على هامش اجتماع الأمناء العامين... الشعب في واد والفصائل في واد آخر !

حجم الخط

لا يمكن لأي فصيل أن يدعي أن الشعب الفلسطيني راض عن سياساته، أكان الأمر يتعلق بالفصيلين أصحاب السلطة في رام الله و غزة أم الفصائل اليسارية أو الفصائل الإسلاموية، حيث تآكلت ثقة الجمهور الفلسطيني في هذه الفصائل لأسباب عديدة، والجماهير الفلسطينية تملك لكل فصيل ملفًاً خاصاً مسجل فيه تاريخه وكفاحيته وسياساته ومواقفه من الكيان ومن م. ت. ف ومن الكفاح المسلح والمقاومة ومسجل فيه موقفه التاريخي والراهن من الوحدة الوطنية، ومن المواقف والأفعال في المجالات الاجتماعية والمدنية، فلم يعد خافياً عند الشعب الفلسطيني لون وكنه ووزن كل فصيل ومستوى أدائه السياسي والاجتماعي أو المقاوم  ...

وانطلاقا من هذه الملفات المخزنة في الوعي الفلسطيني وبعد تجربة ما بعد أوسلو إلى اليوم وحصاد الفشل المطلق في إنجاز القضايا البرنامجية لكل فصيل، أو البرنامج الوطني الفلسطيني الاستراتيجي، أو ما يسمى بالمرحلي، أو ما دون المرحلي الذي اختزلته أوسلو إلى هدف الدولة الفلسطينية على الضفة والقطاع مع الاعتراف بالكيان الصهيوني... استطاع الشعب الفلسطيني أن يقيم كل فصيل، وأن يمحض كل فصيل قدراً من الثقة لا تتجاوز كثيراً عضوية ومناصري هذا التنظيم أو ذاك، وهناك نوعين من الثقة التي يمحضها الشعب على الفصائل، ففي الانتخابات العامة يلعب المال السياسي دوره في تخريب النسيج الاجتماعي ويزور الثقة إلى حد كبير مما يظهر الشعب كأنه يمحض الفاشلين، أو الفاسدين، وتبدو ثقة الجماهير أكبر من الواقع.

أما النوع الثاني من الثقة فهو مرتبط بممارسة الفصيل اليومي، ولعل ما يظهره اليوم الشعب الفلسطيني من اللامبالاة من حوارات القاهرة وفقدان أمله من هكذا لقاءات وحوارات، يعبر عن مستوى عال من عدم الثقة في كل الفصائل بمعزل عن ثقة العضوية والمناصرين، فذاكرة الشعب الفلسطيني عن الحوارات الأنثى عشرة التي تمت في أكثر من مكان عربي ما زالت حيه تدعم فقدان ثقته في هذه الفصائل وتطعن في صدقية مقصدها وأقوالها، وهنا الشعب لا يفرق في هذه الجزئية بين فصيل وفصيل، فالكل فاشل، والكل يضحك على الشعب والكل يزاود والكل يتحلل من المسؤولية، والكل عاجز في إنجاز الوحدة الوطنية بمعزل عن من هو المتسبب الرئيس في هذا الفشل، فالشعب يتلمس الفشل ولا يخوض في تفاصيل الأسباب والنتائج ودلالاتها عند كل فصيل ...

          الإشكالية اليوم، أن هذه الفصائل لا تريد أو تدرك أنها تتآكل أمام الجمهور وأن الجمهور لديه من الوعي والمتابعة اليومية ما يجعله يتلمس فشل الجميع، وهنا الحكم العام للشعب، وليس الخاص، حكماً مسبقاً لحوار القاهرة بأنه فاشل ويكرس الانقسام مجدداً ويطيل من أزمة النظام الفلسطيني، ولا يوجد جدية لدي الفصلين أصحاب السلطة من جهة، ومن جهة أخرى، الفصائل الأخرى غير قادرة على التغيير بحكم إما ذيليتها لهذا الفريق أو ذاك، أو بحكم ضعفها وعجزها لأسباب عديدة.

إننا لا نستطيع أن نقول: بأن الشعب مخطئ، أو غير واعي، فما يرغبه الشعب هو ذاته ما تريده الفصائل بشعاراتها على الأقل، لكنها هي الفاشلة بسياساتها وأدواتها، وليس الشعب المغيب عن المشهد ومتروك لمشيئتها.

وعليه هل راعت الفصائل حين تداعت إلى دعوة محمود عباس ما هو موقف الرأي العام؟ هل لحست كل كلامها عن عباس وقالت فيه ما لم يقله مالك في الخمر بالغرف المظلمة؟ هل أخذت الفصائل رأي عضويتها الحزبية على الأقل؟ هل أدركت أن تراكم الفشل يعني تراكم فقدان الثقة وابتعاد الشعب عن فصائله تدريجيا...؟ أم أن الفصائل قد استمرأت اللقاءات كي تثبت أنها لا زالت بالمشهد؟ هل أدركت أن هذا اللقاء ليس إلا مهرجانات إعلاميا كما سابقاتها في بيروت؟

الأدهى من ذلك أن الفصائل رحبت بالدعوة بعد ساعات وحزمت حقائبها قبل عشرون يوماً من موعد اللقاء، أي بعد مجزرة جنين وتعاظم شعبنا في الصمود وفي ظل غياب السلطتين عن المشهد المقاوم حينها... ولم تسأل: ما هي موضوعات الدعوة؟ ولماذا الآن وليس قبل..؟ وما هو الهدف..؟ وما هو جدول الحوارات..؟ وماهي أولويات الحوار؟ وكيف..؟ وهل المسألة الوطنية اليوم هي الوحدة الوطنية على اساس جبهة مقاومة؟ أم تشكيل حكومة أو توزيع وزراء..؟ أم أن المسألة كلها هي "مفردة السلطة"؟ كيف تُدار السلطة وكيف نتقاسمها...؟ أم أن الموضوع أصبح استراتيجي وإلحاحي أكثر من أي وقت مضى.. في ظل تعاظم العنصرية الفاشية في العدوان اليومي على شعبنا.. ووضوح سياسة ضم الضفة وغلق كل الأبواب أمام الدولة الفلسطينية المنشودة...؟ وكيف نحدد طبيعة المقاومة وأدواتها وبوصلتها السياسية لمواجهة المستجد الاستراتيجي الإسرائيلي...؟  أو كيف نعيد بناء م.ت.ف وفصلها عن السلطة الفلسطينية كي تؤدي دورها الوطني والكفاحي...؟

كثيرة هي الأسئلة التي كان يجب أن توضع على طاولة البحث لتهيئة بيئة الحوار وأهدافه وغاياته ...

كل الدلائل تشير على أن بياناً، سيصدر عن هذا الحوار يرضي الجميع وكل يرى نفسه فيه ويدافع عنه في حينه.. وبعد أسابيع يموت البيان ولا يبقى منه إلا ذاكرة الشعب الفلسطيني حول فشل قيادته وفصائله... وتبقى القيادة هي القيادة والانقسام هو الانقسام.. وأما المغيبون لن ينتظروا طويلاً سيسيرون على طريق إيجاد البديل الثوري الذي يقلب الأمور رأسا على عقب محلياً وعربياً ودولياً، وهذا ليس ببعيد، حين تكبر وتكبر عوامل الانفجار الكبير الذي لن تصده مصدات الفصائل، أو السلطة هنا أو هناك.