الهدف: إسكات الزمن الفلسطيني...!

حجم الخط

قد يتساءل الكثيرون من الفلسطينيين وغيرهم: إلى متى يا ترى تستمر هذه الحروب الإبادية الصهيونية ضد الفلسطينيين نساءً وأطفالاً وشباناً وشيباً...؟! وإلى متى نتابع هذا المشهد الفلسطيني المتخم بالمجازر والشهداء والجرحى والمعتقلين وكذلك بالجرافات الصهيونية التي لا تتوقف عن أعمال الهدم والتجريف...؟! إلى متى تستمر المشاهد الفلسطينية المروعة...؟! وما الهدف الصهيوني الحقيقي وراء كل ذلك...؟!

   يعترف "أورن يفتحئيل" أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة بن غوريون، أن "مشاهد القتل والدمار ضد الفلسطينيين فظيعة”، وأن”هذه الحروب استمرار للمشروع والسلوك الإقليمي الإسرائيلي الذي تبنى هدفاً متشدداً ووحشياً يتمثل في إسكات الزمن الفلسطيني”، أي محو التاريخ الكامل لهذه البلاد، وإسكات التاريخ يشكل أيضاً محواً للمكان الفلسطيني ومعه الحقوق السياسية الكاملة القائمة بمشروعيتها وليس بمنة من إسرائيل، ويضيف ”أن الحرب الإسرائيلية على غزة -مثلاً- ليست فقط عملية لوقف الصواريخ، أو لتلميع شخصيات للانتخابات أو محاولة لترميم الردع، وليست مسعى إمبريالياً (إسرائيلياً-أميركياً) للسيطرة، وإنما هي كل هذه الأمور، ولكنها أيضاً استمرار لإستراتيجية مديدة السنوات من إنكار ومحو وشطب أي ذكر لتاريخ هذا المكان في العصور الأخيرة، ومشروع المحو هذا ينخرط فيه الجميع تقريباً:السياسيون والفنانون ووسائل الإعلام والباحثون في الجامعات والمثقفون الإسرائيليون"، وعجوز السياسة الإسرائيلية شمعون بيريز أحد رواد الاستيطان والبرنامج النووي الإسرائيلي لم يتوقف تكرار مقولة غولدا مائير بأنه "لم يكن هناك شعب فلسطيني في ال 67".

  ولذلك نتابع في المشهد الفلسطيني الماثل أمامنا منذ اقامة الدولة الصهيونية ببالغ الوضوح:

* قتل مكثف للفلسطينيين دون تمييز عن سبق تخطيط ونوايا إجرامية مبيتة، وذلك عبر المجازر الدموية الجماعية والاغتيالات والإعدامات الميدانية المتصلة دون هوادة، حيث لم ينج من المجازر الصهيونية لا المرأة أو الطفل ولا الشيخ أو الشاب الفلسطيني.. فكل الفلسطينيين متهمون ومستهدفون وفي دائرة التصويب والقتل.

* تدمير وتهديم شامل للمدن والقرى والمخيمات والمنازل والأماكن المقدسة والآثار التاريخية والحضارية العربية في فلسطين، وإن كانت التنظيمات الإرهابية الصهيونية، قد هدمت ودمرت ومسحت نحو 535 قرية فلسطينية خلال فترة النكبة، فإن سياسة التدمير والتهديم لم تتوقف أبداً منذ ذلك الوقت، وقد وصلت ذروة جديدة لها خلال حرب “السور الواقي” والاجتياحات والتدمير المتواصلة، وخاصة في مخيم جنين والبلدة القديمة من نابلس، لتصل إلى ذروتها الإجرامية في غزة.

* ترحيل – ترانسفير- جماعي للفلسطينيين، حيث هجرت عصابات ودولة الاحتلال ثلثي الشعب الفلسطيني إلى خارج الوطن والبيت والأهل، وما تزال تلك الدولة تخطط وتبيت وتسعى إلى اجبار من تبقى من الفلسطينيين على الرحيل عن أرضهم وممتلكاتهم.

* العقوبات الجماعية، حيث تنفذ دولة الاحتلال سياسة العقوبات الجماعية ضد الشعب الفلسطيني برمته، وتشمل تلك العقوبات شتى صنوف القمع والتنكيل والإذلال والتجويع والتعطيش والاعتقالات والمحاكمات والحصارات والأطواق والحواجز العسكرية، ومساحة هذه المقارفات الإجرامية السافرة لا حدود لها.

* اغتصاب الأرض والممتلكات – إذ تواصل دولة الاحتلال سياسة اغتصاب الأرض والممتلكات العربية وتهويدها عبر بناء المستعمرات وتوطين الغزاة القادمين من اسقاع العالم بغير حق فيها.

    يضاف إلى كافة هذه الممارسات الصهيونية، سياسة التمييز العنصري –الابرتهايدي- التي تمارس على نطاق واسع ضد المواطنين العرب في إطار ”الدولة الصهيونية” نفسها، وهذه الممارسات العنصرية ترتقي إلى مستوى الجريمة في العرف الدولي. فنحن كما هو واضح أمام منظومة ممنهجة مبرمجة مبيتة مع سبق التخطيط والقرار والإصرار من المحارق والمجازر الدموية وجرائم الحرب المتنوعة الشاملة البشعة التي تنفذها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد شعب وشجر وحجر وأرض فلسطين بما يتعارض مع المواثيق والقوانين الدولية.

  Yلى ذلك، يسعى البلدوزر الصهيوني دائماً بلا كلل أو ملل أو توقف أو استرخاء، إلى التهويد الشامل للوطن المغتصب هناك – جغرافياً وسكانياً وحضارياً وتراثياً واقتصادياً – وذلك عبر التزييف الشامل لكل العناوين والملفات.. كما يعمل إلى جانب كل ذلك من أجل تفريغ ذكرى النكبة من مضامينها وكذلك ذاكرة النكبة من كل معانيها ودلالاتها.. في الوقت الذي يشن هجوماً تجريفياً منسقاً واستراتيجياً على العقل والوعي الجمعي العربي المتعلق بالنكبة.. الذكرى والذاكرة..

    شهدنا في الآونة الأخيرة تطوراً دولياً جديداً يتمثل بإنشاء محكمة الجنايات الدولية، التي نحتاج نحن كشعب فلسطيني وأمة عربية الى حضور مكثف على مسرحها... الحاجة تتزايد يوما عن يوم، ليس فقط إلى توثيق جرائم الحرب الصهيونية في فلسطين، بغية المطالبة بتقديم مقترفيها إلى محكمة الجنايات الدولية حينما يجد جد الأمم المتحدة، وإنما بالأساس لأن هذه المهمة التوثيقية هي مهمة تاريخية ثقافية تربوية تعبوية لشعوبنا واجيالنا الراهنة والقادمة أيضاً، ولأن هذه المهمة التوثيقية الملحة تنطوي على أهمية كبيرة أيضاً في سياق إعادة كتابة تاريخ الصراع، ما يستدعي بقوة والحاحية منقطعة النظير في هذا الزمن الأمريكي / الصهيوني العمل وبالسرعة الممكنة من أجل إنشاء مراكز متخصصة لتوثيق جرائم الاحتلال.