع في بلدانه المختلفة، وقد عمق النهب الامبريالي للعالم الثالث من الهوة بين المركز الإمبريالي وأطرافه الأمر الذي ولد تناقضا حاداً أصبح يؤثر على مصائر البشرية بأسرها، ونتيجة هذا الأمر ولأسباب عديدة أخرى استمرت قضايا التخلف والتبعية والفقر مستفحلة في العالم الثالث وأضيفت إليها معضلات جديدة كالتصحر وتلوث البيئة واستنزاف الموارد والمديونية وغيرها".

"وإذ يتحول العالم إلى السيطرة الأحادية للرأسمالية ومحاولات بناء نظام دولي جديد تحت هيمنة وزعامة الإمبريالية الأمريكية، فإن التناقض بين العالم الثالث والمراكز الإمبريالية مرشح للتفاقم ولتصدر لوحة التناقضات العالمية في المرحلة الجديدة من التطور التاريخي، وهو ما سيكون له تأثير كبير على مصائر العالم والتقدم الاجتماعي" . ما يؤكد كما تستنتج الوثيقة على أن  "تجديد الماركسية يجب أن يعني استيعابها لواقع العالم الثالث وخصوصيته والتطورات التي شهدها ارتباطا بالتطورات العالمية ككل، وعلى ماركسيي العالم الثالث الاستفادة من خبرة التجربة السابقة للعمل على إنتاج الماركسية الوطنية المتميزة والتجديد النظري للترسانة الفكرية – السياسية بالكشف عن القوى ذات المصلحة في التنمية المستقلة والتقدم الاجتماعي. وعلى الماركسيين في هذا العالم ونحن من ضمنهم النضال من أجل الديمقراطية الحقيقية وبناء المجتمع المدني ونبذ سياسة حرق المراحل أو القفز عن قوانين التطور الموضوعي"  .

ثالثاً : في تجديد الحزب  : ويتكثف التجديد على هذا الصعيد في إعادة الاعتبار للحزب الماركسي كطليعة واعية ومنظمة ومكافحة،  يقوم في بنائه الداخلي وحياته وعلاقاته الداخلية وآليات عمله وعلاقاته مع الجماهير على أساس ديمقراطي فعلي وبحيث تتحول الديمقراطية فيه إلى نمط تفكير وحياة أي إلى منهج وان التجديد في الحزب يجب أن لا يقتصر على التجديد النظري في المفاهيم والمبادئ أو في دمقرطة بنائه وعلاقاته بل يجب أن يشمل تجديد هيئاته والمسؤوليات فيه بشكل ديمقراطي.

التقرير التنظيمي الصادر عن المؤتمر الوطني الخامس :

جاء هذا التقرير  تحت عنوان   "التحول والمهام البرنامجية العامة"، حيث أكد على أن "الجبهة منذ سنوات تأسيسها الأولى، طرحت  مفهوم التحول، الذي عنت به إمكانية الانتقال علمياً من تنظيم ديمقراطي ثوري. "برجوازي صغير"، إلى حزب يسترشد بالماركسية في بنائه وعلاقاته وسياسته ومجمل نشاطه" . وبالتالي فإن عملية التحول " تعبر عن الضرورة الموضوعية لتشكل الطبقة العاملة نفسها من رحم الطبقات والفئات الاجتماعية الطبقية المنحلة في مرحلة الانتقال من الإقطاعية إلى الرأسمالية ومرحلة الثورة البرجوازية الديمقراطية ورأسمالية التنافس الحر، وهي العملية التي تتفق مع الاصطفافات والتمايزات الاجتماعية – الطبقية في البلدان التي تتسم بعدم اكتمال التشكيل الطبقي. وتعدد نمطية الإنتاج وقطاعاته واستمرار تأثير العلاقات ما قبل الرأسمالية. ونجد هذا الأمر مشخصاً في ظروفنا الفلسطينية والعربية، حيث يوجد جنباً إلى جنب مع التطور الرأسمالي المشوه إطار واسع من الفئات الوسطى والبرجوازية الصغيرة والفئات البينية، والهامشية وأشباهها" .

ولا شك – كما يضيف التقرير – " فإن هذه الفئات تخضع لعملية حراك اجتماعي – طبقي، وإلى تأثيرات مختلفة محلية وخارجية على كافة الصعد، السياسية والاجتماعية والفكرية. ويعبر ذلك عن نفسه بحركة فكرية ونشاط سياسي غير منسجم يتسم بعدم نضوج الطبقي والانتقالية الانتقائية والطوباوية، والتطرفات المختلفة، تتقاذفها عوامل كثيرة موضوعية وذاتية، تحدث في صفوفها تمايزات وانتقالات كمية ونوعية تجعل بعض فئاتها وتياراتها وأفرادها يتحولون إلى مواقع طبقية وفكرية وسياسية أكثر انسجاماً، وتحديداً يجعلها ذات وعي طبقي أكثر تبلوراً وما ينطبق على الأفراد والفئات ينطبق على الائتلافات السياسية والأحزاب. وهذا –كما يستنتج التقرير – "ما انطبق علينا تماماً. وعلى غيرنا أي الانتقال من المواقع القومية البرجوازية والبرجوازية الصغيرة إلى المواقع الديمقراطية الثورية ومنها إلى مواقع الماركسية. وهو الأمر الذي فرض البحث عن مناهج جديدة وبنى وأشكال جديدة للعمل، والبحث عن حركة ثورية من طراز جديد تسترشد بالماركسية وترفع لواء الانتقال إلى الاشتراكية" .

