متى ينتهي الكيان الصهيوني… ويزول نهائياً؟؟

حجم الخط

يتساءل البعض من المهتمّين بالشأن الفلسطيني، وبالكيان الصهيوني المسمّى بـ «إسرائيل»، عن مصير هذا الكيان: هل إلى زوال أم إلى استمرار وتجدّد… وإلى القوة الأكثر، والهيمنة الأصلية أو بالوكالة عن المشروع الاستعماري الأكبر والأوسع، متمثلاً في أميركا وأوروبا؟! أم إلى انتهاء وزوال؟

إنّ هذا هو عنوان كتابي المقبل، الذي أوشكت على الانتهاء منه، بعنوان: (زوال الكيان الصهيوني: حقيقة أم وهم؟)، استجمعت فيه مشروعي العلمي والسياسي والنضالي، وهو استقلال وحرية فلسطين وتحرير كل أراضيها من البحر إلى النهر.. حتى زوال هذا الكيان الصهيوني الاستعماري الاستيطاني، الذي احتل فلسطين غدراً.

فالتاريخ يسلّم بحقيقة، نتعلم منها، وهي أن مهما طال أمد الاستعمار، فإنه إلى زوال (الجزائر استمرّ احتلالها أكثر من (130) سنة ( 1830-1962)، وغيرها كثير، وربطه الشاعر أبو القاسم الشابي، بإرادة الشعوب: «إذاً الشعب يوماً أراد الحياة… فلا بدّ أن يستجيب القدر.. ولا بد لليل أن ينجلي.. ولا بد للقيد أن ينكسر»، أي أن إرادة الشعوب هي الأصل، فإن أصرّت الشعوب على ممارسة حريتها واستقلالها فإنه لا بد من رحيل الاستعمار. أنظروا لآخر مثلين: مالي وانقلابها العسكري، بموجبه تمّ طرد القوات الفرنسية، وخلال الأيام الأخيرة، انقلاب عسكري في النيجر، وفي مقدّمة أهدافه طرد القوات العسكرية للمحتل الفرنسيّ؟ وربما يحدث أيضاً في بقية دول الساحل، بعد انقلابي مالي وبوركينا فاسو!

والبعض من قصارى النظر، ومحدودية الفهم لحركة التاريخ، وعدم الدقة في قراءة حركة الشعوب وفهم إرادتها، يرون في المقاومة عبثاً بالأوضاع وبالاستقرار في المنطقة، وأن «إسرائيل»، خلقت لتبقى تؤدي وظيفتها ودورها في الإقليم، وأن على الجميع في الإقليم أيضاً، أن ينصاعوا ويتقبّلوا التعامل معها والتطبيع الكامل والقبول بها وإضفاء الشرعية على وجودها، لتصبح كياناً سياسياً دائماً في المنطقة!

وينقسم حول هذه التفسيرات والمقولات الغريبة الخالية من الشعور الوطني والقومي العروبي، فريقان هما: الأول طبقة الحكام الموالين للغرب والمشروع الاستعماري ويشكلّون نحو 50% من إجمالي الحكام العرب، وهم يشيعون فكرة القبول بالكيان الصهيوني، وتسميته باسمه «إسرائيل»، والتطبيع معه على خلفية أنه أصبح «قدراً» محتوماً.. خاصة أنّ النتيجة – كما يرون – من المقاومة منعدمة، وليس حتى محدودة! وأن ذلك هو أفضل الخيارات لاستقرار كراسي الحكم التي يجلسون عليها! بينما على النقيض من ذلك، يقف عدد من الحكام العروبيين، يرفضون التطبيع، ويُصرّون على استمرار النضال حتى تحرير أرض فلسطين كلها، وهؤلاء يدفعون الثمن غالياً، ومعهم شعوبهم، ولكنهم أبوا أن يخضعوا، أو يركعوا، أو يضعوا أنفسهم وشعوبهم، ألعوبة في يد المشروع الاستعماري الصهيوني. ولا تزال شعوب هذه الفئة تقاوم الحصار الجائر، وسياسات التجويع الاستعمارية، وتدعم نظمها العروبية والوطنية في سياساتها ضد الاستعمار وضدّ الصهيونية، ولأجل تحرير فلسطين.

ومن ثم، يتضح أن القضية الفلسطينية كاشفة للتمييز بين ما هو عروبي قومي تحرري استقلالي، وبين ما هو انبطاحيّ راكع، وانكفائي على مصلحة الحكم وحماية الكرسي، دون إدراك أن هذه الكراسي غير مضمونة، لأنها تقف على أرجل صناعيّة، ومن السهل أن تتهاوى ويسقط مَن يجلس عليه بلا ثمن!

وعلى الجانب الآخر، ويمثل الفريق الثاني: يقف الشعب العربي الواحد، شامخاً بإرادته، ويُصرّ في كل الدول العربية والإسلامية، على ضرورة أولوية القضية الفلسطينية، وتحرير أرضها وشعبها، ورفض التطبيع وقبله الاعتراف بالكيان الصهيوني، ولا يزال هذا الشعب العربي، حتى في داخل الأقطار العربية الداعمة للتطبيع، يرفض القبول بالتطبيع والاعتراف وإضفاء الشرعية السياسية وهي «القبول الشعبي» لهذا الكيان، بأن يكون جزءاً من الإقليم، كدولة طبيعية.

ولا يزال الشعب العربي الواحد، وفي كل الأقطار العربية، يهتمّ بالقضية الفلسطينية، وضرورة تحريرها واستقلالها، ويدعم فكرة «المقاومة»، بكلّ السبل، حتى تحرير فلسطين بالكامل من النهر إلى البحر، دون مغالاة أو تضخيم أو تهويل. حيث أثبتت الدراسات العلمية (ماجستير ودكتوراة)، ثبات الموقف الشعبي على ذلك، وقد أشرت إلى العديد منها في مقالات هنا، وفي صحف أخرى، وأغلبها قد ناقشتها في الجامعات المصرية المختلفة.

نحن إذن، أمام مشهد واضح: حيث الشعب العربي الواحد في كل الأقطار العربية، يرفض المساومة والتفريط في قضيته المركزية، وهي القضية الفلسطينية، ويُصرّ على تحرير فلسطين بالكامل، ولا تزال كلمات عبد الناصر في مؤتمر الخرطوم (أغسطس 1967)، بعد نكسة يونيو/ حزيران 1967، مرتفعة الرنين وهي: (لا صلح، لا اعتراف، لا مفاوضات)، وأنّ «ما أخذ بالقوة لن يُستردّ بغير القوة».

وفي المقابل، نحن أمام نظم عربية منبطحة وراكعة لحماية كراسيها، بدعم استعماري صهيوني، ولا نتشرف حتى أن نخجل لها، إلا أن ما يثير الخجل الحقيقي، هو استشهاد المناضلة الأوروبية، المغنية الإيرلندية (شنيد أوكونور)، التي أسلمت عام 2018، وأعلنت مواقفها الجريئة في أوروبا، الداعمة للقضية الفلسطينية، والرافضة للكيان الصهيوني وممارساته العدوانية ضدّ الشعب الفلسطيني، وليخجل المطبّعون، ولروحك السلامة والراحة عند الله في جنة الخلد.

انّ هناك من العوامل التي تسهم في تفكيك المجتمع الصهيوني داخلياً، وخارجياً، وسبق أن تناولت بعضها في عدة مقالات، وبالتفصيل في مقالي المقبل بإذن الله.