نكبة تلد نكبات .. وثورة تلد ثورات

حجم الخط
لا اعتقد ان هناك نكبة حلت بأي شعب على مر التاريخ بمستوى وخطورة نكبة الشعب الفلسطيني ، وما من شك ان هناك شعوب كثيرة حلت بها نكبات جسام بفعل جحافل الاستعمار التي اجتاحت بلدانهم او بفعل المجازر التي ارتكبتها الانظمة الفاشية او النازية في حق بعض الشعوب ، بيد ان نكبة الشعب الفلسطيني منذ 68 عاما هي من الفرادة والاستثنائية ما يجعلها ام النكبات في هذا العالم ، فما هي خصائص النكبة الفلسطينية التي لم تزل تسم تداعياتها وسيرورتها عبر عمرها .. اولا : هي نكبة العصر عمل على التخطيط والتنفيذ لها الاستعمار الاوروبي والامريكي في سياق رؤية +سياسية استراتيجية استعمارية وليس دولة استعمارية بعينها ، واذا كان وعد بلفور نتاج الموقف والسياسة البريطانية فان الحقيقة ان هذا الوعد قد ساهم في تنفيذه العديد من الدول الغربية على مدارخمسين عاما منذ مؤتمر هرتزل في بال السويسرية الى يوم سقوط فلسطين عام 48 ، اي اننا امام مؤامرة دولية لحل ما سمي " المسألة اليهودية"وليس ادل على ذلك الا سرعة اعتراف الدول الاستمارية ومن في فلكها بالاعتراف بدولة " اسرائيل " حال الاعلان عنها ، هذا الاجماع الاستعماري لم يكن يوما حاضرا في اي نكبة تاريخيه الامر الذي يعمق ويطيل من عمر النكبة الى يومنا هذا ثانيا : ان نكبة الشب الفلسطيني لم تكن في صورة اجتياح او احتلال لقوات استعمارية ثم تأتي الظروف الذاتية والموضوعية لانسحابها كما هي عادة المستعمر ، انما تمثلت في اجتياح واحتلال من قبل دولة استعمارية " بريطانيا " لارض فلسطين ثم الانسحاب منها وتسليمها الى الحركة الصهيونية لتقيم عليها دولتها العنصرية ، أي ان فلسطين سلمت من قبل الاستعمار الى حركة تحت ادعاءات انها ارض يهودية ووعد الهي ، وهنا بدا الامر وكأن المسألة ليست مسألة استعمار وأنما هو صراع داخلي على الارض بين من " يملك الحق الالهي "ومن يقيم على الارض، وبذلك فقد تنصل الاستعمار من المسؤولية واحالها على دولة طارئة لم يزل يدعمها بكل ما يملك من السلاح والعتاد والدعم السياسي والدبلوماسي وفي المحافل الدولية، وهنا الفرق بين نكبتنا ونكبات الاخرين ، حيث ان نكبتنا تمثلت باعلى درجات الخبث الاستعماري ثالثا :ان الامر لم يتوقف علي الاجتياح والاحتلال انما تعداه الى تهجير اغلبية الشعب الفلسطيني خارج ارضه ووطنه ضمن مخطط مسبق ومبرمج في اطارالاهداف المرسومة استراتيجيا ، وهنا ايضا تتجلى النكبة الفلسطينية في البعد التهجيري والاقتلاعي للشعب الفلسطيني ، وهو بعدعمق النكبة واعطاها صفة الفرادة عن كل النكبات العالميه " اذا ما تجاوزنا نكبة الهنود الحمر الذين تم قتلهم وليس اقتلاعهم على يد القراصنة الاوروبيين" ومن المفارقات التاريخيه ان العالم بكل دوله شاهد على جريمة التهجير المتواصلة ، وشاهد حتى اللحظة على 58 مخيم للفلسطينيين منتشرة فى الدول العربيه وهي قائمة منذ 65عاما ترعى اغلبها الامم المتحدة ممثلة الانروا .. ومن المفارقات ايضا ان الامم المتحده ومجلس الامن تدعوان الى عودة اللاجئين وفق قرار 194 ولكنهما عاجزتان عن تنفيذ هذا الحق بسبب وقوف نفس الدول الغربية التي انشأت اسرائيل الى جانب الدولة العبرية ، اي اننا امام تهجيرمنظم ومستدام ومبارك وبرعاية من الغرب. رابعأ:ان النكبة الفلسطينية متواصلة ومتعددة الفصول والمراحل ،وهي ليست حدث تاريخي مر وانتهى ، انما هي نكبة مستمرة في سيرورتها وتداعياتها دون توقف ، فما زال الاحتلال الاستيطاني يعمق النكبة كل يوم وفق مراحل وفصول ورؤى صهيونية واضحة الخطوط والمعالم ، فالاحتلال الصهيوني لم يقف عند احتلال 78بالمائه من فلسطين انما اخذ يتمدد بالاحتلال عبر وسائل مختلفة ومن ضمنها حرب 67 والاستيلاء عى الضفة وغزة فامتدت النكبة الى النكسة، ثم اقامة المستعمرات في كل قرية ومدينة ضمن رؤية امنية استراتيجية ورؤية ديمغرافية بعيدة المدى والاهداف وبما يقطع الطريق على اي منحى فعلي وحقيقي لظهور اي كيان فلسطيني يمثل تهديدا لمستقبل اسرائيل، وهنا ايضا تنفرد نكبتا في استمراريتهاعلى كل النكبات الانسانية والوطنية. خامسا : اذا كانت النكبة الفلسطينية قد تجسدت في ضياع فلسطين وممارسات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني على طول زمن النكبة فان النكبة جسدتها الانظمة العربية بشكل مأساوي ايضا ، وهنا لا يجانبنا الصواب ان قلنا ان الانظمة العربية قد عمقت النكبة وساهمت بخذالانها وتواطئها وعجزها في استطالة امد النكبة ،واذا كان صحيحا ان البلدان العربية قد استضافت اللاجئين الفلسطينيين فالصحيح ايضا انها امعنت ظلمهم وقهرهم ومطاردتهم عبر عقود واستمرأت وضعهم التراجيدي دون توقف ، واذا ذهبنا بعيدا الى تلك المجازر التي ارتكبتها الانظمة العربية في بلدانها بحق الفلسطينيين وشن الحروب عليهم ومحاصرتهم ومحاربتهم في ابسط الحقوق الانسانية لادركنا كم تبلغ نكبتنا من الفرادة في عالم اليوم ، انها نكبة الارض ونكبة القتل والمجازر ونكبة التهجير والمطاردة ونكبة ظلم الاخ وابناء العروبة ، نكبة لا تتسع لها الارض ولا السماء. سادسا : ثمة خصائص اخرى اتسمت بها نكبتنا ، هي من افعالنا ومن ايادينا تجلت بالهبوط السياسي في اهداف نضالنا وكفاحنا الطويل ، ان تكسير الحلم وتحطيم الوعي واختزال الحقوق والمساومة عليها مثلت جزءا هاما من معاناة الشعب الفلسطيني على مدار اكثر من عقدين من الزمن منذ ان اخذت مسارات التسوية تشق طريقها في التفكير الفلسطيني ، ان اوسلو وما مثلت من اعتراف واضح وصريح بالكيان الاسرائيلي دون ادنى مقابل " الا اذا كان البعض يعتبر السلطة الفلسطينية تمثل مقابل " وما تلاها من اتفاقيات وترتيبات امنية واقتصادية قدعمقت الشعور بوطأة النكبة اكثر من اي وقت مضى ، فالمعاناة لم تكن محصورة في الجانب المادي والحياتي والاقتلاع من الارض انما المعاناة كانت تتجسد كل يوم من اقتلاع الحلم وتزييف الوعي وتحطيم الاهداف التاريخية والنكوص بوعد الاف الشهداء