وفي إطار هذا البحث الموضوعي طُرِحَتْ قضية "التحول" في الجبهة لكي تنتقل من حزب برجوازي صغير إلى حزب يسترشد بالماركسية ومنهجها في عملية تحوله إلى الحزب الثوري الديمقراطي، وقد عنى ذلك –كما يستطرد تقرير المؤتمر الخامس- " انكباباً جدياً على نقد التجربة السابقة والسعي لامتلاك المنهج المادي الجدلي الخلاق ومحاولة تطبيقه في تحليل الظروف الملموسة ورسم الإستراتيجية والتكتيك وبناء الأدوات القادرة على القيام بذلك" .

ثم يضيف التقرير في تأكيده على أهمية التحول وإصرار الجبهة على تحقيق هذه العملية " إن انهيار النموذج الحزبي الذي يشكل مثالاً للتحول لا يعني سقوط فكرة التحول أو توقف العملية ذاتها، تماماً كما أن انهيار النموذج الاشتراكي لا يعني سقوط فكرة الاشتراكية ولا سقوط النهج الماركسي المادي الجدلي. كما لا يعني سقوط الحاجة إليهما وضرورة تعميق الرؤية حولهما. لكن تجربتنا وتجربة غيرنا. وبقدر ما تؤكد على صحة خيارنا. بنفس القدر تؤكد على ضرورة توفر تصنيفات أكثر دقة وعلمية للديمقراطيين الثوريين وللأحزاب الطليعية ولمعايير الاسترشاد بالماركسية والاشتراكية العلمية والالتزام بالمنهج المادي الجدلي" .

وفي هذا السياق نشير إلى أن تجربة الجبهة الشعبية عبر العقود الماضية تبين أن عملية التحول، "هي عملية موضوعية تحكمها مجموعة عوامل وظروف موضوعية وذاتية تفعل بالاتجاهين الايجابي والسلبي. فتجعل منها عملية متناقضة ومعقدة، ولا تتم بضربة سحرية أو بتغيير اللافتة، بل بنضال شاق وصعب وجهود كبيرة ومثابرة من أجل حسم التناقض الأساسي الذي يحكم تطوير التنظيم منذ البداية حتى النهاية. ألا وهو التناقض بين البنية الفكرية – السياسية والتنظيمية والممارسة العملية السابقة الأصلية وبين البنية الفكرية – السياسية والتنظيمية والممارسة العملية القائمة على أساس الالتزام بالمنهج الماركسي المادي – الجدلي قولاً وعملاً. وهي عملية واعية تقودها العناصر المتقدمة من الديمقراطيين الثوريين الأكثر اقتراباً من الفكر الاشتراكي العلمي، والساعية لامتلاكه وتمثله، والتي تشكل العامل الذاتي الأهم والحاسم في الارتقاء بالتنظيم نحو مواقع الطليعة الثورية تدريجياً، فمن مظهر ثانوي في التنظيم يتحول الاتجاه اليساري إلى مظهر رئيسي سائد من خلال انحسار مواقع ومواقف اليمين المحافظ، فيعيد بناء التنظيم ويرتقي به ككل على أساس المنهج المادي الجدلي في كافة المجالات، ليصبح بالفعل حزباً ماركسياً يمثل طليعة واعية للطبقة العاملة ولعموم الكادحين وتجسيداً صحيحاً لعلاقة الطليعة بالجماهير الكادحة والمعبر في جوهره عن ارتباط النظرية الاشتراكية العلمية بالحركة العمالية والجماهير الشعبية" .

وبناءً عليه، يحلل التقرير التنظيمي ، برؤية موضوعية واضحة ، عملية التحول غير المكتملة ، حيث يُشير "إلى بطء وضعف استكمال عناصر التحول، حيث يؤكد على " أن لعملية التحول في صفوفنا خصوصيتها المتميزة، فقد شكلت حالة جدل واسع، وكانت عملية متناقضة ومعقدة وخضعت للعفوية واللاوضوح والتجريبية في بدايتها، ثم ما لبثت أن تحددت كعملية واعية تقودها العناصر المتقدمة الأكثر اقتراباً من الفكر الماركسي العلمي والساعية لامتلاك منهجه وتمثله... لكن عدم نضج أطروحات اليسار وممارساته ووجود مقاومة قوية للبنية اليمينية السابقة وممثلتها ترافق مع حسم التناقض مع مراهقات نظرية وسياسية ومع ممارسات تنظيمية انشقاقية مقابل نزعات مركزية بيروقراطية متشددة، عقد عملية التحول وبناء الحزب الطليعي الماركسي، وهنا يطرح التقرير التنظيمي سؤال المواجهة مع الذات: "ما هي محصلة الشوط الذي قطعناه على صعيد التحول بعد المؤتمر الوطني الرابع، وأين وصلنا على هذا الصعيد؟  هل أنجزنا عملية "التحول" أم نحتاج إلى استكمالها؟ وما هي المقاييس والمعايير التي يمكن اعتمادها لمحاكمة هذه المسألة؟ إن من الضروري أن يكون تقييمنا نقدياً وجريئاً، وبقدر الانشداد للانجازات والايجابيات يجب أن ننشد للثغرات والنواقص والإخفاقات وكذلك إلى رؤية التناقضات التي أعاقت وتعميق عملية تقدمنا على كافة الصعد" .

