مصراستحقاقات, وتحديات لابد منها .

حجم الخط
مصر تقود قطار التغيير في العالم العربي , حقيقة مسلم فيها , إن يكن في أوساط النخب السياسية والثقافية المصرية , أو في أوساط مثيلاتها من النخب في الوسطين العربي والإقليمي . ونتسأل هنا , على ضوء التطورات الأخيرة في مصر , وفي طليعتها قرارات الرئيس مرسي مؤخراً , هل دخلت مصر فصلاً جديداً من فصول ما بعد مبارك ؟ وهل يذهب هذا الفصل بمصر إلى التغيير وصولاً إلى تحقيق بعضاً من أهداف ثورة يناير , بإنقاذ الدولة المصرية من أيدي العسكر , لا سيما بعدما تغول نفوذهم في الأشهر الستة الأخيرة من عمر الثورة المصرية . هل أسدل المصريون ستاراً سميكاً على فصل هام سابق من سيطرة العسكر على الحياة السياسية المصرية , وتاريخ مصر منذ ثورة يوليو عام 1952 م وحتى القرارات المعلنة مؤخراً للرئيس مرسي , ولكي تبدأ مصر مرحلة جديدة بإعادة تشكيل أجهزتها ومؤسساتها بناءً وعلى أساس رؤية جديدة لدور الدولة ومؤسساتها تنسجم ولو قليلاً مع أهداف ثورة يناير , وأحلام الثوار في ميادين مصر المختلفة بالتغيير ؟ لا نبالغ بالقول , إن قلنا , إن قرارات الرئيس مرسي , قد حسمت الصراع المحتدم في ازدواجية الحكم والسلطة في الدولة المصرية وانتقلت بالدولة من دولة العسكر إلى دولة الشعب المصري , وربما تكون القرارات للرئيس مرسي الخطوة الأولى في معركة التأسيس الفعلية للجمهورية الثانية المصرية , بعدما استنفذت الجمهورية الأولى دورها وفرصتها بالبقاء بسقوط نظام مبارك البائد . إن إنقاذ الدولة المصرية من أيدي العسكر , كانت المهمة الشاقة والصعبة وربما العسيرة للرئيس مرسي , لا سيما حين حلّ العسكر أول برلمان مصري منتخب بذريعة عدم دستورية القانون والتي تمت على ضوئه انتخابات مجلس الشعب , وإطلاقهم الإعلان الدستوري المكمل والذي يوصل إلى اقتسام السلطة بصلفٍ وعنجهية مع الرئيس الجديد بتحويله إلى رئيس مراسم ليس إلا , وتحت نفوذ المجلس العسكري , وفي ضوء ما تقدم , تسأل العديد من المراقبيين حول ما سيمثله تسلم الرئيس مرسي الرئاسة من فارق , وهل سيكون فارقاً هاماً و انعطافياً في الحياة السياسية المصرية أم لا ؟ وقد حملت غالبية التقديرات وحتى المحايدة منها نظرات الريبة من ردها على ذلك السؤال الهام , لكن تطور مآلات الأحداث السياسية المصرية وقرارات الرئيس مرسي بإحالة المشير طنطاوي والفريق عنان للتقاعد , وإحداث العديد من التغيرات الهامة في القيادات العسكرية المختلفة , قد أجابت بشكل مخالف للتقديرات , وبينت بشكل قاطع لا لبس فيه , بأن الرئيس مرسي , قد فاز بخطواته الأخيرة في الصراع مع العسكر بالضربة القاضية مستعيداً فيها صلاحياته المغتصبة من قبلهم واضعاً بذلك مصر في لحظة تمفصل تاريخية فارقة , لا تتكرر دائماً في حياة الأمم والشعوب , وحتى في حياة الشخصيات والقادة , لماذا ؟ لأن اللحظات التاريخية الحاسمة , والفاصلة , لحظات يجب اقتناصها , بسبب أنها تركيب ظروف , ومعطيات , ووقائع , ومصادفات , وأحداث , أن لم يتم التقاطها مباشرة , ضاعت الفرصة انتظاراً لظروف وأحداث تاريخية فاصلة جديدة قد تتوفر في المستقبل , وهذا ما فعله الرئيس مرسي . وبناءً على ما تقدم , نتسأل هل وفرت عملية مقتل الستة عشر جندياً مصرياً من حرس الحدود في منطقة رفح من قبل مجموعات سلفية مصرية , والمناخات , والمشاعر , والعواطف التي استولدتها مصرياً أولاً وعربياً , وإقليمياً ثانياً الفرصة , والشعرة التي قسمت ظهر