والاف الاسرى وادارة الظهر لمعاناة الملايين في الشتات وفي المخيمات ، هذا واقع فلسطيني يجب ان نعيه وندرك ابعاده وتجلياته في الوعي الفلسطيني وفي تماسك الهوية الفلسطينية. سابعا : وكأن كل اسباب النكبة التي يمثلها الاحتلال الاسرائيلي لا تكفي ، ليأتي الانقسام الفلسطيني تتويجا لكل مفردات خصائص النكبة المركبة. والمتداعية كما ونوعا ، لم يكن الانقسام الفلسطيني ضرورة سياسية او وطنيةاوكفاحية، انما هي نزق سياسي وفئوي ومصلحي تؤيده وتباركه كل قوى الاعداء والخصوم وتعمل على ادامته وتعميقه لضرب وحدة الشعب والهويه ووحدة الارض وتلك محطة اخرى من محطات النكبة الى تتوالد مع كل مرحلة من مراحل نضالنا ، وعليه فالانقسام يمثل انحرافا وطنيا وسياسيا يديم معاناة الشعب الفلسطيني. ثامنا : ولا زلنا امام فصل او مرحلة اخرى من فصول النكبة التي تتواصل تتداعياتهاوالتي تتمثل في طرح ومطلب الاسرائيلي " بيهودية الدولة " اي ان يصبح الكيان الاسرائيلي المعترف به فلسطينيا " بدولة اسرائيل " كيانا اخر اسمه الدوله اليهودية، وهنا تتجلى مراحل نكبة الاندلس من شرط الى شرط ومن وعد الى وعد والى الرحيل الابدي ، اي اننا امام خيار تاريخي جديد يتمثل في اعترافنا ان فلسطين هي دولة اليهود الموعودة، وبذلك لا يوجد ما يمنع من ترحيل الفلسطينيين في 48 الى اي مكان سواء على كانتونات الضفة او خارج الضفة او الى الارض التى ستعطى للسلطة في اي صفقة تبادل للاراضي ، في كل الاحوال يصبح التهجير لاهلنا في 48خيارا اسرائيليا تنفذه في الوقت المناسب وفق الاجندة الاسترتيجية وهنا تبلغ نكبتنا الذروه في تراتيجيديتها المأساويه اذا ما اقدمت القيادة الفلسطينية على الاعتراف " بدولة يهودية " وتتجلى بذلك النكبة في ابشع صورها السياسية. تاسعا :قد يقول قائل ان التوصيف لنكبتنا قد ركز على الجانب السلبي من الصورة او المشهد ، غير ان الواقع لا يجوز تزييفه ولا يجوز تخطيه باللامبالاة او التجاهل ، فثمة شرط للنهوض وتجاوز النكبة وشروطها التاريخية والواقعية وهو ان تتقن قراءة الواقع وتدرك احداثية المربع الذي نقف عليه وتجترح الشروط الجديد للنهوض وتجاوز كل اسباب تواصل النكبة ، فالعقل الاستراتيجي هو الذي يقرأ ويحلل ويستنبط وليس العقل السائد الذي يتلقى ولاينتج ..ان نكبتنا من الاتساع والعمق وتعدد مسببيها موضوعيا وذاتيا ما يفرض ويستوجب علينا نضالا ضاريا دؤوبا ومتواصلا وهو نضالا ايضا من الاتساع وتعدد الوسائل والاشكال والامساك بناصية الحق التاريخي وعدم التفريط واجادة فن السياسة واتقان العنف الثوري في المكان والزمان المناسبين ما يجعل شعبنا اقرب الى تحقيق اهدافه ويوقف هذا التوالد لنكبات جديدة، ثمة قوة كامنة في شعبنا يمكن لنا ان نكتشفها ، وهي القدره على تحدي الواقع وتحدي زمن النكبة ولو كان ليلها طويلا. ولتكن الثورة مستمرة ومن رحمها تتوالد ثورات وراء ثورات كي نوقف زمن النكبة. * عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين