قراراتُ قمّة الجزائر في الشقّ الفلسطينيّ فارغة في المضمون وإنجاز في الشكل

حجم الخط

وأخيرًا عقدت القمّة العربيّة في الجزائر، بعد غياب  ثلاث سنواتٍ بذريعة وباء كورونا رغم أنّ قممًا إقليميّةً ودوليّةً عقدت في تلك الفترة في السياق الافتراضي، وتفاءل البعض خيرًا بعقد هذه القمّة لا سيّما وأنّها تعقدُ في بلد المليون شهيد، الأكثر حرصًا على القضيّة الفلسطينيّة وعلى القضايا العربيّة وفي المقدّمة منها القضيتين السوريّة واليمنيّة، لكن قراراتها في مختلف القضايا الخلافيّة ليست قراراتٍ توفيقيّة – كما تم وصفها- بل قرارات علاقات عامّة  لا تسمن ولا تغني من جوع ، ولا تضع أيًّا من تلك القضايا على طريق الحلّ بعيدًا عن الاستهدافات الصهيوأميركيّة والرجعيّة.

وبخصوص القضيّة الفلسطينيّة، يسجّلُ للرئيس الجزائري وللدبلوماسية الجزائرية أنها عملت على إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية التي تعرضت لمحاولات التهميش والتصفية على مدى أكثر من عقدين من الزمن، وذلك باحتضان الجزائر مؤتمراً للم الشمل الفلسطيني في محاولة جادة لإنهاء الانقسام الفلسطيني وترتيب البيت الوطني الفلسطيني.

صحيحٌ أن القرارات الصادرة عن مؤتمر لم الشمل الفلسطيني هي قرارات علاقات عامة يستحيل تنفيذها في ظل تناقض بين مشروع المقاومة ومشروع أوسلو التصفوي وتداعياته، وجراء عدم قيام حركة فتح بوصفها حزب السلطة بإجراء مراجعة نقدية لنهج السلطة السياسي منذ عام 1993 وحتى اللحظة الراهنة، لكن هذه القرارات وظفها الرئيس الجزائري باقتدار لمنع الدول العربية، وخاصةً المطبعة منها التنصل من الحديث عن القضية الفلسطينية بذريعة الانقسام الفلسطيني.

قرارات القمة بشأن القضية الفلسطينية في الميزان

القراءة المتأنية لقرارات القمة بشأن القضية الفلسطينية تقودنا إلى تسجيل ما يلي:

مركزية القضية الفلسطينية... ولكن؟!

يسجل لقمة الجزائر من خلال الدبلوماسية الجزائرية، أنها أعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية في السياق السياسي النظري، بأنها القضية المركزية للأمة العربية من خلال  القرار الأول الذي ينص على "التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية والدعم المطلق لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف بما فيها حقه في الحرية وتقرير المصير وتجسيد دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة على خطوط 4 حزيران 1967وعاصمتها القدس الشرقية، وحق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين، وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948".

لكن هذا القرار يعيد الاعتبار للبرنامج السياسي التقليدي لمنظمة التحرير حول حل الدولة والدولتين، والذي سبق وأن تبنته القمم العربية السابقة، لكنه لم يراع المتغيرات القائمة، ممثّلةً بما يلي (أوّلًا) تجاوز  العديد من القوى الوطنيّة والثوريّة الجديدة لطرح حلّ الدولتين ورفضها المطلق لاتفاقيّات أوسلو ونهج التفاوض البائس، وإعادتها  الصراع إلى المربّع الأوّل بوصفه صراعًا وجوديًّا (وثانيًا) رفض الكيان الصهيوني قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بدعم من الإدارة الأمريكية ويتساوى في هذا الرفض مع الإدارة الأمريكية سواءً كانت جمهوريّةً أو ديمقراطيّة.

ومن ثَمَّ، تكرار هذه الصيغة في مؤتمر القمة في الجزائر لا قيمة له، وباتت صيغة جاهزة لملأ الفراغ في قرارات القمم العربية، ناهيك أنها لم تراع أن فصائل مقاومة أساسية، وطلائع ثورية جديدة خلقت فارقاً هائلاً في منسوب المقاومة المسلحة ضد العدو الصهيوني مثل: "عرين الأسود" وكتائب المقاومة في مختلف مدن الضفة الغربية، وباتت تعتبر حل الدولة وراء ظهرها، وتؤكد على تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني.

المبادرة العربية للسلام آلية للتطبيع الابراهيمي

أما القرار الثاني المتعلق بمبادرة السلام العربية الذي ورد وفق النص التالي: " – التأكيد على تمسكنا بمبادرة السلام العربية لعام 2002 بكافة عناصرها وأولوياتها، والتزامنا بالسلام العادل والشامل كخيار استراتيجي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي العربية، بما فيها الجولان السوري ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا اللبنانية، وحل الصراع العربي-الإسرائيلي على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام والقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة".

