حمدين صباحي والبرنامج الذي يشبه صاحبه

حجم الخط
لفت انتباهي وانتباه العديد من المراقبين الشعار العبقري المثبت في موقع المرشح الرئاسي حمدين صباحي" إذا تشابهت البرامج الانتخابية فابحث عن البرنامج الذي يشبه صاحبه" ، لأن البعض يطرح برامج رنانة لغايات الكسب الانتخابي الرخيص وليس للتطبيق والفيصل في هذه الحالة هو: الشخص الذي يحمل البرنامج وتاريخه النضالي، والقاعدة الاجتماعية التي ستدافع عنه. فبرامج مرشحي الرئاسة من غير الفلول تتحدث عن مكافحة الفقر والعدالة ومحاربة الفساد ، وعن الحريات وإقامة المشاريع القومية الكبيرة والحد من البطالة ، ومن العشوائيات ، وعن سياسة خارجية مستقلة بحيث تبدو وكأنها جميعا تستجيب لشعار ثورة 25 يناير الناظم ( حرية.. كرامة.. عدالة اجتماعية ). لكن من يدقق تفصيليا في البرامج المطروحة يكتشف الفرق الهائل بين برنامج وآخر. فعلى سبيل المثال لا الحصر أتوقف أمام الفرق بين مشروع حمدين صباحي ومشروع المرشح الإسلامي المستقل ، عبد المنعم أبو الفتوح - الذي ينتمي هو الآخر لمعسكر الثورة - وفق ضوابط محددة وهي : أولاً: الموقف من قضية الديمقراطية السياسية: ففي حين يركز أبو الفتوح على حرية إبداء الرأي والتعبير وعلى الحريات السياسية وحق المواطنين في إنشاء نقاباتهم ومنظماتهم المدنية ، نرى أن برنامج حمدين صباحي - والشروحات الخاصة لهذا البرنامج التي عبر عنها في لقاءاته الجماهيرية وفي حواراته في مختلف الفضائيات - تؤسس لنظام ديمقراطي متكامل ولمنظومة قيم ديمقراطية متكاملة تقوم على مرتكزات أساسية هي: الفصل بين السلطات الثلاث ، وممارسة البرلمان لدوره الرقابي والتشريعي ، والاستقلال الكامل للقضاء وإطلاق الحريات العامة بكليتها شاملةً حرية الرأي والتعبير وحقوق التظاهر والاعتصام والإضراب وضمان الحق في تأسيس الأحزاب والصحف وحرية وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات والنقابات المستقلة. والأهم من ذلك أنه يجعل من رئيس الجمهورية موظفاً عمومياً قابلاً للمحاسبة في سلوكه وموازنة رئاسته، ناهيك أنه يضع حداً لتغول الأجهزة الأمنية من خلال إعادة هيكلتها وحصر حدودها في حفظ الأمن وتعقب الجريمة وخدمة المواطن وحقوق الإنسان. ثانياً: الموقف من الديمقراطية الاجتماعية: يتجاهل برنامج أبو الفتوح الديمقراطية الاجتماعية التي شكلت هدفاً أساسياً من أهداف ثورة 25 يناير، تلك الديمقراطية التي جرى ضربها في انقلاب 15 مايو 1971 من قبل السادات ، وتم سحقها من قبل نظام مبارك. فبرنامج أبو الفتوح لم يتحدث عن مجانية التعليم التي سبق وأن أرساها خالد الذكر جمال عبد الناصر، ولم يتحدث عن مجانية العلاج والطبابة ولم يتحدث عن الخدمات الاجتماعية المجانية التي تقدم للمواطنين وخاصةً الفقراء منهم ،بل أبقى الأمور في سياق عام حول تطوير الصحة والبحث العلمي وإنشاء نظام تعليمي ينمي موهبة وذكاء الفرد واستغلال خامات مصر ، لجعلها أكبر دولة صناعية. ألخ بينما برنامج حمدين صباحي تحدث بقوة عن مجانية التعليم والصحة وإخراج الفقراء من دائرة الفقر ، وعن عدالة اجتماعية مستندة إلى تنمية شاملة وعن دعم الفلاحين ، وإعفاء كل من يملك أقل من خمس فدادين من الديون ، وعن الانتصار للعمال ، من خلال وضع حد أدنى للأجور لا يقل عن 1200 جنيه مصري. ثالثاً: الموقف من الاقتصاد: يتماهى النظام الاقتصادي الذي يطرحه أبو الفتوح مع النظام الاقتصادي في عهد مبارك ، من زاوية ( أولاً ) تمجيده لاقتصاد السوق والليبرالية الاقتصادية - الذي يعمق الفوارق الطبقية ويبقي مصر في خانة التبعية - لكن بفارق أن له موقف حاسم من الفساد المالي والإداري ويسعى لطرح العديد من المشاريع الاقتصادية ،( وثانياً ) من زاوية تمجيده وتعظيمه للملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وتجاهله لدور القطاع العام الذي يقدم الخدمات الكبيرة لمعظم طبقات الشعب.. وأبو الفتوح في نظرته للاقتصاد منسجم مع ذاته المتكيفة مع النهج النيوليبرالي، ولعل مشاركته في إحدى مؤتمرات العولمة " دافوس " لمؤشر على ذلك. بينما برنامج صباحي وشروحاته يركز على عدة قطاعات، فهو يجمع ما بين القطاع العام والقطاع التعاوني والقطاع الخاص" قطاع البرجوازية الوطنية" وليس قطاع سماسرة الانفتاح واللصوص