انتخابات "الدوما" الروسية: بوتين "يزحف" للرئاسة!!

حجم الخط
في ظل نظام انتخابي ودستوري الأكثر فرادة في العالم الديمقراطي، يتحول شعار "التناوب" بين الأحزاب وفقاً لما تقرره صناديق الاقتراع، بحيث لا يظل حزب واحد حاكماً إلى ما لانهاية، وحيث يجهد كل حزب للحصول على الأغلبية في الانتخابات القادمة، في ظل هذا النظام فإن مفهوم التناوب يعني تبادل الأحزاب وفقاً لنتائج الانتخابات الحكم، أما في الاتحاد الروسي، فإن شعار "التناوب" بات يتخذ مفهوماً مختلفاً، إذ بات التناوب هذا يتم بين رئيس الحكومة ورئيس الدولة، في إطار الحزب الواحد، حزب "روسيا الموحدة"، بقيادة هذا الثنائي علماً أن رئيس الدولة السابق، واللاحق على الأغلب فلاديمير بوتين، لم يلتحق ويحصل على عضوية الحزب إلاّ قبل ثلاث سنوات (2008) حيث كما بات واضحاً تسلم من كان رئيساً للحكومة إثر انتخابات 2007، رئاسة الدولة، والآن يتناوب كلاهما على المنصبين بحيث يعود بوتين رئيساً للدولة بينما يعود ديمتري ميدفيديف إلى ما كان عليه قبل تلك الانتخابات أي رئيساً للحكومة. والعودة إلى هذا الموضوع، كانت لمناسبة الانتخابات التشريعية التي جرت قبل أيام في الاتحاد الروسي، وهي السادسة بعد الحقبة السوفياتية، فقد ظلت هذه الثنائية، رغم نتائج هذه الانتخابات هي العنوان الأساسي في الحياة السياسية الروسية، رغم ما أفرزته صناديق الاقتراع في تلك الانتخابات من مفاجآت كان أهمها تراجع شعبية هذا الثنائي، فبعد أن كان حزب "روسيا الموحدة" يحظى بأكثر من ثلثي مجلس الدوما (البرلمان) بـ 315 مقعداً، لم يحصل في هذه الانتخابات سوى على 238 مقعداً، هي كافية لتشكيل حكومة من دون الاستعانة بإسناد أحزاب أخرى، غير أنها غير كافية لإجراء تعديلات دستورية تحتاج إلى ثلثي أعضاء البرلمان، ويبدو أن هذا الثنائي، كان يقرأ المستقبل ويعلم أن الجمهور الروسي لن يمنحه الثقة المطلقة التي سمحت له باحتلال أغلبية مطلقة في مجلس الدوما السابق، فأجرى تعديلات دستورية جوهرية متسلحاً بهذه الأغلبية، فأقر تعديلاً للفترة الرئاسية من أربع سنوات إلى ست، وصلاحية مجلس الدوما من أربع سنوات إلى خمس، ما سيمد في عمر الرئاسة والمجلس القادمين، حتى من دون إجراء تعديلات دستورية جديدة، طالما أن حزب روسيا الموحدة لم يعد يملك ذلك من دون إسناد أحزاب أخرى. ورغم أن المواطن الروسي، وبالعودة إلى مختلف وسائل الإعلام الروسية، واستطلاعات الرأي، لم يلحظ أي فرق واضح بين رئاستي بوتين وميدفيديف، ما يحيل هذه المناوبة بينهما إلى الطابع الشكلي، وليس المهني، رغم ذلك، فإن هذه الثنائية التناوبية ظلت وستظل خلال المرحلة القادمة، هي طابع الحياة السياسية في الاتحاد الروسي، على الأقل في المستوى المنظور، مع أن دلالات نتائج انتخابات الدوما الأخيرة، ربما تجعل من هذا الأمر قيد التشكيك نسبياً، ذلك أن تراجع شعبية بوتين، وحزب روسيا الموحدة، سيؤثر مباشرة على رهانات بوتين في النجاح في انتخابات الرئاسة في آذار القادم، خاصة وأن تقارير محايدة من قبل فرق المراقبين الدوليين، شككت في نزاهة الانتخابات الأخيرة، مع أنها أشارت إلى أن ذلك لا يؤثر مباشرة على النتائج الكلية للعملية الانتخابية، الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من التدقيق والرقابة في الانتخابات الرئاسية القادمة. إلاّ أن هذا الثنائي، اكتسب ما تبقى من شعبيته، وهي واسعة على الرغم مما أصابها من تراجع، بسبب نهوض نسبي في الأوضاع الاقتصادية، ونجاحه في منع والتصدي لأي محاولات انفصال أو تمرد في