بخصوص هذا البند يمكن تسجيل ما يلي:

1- لم يأت هذا  القرار على ذكر "حق العودة" الوارد في المبادرة (كمشروع للتسوية)، ومن المعلوم  أن فقرة "حق العودة" في المبادرة جاءت بضغط من الرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود في القمة العربية في بيروت عام 2000، خاصةً وأن أن المبادرة الأصلية للملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، لم تتضمن أي ذكر لحق العودة وفي الذاكرة كيف أصر  الرئيس لحود على  فقرة تنص على حق العودة للاجئين الفلسطينيين، تنفيذاً للقرار 194  حين رفض الضغوط السعودية والأمريكية بشأنها، ورفض المقترح الذي طرحته وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك "مادلين أولبرايت" بالتفاهم مع نتنياهو، بأن لا يكون "حق العودة"  جزءاً من القرارات، وتضمينه في الإعلان السياسي العام. ومع ذلك التفت السعودية   في قمة بيروت على القرار عبر صيغة ملتبسة على النحو التالي "حل عادل متفق عليه وفق القرار 194"، أي إخضاع هذا الحق للمساومة مع الكيان الصهيوني.

2- واللافت للنظر أن القمة نصت على "المبادرة العربية للسلام" التفريطية في الوقت الذي تنصلت فيه العديد من الدول العربية من المبادرة (الإمارات، البحرين، السودان ، المغرب) بتوقيعها معاهدات التطبيع الإبراهيمي مع الكيان الصهيوني وما نجم عنها من اتفاقات أمنية واقتصادية، متخليةً بشكل سافر عن "مبدأ الأرض مقابل السلام" على سوءته وخطورة أبعاده التطبيعية.

3- القمة العربية من أجل إنجاز نجاح شكلي دون إغضاب الدول المطبعة، لم تأت على ذكر مخالفة الدول المطبعة لقرارات القمم العربية السابقة بشأن "مبدأ الأرض مقابل السلام" جوهر "مبادرة السلام العربية" من خلال شروعها في تطبيع مكتمل الأركان مع دولة الكيان.

توسل رخيص

 واللافت للنظر هذا التوسل الرخيص من قبل النظام العربي في معظم مفاصله للكيان الصهيوني للموافقة على المبادرة، رغم رفض حكومات العدو المتعاقبة لها، وهنا نذكر إن نفعت الذكرى، كيف هدر النظام العربي ماء وجهه أمام حكومات العدو على وعسى أن تقبل المبادرة من خلال ما يلي:

أ-عندما أعلنت قمة بيروت عام 2000م "مبادرة السلام العربية" رد عليها "أريك شارون" بوضع حجر الأساس لجدار الفصل العنصري، وبالقول: "أنها لا تساوي قيمة المداد الذي كتبت به".

ب- وفي قمة الجزائر 2005 توافقت القمة على تقديم ملخص للمبادرة في الصحف الإسرائيلية، حتى يسهل على الإسرائيليين فهمها واستيعابها للضغط، على حكوماتهم للموافقة عليها، وكان رد "شارون" عليها بإعلانه رفض تجميد توسيع المستوطنات اليهودية، وإعلانه عن خطة لتوسيع مستوطنة معاليه أدوميم شرق القدس لتضم 3500 وحدة استيطانية جديدة.

ج- وبعد تأكيد قمة الرياض عام 20007، مجدداً على المبادرة العربية (للسلام) وانتدابها وزراء خارجية عرب، ترتبط دولهم بمعاهدات مع (اسرائيل) لزيارتها لشرح المبادرة ومزاياها من حيث أنها باتت مبادرة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، رد وزير حرب العدو على هذه الزيارة، بقوله: "أن الاستيطان لن يتوقف وأن (إسرائيل) ترفضها لأنه لا تلبي شروط ومتطلبات السلام الإسرائيلية".

د- وعشية قمة الدوحة 26/2/ 2009، أعلنت حكومة العدو، عن البدء في مسح منطقة (اي-1) في المنطقة الفاصلة بين مستوطنة معاليه أدوميم، وبين والقدس، توطئة لبناء وحدات استيطانية، وإقامة فنادق، ومشاريع تشغيلية ومناطق تجارية، بما يحقق الفصل الكامل ما بين شمال الضفة الغربية وجنوبها، كما أرسلت حكومة العدو في حينه، اشعارات بهدم 1500 منزل في القدس توطئة لهدم 8000 منزل عربي في غضون عامين.