وفي محاولة الاجابة على هذه الأسئلة المركبة الصعبة يتناول التقرير العام لمؤتمرنا الوطني الخامس عدداً هاماً من المجالات ذات العلاقة هـــي :  1-على الصعيد الأيديولوجي.   2- على الصعيد الطبقي. 3- على الصعيد التنظيمي.    4- على الصعيد السياسي . نستعرضها فيما يلي بصورة مكثفة :

أولا: على الصعيد الأيديولوجي  : حيث يشير التقرير العام إلى أن مؤتمراتنا الوطنية أولت أهمية كبيرة لعملية التحول على الصعيد الأيديولوجي ، وقامت بصياغة وتنفيذ عدداً من البرامج الفكرية التثقيفية الهادفة إلى الارتقاء بالمستوى الفكري لأعضاء وكوادر الجبهة ، كما تم تشكيل مكتب التثقيف والدراسات لمتابعة هذه العملية التثقيفية الداخلية والإشراف النظري على كل ما يتعلق بالتطور الفكري الداخلي بما يبلور ويؤكد هوية حزبنا الفكرية، لكن بالرغم من كل ما تقدم، ما زالت الأسئلة الكبرى ماثلة بلا إجابة محددة وواضحة، لقد طرح المؤتمر الوطني الخامس أسئلته الموضوعية ، الملحة ، ارتباطاً بمسيرة الجبهة التاريخية منذ مؤتمرها الثالث، ملخصاً وبصورة مكثفة هذه التساؤلات في السؤال المركزي التالي : ما هي حصيلة التطور على صعيد التحول الفكري والتنظيمي للجبهة ؟ وما هو واقعنا الراهن؟ إنه أيضاً السؤال الماثل حتى اللحظة.

وفي محاولته الإجابة على هذا السؤال يورد التقرير عدداً من الإشكاليات أو العقبات التي حالت أو عرقلت عملية التحول ، وهي " ظواهر ومسائل وإشكاليات جديدة يجب أن نأخذها بعين الاعتبار، ألا وهي :

  1. تفاقم حدة الصراع على الجبهة الثقافية وضرورات المواجهة المتكاملة للآلة الدعائية والإعلامية الإمبريالية والصهيونية والرجعية.
  2. متطلبات النضال الوطني الفلسطيني في الظروف المستجدة.
  3. ضرورة الارتقاء بسياسات ومواقف الجبهة لتلبية المستلزمات الجديدة للعمل الوطني وإبراز دور حزبنا بالعملية الجارية على صعيد حركة التحرر الوطني والجماهيري العربية.
  4. ضرورة امتلاك فهم علمي للمسألة الدينية في ظروفنا الملموسة والاهتمام بالحياة الروحية للناس.
  5. ازدياد متطلبات التطور النوعي للجبهة على صعيد الامتلاك الأعمق للفهم والممارسة العلمية للعلاقة والعمل مع الجماهير في ظل الطموح للتحول إلى حزب جماهيري مكافح، وكذلك استحقاقات تطور الحياة التنظيمية نفسها المرتبطة أساساً بتعزيز الديمقراطية الحزبية الداخلية.
  6. مواجهة تحديات انهيار المنظومة الاشتراكية وضرورات تجديد النظرية والحركة الثورية ومواجهة تحديات المرحلة الجديدة من التطور العالمي وضرورات إسهام الجبهة النظري والسياسي والعلمي على هذا الصعيد.
  7. مواجهة تشوهات وثغرات العمل الأيديولوجي التي وقع بها حزبنا.

وعلى ضوء ذلك يتوجه التقرير إلى جميع الرفاق في الجبهة بندائه التالي: "علينا في الفترة القادمة أن لا نقتصر على التثقيف بأسس مكونات الماركسية ونتفادى افتقارنا للمواد التي تعالج الواقع والتاريخ، وعلينا الانخراط بفاعلية في الحياة الثقافية والجدل الفكري – السياسي الخارجي، وتفادي أية عقبات تعيق إنتاج واجتهاد كادرنا على هذا الصعيد... كما ويحتاج عملنا الأيديولوجي إلى تعزيز وحدة المنهج والبرنامج والخطة في عموم نشاط الحزب الفكري – النظري والدعاوي والتحريضي على الصعيدين الداخلي والخارجي. وضرورة تجاوز ثغرة غياب البرمجة طويلة الأمد وعدم التحديد الزمني للخطط والمهام والانتباه إلى أهمية وضع الآليات الصحيحة لتنفيذها، وعلى قيادة الحزب والجهات المختصة وقيادات الفروع والمناطق أن تولي اهتماماً أكبر بتدقيق المقاييس النوعية لفاعلية العمل الأيديولوجي وخاصة لقدرة الحزب على إعطاء أجوبة واقعية ومعللة علمياً لمعضلات الثورة والقضية الوطنية والقضايا القومية، وكذلك لمدى انعكاس التثقيف على قيام الأعضاء والكوادر بواجباتهم ومهامهم وعلى إنتاجيتهم  وكفاحيتهم، وعلى مدى مشاركتهم الفاعلة في رسم سياسة الحزب وتعزيز الديمقراطية في صفوفه، واحترام الرأي الآخر مع التأكيد على وحدة الإرادة والعمل للحزب كذات متكاملة" .

ومن أجل ضمان تحقيق كل ما سبق من برامج وآليات عمل يرى التقرير أن الشرط لتطور الجبهة الشعبية كحزب ثوري يكمن في " إمساكنا بحلقة مركزية لعملنا على هذا الصعيد، ومن خلال التدقيق بواقعنا الراهن نستطيع القول أن الحلقة المركزية لعملنا الأيديولوجي في المرحلة الجديدة، من تطورنا تتمثل بالاستمرار في تعزيز وتعميق امتلاك المنهج المادي الجدلي التاريخي من قبل كادر الحزب وهيئاته القيادية تحديداً والعمل على استخدامه الخلاق في إنتاج النظرية وتطويرها في ظروفنا الملموسة بحيث يجب أن نفهم هذه المهمة ككل متكامل وكعملية موحدة , فلا نعزف عن الإنتاج ونهاب خوض مجالاته انتظارا لاكتمال امتلاك  المنهج" .