البعير في الوصول إلى التحولات الراهنة , وللمضي صوب التغييرات الهامة التي كانت مطلباً للشعب والثورة المصرية , لا أعرف إذا كان ما حدث في رفح من حسن الطالع بالنسبة للمصريين ( رغم الشهداء الضحايا الستة عشر من الجيش المصري ) , لأن دمائهم الطاهرة , ربما وفرت جملة المعطيات , وكشفت الوقائع ودفعت لجهة إحداث مسوغ اتخاذ القرارات من قبل الرئيس مرسي , وهنا يمكن القول ( رُبَ ضارةٍ نافعة ) . إن في مآل تطور النتائج التي نجمت عن العملية ( بمعزل عمن يقف خلفها تخطيطاً وتمويلاً وأهدافاً , والقرائن تذهب هنا لجهة إدانة إسرائيل بذلك ) , إلا أن المحصلات النهائية , كانت لصالح التغيير وإعادة البناء في مصر . على أية حال , نجح الرئيس مرسي في تحدي استعادة سلطته وصلاحياته , لكي يصبح رئيساً فعلياً للدولة المصرية , إلا أن هذا النجاح , لا يغيب حقيقة أن هناك سلسلة من التحديات تقف في انتظاره . ورؤية أعماق المشهد السياسي الراهن بمصر , تؤكد أن تلك التحديات والتي تقف في مواجهة الرئيس المصري , هي من الأهمية , والجوهرية , والعمق , وكأنها جبال من الجليد العائم والتي لا يظهر منها إلا رؤوسها وتلك التحديات يمكن إجمالها بالشكل التالي : أولاً – التحدي الأمني , بما يعود بمصر دولة أمن وأمان , ويوفر حقوقاً وظروفاً تحقق التطلعات المشروعة والمحقة للمواطن المصري , خاصةً وأن مصر قد عانت الكثير على صعيد هذا التحدي بعد تنحي مبارك . ثانياً – التحدي الاقتصادي وهو يتعاظم بشدة بسبب ما نجم من صعوبات اقتصادية , واجتماعية بعد الثورة . ثالثاً – التحدي الإداري للدولة المصرية بسبب أن النظام الإداري المصري مسيطر عليه من رجالات , وأزلام , وشخصيات الدولة العميقة بكل ما يعنيه ذلك من سلبيات على إعادة صياغة مؤسسات الدولة المصرية . رابعاً – مشكلات التعليم , التشغيل , التنمية , والموارد , والعشوائيات والتي تعبر بشكل فاجع عن مظاهر الظلم الاجتماعي والذي وقع على الشعب المصري في ظل حكم مبارك . خامساً – مشكلات الثقافة , الإعلام , الإنتماء , والهوية لمكونات الشعب المصري . سادساً – تحديات من قبيل , مصر والعالم العربي , والعالم الإسلامي , ومصر وأفريقيا والعالم . سابعاً – مشكلات مصر والاتفاقيات الدولية , والإقليمية خاصة اتفاقيات كامب – ديفيد , هذه الاتفاقيات والتي تهدر المصالح الحيوية والاستراتيجية للشعب المصري , وربما حاجة الجيش المصري لدخول سيناء كما فعل مؤخراً دليل قاطع على هذا الموضوع . ثامناً – مشكلات القصور في الأمن القومي المصري .. ومشكلات الأمن القومي العربي والإقليمي , وفي المقدمة منها البعد الفلسطيني , وحالة الصراع مع إسرائيل . تاسعاً – مشكلات العمل العربي , والعمل الإسلامي , والعلاقات في حقول القوة , والأمن , والاقتصاد , بما فيها العلاقة الإيرانية المصرية . لا شك , أن القادم في مصر صعب , وشائك , وربما معقد جداً , وواقع التحديات , والمشكلات بحاجة لطاقات , وجهود جبارة للتصدي لها , وربما مصر تحتاج لمعجزة للعبور منها , في زمن تعطل فيه فعل المعجزات . صناعة وصياغة المستقبل السياسي لمصر يتطلب مواجهة التحديات والعبور منها إلى المكان الذي يحفظ لمصر مكانتها الاستراتيجية في موازين القوى على الأصعدة المختلفة . إن انطلاق قطار التغيير في مصر , ومن مصر يجعل منها بوابة التغيير في العالم العربي , في ظل عالم جديد يتشكل من نظام دولي متعدد الأقطاب يسعى لاقتسام المصالح ومناطق النفوذ فيه من جديد .