ارحل خلينا من الذل

حجم الخط
"ارحل خلينا من الذل... خلي شمس بلادي تطل" هو مقطع من اغنية " ارحل " الشهيرة لفرقة حق الغنائية النصرواية التي اتحفت الجمهور بمجموعة من اغانيها الحماسية خلال الامسية التي نظمتها مجموعة " ساند " الشبابية مساء الثلاثاء الماضي على مسرح قصر رام الله الثقافي وشملت ايضاً عروضاً لفرقتي تراب من رام الله ودار قنديل من طولكرم. ليس القصد الحديث عن ابداع الفرق الثلاثة وتفاعل الجهور معها والذي صفق وقوفاً وطرباً للعديد من الاغاني منها " بكرة اعلان الدولة" لفرقة تراب، و" امريكا " لفرقة دار قنديل واختتمت بنشيد موطني من فرقة حق، با لمقصود هو المضامين والرؤى التي حملتها هذه التجربة في تنظيم الحفل من مجموعة ساند والتي يمكن قراءة جوهرها من خلال بعض مقاطع كلمة افتتاح الامسية التي القاها الناشط الشبابي عباد يحي وقال فيها من ضمن ما قال " لأننا حين نغني لروابي الكرمل وصفد والجولان ... لسنا بحاجة لأية روابي ... أخرى لأننا حين نرهن أرواحنا لرمال حيفا وأسوار عكا .. لسنا مضطرين لرهن ذائقتنا وأحلامنا للبنوك وشركات التأمين والاتصالات لأننا حين نغني للقدس وحواريها نحتفي بالصمود والمقاومة .. فنرفض الاستسلام لغزو القنصليات والسفارات بالأموال والأفكار". ما قيل هنا يوضح هدف مجموعة " ساند " الشبابية والتي روجت للعرض تحت شعار ( ثقافة بلا تشويه ) وحمل ترويجها عبارة ( برعاية الشعب الفلسطيني )، اذن الفكرة هي انه يمكن للفلسطينيين ان ينظموا انشطتهم وخاصة الثقافية منها والفنية دون الحاجة لعون ورعاية الممولين سواء كانوا محليين ام اجانب. وهذه الفكرة هي مربط الفرس. فقد اعتدنا ان يكون لكل نشاط مهما كبر او صغر راع او ممول واحيانا رعاة وممولين، ولكل منهم اشتراطاته واجندته حتى خيل لنا ان كل البلد " مرعية " من المانحين والداعمين، فالمهرجانات والمؤتمرات الكبرى مرعية ومدعومة، وورشة عمل يحضرها ثلاثة مشاركين ايضا مرعية ومدعومة بل ومدفوعة المواصلات والاقامة والاكل والشرب والترجمة الى لغة الممول الذي لا يحضر عادة النشاط ولا ينيب عنه احد ولكن الترجمة الى لغته تكون شرطاً من شروط التمويل. وهذه الاموال التي تغدق على المرعيين ونشاطاتهم تستوجب من المرعي حساب كل فلس يدفعه او يمكن ان يدفعه بما في ذلك استئجار شباب وصبايا للترحيب بالمشاركين وتضيفهم وتسجيل معلوماتهم، ولم اندهش حين قال لي صديق انه في بعض المؤتمرات فان المرعي يستأجر حتى الحضور والمصفقين ويدفع لهم مقابل ذلك، اذ لم تعد وجبات الغذاء وما يسبقها ويليها من ضيافات مالحة وحامضة وحلوة تكفي وحدها لجلب " الزبائن " وذلك لكثرة المؤتمرات والورش ودورات التدريب، واصبح المتفرغون للمشاركة يبحثون عن المكان والاكل الاكثر فخامة لا عن المضمون المناسب. وفي ظل ثقافة الاسترزاق والانتفاع من اي نشاط، ما عاد لمفهوم العمل التطوعي او بذل اي جهد مجاني وجود، وانعدمت ثقافة التطوع لتحل محلها ثقافة الـ Rate اي كم ستدفع مقابل كل وحدة عمل ( يوم/ساعة/ حضور ورشة او مهرجان /حضور مع تصفيق/ حضور مع تصفيق وهتاف .. الخ ) ولإن كان للفكرة اساس يتعلق بالثقافة الرائجة فانها مرتبطة ايضا بحدث محدد اثار ضجة واستهجان شباب ساند وغيرهم، وملخص الموضوع ان ......................... هذا الحدث هو الذي ولّد الفكرة، والفكرة تحولت الى نشاط، والنشاط كان ملائما للفكرة، فتفاعل الجمهور مع فكرة النشاط قبل حتى ان يدخل القاعة، فبعض ممن حضروا النشاط لم يكن له مبتغى سوى دعم فكرة النشاط غير المدعوم، ومساندة شباب " ساند " وتوجههم الطليعي ، هذا التوجه الذي تحدث عنه .... الذي قدم فكرة العرض ودوافع مجموعة " ساند " ببساطة وسلاسة وسط تصفيق واعجاب الحاضرين الذين هتفوا من ضمن ما هتفوه " الشعب يريد اسقاط اوسلو " وذلك في محاولة للربط بان ثقافة الدعم والرعاية والانتفاع هي نتاج الثقافة الدخيلة على مجتمعنا وشبابنا والتي جلبها اتفاق اوسلو وما تلاه من ادوار تدميرية للمولين على ثقافة ومفاهيم وسلوكيات شعبنا. من هذا المنطلق فان دعم مجموعة " ساند " الشبابية واهدافها وما سعت لتحقيقة من احلال لثقافة تحررية على حساب ثقافة استعمارية هو اكثر من واجب ، وعلى "ساند" وداعمي فكرتها ان يواصلوا عملهم بهذا الاتجاه لتحويله الى سلوك دائم وثقافة رائجة ومنهج تفكير لكل من يريد ان ينظم نشاطاً، فالنشاط يجب ان يكون منبعه حاجة الناس لا رغبات الداعم واجندة الممول، ويجب ان يكون هدفه رفع المستوى الثقافي والتذوق للفن الوطني الملتزم او الحاجة المجتمعية لنقاش موضوع ما ، لا ان يكون هدفه صرف ما تبقى من موازنة المشروع الفلاني الذي ينتهي بانتهاء آخر فلس من ميزانيته المقررة او من "كور" الممولين . هذا هو بعض ما نحتاج اليه، فساند وضعت يدها على الجرح ونجحت، وعلينا جميعا مواصلة العمل بهذا الاتجاه ليصبح نهجاً، بل وعلينا ايضاً نبذ ومقاطعة كل نشاط وخاصة السياسي والثقافي طالما حمل عبارة بدعم او بتمويل او برعاية من اي صاحب مال، لأن المال مسيس، والداعم غالباً هدّام لا بنّاء.