ثانيا: على الصعيد الطبقي  : يستلهم التقرير في هذا الجانب جوهر الموقف الطبقي الثوري الخاص بعملية تحول الجبهة إلى حزب ماركسي طليعي ، حيث يؤكد على "أن التحول على الصعيد – الطبقي من بنية ديمقراطية ثورية غير متجانسة وغير منسجمة في وعيها الطبقي, أقرب إلي البرجوازية الصغيرة في قوامها, إلي بنية اجتماعية عمالية منسجمة ومتجانسة في قوامها ووعيها ومواقفها من المقاييس الهامة للتحول إلي حزب ماركسي طليعي. فالتحول على هذا الصعيد يسمح بتأمين الأساس المادي الصلب لانسجام الالتزام الفكري للحزب مع قاعدته الاجتماعية, وتخضع هذه المسألة لخصوصية التكون والتبلور الطبقي في كل بلد أو منطقة لضمان التعبير الدائم عن المصالح المشتركة لأوسع الفئات الشعبية عموماً والعمال الكادحين خصوصاً".

ولكن ، بالرغم مما أنجز على هذا الصعيد ، يضيف التقرير برؤية نقدية واضحة , " إلا إننا نسجل وبجرأة وقوعنا في ثغرات ونواقص وأخطاء أضعفت قدرتنا علي تطوير بنيتنا الطبقية باستمرار وبالتعبير عن مجمل مصالح الكادحين الفلسطينيين , وبالنجاح في تنظيم وتعبئة فئات جماهيرية واسعة كالفلاحين والمثقفين الوطنيين والديمقراطيين وقطاع المرأة أيضاً , ولا شك فإن من الأسباب الأساسية لذلك هي وقوعنا في مراحل متقدمة من تطورنا في نزعات يسروية ضيقة، إلى جانب ضعف تبلور طبقتنا العاملة وتشوهها ، أما الأمر الثاني الملفت للنظر,فهو تدني نسبة الفلاحين في صفوف الجبهة بشكل عام , وهو ما يستدعي الوقوف أمامه بجدية من أجل تفاديه" .

وبالإضافة إلى الرؤية النقدية الموضوعية كما طرحها التقرير إلا أنه يشدد على عدم التوقف عند الزيادة الكمية أو العددية للعمال أو الفلاحين والكادحين في صفوف حزبنا ، ويشير في هذا الجانب إلى أنه "بالرغم من أهمية العمل من أجل زيادة نسبة العمال في الحزب وخاصة في صفوفه القيادية، إلا أن الأهم ليس عدد العمال، بل نوعيتهم وثقافتهم ومستوى تأهيلهم، الأمر الذي يجب أن يدرس بعناية، وأن يعطى له المزيد من الاهتمام في الفترة القادمة" .

ثالثا: على الصعيد التنظيمي : في هذا الجانب ، يؤكد التقرير –وبصورة موضوعية- على "أن المسألة التنظيمية ليست مسألة فنية تكتيكية بل مسألة فكرية - سياسية بالأساس. وعلى ضوء ذلك تنبع أهمية تطور الحياة التنظيمية الداخلية للحزب، ودورها في تحديد هويته وجوهره ومقاييس نضجه وعلاقته بجماهيره وقيامه بمهامه المنوطة به، وأن الحكم على مستوى نضج عملية البناء التنظيمي هو تماماً كالحكم على مستوى نضج البناء الأيديولوجي، ليس التبني الرسمي والمعلن للقضايا والمواقف، بل الممارسة العملية على أساس ذلك ، فبقدر ما يجب أن لا تعمينا الثغرات والنواقص عن رؤية الإيجابيات والشوط الكبير الذي أُنجز على صعيد التحول التنظيمي، بقدر ما يجب أن تجعلنا نشحذ الهمم، ونبذل المزيد من الجهد للتخلص من الثغرات وتأثيراتها والقضاء عليها" .

وبالتالي فإن التطور التنظيمي اللاحق للجبهة الشعبية " يتطلب الإنشداد لمحورية التجديد الديمقراطي للحزب وذلك من خلال تعزيز تفاعل الآراء والأفكار في الحزب، ومن خلال ديناميكية الإعلام الحزبي المتوافق مع متطلبات التطور الهائل بأساليب التكنولوجيا الحديثة وثورة المعلومات، ومن خلال استخراج رأي القاعدة الحزبية في القضايا المفصلية وتفعيل دور الأعضاء في رسم سياسة الحزب بفاعلية ونشاط" .

رابعاً: على الصعيد السياسي : يتوصل التقرير إلى نتيجة هامة وصحيحة ، مفادها " أنَّ التحول إلى مواقع الاسترشاد بالمنهج المادي الجدلي التاريخي، هو عملية فكرية – سياسية طبقية وتنظيمية متكاملة، ومترابطة، فالتحول على الصعيد الأيديولوجي يجد مردوديته ونتائجه في تملك الحزب، وهيئاته القيادية تحديداً، للنظرية كمرشد للعمل وكمنهج للتحليل والتغيير الثوريين، أما التحول على الصعيدين التنظيمي والطبقي فيتحدد هدفها في نهاية المطاف بخدمة تحقيق الأهداف والمهام المستنبطة والمرسومة من قبل الحزب والمعبرة عن مصالح أوسع الفئات الجماهيرية الكادحة. أي أن المسألة سياسية – فكرية ترتبط بجوهر الحزب كقائد سياسي للجماهير وضرورات توفير متطلبات هذا الجوهر وتجلياته الملموسة في الممارسة العملية" .

