الذكرى 64 للنكبة : تطور عنصرية اسرائيل

حجم الخط
في الذكرى64 للنكبة، وبنظرة موضوعية إلى الداخل الاسرائيلي، ليس صعبا على المراقب أن يلاحظ وبلا أدنى شك أن جملة التطورات التي حدثت على الصعيدين الرسمي والاجتماعي في المدى المقارب لما يزيد عن ستة عقود زمنية منذ الإنشاء، تتلخص في الجنوح مزيداً نحو اليمين. ذلك أن الايديولوجيا الصهيونية، ذات الجذور التوراتية، ما زالت هي الأساس والمنبع للسياسيات الإسرائيلية في المناحي المختلفة. أي أننا أمام صورة أبقت على المضامين المختلفة التي جرى تشريعها ما قبل وعند إنشاء الدولة، كأهداف إستراتيجية ومنها تلك التي ما زالت تطرح في الإطار الشعاراتي: مثل، يهودية الدولة وعقيدة الأمن الإسرائيلي. أما بعض الأهداف الإستراتيجية الأخرى فقد بقيت تحمل نفس المضمون ولكن مع اختلاف بسيط في نمطية الشعارات المطروحة لتحقيقها مقارنةً مع مثيلاتها لدى ترسيم ولادة الدولة. هذه الشعارات أخذت تبدو وكأنها أكثر مرونة، لكنها المرونة التكتيكية التي لا تتعارض مع الجوهر، بل هي تتواءم وتصل حدود التماهي معه، ولكن مع الحرص على إعطائها شكلاً انتقالياً جديدا للتحقيق، وذلك لاعتبارات سياسية وأقليمية ودولية تحتم هذا الشكل الانتقالي، ولكن على قاعدة الاتكاء على ذات الايديولوجيا. فمثلاً، فإن الهدف في إنشاء دولة إسرائيل الكبرى، والذي كان مطلباً ملحاً ما قبل وعند إنشاء الدولة، أصبح مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة... وبالتالي فان السيطرة تحولت من الشكل المباشر عبر الاحتلال إلى شكل آخر غير مباشر وهو السعي لتحقيق ذات السيطرة من خلال السيادة والهيمنة والتحكم الاقتصادي والسياسي. في نفس السياق، يأتي التعامل الإسرائيلي مع الفلسطينيين وقضيتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالولوج إلى شكل توافقي يحقق الهدف الاستراتيجي في "الدولة اليهودية" دون الاصطدام مستقبلاً بالقنبلة الديموغرافية التي يشكلها الفلسطينيون مستقبلاً. فمن مبدأ التنكر المطلق لحقوقهم الوطنية، باعتبار أراضيهم تشكل يهودا والسامرة ـ والتي هي جزء من إسرائيل التاريخية إلى إعطائهم ما تتصوره نمطاً من الحقوق يجمع ما بين بقاء السيطرة الفعلية الإسرائيلية كعامل متحكم في شؤونهم السيادية باستثناء إشرافهم المباشر على القضايا الحياتية، ومن مبداً الترانسفير والتخلص المباشر من معظمهم إلى خلق وقائع اقتصادية وسياسية واجتماعية وأمنية عسكرية تدفع بالكثيرين منهم إلى الهجرة الطوعية. اسرائيل حددت لاءاتها بالنسبة للحقوق الفلسطينية قبل اتفاقيات أوسلو التي قدمت لها خدمات جليلة، مثلا، جرى اعتبارها دولياً بأنها أنهت وقطعت معظم أشواط الصراع الفلسطيني- العربي مع إسرائيل، رغم تأجيل الحل للقضايا الصراعية الأساسية، التي جرى اعتبارها قضايا عادية، يمكن الوصول إلى حلول لها من خلال الحوار، الذي أصبح مجرد انعقاده محكوماً بشروط إسرائيلية، يتوجب على الفلسطينيين تنفيذها وتحقيقها والالتزام بها! على نفس القاعدة، يجرى التعامل إسرائيلياً مع الدول العربية، فبعد اتفاقيتي كامب ديفيد، ووادي عربة، والممثليات الإسرائيلية في دول عربية تحت مسميات مختلفة، فإن إسرائيل ارتأت أنها في وضع مريح يسمح لها بممارسة الابتزاز السياسي والتنازلات التدريجية من الدول العربية، ولذلك تعاملت وتتعامل براحة كبيرة مع المبادرة العربية. أما بالنسبة لكيفية التعامل الإسرائيلي مع فلسطينيي الخط الاخضر، والتي تعتبرهم إسرائيل (مواطنيها)، فإن 64 سنة من وجود الدولة لم تكن كافية لان يحصل العرب على حقوقهم وان يتساووا مع اليهود. بل ارتفعت هذه العنصرية الممارسة تجاههم،ومؤخرا تم فرض أكبر عدد من القوانين العنصري ضدهم . كذلك أصبح البحث جارياً في إسرائيل عن كيفية التخلص من معظم هؤلاء! وقد جرى طرح العديد من المبادرات التي تقود الى هذا الاتجاه ومنها إمكانية تبادل منطقة المثلث، ذات الكثافة السكانية العربية العالية مع مستوطنات في الضفة الغربية، وهذا ما جرى طرحه في مؤتمرات هرتسيليا، إضافة إلى إمكانية تعويض سوريا والسلطة الفلسطينية بأراض أردنية، وغير ذلك من الرؤى المتحكمة في الجغرافيا العربية، بعيداً عن احترام السيادة لهذه الدول، أي أن إسرائيل أصبحت تقرر للارض العربية كما تشاء! بعد 64 عاماً من وجود الدولة الإسرائيلية، يلاحظ مدى التطور الحاصل في مفهوم العدوان على قاعدة من لنظرة الاستعلائية، الشوفينية، العنصرية، التي تفترش الشارع الإسرائيلي طولياً وعرضياً والتي ستتنامى ليصبح اليمين هو النسبة الاكبر في السنوات القليلة القادمة . الدولة الصهيونية بعد 64 عاما على انشائها لم تزدد الا عنصرية وصلفا وشوفينية وعدوانا ويمينية .. ولا يمكن اقامة أي سلام مع هذه الدولة.