ه- وتوالت القمم العربية ومن ضمنها "قمة الظهران" في 15 أبريل (نيسان) 2018 التي أعات التأكيد على "المبادرة العربية" في الوقت الذي كانت فيه السعودية تطبخ "مشروع صفقة القرن" مع "جاريد كوشنر" -مستشار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب- على نار هادئة.

باختصار شديد يمكن الجزم بأن العقل الذي وقف وراء المبادرة، كان يستهدف التطبيع دون شرط الانسحاب، وما يؤكد ذلك تصريحات الحكام الموقعين على اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية في أن الهدف من التطبيع والتحالف مع الكيان الصهيوني، هو إقناع الكيان الصهيوني بحل الدولة الفلسطينية، والتصدي للخطر الإيراني المزعوم، في محاولة لتبرير التطبيع والتتبيع الخياني للقضية الفلسطينية.

الحرص المزعوم على القدس

أما القرار (3) الذي "يتحدث عن ضرورة مواصلة الجهود والمساعي الرامية لحماية القدس المحتلة ومقدساتها والدفاع عنها في وجه محاولات الاحتلال لتغيير ديمغرافيتها وهويتها العربية والاسلامية والوضع التاريخي والقانوني، ودعم الوصاية الهاشمية التاريخية لحماية المقدسات والتأكيد على دور لجنة القدس في حمايتها من التهويد.. الخ. فهذا البند يعكس قمة النفاق والكذب لعدة اعتبارات أبرزها:

1- أن غالبية الدول العربية لم تنفذ قرارات القمم السابقة، التي نصت على توفير الدعم المالي لصمود أهل القدس ولمؤسساتها التعليمية والاقتصادية والاجتماعية.

2- أن قرار القمة بشأن دعم القدس ذا طابع إنشائي، بحكم أنه لم يرتب على الدول العربية أية التزامات مالية محددة لدعم صمود أهلها، في محاولات الاحتلال لتغيير ديمغرافيتها وهويتها العربية والاسلامية.

3- أن دول التطبيع الابراهيمي وغيرها التي شاركت في مؤتمر البحرين الاقتصادي (25-26 يونيو (حزيران) 2019 الذي نظمته إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بهدف توفير الدعم المالي للسلام الاقتصادي لمشروع صفقة القرن، هي عملياً موافقة على الصفقة التي تعتبر القدس بشطريها عاصمة للكيان الصهيوني، ولعل حضور وزيري خارجية الإمارات والبحرين لاحتفال الإعلان عن الصفقة في يناير (كانون ثاني) 2021 لمؤشر على ذلك.

4- اللافت للنظر أن القمة تحدثت عن دعم "لجنة إنقاذ القدس"، ومن المعلوم أن ملك المغرب الذي يرأس هذه اللجنة لم يمارس أي دور لإنقاذ القدس من التهويد منذ تأسيسها ولم يتابع تنفيذ قرارات منظمة المؤتمر الاسلامي، بل اكتفى بهذه الصفة الشرفية التي لا يستحقها على الإطلاق، فمن يوقع معاهدة تطبيعيه مع الكيان الصهيوني واتفاق أمني معه، هو في التحليل الأولي وليس النهائي خائن لقضية القدس وللقضية الفلسطينية.

الحرص المزعوم على قطاع غزة

أما القرار الرابع بشأن المطالبة برفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، وإدانة استخدام القوة من قبل السلطة القائمة بالاحتلال ضد الفلسطينيين، فهو مثير للسخرية المرة كون الحصار للقطاع عربي رسمي أيضاً بامتياز، ولا يقل خطورةً عن الحصار الإسرائيلي ناهيك أن معظم المفاصل المطبعة في النظام العربي، لم تتخذ أي موقف ولو شكلي ضد سلسلة الحروب العدوانية على القطاع، بل أن بعضها كان يتمنى هزيمة المقاومة، وخاصة في معركة سيف القدس التي أحرجت هذه المفاصل، كون الكيان الذي تتكئ عليها هزم في هذه المعركة.

أما بقية نص هذا القرار بشأن إدانة جميع الممارسات الهمجية بما فيها الاغتيالات والاعتقالات التعسفية والمطالبة بالإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين، وكذلك القرار المتعلق بدعم حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، فهي بنود ذات طابع إنشائي تتناقض مع مواقف العديد من الدول العربية حيال معاناة الفلسطينيين وحقوقهم الوطنية.

خلاصة: القراءة لقرارات القمة في الشق الفلسطيني تقول أن القمة أعادت الاعتبار نظرياً للقضية الفلسطينية بوصفها القضية المركزية للأمة العربية، دون أن ترتب على النظام العربي الرسمي أية مهام أو كلف اقتصادية لدعم صموده ونضاله ضد الاحتلال والاستيطان وضد تهويد القدس.