والكومبرادور. برنامج صباحي يركز على القطاع العام المنتج الذي جرت تصفيته وخصخصته في عهدي السادات ومبارك ، بأثمان بخسة جداً نزولاً عند رغبة الطفيليين وصندوق النقد الدولي ، ويعيد الاعتبار له باعتباره قطاع الشعب الذي انتفض من أجل العدالة الاجتماعية وغيرها، القطاع المعني بتقديم مختلف الخدمات للشعب بعضها مجاناً والبعض بالسعر الزهيد ، ناهيك أنه القطاع الذي ينهض بالصناعات الإنتاجية الكبيرة وإنتاج السلع الصناعية ، والذي يتولى إنجاز المشاريع القومية الكبيرة التي تؤسس للنهوض الاقتصادي للدولة. ويركز أيضاً على القطاع التعاوني الذي يؤسس لتعاونيات شعبية في مختلف المجالات تحظى بدعم هائل من الدولةـ تعود بالنفع على عموم الشعب وخاصة الطبقة المتوسطة والعمال والفلاحين الفقراء ، ناهيك أنه يسهم بشكل كبير في عملية التشغيل وإنهاء البطالة. كما أنه لا يغفل دور القطاع الخاص ودور البرجوازية الوطنية المعنية بنهوض البلاد وتقدمها في مختلف المجالات، وهو بذلك كله يؤسس لنظام اقتصادي أقرب لنظام السوق الاجتماعي الذي يحقق نقلة نوعية لاقتصاد البلاد ، على النحو الذي جرى في البرازيل في عهد الرئيس لولا الذي حولها من دولة مدينة بعشرات المليارات من الدولارات إلى سادس اقتصاد في العالم. وبالإضافة إلى ما تقدم فإن برنامجه المنحاز للفقراء والطبقة الوسطى لم يرفع راية العداء للأغنياء ، لكنه أكد على ضرورة أن يكون لرأس المال دوراً اجتماعياً في خدمة الوطن والمواطن، وعلى الحد من الفوارق الطبقية عبر أدوات مختلفة ، من بينها الضريبة التصاعدية. رابعا: الهوية والسياسة الخارجية : كافة المرشحين الذين لا ينتمون للفلول لم يحددوا موقفاً حاسماً من معاهدة كامب ديفيد ، بل اكتفوا بالحديث عن إجراء مراجعة لبنودها، لكنهم ومن ضمنهم أبو الفتوح سجلوا مواقف جيدة حيال إنهاء الحصار على قطاع غزة، وفتح معبر رفح بشكل كامل أمام حركة الأشخاص والبضائع ، ، ووقف تصدير الغاز للكيان الصهيوني. لكن حمدين صباحي رغم عدم تضمن برنامجه إلغاء المعاهدة او تجميدها ، إلا أن مكنون تصريحاته يؤشر إلى ذلك عندما صرح " بأنه سيلتزم بالمعاهدات التي لا تنتقص من سيادة مصر ". يضاف إلى ذلك تصريحاته " بأنه في حال فوزه بالرئاسة سيقطع الغاز عن ( إسرائيل ) لأسباب وطنية وليس لأسباب تجارية . والأهم من ذلك كله أنه في برنامجه ولقاءاته يؤكد على هوية مصر العربية ودورها القائد في العالم العربي ،على قاعدة الحفاظ على السيادة والاستقلال الوطني ، والالتزام بالأمن القومي العربي وبقضية الشعب الفلسطيني بوصفها قضية مركزية للأمة العربية، ودعم المقاومة العربية ضد الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية. والقضية الأبرز في برنامجه في مجال السياسة الخارجية تكمن في إعادة الاعتبار للدوائر الثلاث ، التي تشكل محور حركته وتحالفاته ألا وهي الدائرة العربية ، والدائرة الإفريقية ،والدائرة الإسلامية، وفي التأكيد على دور مصر العروبة كقوة إقليمية مؤثرة ، ذلك الدور الذي جرى ضربه وتقزيمه بشكل خطير جداً في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. وبالإضافة للسمات البرنامجية التي تحاكي تطلعات الشعب المصري في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ، فهنالك السمات الشخصية التي تؤهل حمدين صباحي لحمل هذا البرنامج ووضعه موضع التطبيق، ومن بينها سمة التواضع والزهد ، إلى درجة التصوف والجرأة إلى درجة التحدي ، وعدم المجاملة في القضايا الوطنية والقومية، وفي الذاكرة مناظرته الجريئة مع السادات التي انتقد فيها الفساد والاستبداد والانفتاح الاقتصادي المشبوه والعلاقة مع العدو الصهيوني، وفي الذاكرة أيضاً اضطهاده من قبل نظام مبارك ، ودخوله السجن عقاباً له على مواقفه الوطنية المشرفة. وحمدين صباحي بمواقفه المعلنة هو امتداد جدلي ونقدي لتجربة خالد الذكر جمال عبد الناصر- الذي يشكل مثله الأعلى –وهو يدرك الأخطاء التي وقعت فيها تجربة 23 يوليو ، ويعلن أنه في حال فوزه بالرئاسة " بأنه سيعمل على تجنب ثغرات وأخطاء تلك التجربة وسيراكم على المناقب والانجازات الوطنية والسياسية والاجتماعية العظيمة لتلك التجربة، آخذاً بعين الاعتبار المتغيرات الراهنة وخصوصيات المرحلة. elayyan_e@yahoo.com