مناطق الاتحاد الجنوبية والتي تشكل الخاصرة لروسيا، والأكثر هشاشة وضعفاً في بنيان الاتحاد، إضافة إلى تزايد قوة روسيا على المستوى الدولي والمنظمات الدولية، ولعلّ الموقف الروسي من الأزمة السورية، أحد أهم عناصر هذه القوة التي مارستها موسكو في الأشهر الأخيرة. تراجع ثقة الناخب الروسي بثنائي روسيا الموحدة، كان لحساب الحزب الشيوعي الروسي في الذكرى العشرين لانهيار الاتحاد السوفياتي، إذ نال هذا الحزب خُمس الأصوات وزادت مقاعده من 57 مقعداً في الانتخابات التشريعية السابقة عام 2007 إلى 92 مقعداً، وأهمية هذا الإنجاز تتجاوز عدد الأصوات والمقاعد، إذا عرفنا أن الناخبين الآن، وبعد عشرين عاماً من انهيار الاتحاد السوفياتي، هم من الشباب في معظمهم ممن لم يجبروا ـ كما كان في العهد السابق ـ على التصويت وفقاً لتعليمات الدولة والحزب، وسيكون بمقدور الحزب، في ظل نتائج الانتخابات التي جرت مؤخراً، أن يتزعم المعارضة، كونه ثاني حزب في الدوما، حسب عدد المقاعد النيابية. إلاّ أن الحزب الشيوعي، ورغم تزايد شعبيته، لن يتمكن من مجاراة بوتين في المنافسة على مقعد رئاسة الدولة في الانتخابات الرئاسية القادمة بعد أكثر من ثلاثة أشهر، ويتعلق الأمر بزعيم الحزب غينادي زوغانوف، الذي يعتبر الحرس القديم، من حيث عمره، وتوليه قيادة الحزب منذ عام 1993، بدون إجراء أي تغيير يذكر على قيادة الحزب الرئيسة، كما كان الأمر عليه في عهد الاتحاد السوفياتي، وكان الأجدر بهذا الحزب التخلي عن قيادته الهرمة لصالح جيل جديد من الشباب، حتى يتمكن من مجاراة قيادة حزب روسيا الموحدة، إذا أراد أن يستثمر شعبيته المتزايدة مقارنة مع تراجع شعبية الثنائي بوتين ـ ميدفيديف، للوصول إلى رئاسة الدولة، إلاّ أن الطبع غلب التطبع على ما يبدو هذه المرة، أيضاً!! معظم الأحزاب المنافسة في انتخابات الدوما السادسة في الاتحاد الروسي، زادت من شعبيتها نسبياً، فحزب "روسيا العادلة" رفع مقاعده من 38 إلى 64 مقعداً ويحسب الحزب على التيار اليساري ـ الليبرالي، ويؤخذ عليه موالاته لحزب روسيا الموحدة، حيث تشير بعض التحليلات إلى أنه سيدعم حزب بوتين، في حال رغبة روسيا الموحدة في إجراء تعديلات دستورية جديدة، كما أن احتمالات دخوله في ائتلاف مع روسيا الموحدة لو أنه لم يتمكن هذا الأخير من الحصول على الأغلبية الكافية لتشكيل الحكومة منفرداً، واردة والأغلب أنه لن يزاحم على رئاسة الدولة وسيدعم بوتين في انتخابات الرئاسة القادمة. إثر صدور نتائج انتخابات الدوما، وخروج تظاهرات حاشدة نسبياً تدين تزوير الانتخابات، خرج بوتين ليؤكد أن المسيرة القادمة ستشهد العديد من الإصلاحات بما فيها طرق الانتخاب ووسائل الرقابة، غير أن هذه المسيرة تتطلب أكثر من ذلك، وأهم ما في ذلك تحرير الاقتصاد الروسي من التبعية لصادرات النفط والخامات وعدم التقدم بشكل كاف في مجال التكنولوجيا المتقدمة، والإسهام في معالجة سلبيات تدهور الاقتصاد العالمي وتأثيراته على الاقتصاد الروسي، ولعل في إعادة روسيا إلى الملعب الدولي، كدولة مؤثرة في السياسة الدولية لا يتوقف عند الدور السلبي فحسب، إذ على الاتحاد أن يشكل سنداً لحركة الشعوب ضد القهر والظلم والاستبداد، وعدم الاكتفاء بـ "الفيتو" كي يشكل العمود الفقري لسياسة الاتحاد الروسي الدولية، وهذا يتطلب إعادة النظر بالسياسات العامة للدولة وفق منظور جديد، يأخذ بالاعتبار العلاقات الدولية المستجدة من ناحية، ومصالح الاتحاد الروسي على أسس توفر له مكانة في الملعب الدولي من ناحية ثانية!! www.hanihabib.net