على هذا الأساس، يؤكد التقرير بوضوح، على " أن نضج السياسة نفسها يتحدد بمقدار عمق تملك المنهج المادي الجدلي وتمثله في الممارسة. أما تحقيقها فيعتمد على القدرة على استنباط وامتلاك الوسائل والطرق والأساليب التي تجعل الممارسة خلاقة ومبدعة في الظروف الملموسة وصولاً للأهداف والمهام عن طريق حركة الجماهير الواسعة وليس الأفراد أو القادة أي أن السياسة ليست مجرد شعار، أو صراع أو مواقف وتصاريح. بل هي فوق هذا كله علم وفن لقيادة الصراع الطبقي بكافة أشكاله وتجلياته وتعقيداته وعليه فإن السياسة الثورية يجب أن تتسم بصفات العلمية والموضوعية والانسجام وعدم التناقص، والسمة العملية المبادرة، والمبدئية مع المرونة العالية، والارتباط بالجماهير، والواقعية الثورية" .

إن هذه الرؤية الموضوعية للممارسة السياسية ، يجب أن تظل بالنسبة لنا في الجبهة ، في المرحلة الراهنة والمستقبل ، محدداً أو منطلقاً رئيسياً نهتدي ونلتزم بمضمونه في تحليلنا لإدارة عملية الصراع مع العدو الصهيوني ودولته ، وفي تحليلنا للأوضاع السياسية الفلسطينية والموقف من سلطة الحكم الإداري الذاتي و م.ت.ف ، وفي ممارساتنا لعملية التحالفات السياسية من منطلقات طبقية ووطنية ، وكذلك في تحليلنا للأوضاع العربية والإقليمية والدولية عموماً والعلاقات الأممية خصوصاً، آخذين بعين الاعتبار إقرارنا عبر الحوار الرفاقي في هيئات الجبهة عموماً ، وفي مؤتمراتها الوطنية خصوصاً ، أنها –وفق ما ورد في تقرير المؤتمر الوطني الخامس- بحاجة مستمرة إلى تطوير سياستها عموماً، وخاصة حاجتها إلى خوض معترك التكتيك السياسي الثوري واتخاذ المواقف السياسية المبادرة وإجادة فن السياسة بما يتضمنه من مساومات واستخدام التناقضات والطرق والوسائل العالية المرونة وخاصة لكسب الجماهير والحلفاء" .

التقييم العام :

وفي ضوء ما قدمه التقرير التنظيمي حول عملية "التحول" على الصعد الأيديولوجية والطبقية والتنظيمية والسياسية، يستعرض " التقييم العـــام " هذه العملية ، مؤكداً على " أن نجاحنا في خوض الصراع بكل أبعاده الوطنية والقومية والطبقية ، والنضال بكل أشكاله من أجل تحقيق أهداف حزبنا ، يفرض علينا في الجبهة التقييم العام ، الدوري والدائم ، لواقعنا الراهن في ضوء تطورنا السابق وتراكماته ونتائجه النوعية حتى اللحظة، وليس من المجموع الحسابي أو التوسع التنظيمي الكمي، ... وعلينا الانشداد للمسائل الجوهرية وللمظهر الرئيسي، ورؤية سلبياتنا وإيجابيتنا انطلاقاً من هذا" ، مدركين أنه "بالرغم مما نعيشه من ثغرات ونواقص فإن محصلة التقييم العام هي: أننا نمثل حزباً يسترشد بالمنهج المادي الجدلي التاريخي إجمالاً ويعمل لتمثله في الممارسة ، لكننا بحاجة إلى بلورة طموحنا وتجديد ذاتنا والارتقاء بأوضاع حزبنا وتجديد حركتنا الثورية عبر تعميق عملية التحول من خلال سيادة الفكر الماركسي وتملك المنهج المادي الجدلي" .

وبالتالي فإن ضرورات التطور اللاحق لحزبنا تتطلب الانخراط، على كافة الصعد والمجالات في عملية ذات بعدين متداخلين ومتكاملين هما :

أولاً: استمرار التعمق بامتلاك المنهج المادي الجدلي التاريخي في عموم الحزب وعلى صعيد القيادة والكادر خاصة، ودراسة واقعنا الفلسطيني والعربي وظروف تطوره الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي بالاستناد له.

ثانياً: التجديد الديمقراطي والثوري الشاملين للجبهة في مجالات نشاطه وحياته المختلفة، وعلى أساس المنهج المادي الجدلي والاشتراكية العلمية، والديمقراطية الواسعة في الحياة الحزبية الداخلية وفي العلاقة مع الجماهير، وبما يقدمنا خطوات سريعة على طريق التخلص من أوجه القصور والبيروقراطية، والمركزية المتزمتة، وغيرها من الأمراض، ويؤمن لنا بناء حزب طليعي- جماهيري – كفاحي يمثل طليعة شعبنا في النضال من أجل أهدافه الوطنية المرحلية والإستراتيجية.

ولمزيد من التحديد والدقة – كما يضيف "التقييم العام" – فإن ما نسعى لتحقيقه ما يجب أن يتمثله حزبنا حتى يرتقي للصورة المطلوبة، هو :

‌أ-   فكريا: تعميق تملكنا للمنهج المادي الجدلي التاريخي، والفكر الاشتراكي العلمي، ودراسة واقعنا استناداً لها.

‌ب-  طبقياً: تعميق وتوطيد بناء حزبنا الطبقي بحيث يعبئ العمال وعموم الكادحين من أبناء شعبنا ويعبر عن مصالحهم ويمثل طليعتهم الواعية والمنظمة في النضال من أجل التحرر الوطني والديمقراطية والتقدم الاجتماعي على طريق الاشتراكية.

‌ج-  تنظيمياً: توطيد بناء حزبنا الداخلي على أسس المركزية الديمقراطية كمفهوم شامل يقوم على الوعي والديمقراطية العميقة والواسعة وعلى وحدة الإرادة والعمل، والعلاقات الرفاقية والإنسانية العميقة وأساليب ووسائل القيادة الحزبية الجماعية الديمقراطية.

‌د-   سياسياً: رسم البرنامج السياسي للجبهة، والتكتيك المنبثق عنه على الصعد المختلفة (التحالفات، الخط السياسي في مجال التكتيك العسكري والكفاحي..) بما يمكننا من الإمساك بالحلقة المركزية، وبما يراعي توازن القوى، واللحظة الملموسة والمزاج الجماهيري واستعداداته ومتطلبات التطور اللاحق.

‌ه-  جماهيرياً: تطوير دورنا كحزب يمثل فصيلة واعية ومنظمة للجماهير ولعموم الشعب لتحقيق أهدافه الوطنية والتقدمية.

‌و-   وطنياً: الاهتمام بالعمل على الصعيد الوطني، وتطوير دور الحزب وطنياً، عبر المعالجة الصائبة للقضايا الوطنية ولمصالح الشعب الجوهرية، ولمشاكله اليومية، بحيث يسير نشاطنا الداخلي والخارجي من نفس الاتجاه.

ولتحقيق التقدم المطلوب على طريق توطيد جوهر الحزب وسماته الجديدة، وإنجاح هذه العملية "فإن على قيادة الحزب أن تلعب دوراً أكبر في المرحلة القادمة لكي تمثل حقاً ذات قيادية لعملية التقدم المطلوبة والقيادة المثل، أمام الكادر والجماهير الحزبية، وهذا يفرض بداهة تجاوزها للثغرات التي رافقت دورها في المراحل السابقة، رغم أنها هي المسئولة الأولى عن ما تحقق بإنجازاته وإخفاقاته" .

وفي هذه الصدد، يشير "التقييم" بحق، إلى أن التطور المطلوب للمرحلة المقبلة سيكون معياره الأساسي، "مدى قدرتنا على دراسة واقعنا المعاش والمحيط، في جوانبه كافة، واستخراج السياسات والمواقف الواقعية الثورية، لحل معضلات الواقع والثورة، على أساس المنهج الماركسي المادي الجدلي، وفي قدرتنا على خلق حزب طليعي كفاحي جماهيري يحظى بثقة والتفاف الشعب وقواه الحية، بما يمكننا من تطبيق التوجهات البرنامجية العـامة والعمل على تنفيذ خطوطها الأساسية التالية التي حددها التقرير كما يلي :

(1)  تأمين أساليب العمل التي تجعل الهيئات القيادية هيئة أركان للحزب في المجالات المختلفة وتوفير الوقت والمتطلبات الضرورية لبنائها نظرياً كي تستطيع قيادة الحزب بإبداع وكفاءة عالية.

(2)  زيادة الاهتمام بالكوادر وإطلاق طاقاتها ومبادراتها ، مع التركيز على بناء الكوادر النوعية والمتخصصة في المجالات المختلفة ، وهذا يتطلب زيادة دورات الإعداد النظري والتخصصي على المستوى المركزي وعلى مستوى المنظمات الحزبية في مواقعها المختلفة.

(3)  إن عملنا الأيديولوجي، يجب أن يستمر في تمليك كادر الحزب وهيئاته القيادية تحديداً للمنهجية المادية الجدلية، والاستمرار في تعميق فهم مجمل أعضاء الحزب للأسس العامة للماركسية، وإنتاج الفكر عبر تحليل الواقع والمهمات انطلاقاً من المنهج المادي الجدلي، وربطه بالواقع الملموس، وتقديمه معللاً للمنظمات الحزبية وللجماهير، ورفع مستوى البرمجة والتخطيط للعمل الأيديولوجي الداخلي والخارجي.

(4)  تشديد العمل من أجل التحول إلى حزب جماهيري – طليعي – كفاحي، وهذا يتطلب التوسع في سياسة تشكيل المنظمات الديمقراطية، والبحث عن الأساليب المناسبة لتأطير الجماهير ارتباطاً بظروف كل تجمع فلسطيني وبالمهمات المطلوب حلها في هذا التجمع.

(5)  تكثيف الجهد للارتقاء بتملك وممارسة الأسلوب والنمط الديالكتيكي في العمل والقيادة الحزبية، على مستوى الهيئات القيادية والكادرية.

(6)  الارتقاء بعملنا في أوساط العمال والمرأة والمثقفين والشباب ، واجتذاب المزيد من العناصر الطليعية منهم للانتظام في حزبنا وللانخراط في عمل المنظمات الديمقراطية المحيطة.

(7)  إيلاء أهمية لتطوير الحياة الديمقراطية في المنظمات الحزبية على مختلف المستويات ، وتأمين حرية المناقشة والانتقاد باستمرار وحق الاختلاف وتأمين الآلية المناسبة لذلك.

(8)  تكثيف الرقابة على عمل وأداء الهيئات المختلفة.

(9)  إيلاء الاهتمام المتزايد للبرمجة والتخطيط الطويل الأمد عبر تحديد اتجاهات عامة للخطة على مستوى الجبهة وعلى مستوى الفروع وجدولة هذه الخطط الطويلة، بخطط قصيرة لمدى عام وخطط فصلية.. على مختلف المستويات الحزبية.

 

وفي ضوء التقرير العام ، وبالتزامن معه، أصدر المؤتمر الوطني الخامس ، برنامجاً سياسياً للجبهة، تضمن في الفصل الأول منه الحديث عن مرحلة التحرر الوطني ، طبيعتها ، تناقضاتها، أهدافها، مهامها، قواها المحركة، ثم تناول بالتحليل والموقف السياسي طبيعة منظمة التحرير وموقف الجبهة تجاهها مؤكداً على " أهمية مواصلة الجبهة نضالها من أجل تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية وتوطيدها، والعمل على إحداث إصلاح ديمقراطي حقيقي في مؤسسات م.ت.ف ، وتكريس شرعية ووحدانية تمثيل م.ت.ف للشعب الفلسطيني ، ومواصلة العمل من أجل تعزيز مكتسبات م.ت.ف وتطويرها " .

كما تناول الفصل الثاني من البرنامج السياسي الحديث عن " القوى المعادية للثورة الفلسطينية: الكيان الصهيوني ، الحركة الصهيونية ، الامبريالية العالمية ، والقوى الاجتماعية المرتبطة بالامبريالية" ، مؤكداً على أن " الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين انطلاقاً من رؤيتها لطبيعة الكيان الصهيوني بوصفه كياناً استيطانياً عنصرياً عدوانياً توسعياً ، يقوم بوظيفة امبريالية صهيونية مشتركة ، تؤمن بضرورة ممارسة كل أشكال النضال لتدمير هذه القاعدة الامبريالية المتقدمة ، وهي تؤكد بأن الصراع الدائر منذ أكثر من مئة عام ليس صراعاً بين قوميتين ، بل هو صراع بين حركة التحرر الوطني الفلسطيني والعربي من جهة ، والتحالف الإمبريالي الصهيوني الرجعي من جهة أخرى...وإن أي محاولة للفصل بين العدوين الإمبريالي الأمريكي والصهيوني هي محاولة عقيمة ومضللة ودوغمائية هدفها تجاهل الواقع بعناصره المكونة " ، كما أكد البرنامج أيضاً على أنه "إلى جانب الحركة الصهيونية والامبريالية العالمية ، تحتل القوى والأنظمة العربية الرجعية والبرجوازية المرتبطة بالإمبريالية مكانها في معسكر القوى المعادية للثورية الفلسطينية وحركة التحرر الوطني العربية مع وجود فوارق بينها بطبيعة الحال... وإن الجبهة الشعبية استناداً إلى هذه المعطيات ، ترى بأن القوى والأنظمة الرجعية العربية التابعة تشكل موضوعياً جزءاً لا يتجزأ من معسكر القوى المعادية للثورة، وهي انطلاقاً من هذه الحقيقة، تدعو فصائل حركة التحرر الوطني العربية لتكثيف النضال لفضح هذه الأنظمة والتصدي لسياساتها التصفوية للقضية الفلسطينية  ، كما تدعو هذه الفصائل للتنسيق فيما بينها لمواجهة الخطر الصهيوني الذي يتهدد شعوبها ومن أجل تحرير أوطانها من الهيمنة والتبعية والاستغلال الإمبريالي . وفي الفصل الثالث طرح البرنامج السياسي أشكال وأساليب النضال مؤكداً على " أن تحقيق النصر في صراعنا القائم ضد العدو الصهيوني يتطلب استخدام كل أشكال وأساليب النضال الرئيسية : الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية ... غير أن ضرورات خوض النضال بأشكاله المتعددة لا يلغي الأهمية القصوى لتحديد الشكل الرئيسي للنضال باعتباره الرافعة والقوى الدافعة للأشكال النضالية الأخرى ، ومن هذا المنطلق ترى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن الكفاح المسلح هو الأسلوب الرئيسي للنضال الوطني الفلسطيني المعاصر " ، وفي هذا السياق يضيف البرنامج مؤكداً "على أن تحديد الكفاح المسلح أسلوباً رئيسياً ، لا يمنع من طغيان أسلوب آخر من أساليب النضال في مرحلة معينة ، فأساليب النضال المختلفة تتحدد في كل مرحلة من المراحل تبعاً للظروف القائمة ومدى ملاءمتها واستجابة الجماهير لها ... وإن مبدأ الجمع بين مختلف أشكال النضال ينبغي أن يقترن دوماً بامتلاك القدرة على الانتقال من شكل نضالي إلى آخر في الوقت المناسب والظروف الملائمة ووفق متطلبات المرحلة النضالية ، فالشكل الرئيسي للنضال بدون ارتباطه بأشكال النضال الأخرى يبقى قاصراً عن تحديد أهدافه، وبأن النجاح في الربط بين هذه الأشكال هو الذي يمكن من تجريد العدو من أوراق قوته وتفوقه ويعزز من فرص إحكام عزلته على المستويين الإقليمي والدولي " . ويستطرد البرنامج السياسي في نهاية الفصل الثالث بالقول " إذا كان النضال السياسي بأشكاله المتعددة لم يزل يحتل الموقع الأول في مجرى النضال الوطني الفلسطيني وفي مجمل اهتمامات الثورة ، فإن النضال في المجالين الاقتصادي والأيديولوجي لا يجب أن يقل أهمية عن النضال السياسي" .

  1. وفي الفصل الرابع يؤكد البرنامج السياسي على الترابط الجدلي بين حركة التحرر الوطني الفلسطيني وحركة التحرر الوطني العربي " انطلاقاً من إيمان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، بان فلسطين جزء لا يتجزأ من الوطن العربي ، وإن الشعب العربي الفلسطيني جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، وإن حركة التحرر الوطني الفلسطيني جزء لا يتجزأ من حركة التحرر العربية "  ، ويضيف البرنامج "فعلى ضوء العلاقة العضوية الوثيقة التي تربط بين شعوب الأمة العربية وفصائلها وأحزابها وقواها الوطنية والتقدمية على قاعدة الروابط القومية والتحدي الجدي لحاضرها ومستقبلها ، فإن الجبهة الشعبية ترى أهمية وضرورة العمل المشترك فيما بينها من أجل تحقيق الأهداف التالية  :
  1. بناء علاقة صحيحة بين القطري والقومي ، الخاص والعام في نضالات مختلف قوى حركة التحرر العربية .
  2. تؤمن الجبهة الشعبية بالبعد القومي للقضية ، وهي إذ تؤكد الدور الخاص للشعب الفلسطيني في عملية التحرير ، فإنها تعتبر عملية تحرير فلسطين ودحر الصهيونية مهمة قومية .
  3. العمل على تجديد حركة التحرر العربية، وذلك على ضوء الأزمة البنيوية التي تعصف بالجناح البرجوازي والعمالي فيها ، مما يتطلب حواراً جدياً وواسعاً بين مختلف فصائلها وأكبر عدد من المثقفين الديموقراطيين .
  4. بذل المزيد من الجهود لاقامة جبهة عربية تقدمية ديمقراطية ، والتركيز على اشتقاق صيغة سياسية تنظيمية للعمل المشترك بين فصائل حركة التحرر العربية عموماً وفي بلدان الطوق خصوصاً.
  5. العمل في سبيل اقامة حزب الطبقة العاملة العربية الموحد على المدى الاستراتيجي .
  6. النضال من أجل الوحدة العربية ، وتعبئة الجماهير الفلسطينية والعربية من أجل تحقيقها.
  7. العمل المشترك من أجل تحقيق المشروع الحضاري القومي العربي بما يتضمنه من مهام بناء المجتمعات المدنية الديمقراطية والتنمية لحل مشكلات الفقر والجوع والتصحر والتبعية بكافة أشكالها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية ، واستخدام الثروة العربية بالتنمية والتكامل الاقتصادي والسوق المشتركة لمواجهة تحديات المرحلة الجديدة من تطور العالم المعاصر على طريق مجتمع عربي اشتراكي ديمقراطي موحد .

وفي الفصل الخامس والأخير من البرنامج السياسي الصادر عن المؤتمر الخامس ، تناول حركة التحرر الوطني الفلسطيني باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من قوى التحرر والتقدم والديمقراطية والاشتراكية والسلام في العالم ، مؤكداً على تزايد التعقيدات " في ظل الظروف الجديدة التي يجتازها العالم المعاصر بعد انتهاء الحرب الباردة واختفاء نظام القطبين وسعي الولايات المتحدة لتكريس قيادتها وفرض سيطرتها على العالم ، الأمر الذي يتطلب مزيداً من تضافر جميع القوى المناضلة ضد الظلم والاضطهاد ، ومن أجل الحرية والعدالة والمساواة على الصعيد العالمي وفي بلدان العالم الثالث خاصة " . وفي هذا الجانب "فإن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين باعتبارها فصيلاً من الفصائل الثورية على الصعيد العالمي ، يلتزم بمبادئ التضامن الأممي تؤكد إيمانها المتجدد وسعيها الثابت لتعزيز وتمتين أواصر علاقات التحالف بين الثورة الفلسطينية والأحزاب والقوى التقدمية في العالم ، وذلك على أرضية أهداف النضال المشترك التالية :

    1. النضال ضد العدوانية الإمبريالية ، وخاصة الأمريكية ، من أجل نظام عالمي جديد يقوم على احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها ، واختيار طريق تطورها المستقل في عالم تسوده الحرية والعدالة والمساواة بين الشعوب .
    2. النضال لحل مشكلة المديونية لصالح شعوب العالم الثالث المنهوبة والمضطهدة من النظام الإمبريالي والاحتكارات العالمية .
    3. الكفاح مع سائر القوى والفصائل التقدمية من أجل درء أخطار الحرب النووية وصيانة السلم العالمي.
    4. الكفاح ضد كل أشكال القهر والقمع والتمييز العنصري ، ولتشديد العزلة على الكيان الصهيوني وفضح الصهيونية كحركة عنصرية رجعية .
    5. ضرورة تنسيق جهود مختلف الأطراف الدولية الساعية إلى زيادة وزن ودور هيئة الأمم المتحدة في إرساء أسس العدل والمساواة في العالم والتصدي لكل أشكال الظلم والعدوان، ولكل عمليات خرق وتجاوز الأعراف والمواثيق الدولية ، والدفاع عن حرية وحقوق الإنسان المنتهكة في فلسطين المحتلة وفي كل مكان من العالم .
    6. تدعو الجبهة للنهوض بدور دول عدم الانحياز والبلدان الإفريقية والإسلامية في دعم وإسناد الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وتطوير الجهود المبذولة لتكوين رأي عام عالمي مؤيد للحق الفلسطيني ، للضغط على التحالف الإمبريالية – الصهيوني للتسليم بقرارات الشرعية الدولية التي تعترف بحقوق شعبنا في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على أرض وطنه.